كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (اسم الجزء: 2)

بَيْنَهُمَا فَقَدْ فَرَّقُوا بَيْنَ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ فَشَرَطُوا فِي التَّمَتُّعِ عَدَمَ الْإِلْمَامِ دُونَ الْقِرَانِ، وَمُقْتَضَى الدَّلِيلِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي هَذَا الشَّرْطِ، وَأَنَّ الْمَكِّيَّ يَأْثَمُ إذَا أَحْرَمَ مِنْ الْمِيقَاتِ بِهِمَا أَوْ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ؛ لِأَنَّ التَّمَتُّعَ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ يَعُمُّهُمَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَإِيجَابُهُمْ دَمَ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمَكِّيِّ إذَا خَرَجَ إلَى الْمِيقَاتِ وَتَمَتَّعَ مُقْتَضٍ لِوُجُوبِ الدَّمِ عَلَى الْآفَاقِيِّ إذَا تَمَتَّعَ، وَقَدْ أَلَمَّ بَيْنَهُمَا إلْمَامًا صَحِيحًا وَلَمْ يُصَرِّحُوا بِهِ، وَإِنَّمَا قَالُوا بَطَلَ تَمَتُّعُهُ وَالْمُرَادُ بِمَنْ حَوْلَهَا مَنْ كَانَ دَاخِلَ الْمَوَاقِيتِ فَإِنَّهُمْ بِمَنْزِلَةِ أَهْلِ مَكَّةَ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَسِيرَةُ سَفَرٍ؛ لِأَنَّهُمْ فِي حُكْمِ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَفِي النِّهَايَةِ وَأَمَّا الْقِرَانُ مِنْ الْمَكِّيِّ فَيُكْرَهُ وَيَلْزَمُهُ الرَّفْضُ وَالْعُمْرَةُ لَهُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لَا تُكْرَهُ وَلَكِنْ لَا يُدْرِكُ فَضِيلَةَ التَّمَتُّعِ لِأَنَّ الْإِلْمَامَ قَطَعَ تَمَتُّعَهُ اهـ.
وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمَرْفُوضَ وَبَيَّنَهُ فِي الْمُحِيطِ فَقَالَ مَكِّيٌّ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَحِجَّةٍ رَفَضَ الْعُمْرَةَ وَمَضَى فِي الْحِجَّةِ وَعَلَيْهِ عُمْرَةٌ وَدَمٌ فَإِنْ مَضَى فِي الْعُمْرَةِ لَزِمَهُ دَمٌ لِجَمْعِهِ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْجَمْعُ فَإِذَا جَمَعَ فَقَدْ احْتَمَلَ وِزْرًا فَارْتَكَبَ مَحْظُورًا فَلَزِمَ دَمُ كَفَّارَةٍ ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ رَفْضِ أَحَدِهِمَا خُرُوجًا عَنْ الْمَعْصِيَةِ فَرَفْضُ الْعُمْرَةِ أَوْلَى فَإِنْ طَافَ لِعُمْرَتِهِ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ رَفَضَ الْحَجَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ امْتِنَاعٌ وَهُوَ أَسْهَلُ مِنْ الْإِبْطَالِ وَعِنْدَهُمَا بِرَفْضِ الْعُمْرَةِ وَلَوْ طَافَ لَهَا أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ أَتَمَّهُمَا وَعَلَيْهِ دَمٌ لِارْتِكَابِهِ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ اهـ.
وَفِيهَا أَيْضًا وَذَكَرَ الْإِمَامَ الْمَحْبُوبِيُّ أَنَّ هَذَا الْمَكِّيَّ الَّذِي خَرَجَ إلَى الْكُوفَةِ وَقَرَنَ إنَّمَا يُبِيحُ قِرَانَهُ إذَا خَرَجَ مِنْ الْمِيقَاتِ قَبْلَ دُخُولِ أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَأَمَّا إذَا دَخَلَ أَشْهُرَ الْحَجِّ وَهُوَ بِمَكَّةَ ثُمَّ قَدِمَ الْكُوفَةَ ثُمَّ عَادَ وَأَحْرَمَ بِهَا مِنْ الْمِيقَاتِ لَمْ يَكُنْ قَارِنًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ أَشْهُرَ الْحَجِّ وَهُوَ بِمَكَّةَ صَارَ مَمْنُوعًا مِنْ الْقِرَانِ شَرْعًا فَلَا يَتَغَيَّرُ ذَلِكَ بِخُرُوجِهِ مِنْ الْمِيقَاتِ وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ الظَّاهِرَ الْإِطْلَاقُ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ حَلَّ بِمَكَانٍ صَارَ مِنْ أَهْلِهِ مُطْلَقًا.

(قَوْلُهُ فَإِنْ عَادَ الْمُتَمَتِّعُ إلَى بَلَدِهِ بَعْدَ الْعُمْرَةِ وَلَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ بَطَلَ تَمَتُّعُهُ وَإِنْ سَاقَ لَا) أَيْ لَا يَبْطُلُ يَعْنِي إذَا حَجَّ مِنْ عَامِهِ لَا يَلْزَمُهُ دَمُ الشُّكْرِ فِي الْأَوَّلِ وَيَلْزَمُهُ فِي الثَّانِي وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَبْطَلَ التَّمَتُّعَ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ أَدَّاهُمَا بِسُفْرَتَيْنِ وَالْمُتَمَتِّعُ مَنْ يُؤَدِّيهِمَا بِسَفْرَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُمَا جَعَلَا اسْتِحْقَاقَ الْعَوْدِ كَعَدَمِهِ فَإِنَّهُ بِالْهَدْيِ اسْتَدَامَ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ إلَى أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَيْسَ لِأَهْلِ مَكَّةَ تَمَتُّعٌ وَلَا قِرَانٌ كَذَا قَالَهُ الشُّرَّاحُ (قَوْلُهُ وَمُقْتَضَى الدَّلِيلِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا) اعْتَرَضَهُ السِّنْدِيُّ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ بِأَنَّ الْإِلْمَامَ الصَّحِيحَ الْمُبْطِلَ لِلْحُكْمِ لَا يُتَصَوَّرُ فِي حَقِّ الْقَارِنِ، وَأَمَّا الْإِلْمَامُ الْفَاسِدُ مَعَ بَقَاءِ الْإِحْرَامِ فَهُوَ لَا يُبْطِلُ التَّمَتُّعَ الْمَشْرُوطَ فِيهِ عَدَمُ الْإِلْمَامِ فَلَا يُبْطِلُ الْقِرَانَ بِالْأَوْلَى اهـ. مُلَخَّصًا.
وَقَوْلُهُ الْمَكِّيُّ يَأْثَمُ إلَخْ أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ يُوَضِّحُهُ قَوْلُ الْهِدَايَةِ السَّابِقُ؛ لِأَنَّ عُمْرَتَهُ وَحِجَّتَهُ مِيقَاتِيَّانِ أَيْ بِخِلَافِ مَا إذَا تَمَتَّعَ بَعْدَمَا خَرَجَ إلَى الْكُوفَةِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ إحْرَامُهُ لِلْعُمْرَةِ آفَاقِيًّا لَكِنَّ إحْرَامَهُ لِلْحَجِّ مَكِّيٌّ فَهُوَ حِينَئِذٍ مِنْ أَهْلِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَأَمَّا الْقَارِنُ فَلَا لِمَا عَلِمْت فَلَمْ تَشْمَلْ الْآيَةُ هَذَا الْمَكِّيَّ الْقَارِنَ؛ لِأَنَّهُ بِخُرُوجِهِ صَارَ آفَاقِيًّا، وَإِنَّمَا تَشْمَلُ مَنْ لَمْ يَخْرُجْ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَدَبَّرْهُ (قَوْلُهُ وَإِيجَابُهُمْ دَمَ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمَكِّيِّ إلَخْ) قَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمَكِّيَّ إذَا خَرَجَ إلَى الْمِيقَاتِ وَتَمَتَّعَ لَمْ يَصِرْ بِمَنْزِلَةِ الْآفَاقِيِّ؛ لِأَنَّ حِجَّتَهُ مَكِّيَّةٌ، وَيَصِيرُ آثِمًا كَمَا قَدَّمَهُ وَالدَّمُ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ دَمُ جِنَايَةٍ لِمَا ارْتَكَبَهُ مِنْ النَّهْيِ وَهَذَا لَمْ يُوجَدْ فِي الْآفَاقِيِّ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَكِّيًّا ثُمَّ إنَّ وُجُوبَ الدَّمِ عَلَى الْمَكِّيِّ مَبْنِيٌّ عَلَى صِحَّةِ تَمَتُّعِهِ كَمَا مَرَّ وَالْآفَاقِيُّ إذَا أَلَمَّ بِأَهْلِهِ ثُمَّ حَجَّ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا إذَا لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ فَقَوْلُهُ إذَا تَمَتَّعَ غَيْرُ ظَاهِرٍ فَإِيجَابُ الدَّمِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ لِمُخَالَفَةِ النَّهْيِ فَلَا وَجْهَ لَهُ لِمَا عَلِمْت أَنَّهُ لَيْسَ مَكِّيًّا بَلْ لَيْسَ مُتَمَتِّعًا أَصْلًا، وَإِنْ كَانَ لِمُجَرَّدِ إلْمَامِهِ بِأَهْلِهِ بَعْدَ عُمْرَتِهِ فَلَا وَجْهَ لَهُ أَيْضًا لِمَا سَيَأْتِي فِي الصَّفْحَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ لَوْ بَعَثَ الْهَدْيَ وَتَعَجَّلَ ذَبْحَهُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ وَأَلَمَّ بِأَهْلِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ حَجَّ مِنْ عَامِهِ أَوْ لَا وَفِي مَسْأَلَتِنَا إنْ لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِالْأَوْلَى.
(قَوْلُهُ وَالْعُمْرَةُ لَهُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَلَا تُكْرَهُ إلَخْ) هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا سَبَقَ فِي الْحَاصِلِ (قَوْلُهُ وَبَيَّنَهُ فِي الْمُحِيطِ) وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ أَيْضًا فِي بَابِ إضَافَةِ الْإِحْرَامِ إلَى الْإِحْرَامِ، وَاَلَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ هُنَاكَ أَنَّ الْمَرْفُوضَ الْحَجُّ.
(قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ عُمْرَةٌ وَدَمٌ) أَيْ دَمٌ لِلرَّفْضِ وَهُوَ دَمُ جَبْرٍ كَذَا فِي اللُّبَابِ (قَوْلُهُ وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ الظَّاهِرَ الْإِطْلَاقُ إلَخْ) أَقُولُ: نَقَلَ فِي الشرنبلالية كَلَامَ الْمَحْبُوبِيِّ عَنْ الْعِنَايَةِ ثُمَّ قَالَ وَقَوْلُ الْمَحْبُوبِيِّ هُوَ الصَّحِيحُ نَقَلَهُ الشَّيْخُ الشَّلَبِيُّ عَنْ الْكَرْمَانِيِّ اهـ، وَعَلَيْهِ فَإِطْلَاقُ كَلَامِ الْهِدَايَةِ فِيمَا تَقَدَّمَ مُقَيَّدٌ بِمَا ذَكَرَهُ الْمَحْبُوبِيُّ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ بَطَلَ تَمَتُّعُهُ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِيهِ تَجَوُّزٌ ظَاهِرٌ إذْ بُطْلَانُ الشَّيْءِ فَرْعُ وُجُودِهِ وَلَا وُجُودَ لَهُ مَعَ فَقْدِ شَرْطِهِ فَلَوْ قَالَ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا لَكَانَ أَوْلَى. اهـ.
قُلْت: إنْ سُلِّمَ ذَلِكَ فَهُوَ تَجَوُّزٌ شَائِعٌ بَيْنَهُمْ مِثْلُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَفَسَدَ صَوْمُهُ وَاعْتِكَافُهُ وَحَجُّهُ تَسْمِيَةٌ لَهُ بِاعْتِبَارِ شُرُوعِهِ فِيهِ أَوْ وُجُودِهِ الصُّورِيِّ (قَوْلُهُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ سَوْقَ الْهَدْيِ يَمْنَعُهُ مِنْ التَّحَلُّلِ إلَخْ) أَيْ حَيْثُ قَالُوا فَإِنَّهُ بِالْهَدْيِ اسْتَدَامَ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ إلَخْ.

الصفحة 394