كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (اسم الجزء: 2)

لُغَةً وَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ وَالْمُرْضِعُ بِمَعْنَى أَوْ؛ لِأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ ثَابِتٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالْحَامِلُ هِيَ الَّتِي فِي بَطْنِهَا وَلَدٌ وَالْمُرْضِعُ هِيَ الَّتِي لَهَا اللَّبَنُ وَلَا يَجُوزُ إدْخَالُ التَّاءِ فِي أَحَدِهِمَا كَمَا فِي حَائِضٍ وَطَالِقٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الصِّفَاتِ الثَّابِتَةِ لَا الْحَادِثَةِ إلَّا إذَا أُرِيدَ الْحُدُوثُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ إدْخَالُ التَّاءِ بِأَنْ يُقَالَ حَائِضَةٌ الْآنَ وَغَدًا كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِأَنَّ الْحَامِلَ وَالْمُرْضِعَ إذَا مَاتَا قَبْلَ أَنْ يَزُولَ خَوْفُهُمَا عَلَى الْوَلَدِ أَوْ عَلَى أَنْفُسِهِمَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا الْقَضَاءُ كَالْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ لَكِنْ صَرَّحَ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّ لِلْقَضَاءِ شَرَائِطُ مِنْهَا الْقُدْرَةُ عَلَى الْقَضَاءِ وَهُوَ بِعُمُومِهِ يَتَنَاوَلُ الْحَامِلَ وَالْمُرْضِعَ فَعَلَى هَذَا إذَا زَالَ الْخَوْفُ أَيَّامًا لَزِمَهُمَا بِقَدْرِهِ بَلْ وَلَا خُصُوصِيَّةَ فَإِنَّ كُلَّ مَنْ أَفْطَرَ لِعُذْرٍ وَمَاتَ قَبْلَ زَوَالِهِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فَيَدْخُلُ الْمُكْرَهُ وَالْأَقْسَامُ الثَّمَانِيَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ.

. (قَوْلُهُ وَلِلشَّيْخِ الْفَانِي وَهِيَ يَفْدِي فَقَطْ) أَيْ لَهُ الْفِطْرُ وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ وَلَيْسَتْ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ وَالْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ لِعَدَمِ وُرُودِ نَصٍّ فِيهِمْ وَوُرُودِهِ فِي الشَّيْخِ الْفَانِي وَهُوَ الَّذِي كُلَّ يَوْمٍ فِي نَقْصٍ إلَى أَنْ يَمُوتَ وَسُمِّيَ بِهِ إمَّا؛ لِأَنَّهُ قَرُبَ مِنْ الْفَنَاءِ أَوْ؛ لِأَنَّهُ فَنِيَتْ قُوَّتُهُ وَإِنَّمَا لَزِمَتْهُ بِاعْتِبَارِ شُهُودِهِ لِلشَّهْرِ حَتَّى لَوْ تَحَمَّلَ الْمَشَقَّةَ وَصَامَ كَانَ مُؤَدِّيًا وَإِنَّمَا أُبِيحَ لَهُ الْفِطْرُ لِأَجْلِ الْحَرَجِ وَعُذْرُهُ لَيْسَ بِعَرَضِ الزَّوَالِ حَتَّى يُصَارَ إلَى الْقَضَاءِ فَوَجَبَ الْفِدْيَةُ لِكُلِّ يَوْمٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ زَبِيبٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ لَكِنْ يَجُوزُ هُنَا طَعَامُ الْإِبَاحَةِ أَكْلَتَانِ مُشْبِعَتَانِ بِخِلَافِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَلَا يَجُوزُ فِي الْفِدْيَةِ الْإِبَاحَةُ؛ لِأَنَّهَا تَنْبَنِي عَنْ تَمْلِيكٍ. اهـ.
وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ وَيُحْمَلُ مَا فِي الْمِعْرَاجِ عَلَى الْفِدْيَةِ فِي الْحَجِّ وَلَوْ قَدَرَ عَلَى الصَّوْمِ يَبْطُلُ حُكْمُ الْفِدَاءِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْخَلْفِيَّةِ اسْتِمْرَارُ الْعَجْزِ فِي الصَّوْمِ وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِهِ لِيَخْرُجَ الْمُتَيَمِّمُ إذَا قَدَرَ عَلَى الْمَاءِ لَا تَبْطُلُ الصَّلَوَاتُ الْمُؤَدَّاةُ بِالتَّيَمُّمِ؛ لِأَنَّ خَلِيفَةَ التَّيَمُّمِ مَشْرُوطٌ بِمُجَرَّدِ الْعَجْزِ عَنْ الْمَاءِ لَا بِقَيْدِ دَوَامِهِ وَكَذَا خَلْفِيَّةُ الْأَشْهُرِ عَنْ الْإِقْرَاءِ فِي الِاعْتِدَادِ مَشْرُوطٌ بِانْقِطَاعِ الدَّمِ مَعَ سِنِّ الْيَأْسِ لَا بِشَرْطِ دَوَامِهِ حَتَّى لَا تَبْطُلَ الْأَنْكِحَةُ الْمَاضِيَةُ بِعَوْدِ الدَّمِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْحَيْضِ وَفِي الْكَافِي وَشَرْطُ الْخَلْفِيَّةِ اسْتِمْرَارُ الْعَجْزِ كَمَا فِي الْيَمِينِ وَفِي صَوْمِ دَمِ الْمُتْعَةِ وَغَيْرِهَا قَدْ تَخَلَّفَ لِقِيَامِ الدَّلِيلِ. اهـ.
وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ فِيمَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا لَمْ يُدْرِكْ عِدَّةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إذَا مَاتَ إلَّا أَنَّ الشَّيْخَ الْفَانِيَ لَوْ كَانَ مُسَافِرًا فَمَاتَ قَبْلَ الْإِقَامَةِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِيصَاءُ بِالْفِدْيَةِ؛ لِأَنَّهُ يُخَالِفُ غَيْرَهُ فِي التَّخْفِيفِ لَا فِي التَّغْلِيظِ لَكِنْ ذَكَرَهُ الشَّارِحُونَ بِصِيغَةِ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ مَعَ أَنَّ الْأَوْلَى الْجَزْمُ بِهِ لِاسْتِفَادَتِهِ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ وَلَعَلَّهَا لَيْسَتْ صَرِيحَةً فِي كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ فَلَمْ يَجْزِمُوا بِهَا وَلِأَنَّ الْفِدْيَةَ لَا تَجُوزُ إلَّا عَنْ صَوْمٍ هُوَ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ لَا بَدَلٌ عَنْ غَيْرِهِ فَجَازَتْ عَنْ رَمَضَانَ وَقَضَائِهِ وَالنَّذْرِ حَتَّى لَوْ نَذَرَ صَوْمَ الْأَبَدِ فَضَعُفَ عَنْ الصَّوْمِ لِاشْتِغَالِهِ بِالْمَعِيشَةِ لَهُ أَنْ يُطْعِمَ وَيُفْطِرَ؛ لِأَنَّهُ اسْتَيْقَنَ أَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَى قَضَائِهِ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْإِطْعَامِ لِعُسْرَتِهِ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ لِشِدَّةِ الْحَرِّ كَانَ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ وَيَقْضِيَهُ فِي الشِّتَاءِ إذَا لَمْ يَكُنْ نَذَرَ الْأَبَدَ وَلَوْ نَذَرَ صَوْمًا مُعَيَّنًا فَلَمْ يَصُمْ حَتَّى صَارَ فَانِيًا جَازَتْ لَهُ الْفِدْيَةُ وَلَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ أَوْ قَتْلٍ فَلَمْ يَجِدْ مَا يُكَفِّرُ بِهِ وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ عَاجِزٌ عَنْ الصَّوْمِ أَوْ لَمْ يَصُمْ حَتَّى صَارَ شَيْخًا كَبِيرًا لَا تَجُوزُ لَهُ الْفِدْيَةُ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ هُنَا بَدَلٌ عَنْ غَيْرِهِ وَلِذَا لَا يَجُوزُ الْمَصِيرُ إلَى الصَّوْمِ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ عَمَّا يُكَفِّرُ بِهِ مِنْ الْمَالِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَغَايَةِ الْبَيَانِ وَكَذَا لَوْ حَلَقَ رَأْسَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ عَنْ أَذًى وَلَمْ يَجِدْ نُسُكًا يَذْبَحُهُ وَلَا ثَلَاثَةَ آصُعَ حِنْطَةٍ يُفَرِّقُهَا عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ وَهُوَ فَانٍ لَا يَسْتَطِيعُ الصِّيَامَ فَأَطْعَمَ عَنْ الصِّيَامِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ وَفِي الْقُنْيَةِ وَلَوْ تَصَدَّقَ الشَّيْخُ الْفَانِي بِاللَّيْلِ عَنْ صَوْمِ الْفِدْيَةِ يُجْزِئُهُ وَفِي فَتَاوَى أَبِي حَفْصٍ الْكَبِيرِ إنْ شَاءَ أَعْطَى الْفِدْيَةَ فِي أَوَّلِ رَمَضَانَ بِمَرَّةٍ وَإِنْ شَاءَ أَعْطَاهَا.
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ وَالْمُرْضِعُ هِيَ الَّتِي لَهَا اللَّبَنُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ الْمُرْضِعُ هِيَ الَّتِي شَأْنُهَا الْإِرْضَاعُ وَإِنْ لَمْ تُبَاشِرْ وَالْمُرْضِعَةُ هِيَ الَّتِي فِي حَالِ الْإِرْضَاعِ مُلْقِمَةً ثَدْيَهَا الصَّبِيَّ وَهَذَا الْفَرْقُ مَذْكُورٌ فِي الْكَشَّافِ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إدْخَالُ التَّاءِ فِي أَحَدِهِمَا إلَخْ.

(قَوْلُهُ وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِهِ) أَيْ بِقَوْلِهِ فِي الصَّوْمِ

الصفحة 308