كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (اسم الجزء: 2)

الِاحْتِجَامُ غَيْرُ مُنَافٍ أَيْضًا، وَلِمَا رَوَيْنَا مِنْ الْحَدِيثِ، وَهُوَ مَكْرُوهٌ لِلصَّائِمِ إذَا كَانَ يُضْعِفُهُ عَنْ الصَّوْمِ أَمَّا إذَا كَانَ لَا يَخَافُهُ فَلَا بَأْسَ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَكَذَا الِاكْتِحَالُ، وَأَطْلَقَهُ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَجِدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ أَوْ لَا وَكَذَا لَوْ بَزَقَ فَوَجَدَ لَوْنَهُ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الْمَوْجُودَ فِي حَلْقِهِ أَثَرُهُ لَا عَيْنُهُ كَمَا لَوْ ذَاقَ شَيْئًا، وَكَذَا لَوْ صُبَّ فِي عَيْنِهِ لَبَنٌ أَوْ دَوَاءٌ مَعَ الدُّهْنِ فَوَجَدَ طَعْمَهُ، أَوْ مَرَارَتَهُ فِي حَلْقِهِ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ كَهَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ: وَلَوْ مَصَّ الْهِلَيلَجَ وَجَعَلَ يَمْضُغُهَا فَدَخَلَ الْبُزَاقُ حَلْقَهُ، وَلَا يَدْخُلُ عَيْنُهَا فِي جَوْفِهِ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ فَإِنْ فَعَلَ هَذَا بِالْفَانِيدِ أَوْ السُّكْرِ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ، وَفِي مَآلِ الْفَتَاوَى لَوْ أَفْطَرَ عَلَى الْحَلَاوَةِ فَوَجَدَ طَعْمَهَا فِي فَمِهِ فِي الصَّلَاةِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَأَمَّا الْقُبْلَةُ فَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا
(قَوْلُهُ أَوْ دَخَلَ حَلْقَهُ غُبَارٌ أَوْ ذُبَابٌ، وَهُوَ ذَاكِرٌ لِصَوْمِهِ) يَعْنِي لَا يُفْطِرُ؛ لِأَنَّ الذُّبَابَ لَا يُسْتَطَاعُ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ فَشَابَهُ الدُّخَانُ وَالْغُبَارُ لِدُخُولِهِمَا مِنْ الْأَنْفِ إذَا طَبَّقَ الْفَمَ قُيِّدَ بِمَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَصَلَ لِحَلْقِهِ دُمُوعُهُ أَوْ عَرَقُهُ أَوْ دَمُ رُعَافِهِ أَوْ مَطَرٌ أَوْ ثَلْجٌ فَسَدَ صَوْمُهُ لِتَيَسُّرِ طَبْقِ الْفَمِ وَفَتْحِهِ أَحْيَانَا مَعَ الِاحْتِرَازِ عَنْ الدُّخُولِ، وَإِنْ ابْتَلَعَهُ مُتَعَمِّدًا أَلْزَمَتْهُ الْكَفَّارَةُ، وَاعْتِبَارُ الْوُصُولِ إلَى الْحَلْقِ فِي الدَّمْعِ وَنَحْوِهِ مَذْكُورٌ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ، وَهُوَ أَوْلَى مِمَّا فِي الْخِزَانَةِ مِنْ تَقْيِيدِ الْفَسَادِ بِوِجْدَانِ الْمُلُوحَةِ فِي الْأَكْثَرِ مِنْ قَطْرَتَيْنِ وَنَفْيِ الْفَسَادِ فِي الْقَطْرَةِ وَالْقَطْرَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْقَطْرَةَ يَجِدُ مُلُوحَتَهَا فَلَا مُعَوَّلَ عَلَيْهِ، وَالتَّعْلِيلُ فِي الْمَطَرِ بِمَا ذَكَرْنَا أَوْلَى مِمَّا فِي الْهِدَايَةِ وَالتَّبْيِينِ مِنْ التَّعْلِيلِ بِإِمْكَانِ أَنْ تَأْوِيَهُ خَيْمَةٌ أَوْ سَقْفٌ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُسَافِرَ الَّذِي لَا يَجِدُ مَا يَأْوِيهِ لَيْسَ حُكْمُهُ كَغَيْرِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ: وَإِذَا نَزَّلَ الدُّمُوعَ مِنْ عَيْنَيْهِ إلَى فَمِهِ فَابْتَلَعَهَا يَجِبُ الْقَضَاءُ بِلَا كَفَّارَةٍ
وَفِي مُتَفَرِّقَاتِ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ إنْ تَلَذَّذَ بِابْتِلَاعِ الدُّمُوعِ يَجِبُ الْقَضَاءُ مَعَ الْكَفَّارَةِ، وَغُبَارُ الطَّاحُونَةِ كَالدُّخَانِ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: الدَّمُ إذَا خَرَجَ مِنْ الْأَسْنَانِ وَدَخَلَ الْحَلْقَ إنْ كَانَتْ الْغَلَبَةُ لِلْبُزَاقِ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ، وَإِنْ كَانَتْ لِلدَّمِ فَسَدَ، وَكَذَا إنْ اسْتَوَيَا احْتِيَاطًا ثُمَّ قَالَ الصَّائِمُ إذَا دَخَلَ الْمُخَاطُ أَنْفَهٌ مِنْ رَأْسِهِ ثُمَّ اسْتَشَمَّهُ وَدَخَلَ حَلْقَهُ عَلَى تَعَمُّدٍ مِنْهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ رِيقِهِ إلَّا أَنْ يَجْعَلَهُ عَلَى كَفِّهِ ثُمَّ يَبْتَلِعَهُ فَيَكُونَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَكَذَا الْمُخَاطُ وَالْبُزَاقُ يَخْرُجُ مِنْ فِيهِ أَوْ أَنْفِهِ فَاسْتَشَمَّهُ وَاسْتَنْشَقَهُ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَوْ ابْتَلَعَ رِيقَ غَيْرِهِ أَفْطَرَ، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَلَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ فَسَيَأْتِي فِي آخِرِ الْكِتَابِ فِي مَسَائِلَ شَتَّى أَنَّهُ لَوْ ابْتَلَعَ بُزَاقَ غَيْرِهِ كَفَّرَ لَوْ صَدِيقَهُ وَإِلَّا لَا أَقَرَّهُ عَلَيْهِ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ
(قَوْلُهُ أَوْ أَكَلَ مَا بَيْنَ أَسْنَانِهِ) أَيْ لَا يُفْطِرُ؛ لِأَنَّهُ قَلِيلٌ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فَجُعِلَ بِمَنْزِلَةِ الرِّيقِ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ الْمُصَنِّفُ بِالْقِلَّةِ مَعَ أَنَّ الْكَثِيرَ مُفْسِدٌ مُوجِبٌ لِلْقَضَاءِ دُونَ الْكَفَّارَةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِزُفَرَ لِمَا أَنَّ الْكَثِيرَ لَا يَبْقَى بَيْنَ الْأَسْنَانِ، وَهُوَ مِقْدَارُ الْحِمَّصَةِ عَلَى رَأْيِ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ أَوْ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَبْتَلِعَهُ مِنْ غَيْرِ رِيقٍ عَلَى مَا اخْتَارَهُ الدَّبُوسِيُّ وَاسْتَحْسَنَهُ ابْنُ الْهُمَامِ وَمَا دُونَهُ قَلِيلٌ، وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا ابْتَلَعَهُ أَوْ مَضَغَهُ، وَسَوَاءٌ قَصَدَ ابْتِلَاعَهُ أَوْ لَا كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَقُيِّدَ بِأَكْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَخْرَجَهُ ثُمَّ ابْتَلَعَهُ فَسَدَ صَوْمُهُ كَمَا لَوْ ابْتَلَعَ سِمْسِمَةً أَوْ حَبَّةَ حِنْطَةٍ مِنْ خَارِجٍ لَكِنْ تَكَلَّمُوا فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ وَالْمُخْتَارُ الْوُجُوبُ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ بِخِلَافِ مَا لَوْ مَضَغَهَا حَيْثُ لَا يَفْسُدُ؛ لِأَنَّهَا تَتَلَاشَى إلَّا إذَا كَانَ قَدْرَ الْحِمَّصَةِ فَإِنَّ صَوْمَهُ يَفْسُدُ، وَفِي الْكَافِي فِي السِّمْسِمَةِ قَالَ إنْ مَضَغَهَا لَا يَفْسُدُ إلَّا إنْ وَجَدَ طَعْمَهَا فِي حَلْقِهِ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَهَذَا حَسَنٌ جِدًّا فَلْيَكُنْ الْأَصْلُ فِي كُلِّ قَلِيلٍ مَضْغَهُ
وَصَرَّحَ فِي الْمُحِيطِ بِمَا فِي الْكَافِي، وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ: رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ خَرَجَ عَلَى أَصْحَابِهِ يَوْمًا وَسَأَلَهُمْ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ: مَاذَا تَقُولُونَ فِي صَائِمِ رَمَضَانَ إذَا ابْتَلَعَ سِمْسِمَةً وَاحِدَةً كَمَا هِيَ أَيُفْطِرُ قَالُوا: لَا، قَالَ: أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَكَلَ كَفًّا مِنْ سِمْسِمٍ وَاحِدَةٍ بَعْدَ وَاحِدَةٍ وَابْتَلَعَ كَمَا هِيَ قَالُوا:
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْقَطْرَةَ يَجِدُ مُلُوحَتَهَا) كَذَا فِي الْفَتْحِ ثُمَّ قَالَ: فَالْأَوْلَى عِنْدِي الِاعْتِبَارُ بِوُجُودِ أَنَّ الْمُلُوحَةَ لِصَحِيحِ الْحِسِّ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ فِي أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَمَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: لَوْ دَخَلَ دَمْعُهُ أَوْ عَرَقُ جَبِينِهِ أَوْ دَمُ رُعَافِهِ حَلْقَهُ فَسَدَ صَوْمُهُ يُوَافِقُ مَا ذَكَرْنَاهُ فَإِنَّهُ عَلَّقَ بِوُصُولِهِ إلَى الْحَلْقِ وَمُجَرَّدُ وِجْدَانِ الْمُلُوحَةِ دَلِيلٌ ذَلِكَ اهـ.
قَالَ فِي النَّهْرِ وَأَقُولُ: فِي الْخُلَاصَةِ فِي الْقَطْرَةِ وَالْقَطْرَتَيْنِ لَا فِطْرَ أَمَّا فِي الْأَكْثَرِ فَإِنْ وَجَدَ الْمُلُوحَةَ فِي جَمِيعِ الْفَمِ وَاجْتَمَعَ شَيْءٌ كَثِيرٌ وَابْتَلَعَهُ أَفْطَرَ وَإِلَّا فَلَا، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي تَعْلِيقِ الْحُكْمِ عَلَى وِجْدَانِ الْمُلُوحَةِ فِي جَمِيعِ الْفَمِ؛ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الْقَطْرَةَ وَالْقَطْرَتَيْنِ لَيْسَا كَذَلِكَ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ فَتَدَبَّرْ اهـ.
وَفِي الْإِمْدَادِ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ الْقَطْرَةُ لِقِلَّتِهَا لَا يَجِدُ طَعْمَهَا فِي الْحَلْقِ لِتَلَاشِيهَا قَبْلَ الْوُصُولِ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: لِمَا أَنَّ الْكَثِيرَ لَا يَبْقَى) قَالَ فِي النَّهْرِ: مَمْنُوعٌ إذْ قَدَّرَ الْمُفْطِرُ مِمَّا يَبْقَى، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الشَّارِحُ الْمُرَادُ بِمَا بَيْنَ الْأَسْنَانِ الْقَلِيلُ اهـ. فَلْيُتَأَمَّلْ.

الصفحة 294