كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (اسم الجزء: 2)

الْبَدَائِعِ وَأَطْلَقَ الْمُبَايَعَةَ فَشَمِلَتْ مَا إذَا كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ وَقَيَّدَهُ فِي الذَّخِيرَةِ بِمَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ كَالطَّعَامِ أَمَّا إذَا أَرَادَ أَنْ يَتَّخِذَ ذَلِكَ مَتْجَرًا فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ وَإِنْ لَمْ يُحْضِرْ السِّلْعَةَ وَاخْتَارَهُ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ وَرَجَّحَهُ الشَّارِحُ؛ لِأَنَّهُ مُنْقَطِعٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْتَغِلَ بِأُمُورِ الدُّنْيَا وَقَيَّدَ بِالْمُعْتَكِفِ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ يُكْرَهُ لَهُ الْبَيْعُ مُطْلَقًا لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِي الْمَسْجِدِ وَكَذَا كُرِهَ فِيهِ التَّعْلِيمُ وَالْكِتَابَةُ وَالْخِيَاطَةُ بِأَجْرٍ وَكُلُّ شَيْءٍ يُكْرَهُ فِيهِ كُرِهَ فِي سَطْحِهِ وَاسْتَثْنَى الْبَزَّازِيُّ مِنْ كَرَاهَةِ التَّعْلِيمِ بِأَجْرٍ فِيهِ أَنْ يَكُونَ لِضَرُورَةِ الْحِرَاسَةِ وَيُكْرَهُ لِغَيْرِهِ النَّوْمُ فِيهِ وَقِيلَ إذَا كَانَ غَرِيبًا فَلَا بَأْسَ أَنْ يَنَامَ فِيهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْأَكْلُ وَالشُّرْبُ كَالنَّوْمِ وَفِي الْبَدَائِعِ وَإِنْ غَسَلَ الْمُعْتَكِفُ رَأْسَهُ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا بَأْسَ بِهِ إذَا لَمْ يُلَوَّثْ بِالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ يَتَلَوَّثُ الْمَسْجِدُ يُمْنَعُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ تَنْظِيفَ الْمَسْجِدِ وَاجِبٌ، وَلَوْ تَوَضَّأَ فِي الْمَسْجِدِ فِي إنَاءٍ فَهُوَ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ. اهـ.
بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُعْتَكِفِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ التَّوَضُّؤُ فِي الْمَسْجِدِ، وَلَوْ فِي إنَاءٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَوْضِعًا اُتُّخِذَ لِذَلِكَ لَا يُصَلَّى فِيهِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ خِصَالٌ لَا تَنْبَغِي فِي الْمَسْجِدِ «لَا يُتَّخَذُ طَرِيقًا وَلَا يُشْهَرُ فِيهِ سِلَاحٌ وَلَا يُنْبَضُ فِيهِ بِقَوْسٍ وَلَا يُنْثَرُ فِيهِ نَبْلٌ وَلَا يُمَرُّ فِيهِ بِلَحْمٍ نَيْءٍ وَلَا يُضْرَبُ فِيهِ حَدٌّ وَلَا يُتَّخَذُ سُوقًا رَوَاهُ» ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -.

(قَوْلُهُ: وَكُرِهَ إلَّا بِخَيْرٍ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْمَسْجِدَ مُحْرَزٌ عَنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ وَفِيهِ شَغْلُهُ بِهَا وَلِهَذَا قَالُوا لَا يَجُوزُ غَرْسُ الْأَشْجَارِ فِيهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَحْرِيمِيَّةٌ؛ لِأَنَّهَا مَحَلُّ إطْلَاقِهِمْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَوَّلَ الزَّكَاةِ وَدَلَّ تَعْلِيلُهُمْ أَنَّ الْمَبِيعَ لَوْ كَانَ لَا يَشْغَلُ الْبُقْعَةَ لَا يُكْرَهُ إحْضَارُهُ كَدَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ يَسِيرَةٍ، أَوْ كِتَابٍ وَنَحْوِهِ وَأَفَادَ الْإِطْلَاقُ أَنَّ إحْضَارَ الطَّعَامِ الْمَبِيعِ الَّذِي يَشْتَرِيهِ لِيَأْكُلَهُ مَكْرُوهٌ وَيَنْبَغِي عَدَمُ كَرَاهَتِهِ كَمَا لَا يَخْفَى وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ الصَّمْتُ فَالْمُرَادُ بِهِ تَرْكُ التَّحَدُّثِ مَعَ النَّاسِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْهُ وَقَالُوا إنَّ صَوْمَ الصَّمْتِ مِنْ فِعْلِ الْمَجُوسِ لَعَنَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَخَصَّهُ الْإِمَامُ حَمِيدُ الدِّينِ الضَّرِيرُ بِمَا إذَا اعْتَقَدَهُ قُرْبَةً أَمَّا إذَا لَمْ يَعْتَقِدْهُ قُرْبَةً فَلَا يُكْرَهُ لِلْحَدِيثِ «مَنْ صَمَتَ نَجَا» وَأَمَّا الثَّالِثُ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَتَكَلَّمُ إلَّا بِخَيْرٍ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الإسراء: 53] وَهُوَ بِعُمُومِهِ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ إلَّا بِخَيْرٍ فَالْمَسْجِدُ أَوْلَى كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَفِي التَّبْيِينِ وَأَمَّا التَّكَلُّمُ بِغَيْرِ خَيْرٍ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ لِغَيْرِ الْمُعْتَكِفِ فَمَا ظَنُّك لِلْمُعْتَكِفِ. اهـ.
وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَيْرِ هُنَا مَا لَا إثْمَ فِيهِ فَيَشْمَلُ الْمُبَاحَ وَبِغَيْرِ الْخَيْرِ مَا فِيهِ إثْمٌ وَالْأَوْلَى تَفْسِيرُهُ بِمَا فِيهِ ثَوَابٌ يَعْنِي أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلْمُعْتَكِفِ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِالْمُبَاحِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَلِهَذَا قَالُوا الْكَلَامُ الْمُبَاحُ فِي الْمَسْجِدِ مَكْرُوهٌ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ صَرَّحَ بِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قُبَيْلَ بَابِ الْوِتْرِ لَكِنْ قَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَحَدَّثَ بِمَا لَا إثْمَ فِيهِ وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ لَكِنَّهُ يَتَجَانَبُ مَا يَكُونُ مَأْثَمًا وَالظَّاهِرُ مَا ذَكَرْنَاهُ كَمَا لَا يَخْفَى قَالُوا وَيُلَازِمُ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ وَالْعِلْمَ وَالتَّدْرِيسَ وَسِيَرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَصَصَ الْأَنْبِيَاءِ وَحِكَايَاتِ الصَّالِحِينَ وَكِتَابَةَ أُمُورِ الدِّينِ.

(قَوْلُهُ: وَيَحْرُمُ الْوَطْءُ وَدَوَاعِيهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] ؛ لِأَنَّ الْمُبَاشَرَةَ تَصْدُقُ عَلَى الْوَطْءِ وَدَوَاعِيهِ فَيُفِيدُ تَحْرِيمَ كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْمُبَاشَرَةِ جِمَاعٍ، أَوْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي سِيَاقِ النَّهْيِ فَيُفِيدُ الْعُمُومَ وَالْمُرَادُ بِدَوَاعِيهِ الْمَسُّ وَالْقُبْلَةُ وَهُوَ كَالْحَجِّ وَالِاسْتِبْرَاءِ وَالظِّهَارِ لَمَّا حَرُمَ الْوَطْءُ لَهَا حَرُمَ دَوَاعِيهِ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْوَطْءِ ثَبَتَتْ بِصَرِيحِ النَّهْيِ فَقَوِيَتْ فَتَعَدَّتْ إلَى الدَّوَاعِي أَمَّا فِي الْحَجِّ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا رَفَثَ} [البقرة: 197] وَأَمَّا فِي الِاسْتِبْرَاءِ فَلِلْحَدِيثِ «لَا تُنْكَحُ الْحَبَالَى حَتَّى يَضَعْنَ وَلَا الْحَيَالَى حَتَّى يَسْتَبْرِئْنَ بِحَيْضَةٍ» وَأَمَّا فِي الظِّهَارِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] بِخِلَافِ الْحَيْضِ وَالصَّوْمِ حَيْثُ لَا تَحْرُمُ الدَّوَاعِي فِيهِمَا؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ التَّوَضُّؤُ فِي الْمَسْجِدِ وَلَوْ فِي إنَاءٍ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَدَّمَ الشَّارِحُ فِي بَحْثِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ نَقْلًا عَنْ قَاضِي خَانْ أَنَّ الْوُضُوءَ فِيهِ فِي إنَاءٍ جَائِزٌ عِنْدَهُمْ فَرَاجِعْهُ.

(قَوْلُهُ: وَدَلَّ تَعْلِيلُهُمْ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ مُقْتَضَى التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ الْكَرَاهَةُ وَإِنْ لَمْ يَشْغَلْ وَقَوْلُهُ وَأَفَادَ إطْلَاقُهُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ كَلَامَهُ مُتَنَاوِلٌ لِغَيْرِ مَا يَأْكُلُهُ بِنَاءً عَلَى مَا مَرَّ مِنْ إطْلَاقِ الْمُبَايَعَةِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهَا مُقَيَّدَةٌ بِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ يُكْرَهُ لَهُ إحْضَارُ السِّلْعَةِ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَالْأَوْلَى تَفْسِيرُهُ بِمَا فِيهِ ثَوَابٌ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ مَا لَيْسَ بِمَأْثَمٍ فَهُوَ خَيْرٌ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْخَيْرَ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَشْيِ الْحَاصِلِ لِمَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَكُونَ حَاصِلًا لَهُ إذَا كَانَ مُؤَثِّرًا وَالتَّكَلُّمُ بِالْمُبَاحِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ كَذَلِكَ اسْتَظْهَرَهُ فِي النَّهْرِ وَقَالَ إنَّهُ لَيْسَ بِخَيْرٍ عِنْدَ عَدَمِهَا وَهُوَ مَحْمَلُ مَا فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ فِي الْمَسْجِدِ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ إلَخْ قَالَ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي الْبَحْرِ اهـ.
عَلَى أَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ قُبَيْلَ الْوِتْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ تَقْيِيدَ الْكَرَاهَةِ بِأَنْ يَجْلِسَ لِأَجْلِهِ وَقَالَ يَنْبَغِي تَقْيِيدُ مَا فِي الْفَتْحِ بِهِ وَفِي الْمِعْرَاجِ عَنْ شَرْحِ الْإِرْشَادِ لَا بَأْسَ فِي الْحَدِيثِ فِي الْمَسْجِدِ إذَا كَانَ قَلِيلًا فَأَمَّا أَنْ يُقْصَدَ الْمَسْجِدُ لِلْحَدِيثِ فِيهِ فَلَا.

(قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْوَطْءِ لَمْ تَثْبُتْ بِصَرِيحِ النَّهْيِ) تَبِعَ فِي ذَلِكَ الْفَتْحَ وَفِيهِ نَظَرٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحَيْضِ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] وَفِي النَّهْرِ عَنْ الْعِنَايَةِ أَنَّهُ قَصْدِيٌّ قَالَ وَفِي الْغَايَةِ

الصفحة 327