كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (اسم الجزء: 2)

الْوَطْءِ لَمْ تَثْبُتْ بِصَرِيحِ النَّهْيِ وَلِكَثْرَةِ الْوُقُوعِ فَلَوْ حَرُمَ الدَّوَاعِي لَزِمَ الْحَرَجُ وَهُوَ مَدْفُوعٌ وَلِأَنَّ النَّصَّ فِي الْحَيْضِ مَعْلُولٌ بَعْلَة الْأَذَى وَهُوَ لَا يُوجَدُ فِي الدَّوَاعِي (قَوْلُهُ وَيَبْطُلُ بِوَطْئِهِ) ؛ لِأَنَّهُ مَحْذُورٌ بِالنَّصِّ فَكَانَ مُفْسِدًا لَهُ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا نَهَارًا، أَوْ لَيْلًا أَنْزَلَ، أَوْ لَا بِخِلَافِ الصَّوْمِ إذَا كَانَ نَاسِيًا وَالْفَرْقُ أَنَّ حَالَةَ الْمُعْتَكِفِ مُذَكِّرَةٌ كَحَالَةِ الْإِحْرَامِ وَالصَّلَاةِ وَحَالَةَ الصَّائِمِ غَيْرُ مُذَكِّرَةٍ وَقَيَّدَ بِالْوَطْءِ؛ لِأَنَّ الْجِمَاعَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ أَوْ التَّقْبِيلَ، أَوْ اللَّمْسَ لَا يُفْسِدُ إلَّا إذَا أَنْزَلَ وَإِنْ أَمْنَى بِالتَّفَكُّرِ أَوْ النَّظَرِ لَا يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ وَإِنْ أَكَلَ، أَوْ شَرِبَ لَيْلًا لَمْ يَفْسُدْ اعْتِكَافُهُ وَإِنْ أَكَلَ نَهَارًا فَإِنْ عَامِدًا فَسَدَ لِفَسَادِ الصَّوْمِ وَإِنْ نَاسِيًا لَا لِبَقَاءِ الصَّوْمِ وَالْأَصْلُ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ مَحْظُورَاتِ الِاعْتِكَافِ وَهُوَ مَا مُنِعَ عَنْهُ لِأَجْلٍ الِاعْتِكَافِ لَا لِأَجْلٍ الصَّوْمِ لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ الْعَمْدُ وَالسَّهْوُ وَالنَّهَارُ وَاللَّيْلُ كَالْجِمَاعِ وَالْخُرُوجِ وَمَا كَانَ مِنْ مَحْظُورَاتِ الصَّوْمِ وَهُوَ مَانِعٌ عَنْهُ لِأَجْلٍ الصَّوْمِ يَخْتَلِفُ فِيهِ الْعَمْدُ وَالسَّهْوُ وَالنَّهَارُ وَاللَّيْلُ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ.

(قَوْلُهُ: وَلَزِمَهُ اللَّيَالِيُ بِنَذْرِ اعْتِكَافِ أَيَّامٍ) كَقَوْلِهِ بِلِسَانِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ ثَلَاثِينَ يَوْمًا؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْأَيَّامِ عَلَى سَبِيلِ الْجَمْعِ يَتَنَاوَلُ مَا بِإِزَائِهَا مِنْ اللَّيَالِيِ يُقَالُ مَا رَأَيْتُك مُنْذُ أَيَّامٍ وَالْمُرَادُ بِلَيَالِيِهَا وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْأَيَّامُ بِنَذْرِ اعْتِكَافِ اللَّيَالِيِ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ أَحَدِ الْعَدَدَيْنِ عَلَى طَرِيقِ الْجَمْعِ يَنْتَظِمُ مَا بِإِزَائِهِ مِنْ الْعَدَدِ الْآخَرِ لِقِصَّةِ زَكَرِيَّا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَإِنَّهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {قَالَ آيَتُكَ أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلا رَمْزًا} [آل عمران: 41] وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى {قَالَ آيَتُكَ أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا} [مريم: 10] وَالْقِصَّةُ وَاحِدَةٌ وَالرَّمْزُ الْإِشَارَةُ بِالْيَدِ أَوْ بِالرَّأْسِ، أَوْ بِغَيْرِهِمَا وَهَذَا عِنْدَ نِيَّتِهِمَا، أَوْ عَدَمِ النِّيَّةِ أَمَّا لَوْ نَوَى فِي الْأَيَّامِ النَّهَارَ خَاصَّةً صَحَّتْ نِيَّتُهُ؛ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى بِالْأَيَّامِ اللَّيَالِيَ خَاصَّةً لَمْ تَعْمَلْ نِيَّتُهُ وَلَزِمَهُ اللَّيَالِيُ وَالنَّهَارُ؛ لِأَنَّهُ نَوَى مَا لَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ كَمَا إذَا نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ شَهْرًا وَنَوَى النَّهَارَ خَاصَّةً، أَوْ اللَّيْلَ خَاصَّةً لَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ اسْمٌ لِعَدَدٍ مُقَدَّرٍ مُشْتَمِلٍ عَلَى الْأَيَّامِ وَاللَّيَالِيِ فَلَا يَحْتَمِلُ مَا دُونَهُ إلَّا أَنْ يُصَرِّحَ وَيَقُولَ شَهْرًا بِالنَّهَارِ لَزِمَهُ كَمَا قَالَ أَوْ يَسْتَثْنِيَ وَيَقُولَ إلَّا اللَّيَالِيَ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ تَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثُّنْيَا فَكَأَنَّهُ قَالَ ثَلَاثِينَ نَهَارًا، وَلَوْ نَذَرَ ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَنَوَى اللَّيَالِيَ خَاصَّةً صَحَّ؛ لِأَنَّهُ نَوَى الْحَقِيقَةَ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ اللَّيَالِيَ لَيْسَتْ مَحَلًّا لِلصَّوْمِ كَذَا فِي الْكَافِي
وَكَذَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ شَهْرًا وَاسْتَثْنَى الْأَيَّامَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ اللَّيَالِيُ الْمُجَرَّدَةُ وَلَا يَصِحُّ فِيهَا لِمُنَافَاتِهَا شَرْطَهُ وَهُوَ الصَّوْمُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قَيَّدْنَا كَوْنَهُ نَذَرَ بِلِسَانِهِ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ نِيَّةِ الْقَلْبِ لَا يَلْزَمُهُ بِهَا شَيْءٌ (قَوْلُهُ وَلَيْلَتَانِ بِنَذْرِ يَوْمَيْنِ) يَعْنِي لَزِمَهُ اعْتِكَافُ لَيْلَتَيْنِ مَعَ يَوْمَيْهِمَا إذَا نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُثَنَّى كَالْجَمْعِ فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إمَّا أَنْ يَأْتِيَ بِلَفْظِ الْمُفْرَدِ، أَوْ الْمُثَنَّى أَوْ الْمَجْمُوعِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا إمَّا أَنْ يَكُونَ الْيَوْمَ، أَوْ اللَّيْلَ فَهِيَ سِتَّةٌ وَكُلٌّ مِنْهَا إمَّا أَنْ يَنْوِيَ الْحَقِيقَةَ، أَوْ الْمَجَازَ، أَوْ يَنْوِيَهُمَا، أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَهِيَ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ وَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُ الْمَجْمُوعِ وَالْمُثَنَّى بِأَقْسَامِهِمَا بَقِيَ حُكْمُ الْمُفْرَدِ فَإِنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ يَوْمًا فَقَطْ سَوَاءٌ نَوَاهُ أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَلَا يَدْخُلُ لَيْلَتُهُ وَيَدْخُلُ الْمَسْجِدَ قَبْلَ الْفَجْرِ وَيَخْرُجُ بَعْدَ الْغُرُوبِ فَإِنْ نَوَى اللَّيْلَةَ مَعَهُ لَزِمَاهُ، وَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ لَيْلَةٍ لَمْ يَصِحَّ سَوَاءٌ كَانَ نَوَاهَا فَقَطْ، أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَإِنْ نَوَى الْيَوْمَ مَعَهَا لَمْ يَصِحَّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ
وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ لَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ لَيْلَةٍ وَنَوَى الْيَوْمَ لَزِمَهُ الِاعْتِكَافُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ وَلَا مُعَارَضَةَ لِمَا فِي
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَصَرِيحُ النَّهْيِ فِي الْحَيْضِ كَالِاعْتِكَافِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَحْرُمَ الدَّوَاعِي اهـ. فَالْأَوْلَى الِاقْتِصَارُ عَلَى مَا بَعْدَهُ.

(قَوْلُهُ: كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ) أَيْ قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَأَقَلُّهُ نَفْلًا سَاعَةٌ قَالَ الرَّمْلِيُّ تَقَدَّمَ قَرِيبًا أَنَّهُ لَوْ نَوَى اعْتِكَافَ يَوْمٍ وَنَوَى اللَّيْلَةَ مَعَهُ لَزِمَاهُ فَمَا الْفَرْقُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْفَرْقَ وَهُوَ كَوْنُ الْيَوْمِ عُرْفًا قَدْ يَسْتَتْبِعُ اللَّيْلَةَ لَا عَكْسُهُ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الذَّخِيرَةِ وَلَوْ نَوَى اعْتِكَافَ لَيْلَةٍ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَإِنْ نَوَى الْيَوْمَ مَعَهَا لَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَلْزَمُ وَيَصِيرُ تَقْدِيرُ الْمَسْأَلَةِ كَأَنَّهُ قَالَ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً بِيَوْمِهَا اهـ.
قُلْت وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْفَرْقَ غَيْرُ مَا قَالَهُ وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ الْيَوْمَ وَحْدَهُ صَحَّ نَذْرُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَذَرَ اللَّيْلَةَ وَحْدَهَا فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْ أَصْلِهِ فَلَا يَصِحُّ فِيمَا يَتْبَعُهَا أَيْضًا تَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: وَلَا مُعَارَضَةَ لِمَا فِي الْكِتَابَيْنِ إلَخْ) بَيَانُهُ أَنَّهُ فِي الْأُولَى لَمَّا جَعَلَ الْيَوْمَ تَبَعًا لِلَّيْلَةِ وَقَدْ بَطَلَ نَذْرُهُ فِي الْمَتْبُوعِ وَهُوَ اللَّيْلَةُ بَطَلَ فِي التَّابِعِ وَهُوَ الْيَوْمُ وَفِي الثَّانِيَةِ أَطْلَقَ اللَّيْلَةَ وَأَرَادَ الْيَوْمَ مَجَازًا مُرْسَلًا بِمَرَّتَيْنِ حَيْثُ اسْتَعْمَلَ الْمُقَيَّدَ وَهُوَ اللَّيْلَةُ فِي مُطْلَقِ الزَّمَنِ ثُمَّ اسْتَعْمَلَ هَذَا الْمُطْلَقَ فِي الْمُقَيَّدِ وَهُوَ الْيَوْمُ فَكَانَ الْيَوْمُ مَقْصُودًا قَالَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ

الصفحة 328