كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (اسم الجزء: 2)

أَصُومَ وَتَمَامُهُ فِي تَحْرِيرِ الْأُصُولِ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي كَافِيهِ بِأَنَّهُمَا لَمَّا اشْتَرَكَا فِي نَفْسِ الْإِيجَابِ فَإِذَا نَوَى الْيَمِينَ يُرَادُ بِهِمَا الْإِيجَابُ فَيَكُونُ عَمَلًا بِعُمُومِ مَجَازٍ لَا جَمْعًا بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ كُلَّ خَمِيسٍ فَأَفْطَرَ خَمِيسًا كَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ إنْ أَرَادَ يَمِينًا ثُمَّ إذَا أَفْطَرَ خَمِيسًا آخَرَ لَمْ يُكَفِّرْ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ وَاحِدَةٌ فَإِذَا حَنِثَ فِيهَا مَرَّةً لَمْ يَحْنَثْ مَرَّةً أُخْرَى اهـ.

(قَوْلُهُ وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ هَذِهِ السَّنَةِ أَفْطَرَ أَيَّامًا مَنْهِيَّةً وَهِيَ يَوْمَا الْعِيدِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ وَقَضَاهَا) ؛ لِأَنَّ النَّذْرَ بِالسَّنَةِ الْمُعَيَّنَةِ نَذْرٌ بِهَذِهِ الْأَيَّامِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو عَنْهَا وَالنَّذْرُ بِالْأَيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ صَحِيحٌ مَعَ الْحُرْمَةِ عِنْدَنَا فَكَانَ قَوْلُهُ أَفْطَرَ لِلْإِيجَابِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَبِهِ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي كَافِيهِ وَقَدْ وَقَعَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ بِالْأَوْلَوِيَّةِ فِي التَّسَاهُلِ أَيْضًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَرَتَّبَ قَضَاءَهَا عَلَى إفْطَارِهِ فِيهَا لِيُفِيدَ أَنَّهُ لَوْ صَامَهَا لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَدَّاهُ كَمَا الْتَزَمَهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ نَذَرَتْ صَوْمَ هَذِهِ السَّنَةِ فَإِنَّهَا تَقْضِي مَعَ هَذِهِ الْأَيَّامِ أَيَّامَ حَيْضِهَا؛ لِأَنَّ السَّنَةَ قَدْ تَخْلُو عَنْ الْحَيْضِ فَصَحَّ الْإِيجَابُ وَإِلَى أَنَّهَا لَوْ نَذَرَتْ صَوْمَ الْغَدِ فَوَافَقَ حَيْضَهَا فَإِنَّهَا تَقْضِيهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَتْ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ يَوْمِ حَيْضِي لَا قَضَاءَ لِعَدَمِ صِحَّتِهِ لِإِضَافَتِهِ إلَى غَيْرِ مَحَلِّهِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ يَوْمِ النَّحْرِ فَإِنَّهُ يَقْضِيهِ إذَا أَفْطَرَ كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْحَيْضَ وَصْفٌ لِلْمَرْأَةِ لَا وَصْفٌ لِلْيَوْمِ وَقَدْ ثَبَتَ بِالْإِجْمَاعِ أَنَّ طَهَارَتَهَا شَرْطٌ لِأَدَائِهِ فَلَمَّا عَلَّقَتْ النَّذْرَ بِصِفَةٍ لَا تَبْقَى مَعَهَا أَهْلًا لِلْأَدَاءِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا مِنْ الْأَهْلِ كَقَوْلِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ يَوْمَ آكُلُ كَذَا فِي الْكَشْفِ الْكَبِيرِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ رَمَضَانَ الَّذِي صَامَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْتِزَامُهُ بِالنَّذْرِ؛ لِأَنَّ صَوْمَهُ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ بِجِهَةٍ أُخْرَى وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُعَيِّنْ هَذِهِ السَّنَةَ وَإِنَّمَا شَرَطَ التَّتَابُعَ فَهُوَ كَمَا لَوْ عَيَّنَهَا فَيَقْضِي الْأَيَّامَ الْخَمْسَةَ دُونَ شَهْرِ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّ الْمُتَابَعَةَ لَا تَعْرَى عَنْهَا لَكِنْ يَقْضِيهَا فِي هَذَا الْفَصْلِ مَوْصُولَةً تَحْقِيقًا لِلتَّتَابُعِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَأَطْلَقَ قَضَاءَ لُزُومِ الْأَيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ فَشَمِلَ مَا إذَا نَذَرَ بَعْدَ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ بِأَنْ نَذَرَ بَعْدَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ صَوْمَ هَذِهِ السَّنَةِ وَحَمَلَهُ فِي الْغَايَةِ عَلَى مَا إذَا نَذَرَ قَبْلَ عِيدِ الْفِطْرِ مَا إذَا قَالَ فِي شَوَّالٍ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ هَذِهِ السَّنَةِ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ يَوْمِ الْفِطْرِ وَكَذَا لَوْ قَالَ بَعْدَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ يَوْمَيْ الْعِيدَيْنِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ بَلْ يَلْزَمُهُ صِيَامُ مَا بَقِيَ مِنْ السَّنَةِ. اهـ.
وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا الْحَمْلِ قَوْلُهُ أَفْطَرَ أَيَّامًا مَنْهِيَّةً إذْ لَا يُتَصَوَّرُ الْفِطْرُ بَعْدَ الْمُضِيِّ لَكِنْ قَالَ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ هَذَا سَهْوٌ وَقَعَ مِنْ صَاحِبِ الْغَايَةِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ هَذِهِ السَّنَةِ عِبَارَةٌ عَنْ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ وَقْتِ النَّذْرِ إلَى وَقْتِ النَّذْرِ وَهَذِهِ الْمُدَّةُ لَا تَخْلُو عَنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْحَمْلِ فَيَكُونُ نَذْرًا بِهَا وَرَدَّهُ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَالَ إنَّ هَذَا سَهْوٌ وَقَعَ مِنْ الزَّيْلَعِيِّ؛ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ كَمَا هِيَ فِي الْغَايَةِ مَنْقُولَةٌ فِي الْخُلَاصَةِ وَفَتَاوَى قَاضِي خَانْ فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَهَذَا الشَّهْرِ وَلِأَنَّ كُلَّ سَنَةٍ عَرَبِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ عِبَارَةٌ عَنْ مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ لَهَا مُبْتَدَأٌ وَمُخْتَتَمٌ خَاصَّانِ عِنْدَ الْعَرَبِ مَبْدَؤُهَا الْمُحَرَّمُ وَآخِرُهَا ذُو الْحِجَّةِ فَإِذَا قَالَ هَذِهِ فَإِنَّمَا يُفِيدُ الْإِشَارَةَ إلَى الَّتِي هُوَ فِيهَا فَحَقِيقَةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ نَذْرٌ بِالْمُدَّةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ إلَى آخِرِ ذِي الْحِجَّةِ، وَالْمُدَّةُ الْمَاضِيَةُ الَّتِي مَبْدَؤُهَا الْمُحَرَّمُ إلَى وَقْتِ التَّكَلُّمِ فَيَلْغُو فِي حَقِّ الْمَاضِي كَمَا يَلْغُو فِي قَوْلِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ أَمْسِ وَهَذَا فَرْعٌ يُنَاسِبُ هَذَا لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ أَمْسِ الْيَوْمَ، أَوْ الْيَوْمِ أَمْسِ لَزِمَهُ صَوْمُ الْيَوْمِ، وَلَوْ قَالَ غَدًا هَذَا الْيَوْمَ، أَوْ هَذَا الْيَوْمَ غَدًا لَزِمَهُ صَوْمُ أَوَّلِ الْوَقْتَيْنِ تَفَوَّهَ بِهِ، وَلَوْ قَالَ شَهْرًا لَزِمَهُ شَهْرٌ كَامِلٌ، وَلَوْ قَالَ الشَّهْرُ وَجَبَ بَقِيَّةُ الشَّهْرِ الَّذِي هُوَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الشَّهْرَ مُعَرَّفًا فَيَنْصَرِفُ إلَى الْمَعْهُودِ بِالْحُضُورِ فَإِنْ نَوَى شَهْرًا فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ كَلَامَهُ ذَكَرَهُ فِي التَّجْنِيسِ وَفِيهِ تَأْيِيدٌ لِمَا فِي الْغَايَةِ أَيْضًا. اهـ.
وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ أَيْضًا، وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ الشَّهْرَ فَعَلَيْهِ صَوْمُ بَقِيَّةِ الشَّهْرِ الَّذِي هُوَ فِيهِ وَمَا فِي الْفَتَاوَى الْوَلْوَالِجيَّةِ لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ الشَّهْرَ وَجَبَ عَلَيْهِ بَقِيَّةُ الشَّهْرِ الَّذِي هُوَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: مَنْقُولَةٌ فِي الْخُلَاصَةِ وَفَتَاوَى قَاضِي خَانْ إلَخْ) حَيْثُ قَالَ رَجُلٌ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ هَذِهِ السَّنَةِ فَإِنَّهُ يُفْطِرُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ النَّحْرِ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ وَيَقْضِي تِلْكَ الْأَيَّامَ وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ سَنَةٍ وَلَمْ يُعَيِّنْ يَصُومُ سَنَةً بِالْأَهِلَّةِ وَيَقْضِي خَمْسًا وَثَلَاثِينَ يَوْمًا وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ هَذَا الشَّهْرَ فَعَلَيْهِ صَوْمُ بَقِيَّةِ الشَّهْرِ الَّذِي هُوَ فِيهِ وَكَذَا لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ هَذِهِ السَّنَةِ يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ مِنْ حِينِ حَلَفَ إلَى أَنْ تَمْضِيَ السَّنَةُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا مَضَى قَبْلَ الْيَمِينِ

الصفحة 318