كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (اسم الجزء: 2)

أُسْبُوعًا آخَرَ فَتَكُونَ عَلَى الْفَوْرِ لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ كَرَاهَةِ وَصْلِ الْأَسَابِيعِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ أَنَّهُ لَا يُصَلِّيهِمَا فِيهَا فَحُمِلَ قَوْلُهُمَا يُكْرَهُ وَصْلُ الْأَسَابِيعِ إنَّمَا هُوَ فِي وَقْتٍ لَا يُكْرَهُ التَّطَوُّعُ فِيهِ، وَلَمْ أَرَ نَقْلًا فِيمَا إذَا وَصَلَ الْأَسَابِيعَ فِي وَقْتِ الْكَرَاهَةِ ثُمَّ زَالَ وَقْتُهَا أَنَّهُ يُكْرَهُ الطَّوَافُ قَبْلَ الصَّلَاةِ لِكُلِّ أُسْبُوعٍ رَكْعَتَيْنِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَكْرُوهًا لِمَا أَنَّ الْأَسَابِيعَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ صَارَتْ كَأُسْبُوعٍ وَاحِدٍ وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى بِ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] وَفِي الثَّانِيَةِ بِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] تَبَرُّكًا بِفِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ قَرَأَ غَيْرَ ذَلِكَ جَازَ، وَإِذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ يَدْعُو لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ.

(قَوْلُهُ لِلْقُدُومِ وَهُوَ سُنَّةٌ لِغَيْرِ الْمَكِّيِّ) أَيْ طُفْ هَذَا الطَّوَافَ لِأَجْلِ الْقُدُومِ وَهَذَا الطَّوَافُ سُنَّةٌ لِلْآفَاقِيِّ دُونَ الْمَكِّيِّ لِأَنَّهُ كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ لَا يُسَنُّ لِلْجَالِسِ فِيهِ هَكَذَا ذَكَرُوا، وَلَيْسَ هَذَا كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَإِنَّ الْفَرْضَ أَوْ السُّنَّةَ تُغْنِي عَنْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ بِخِلَافِ طَوَافِ الْقُدُومِ لِمَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ الْقَارِنَ يَطُوفُ لِلْعُمْرَةِ أَوَّلًا، ثُمَّ يَطُوفُ لِلْقُدُومِ ثَانِيًا وَلَا يَكْفِيهِ الْأَوَّلُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الشُّرْبَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ بَعْدَ خَتْمِ الطَّوَافِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ، وَكَذَا إتْيَانُ الْمُلْتَزَمِ وَالتَّشَبُّثُ بِهِ، وَكَذَا الْعَوْدُ إلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ قَبْلَ السَّعْيِ، وَالْكُلُّ مُسْتَحَبٌّ لَكِنَّ الْأَخِيرَ مَشْرُوطٌ بِإِرَادَةِ السَّعْيِ حَتَّى لَوْ لَمْ يُرِدْهُ لَمْ يَعُدْ إلَى الْحَجَرِ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ.

(قَوْلُهُ ثُمَّ اُخْرُجْ إلَى الصَّفَا وَقُمْ عَلَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْبَيْتِ مُكَبِّرًا مُهَلِّلًا مُصَلِّيًا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَاعِيًا رَبَّكَ بِحَاجَتِك) لِمَا ثَبَتَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ هَذَا السَّعْيَ وَاجِبٌ وَلَيْسَ بِرُكْنٍ لِلْحَدِيثِ «اسْعَوْا فَإِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمْ السَّعْيَ» قَالَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حِينَ كَانَ يَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَإِنَّهُ ظَنِّيٌّ وَبِمِثْلِهِ لَا يَثْبُتُ الرُّكْنُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ عِنْدَنَا بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ فَمَا فِي الْهِدَايَةِ مِنْ تَأْوِيلِهِ بِمَعْنَى كَتَبَ اسْتِحْبَابًا فَمُنَافٍ لِمَطْلُوبِهِ؛ لِأَنَّهُ الْوُجُوبُ وَجَمِيعُ السَّبْعَةِ الْأَشْوَاطِ وَاجِبٌ لَا الْأَكْثَرُ فَقَطْ فَإِنَّهُمْ قَالُوا فِي بَابِ الْجِنَايَاتِ لَوْ تَرَكَ أَكْثَرَ الْأَشْوَاطِ لَزِمَهُ دَمٌ وَإِنْ تَرَكَ الْأَقَلَّ لَزِمَهُ صَدَقَةٌ فَدَلَّ عَلَى وُجُوبِ الْكُلِّ إذْ لَوْ كَانَ الْوَاجِبُ الْأَكْثَرَ لَمْ يَلْزَمْهُ فِي الْأَقَلِّ شَيْءٌ أَشَارَ بِثُمَّ إلَى تَرَاخِي السَّعْيِ عَنْ الطَّوَافِ، فَلَوْ سَعَى ثُمَّ طَافَ أَعَادَهُ؛ لِأَنَّ السَّعْيَ تَبَعٌ وَلَا يَجُوزُ تَقَدُّمُ التَّبَعِ عَلَى الْأَصْلِ، كَذَا ذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ، وَصَرَّحَ فِي الْمُحِيطِ بِأَنَّ تَقْدِيمَ الطَّوَافِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ السَّعْيِ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ تَأْخِيرَ السَّعْيِ عَنْ الطَّوَافِ وَاجِبٌ، وَإِلَى أَنَّ السَّعْيَ لَا يَجِبُ بَعْدَ الطَّوَافِ فَوْرًا بَلْ لَوْ أَتَى بِهِ بَعْدَ زَمَانٍ وَلَوْ طَوِيلًا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَالسُّنَّةُ الِاتِّصَالُ بِهِ كَالطَّهَارَةِ فَصَحَّ سَعْيُ الْحَائِضِ وَالْجُنُبِ، وَكَذَا الصُّعُودُ عَلَيْهِ مَعَ مَا بَعْدَهُ سُنَّةٌ حَتَّى يُكْرَهَ أَنْ لَا يَصْعَدَ عَلَيْهِمَا كَمَا فِي الْمُحِيطِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْمَشْيَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ وَلَمْ أَرَ إلَخْ) قَالَ فِي اللُّبَابِ فِي فَصْلِ مَكْرُوهَاتِ الطَّوَافِ وَالْجَمْعُ بَيْنَ أُسْبُوعَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِ صَلَاةٍ بَيْنَهُمَا إلَّا فِي وَقْتِ كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ وَهُوَ مُؤَيِّدٌ لِمَا قَالَهُ الْمُؤَلِّفُ أَيْضًا تَأَمَّلْ (فَرْعٌ) غَرِيبٌ قَالَ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ قُطْبُ الدِّينِ الْحَنَفِيُّ فِي مَنْسَكِهِ فِي الْفَصْلِ الرَّابِعِ مِنْ الْبَابِ السَّادِسِ رَأَيْت بِخَطِّ بَعْضِ تَلَامِذَةِ الْكَمَالِ ابْنِ الْهُمَامِ فِي حَاشِيَةِ فَتْحِ الْقَدِيرِ إذَا صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَمْنَعَ الْمَارَّ لِمَا رَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد عَنْ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ أَنَّهُ «رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي مِمَّا يَلِي بَابَ بَنِي سَهْمٍ، وَالنَّاسُ يَمُرُّونَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا سُتْرَةٌ» وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الطَّائِفِينَ فِيمَا يَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ صَلَاةٌ فَصَارَ كَمَنْ بَيْنَ يَدَيْهِ صُفُوفٌ مِنْ الْمُصَلِّينَ اهـ.
ثُمَّ رَأَيْت فِي الْبَحْرِ الْعَمِيقِ حَكَى عِزُّ الدِّينِ بْنُ جَمَاعَةَ عَنْ مُشْكِلَاتِ الْآثَارِ لِلطَّحَاوِيِّ أَنَّ الْمُرُورَ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي بِحَضْرَةِ الْكَعْبَةِ يَجُوزُ اهـ.
كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْمَدَنِيِّ عَلَى الدُّرِّ الْمُخْتَارِ وَبَابُ بَنِي سَهْمٍ هُوَ الْمُسَمَّى الْآنَ بَابَ الْعُمْرَةِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ فِي السَّعْيِ قَرِيبًا مَعَ زِيَادَةٍ تُؤَيِّدُ مَا مَرَّ.

(قَوْلُهُ وَلَيْسَ هَذَا كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ قَدْ مَرَّ أَنَّهُ إذَا دَخَلَ يَوْمَ النَّحْرِ أَغْنَاهُ طَوَافُ الْفَرْضِ عَنْ الْقُدُومِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُغْنِ طَوَافُ الْعُمْرَةِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْغِنَى عَنْ الشَّيْءِ فَرْعٌ عَنْ طَلَبِ ذَلِكَ الشَّيْءِ، وَهُوَ لَمْ يَطْلُبْ إذْ ذَاكَ بَلْ لَوْ أَرَادَ بِهِ الْقُدُومَ لَمْ يَقَعْ إلَّا عَنْ الْعُمْرَةِ لِمَا أَنَّ زَمَنَهُ لَا يَقْبَلُ غَيْرَهُ كَرَمَضَانَ عَلَى مَا سَيَأْتِي.
(قَوْلُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الشُّرْبَ إلَخْ) وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَقَالَ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْتِيَ زَمْزَمَ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى الصَّفَا فَيَشْرَبَ مِنْهَا ثُمَّ يَأْتِيَ الْمُلْتَزَمَ قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى الصَّفَا، وَقِيلَ يَلْتَزِمُ الْمُلْتَزَمَ قَبْلَ الرَّكْعَتَيْنِ ثُمَّ يُصَلِّيهِمَا ثُمَّ يَأْتِي زَمْزَمَ ثُمَّ يَعُودُ إلَى الْحَجَرِ ذَكَرَهُ السُّرُوجِيُّ اهـ. مُلَخَّصًا.
قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ وَالثَّانِي هُوَ الْأَسْهَلُ وَالْأَفْضَلُ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ أَنَّهُ يَعُودُ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ وَصَلَاتِهِ إلَى الْحَجَرِ ثُمَّ يَتَوَجَّهُ إلَى الصَّفَا مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ زَمْزَمَ، وَالْمُلْتَزَمُ فِيمَا بَيْنَهُمَا وَلَعَلَّ وَجْهَ تَرْكِهِمَا عَدَمُ تَأَكُّدِهِمَا مَعَ اخْتِلَافِ تَقَدُّمِ أَحَدِهِمَا اهـ.
(قَوْلُهُ لَكِنَّ الْأَخِيرَ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ: وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ طَوَافٍ بَعْدَهُ سَعْيٌ فَإِنَّهُ يَعُودُ إلَى اسْتِلَامِ الْحَجَرِ بَعْدَ الصَّلَاةِ وَمَا لَا فَلَا عَلَى مَا قَالَهُ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِهِ أَنَّ

الصفحة 357