كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (اسم الجزء: 2)

تَامٍّ قَطْعًا حَتَّى لَوْ صَامَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ، وَنَوَى قَبْلَ الزَّوَالِ ثُمَّ أَفْطَرَ لَا يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا؛ لِأَنَّ فِي هَذَا الصَّوْمِ شُبْهَةً، وَعَلَى قِيَاسِ هَذَا لَوْ صَامَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ ثُمَّ أَفْطَرَ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَلْزَمَهُ الْكَفَّارَةُ لِمَكَانِ الشُّبْهَةِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَوْ أُخْبِرَ بِأَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ فَأَكَلَ ثُمَّ ظَهَرَ خِلَافُهُ لَا كَفَّارَةَ مُطْلَقًا، وَبِهِ أَخَذَ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ، وَلَوْ أُخْبِرَ بِطُلُوعِهِ فَقَالَ: إذَا لَمْ أَكُنْ صَائِمًا آكُلُ حَتَّى أَشْبَعَ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ أَكْلَهُ الْأَوَّلَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَأَكْلَهُ الْآخَرَ بَعْدَ الطُّلُوعِ فَإِنْ كَانَ الْمُخْبِرُ جَمَاعَةً وَصَدَّقَهُمْ لَا كَفَّارَةَ
وَإِنْ كَانَ الْمُخْبِرُ وَاحِدًا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ عَدْلًا كَانَ أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْفَرْدِ فِي مِثْلِ هَذَا لَا تُقْبَلُ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَإِذَا أَفْطَرَتْ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ يَوْمُ حَيْضِهَا فَلَمْ تَحِضْ الْأَظْهَرُ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ كَمَا لَوْ أَفْطَرَ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ يَوْمُ مَرَضِهِ أَوْ أَفْطَرَ بَعْدَ إكْرَاهِهِ عَلَى السَّفَرِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ ثُمَّ عُفِيَ عَنْهُ أَوْ شَرِبَ بَعْدَ مَا قُدِّمَ لِيَقْتُلَ ثُمَّ عُفِيَ عَنْهُ، وَلَمْ يَقْتُلْ وَمِمَّا يُسْقِطُهَا حَيْضُهَا أَوْ نِفَاسُهَا بَعْدَ إفْطَارِهَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَكَذَا مَرَضُهَا وَكَذَا مَرَضُهُ بَعْدَ إفْطَارِهِ عَمْدًا بِخِلَافِ مَا إذَا جَرَحَ نَفْسَهُ بَعْدَ إفْطَارِهِ عَمْدًا فَإِنَّهَا لَا تَسْقُطُ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا لَوْ سَافَرَ بَعْدَ إفْطَارِهِ عَمْدًا كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَصْبَحَ مُقِيمًا صَائِمًا ثُمَّ سَافَرَ فَأَفْطَرَ فَإِنَّهَا تَسْقُطُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّهُ إذَا صَارَ فِي آخِرِ النَّهَارِ عَلَى صِفَةٍ لَوْ كَانَ عَلَيْهَا فِي أَوَّلِ الْيَوْمِ يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ تَسْقُطُ عَنْهُ الْكَفَّارَةُ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ، وَلَوْ جَامَعَ مِرَارًا فِي أَيَّامِ رَمَضَانَ وَاحِدٌ، وَلَمْ يُكَفِّرْ كَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِلزَّجْرِ، وَهُوَ يَحْصُلُ بِوَاحِدَةٍ فَلَوْ جَامَعَ وَكَفَّرَ ثُمَّ جَامَعَ مَرَّةً أُخْرَى فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ أُخْرَى فِي ظَاهِرِ الرَّاوِيَةِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ الزَّجْرَ لَمْ يَحْصُلْ بِالْأَوَّلِ
وَلَوْ جَامَعَ فِي رَمَضَانَيْنِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ، وَإِنْ لَمْ يُكَفِّرْ لِلْأُولَى فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: عَلَيْهِ وَاحِدَةٌ قَالَ فِي الْأَسْرَارِ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ، وَكَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَلَوْ أَفْطَرَ فِي يَوْمٍ فَأَعْتَقَ ثُمَّ فِي آخَرَ فَأَعْتَقَ ثُمَّ كَذَلِكَ ثُمَّ اسْتَحَقَّتْ الرَّقَبَةُ الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُتَأَخِّرَ يُجْزِئُهُ وَلَوْ اسْتَحَقَّتْ الثَّالِثَةُ فَعَلَيْهِ إعْتَاقُ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ لَا يُجْزِئُ عَمَّا تَأَخَّرَ، وَلَوْ اسْتَحَقَّتْ الثَّانِيَةُ أَيْضًا فَعَلَيْهِ وَاحِدَةٌ لِلثَّانِي وَالثَّالِثِ، وَكَذَا لَوْ اسْتَحَقَّتْ الْأُولَى تَنْزِيلًا لِلْمُسْتَحِقِّ مَنْزِلَةَ الْمَعْدُومِ، وَلَوْ اسْتَحَقَّتْ الْأُولَى وَالثَّالِثَةُ دُونَ الثَّانِيَةِ أَعْتَقَ وَاحِدَةً لِلثَّالِثِ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ كَفَتْ عَنْ الْأُولَى
وَالْأَصْلُ أَنَّ الثَّانِيَ يُجْزِئُ عَمَّا قَبْلَهُ لَا عَمَّا بَعْدَهُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْبَدَائِعِ وَأَفَادَ بِالتَّشْبِيهِ أَنَّ هَذِهِ الْكَفَّارَةَ مُرَتَّبَةٌ فَالْوَاجِبُ الْعِتْقُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَعَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا لِحَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ الْمَرْوِيِّ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ فَلَوْ أَفْطَرَ يَوْمًا فِي خِلَالِ الْمُدَّةِ بَطَلَ مَا قَبْلَهُ وَلَزِمَهُ الِاسْتِقْبَالُ سَوَاءٌ أَفْطَرَ لِعُذْرٍ أَوْ لَا وَكَذَا فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَالظِّهَارِ لِلنَّصِّ عَلَى التَّتَابُعِ إلَّا لِعُذْرِ الْحَيْضِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَجِدُ شَهْرَيْنِ عَادَةً لَا تَحِيضُ فِيهِمَا لَكِنَّهَا إذَا تَطَهَّرَتْ تُصَلِّي بِمَا مَضَى فَإِنْ لَمْ تُصَلِّ اسْتَقْبَلَتْ كَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَكَذَا صَوْمُ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ مُتَتَابِعٌ فَهِيَ أَرْبَعَةٌ بِخِلَافِ قَضَاءِ رَمَضَانَ وَصَوْمِ الْمُتْعَةِ وَكَفَّارَةِ الْحَلْقِ وَكَفَّارَةِ جَزَاءِ الصَّيْدِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُتَتَابِعٍ، وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ كَفَّارَةٍ شُرِعَ فِيهَا عِتْقٌ فَإِنَّ صَوْمَهُ مُتَتَابِعٌ، وَمَا لَمْ يُشْرَعْ فِيهَا عِتْقٌ فَهُوَ مُخَيَّرٌ كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَإِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمَيْنِ مِنْ رَمَضَانَ وَاحِدٍ يَنْوِي أَوَّلَ يَوْمٍ وَجَبَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ جَازَ، وَإِنْ كَانَا مِنْ رَمَضَانَيْنِ يَنْوِي قَضَاءَ رَمَضَانَ الْأَوَّلِ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ ذَلِكَ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ
وَالصَّحِيحُ الْإِجْزَاءُ، وَلَوْ صَامَ الْفَقِيرُ إحْدَى وَسِتِّينَ لِلْكَفَّارَةِ، وَلَمْ يُعَيِّنْ الْيَوْمَ لِلْقَضَاءِ جَازَ ذَلِكَ كَذَا ذَكَرَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَصَارَ كَأَنَّهُ نَوَى الْقَضَاءَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَسِتِّينَ يَوْمًا عَنْ الْكَفَّارَةِ كَذَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَعَلَّلَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ الْآتِي فِي آخِرِ فَصْلِ الْعَوَارِضِ (قَوْلُهُ: عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) ؛ لِأَنَّهُ بِنِيَّةِ النَّهَارِ لَا يَكُونُ صَائِمًا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَبِهَذِهِ الشُّبْهَةِ النَّاشِئَةِ مِنْ الدَّلِيلِ انْدَرَأَتْ الْكَفَّارَةُ اهـ.
(قَوْلُهُ: خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ جَائِزٌ فَيَكُونُ جَانِيًا عَلَى صَوْمٍ صَحِيحٍ اهـ.
ابْنُ مَلَكٍ (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ أَفْطَرَ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ يَوْمُ مَرَضِهِ) جَعَلَهُ مُشَبَّهًا بِهِ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِجْمَاعِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْحَيْضِ فَإِنَّ فِيهَا اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ، وَالصَّحِيحُ الْوُجُوبُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة قُلْت: لَكِنْ صَحَّحَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ سُقُوطَ الْكَفَّارَةِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَشَبَّهَهُمَا بِمَنْ أَفْطَرَ، وَأَكْبَرُ ظَنِّهِ أَنَّ الشَّمْسَ غَرَبَتْ ثُمَّ ظَهَرَ عَدَمُهُ (قَوْلُهُ: وَمِمَّا يُسْقِطُهَا حَيْضُهَا أَوْ نِفَاسُهَا بَعْدَ إفْطَارِهَا) فِي التَّتَارْخَانِيَّة إذَا جَامَعَ امْرَأَتَهُ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ ثُمَّ حَاضَتْ امْرَأَتُهُ أَوْ مَرِضَتْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ سَقَطَ عَنْهُ الْكَفَّارَةُ عِنْدَنَا اهـ.
وَهَكَذَا رَأَيْته فِي نُسْخَةٍ أُخْرَى وَلَعَلَّ الصَّوَابَ سَقَطَ عَنْهَا بِضَمِيرِ الْمَرْأَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَأَفَادَ بِالتَّشْبِيهِ إلَخْ) أَقُولُ: هَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ مِثْلَهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَإِنَّ الْمَسِيسَ فِي أَثْنَائِهَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ مُطْلَقًا عَمْدًا أَوْ نِسْيَانًا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا لِلْآيَةِ بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الصَّوْمِ وَالْقَتْلِ فَإِنَّهُ لَا يَقْطَعُهُ فِيهِمَا إلَّا الْفِطْرُ بِعُذْرٍ أَوْ بِغَيْرِ عُذْرٍ فَتَأَمَّلْ فَقَدْ زَلَّتْ بَعْضُ الْأَقْدَامِ فِي هَذَا الْمَقَامِ رَمْلِيٌّ

الصفحة 298