كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (اسم الجزء: 2)

السَّابِقِ لَا بِالطَّوَافِ؛ لِأَنَّ الْحَلْقَ هُوَ الْمُحَلِّلُ دُونَ الطَّوَافِ غَيْرَ أَنَّهُ آخِرُ عَمَلِهِ فِي حَقِّ النِّسَاءِ إلَى مَا بَعْدَ الطَّوَافِ فَإِذَا طَافَ عَمِلَ الْحَلْقَ عَمَلَهُ كَالطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ آخِرُ عَمَلِهِ إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لِحَاجَتِهِ إلَى الِاسْتِرْدَادِ فَإِذَا انْقَضَتْ عَمَلَ الطَّلَاقُ عَمَلَهُ فَبَانَتْ بِهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَحْلِقْ حَتَّى طَافَ بِالْبَيْتِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ شَيْءٌ حَتَّى يَحْلِقَ كَذَا ذَكَرَ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ، وَهَكَذَا صَرَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْإِحْرَامِ إلَّا بِالْحَلْقِ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ الْحَلْقَ أَصْلًا وَقَلَّمَ ظُفْرَهُ أَوْ غَطَّى رَأْسَهُ قَاصِدًا التَّحَلُّلَ مِنْ الْإِحْرَامِ كَانَ ذَلِكَ جِنَايَةً مُوجِبَةً لِلْجَزَاءِ، وَحِلُّ النِّسَاءِ مَوْقُوفٌ عَلَى الرُّكْنِ مِنْهَا وَهِيَ أَرْبَعَةٌ فَقَطْ.

(قَوْلُهُ وَكُرِهَ تَأْخِيرُهُ عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ) أَيْ تَأْخِيرُ الطَّوَافِ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ لِتَرْكِ الْوَاجِبِ وَهُوَ أَدَاؤُهُ فِيهَا.
وَأَشَارَ بِهِ إلَى رَدِّ مَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ مِنْ أَنَّ آخِرَهُ آخِرُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَلَوْ قَالَ وَكُرِهَ تَأْخِيرُهُمَا عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ لَكَانَ أَوْلَى لِيُفِيدَ حُكْمَ الْحَلْقِ كَالطَّوَافِ وَمَحِلُّ الْكَرَاهَةِ وَلُزُومُ الدَّمِ بِالتَّأْخِيرِ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ الْإِمْكَانِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ أَنَّ الْحَائِضَ إذَا طَهُرَتْ فِي آخِرِ أَيَّامِ النَّحْرِ فَإِنْ أَمْكَنَهَا الطَّوَافُ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَلَمْ تَفْعَلْ فَعَلَيْهَا دَمٌ لِلتَّأْخِيرِ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهَا طَوَافُ أَرْبَعَةِ أَشْوَاطٍ فَلَا شَيْء عَلَيْهَا وَلَوْ حَاضَتْ بَعْدَمَا قَدَرَتْ عَلَى الطَّوَافِ فَلَمْ تَطُفْ حَتَّى مَضَى الْوَقْتُ لَزِمَهَا الدَّمُ؛ لِأَنَّهَا مُقَصِّرَةٌ بِتَفْرِيطِهَا وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَيَالِي أَيَّامِ النَّحْرِ مِنْهَا.

(قَوْلُهُ ثُمَّ إلَى مِنًى فَارْمِ الْجِمَارَ الثَّلَاثَ فِي ثَانِي النَّحْرِ بَعْدَ الزَّوَالِ بَادِئًا بِمَا يَلِي الْمَسْجِدَ ثُمَّ بِمَا يَلِيهَا ثُمَّ بِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَقِفْ عِنْدَ كُلِّ رَمْيٍ بَعْدَهُ رَمْيٌ ثُمَّ غَدًا كَذَلِكَ ثُمَّ بَعْدَهُ كَذَلِكَ إنْ مَكَثْتَ) أَيْ ثُمَّ رُحْ إلَى مِنًى فَارْمِ الْجِمَارَ اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَذْكُرْ الْبَيْتُوتَةَ بِمِنًى؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الرَّمْيُ لَكِنْ هِيَ سُنَّةٌ حَتَّى قَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَلَا يَبِيتُ بِمَكَّةَ وَلَا بِالطَّرِيقِ، وَيُكْرَهُ أَنْ يَبِيتَ فِي غَيْرِ أَيَّامِ مِنًى.
وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ بَعْدَ الزَّوَالِ إلَى أَوَّلِ وَقْتِهِ فِي ثَانِي النَّحْرِ وَثَالِثِهِ حَتَّى لَوْ رَمَى قَبْلَ الزَّوَالِ لَا يَجُوزُ، وَلَمْ يَذْكُرْ آخِرَهُ وَهُوَ مُمْتَدٌّ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ الْغَدِ فَلَوْ رَمَى لَيْلًا صَحَّ وَكُرِهَ كَذَا فِي الْمُحِيطِ فَظَهَرَ أَنَّ لَهُ وَقْتَيْنِ وَقْتًا لِصِحَّةٍ وَوَقْتًا لِكَرَاهَةٍ بِخِلَافِ الرَّمْيِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ لَهُ أَرْبَعَةَ أَوْقَاتٍ كَمَا بَيَّنَّاهُ وَمَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ أَنَّ الْيَوْمَ الثَّانِيَ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ كَالْيَوْمِ الْأَوَّلِ
وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَنْفِرَ فِي هَذَا الْيَوْمِ لَهُ أَنْ يَرْمِيَ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَإِنَّمَا لَا يَجُوزُ قَبْلَ الزَّوَالِ لِمَنْ لَا يُرِيدُ النَّفْرَ فَمَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَإِنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ وَقْتُهُ فِي الْيَوْمَيْنِ إلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ مُطْلَقًا وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ أَخَّرَ رَمْيَ الْجِمَارِ كُلِّهَا إلَى الْيَوْمِ الرَّابِعِ رَمَاهَا عَلَى التَّأْلِيفِ؛ لِأَنَّ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ كُلَّهَا وَقْتُ رَمْيٍ فَيَقْضِي مُرَتَّبًا كَالْمَسْنُونِ وَعَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَاتِ اجْتَمَعَتْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَيَتَعَلَّقُ بِهَا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَوْ تَرَكَهَا حَتَّى غَابَتْ
ـــــــــــــــــــــــــــــQسَيُصَرِّحُ بِهِ فِي الْجِنَايَاتِ، وَصَرَّحُوا بِأَنَّ الرَّمَلَ بَعْدَ كُلِّ طَوَافٍ يَعْقُبُهُ سَعْيٌ فَبِهِ عُلِمَ أَنَّهُ يَأْتِي بِهِمَا فِي الصَّدْرِ لَوْ لَمْ يُقَدِّمْهُمَا، وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا وَإِنْ عُلِمَ مِنْ إطْلَاقِهِمْ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ مَوْقُوفٌ عَلَى الرُّكْنِ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْأَشْوَاطِ.

(قَوْلُهُ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَيَالِي أَيَّامِ النَّحْرِ مِنْهَا) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ.

(قَوْلُهُ وَهُوَ مُمْتَدٌّ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ الْغَدِ) ذَكَرَ مِثْلَهُ فِي الْبَحْرِ الْعَمِيقِ وَمَنْسَكِ الْفَارِسِيِّ وَالطَّرَابُلُسِيّ، وَيُخَالِفُهُ مَا فِي لُبَابِ الْمَنَاسِكِ وَشَرْحِهِ مِنْ أَنَّهُ إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ فَقَدْ فَاتَ وَقْتُ الْأَدَاءِ عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لَهُمَا وَبَقِيَ وَقْتُ الْقَضَاءِ اتِّفَاقًا فَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ آخِرَ الرَّمْيِ فِي هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ طُلُوعُ الْفَجْرِ، وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ الشَّارِحُ الْمُرْشِدِيُّ وَمِثْلُهُ فِي مَنْسَكِ الْعَفِيفِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ صَاحِبِ الْبَدَائِعِ فَإِنْ أَخَّرَ الرَّمْيَ فِيهِمَا إلَى اللَّيْلِ فَرَمَى قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ جَازَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ اللَّيْلَ وَقْتُ الرَّمْيِ فِي أَيَّامِ الرَّمْيِ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ الْحَدِيثِ اهـ.
وَقَوْلُ الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ وَالْمَكْرُوهُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَكَذَا فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَا بَيْنَ هَذِهِ الْأَيَّامِ كُلِّهَا مِنْ اللَّيَالِي الثَّلَاثِ اهـ.
وَقَوْلُ الْحَدَّادِيِّ فِي الْجَوْهَرَةِ فَإِنْ رَمَى بِاللَّيْلِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ جَازَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ اهـ.
وَكَأَنَّ فِيهِ اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ ثُمَّ رَأَيْت فِي الْمَنْسَكِ الْأَوْسَطِ لِلْمُنْلَا سِنَانٍ الرُّومِيِّ حِكَايَةَ الْخِلَافِ حَيْثُ قَالَ
وَقَالَ أَصْحَابُنَا إنَّ وَقْتَ أَدَاءِ رَمْيِ الْجِمَارِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ مِنْ زَوَالِ الشَّمْسِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ الْغَدِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ الْغَدِ اهـ.
كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْمَدَنِيِّ عَنْ حَاشِيَةِ شَيْخِهِ. (قَوْلُهُ فَظَهَرَ أَنَّ لَهُ وَقْتَيْنِ إلَخْ) فَوَقْتُ الصِّحَّةِ مِنْ الزَّوَالِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ وَوَقْتُ الْكَرَاهَةِ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ إلَى طُلُوعِهَا، وَهَذَا كُلُّهُ وَقْتُ الْأَدَاءِ فِي الْيَوْمَيْنِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ قَالَ فِي اللُّبَابِ وَشَرْحِهِ وَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ أَيْ صُبْحُ الرَّابِعِ فَقَدْ فَاتَ وَقْتُ الْأَدَاءِ أَيْ عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لَهُمَا، وَبَقِيَ وَقْتُ الْقَضَاءِ أَيْ اتِّفَاقًا إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَلَوْ أَخَّرَهُ أَيْ الرَّمْيَ عَنْ وَقْتِهِ أَيْ الْمُعَيَّنِ لَهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْجَزَاءُ وَهُوَ لُزُومُ الدَّمِ، وَيَفُوتُ وَقْتُ الْقَضَاءِ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ الرَّابِعِ اهـ.
وَسَيُشِيرُ إلَى ذَلِكَ قَرِيبًا

الصفحة 374