كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (اسم الجزء: 2)

أَنْ يَفْعَلَ أَكْثَرَ أَشْوَاطِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ وَكَأَنَّهُ مُسْتَنِدٌ فِي ذَلِكَ إلَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ مُحَمَّدٍ وَقَدَّمْنَا جَوَابَهُ فِي بَابِ الْقِرَانِ. .

(قَوْلُهُ وَهِيَ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ) أَيْ أَشْهُرُ الْحَجِّ الْمُرَادَةُ فِي قَوْله تَعَالَى {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ الْعَبَادِلَةِ الثَّلَاثَةِ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فَالْمُرَادُ حِينَئِذٍ مِنْ الْجَمْعِ شَهْرَانِ، وَبَعْضُ الثَّالِثِ وَذَكَرَ فِي الْكَشَّافِ فَإِنْ قُلْت فَكَيْفَ كَانَ الشَّهْرَانِ وَبَعْضُ الثَّالِثِ أَشْهُرًا قُلْت اسْمُ الْجَمْعِ يَشْتَرِكُ فِيهِ مَا وَرَاءَ الْوَاحِدِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4] فَلَا سُؤَالَ فِيهِ إذَنْ، وَإِنَّمَا يَكُونُ مَوْضِعًا لِلسُّؤَالِ لَوْ قِيلَ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ مَعْلُومَاتٌ اهـ.
وَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ أَنَّهُ عَامٌّ مَخْصُوصٌ فَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ أَخَصَّ الْخُصُوصِ فِي الْعَامِّ إذَا كَانَ جَمْعًا ثَلَاثَةٌ لَا يَجُوزُ التَّخْصِيصُ بَعْدَهُ فَالْأَوْلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْكَشَّافِ، وَفَائِدَةُ التَّوْقِيتِ بِهَذِهِ الْأَشْهُرِ أَنَّ شَيْئًا مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ لَا يَجُوزُ إلَّا فِيهَا حَتَّى إذَا صَامَ الْمُتَمَتِّعُ أَوْ الْقَارِنُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ لَا يَجُوزُ، وَكَذَا السَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ عَقِبَ طَوَافِ الْقُدُومِ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَأَنَّهُ لَا يُكْرَهُ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ فِيهِ مَعَ أَنَّهُ يُكْرَهُ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَأَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ يَوْمَ النَّحْرِ فَأَتَى بِأَفْعَالِهَا ثُمَّ أَحْرَمَ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ بِالْحَجِّ وَبَقِيَ مُحْرِمًا إلَى قَابِلٍ فَحَجَّ كَانَ مُتَمَتِّعًا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهَذَا يُعَكِّرُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَيُوجِبُ أَنْ يَضَعَ مَكَانَ قَوْلِهِمْ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ فِي تَصْوِيرِ التَّمَتُّعِ، وَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ. اهـ.
وَسَيَأْتِي فِي بَابِ إضَافَةِ الْإِحْرَامِ إلَى الْإِحْرَامِ أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ يَوْمَ النَّحْرِ وَجَبَ عَلَيْهِ الرَّفْضُ وَالتَّحَلُّلُ لِارْتِكَابِهِ النَّهْيَ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ مُتَمَتِّعًا؛ لِأَنَّهُ مَكِّيٌّ وَعُمْرَتَهُ وَحِجَّتَهُ مَكِّيَّةٌ وَالْمُتَمَتِّعَ مَنْ عُمْرَتُهُ مِيقَاتِيَّةٌ وَحِجَّتُهُ مَكِّيَّةٌ وَالْقَعْدَةُ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ وَلَمْ يُسْمَعْ فِي الْحِجَّةِ إلَّا الْكَسْرُ.

(قَوْلُهُ وَصَحَّ الْإِحْرَامُ بِهِ قَبْلَهَا وَكُرِهَ) أَيْ صَحَّ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ مَعَ الْكَرَاهَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ شَرْطٌ وَلَيْسَ بِرُكْنٍ لِعَدَمِ اتِّصَالِ الْأَفْعَالِ بِهِ فَجَازَ تَقْدِيمُهُ عَلَى الزَّمَانِ كَالتَّقْدِيمِ عَلَى الْمَكَانِ وَكَالطَّهَارَةِ لِلصَّلَاةِ بِخِلَافِ تَحْرِيمَتِهَا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْوَقْتِ، وَإِنْ كَانَتْ شَرْطًا عِنْدَنَا لِمَا أَنَّ الْأَفْعَالَ مُتَّصِلَةٌ بِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 15] لِأَنَّ الْفَاءَ لِلْوَصْلِ وَالتَّعْقِيبِ بِلَا تَرَاخٍ، وَإِنَّمَا كُرِهَ لِلطُّولِ الْمُفْضِي إلَى الْوُقُوعِ فِي مَحْظُورِهِ أَوْ عَلَى أَنَّهُ شَرْطٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــQزِيَادَةُ عِبَادَةٍ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ فِي حُكْمِ الْمَكِّيِّ إلَّا أَنَّ الْمَكِّيَّ لَيْسَ مَمْنُوعًا عَنْ الْعُمْرَةِ فَقَطْ عَلَى الصَّحِيحِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ مَمْنُوعًا عَنْ التَّمَتُّعِ كَمَا تَقَدَّمَ اهـ. مَا فِي اللُّبَابِ.

(قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَعَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ) قَالَ فِي النَّهْرِ دَخَلَ فِيهِ يَوْمُ النَّحْرِ وَعَنْ الثَّانِي لَا بِدَلِيلِ فَوَاتِ الْحَجِّ بِطُلُوعِ فَجْرِهِ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ يَبْعُدُ أَنْ يُوضَعَ لِأَدَاءِ رُكْنِ عِبَادَةٍ وَقْتٌ لَيْسَ وَقْتَهَا وَلَا هُوَ مِنْهُ، وَقَدْ وُضِعَ لِطَوَافِ الزِّيَارَةِ عَلَى أَنَّهُ وَقْتٌ لِلْوُقُوفِ فِي الْجُمْلَةِ بِدَلِيلِ مَا قَالَهُ السُّرُوجِيُّ لَوْ اشْتَبَهَ يَوْمُ عَرَفَةَ فَوَقَفُوا، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ يَوْمُ النَّحْرِ أَجْزَأَهُمْ لَا إنْ ظَهَرَ أَنَّهُ الْحَادِيَ عَشَرَ.
(قَوْلُهُ قُلْت اسْمُ الْجَمْعِ) الْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ أَيْ اسْمٌ هُوَ الْجَمْعُ وَإِلَّا فَهُوَ جَمْعٌ حَقِيقَةً عَلَى وَزْنِ أَفْعَلَ أَحَدِ الصِّيَغِ الْأَرْبَعَةِ لِجَمْعِ الْقِلَّةِ هَذَا وَقَدْ اعْتَرَضَ الْقُهُسْتَانِيُّ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ بِأَنَّهُ مُخْرِجٌ لِلْعَشْرِ؛ لِأَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ الشَّهْرَيْنِ عَلَى أَنَّهُ قَوْلٌ مَرْجُوحٌ لَا يَلِيقُ بِفَصَاحَةِ الْقُرْآنِ، وَاخْتَارَ فِي الْجَوَابِ أَنَّ الْجَمْعَ الْمُرَادَ بِهِ ثَلَاثَةٌ لَكِنْ جَعَلَ بَعْضَ الشَّهْرِ شَهْرًا تَسَامُحًا أَوْ مَجَازًا، وَهَذَا الْجَوَابُ نَقَلَهُ فِي النَّهْرِ عَنْ الْكَشَّافِ أَيْضًا لِقَوْلِهِ أَوْ نَزَلَ بَعْضُ الشَّهْرِ مَنْزِلَةَ كُلِّهِ وَرَدَّهُ فِي الْعِنَايَةِ أَيْضًا بِأَنَّ فِيهِ إلْبَاسًا بِخِلَافِ قَوْله تَعَالَى {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4] ثُمَّ قَالَ وَأَقُولُ: هُوَ مِنْ بَابِ ذِكْرِ الْكُلِّ وَإِرَادَةِ الْجُزْءِ وَقَرِينَةُ الْمَجَازِ سِيَاقُ الْكَلَامِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ الْحَجُّ أَشْهُرٌ وَالْحَجُّ نَفْسُهُ لَيْسَ بِأَشْهُرٍ فَكَانَ تَقْدِيرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الْحَجُّ فِي أَشْهُرٍ، وَالظَّرْفُ لَا يَسْتَلْزِمُ الِاسْتِفْرَاقَ فَكَانَ الْبَعْضُ مُرَادًا وَعَيْنُهُ مَا رُوِيَ عَنْ الْعَبَادِلَةِ وَغَيْرِهِمْ اهـ.
(قَوْلُهُ وَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ الَّذِي فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مَا لَفْظُهُ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ مِنْ الْعَامِّ الْخَاصُّ إذَا دَلَّ الدَّلِيلُ، وَقَدْ دَلَّ نَقْلًا وَعَقْلًا اهـ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ وَالْعَامِّ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ خَاصٌّ لَا يَخْفَى اهـ.
وَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ مَسْبُوقٌ إلَيْهِ فِي الْعِنَايَةِ وَفِيهَا وَلِأَنَّ الْخُصُوصَ إنَّمَا يَكُونُ بِإِخْرَاجِ بَعْضِ أَفْرَادِ الْعَامِّ لَا بِإِخْرَاجِ بَعْضِ كُلِّ فَرْدٍ اهـ.
وَهَذَا وَارِدٌ (قَوْلُهُ وَفَائِدَةُ التَّوْقِيتِ بِهَذِهِ الْأَشْهُرِ أَنَّ شَيْئًا مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ لَا يَجُوزُ إلَّا فِيهَا) أَقُولُ: يَرِدُ عَلَيْهِ طَوَافُ الزِّيَارَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِي يَوْمَيْنِ بَعْدَ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ بِلَا كَرَاهَةٍ.

(قَوْلُهُ وَإِنَّمَا كُرِهَ لِلطُّولِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ كُرِهَ التَّقْدِيمُ فَكَانَ ابْنُ شُجَاعٍ يَقُولُ لِأَنَّهُ إحْرَامٌ، وَكَانَ الْفَقِيهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ مِنْ مُوَاقَعَةِ الْمَحْظُورِ فَإِذَا أَمِنَ ذَلِكَ لَا يُكْرَهُ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَفِيهَا لَا يُكْرَهُ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ يَوْمَ النَّحْرِ، وَيُكْرَهُ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ أَقُولُ: فِيهِ إفَادَةُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَقْتِ وَقْتُ الْحَجِّ وَلَوْ لِعَامٍ مَضَى إلَّا أَنَّ الظَّاهِرَ مَا قَالَهُ الْفَقِيهُ إذْ لَا مَعْنَى لِكَرَاهَةِ فِعْلِ شَرْطٍ قَبْلَ وَقْتٍ مَشْرُوطٍ إلَّا كَمَا قَالَ وَلِذَا لَمْ يُعَرِّجْ أَكْثَرُ الشُّرَّاحِ عَلَى غَيْرِهِ، وَإِحْرَامُهُ يَوْمَ النَّحْرِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَكْرُوهًا حَيْثُ لَمْ يَأْمَنْ، وَإِنْ كَانَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَمَا فِي الْكِتَابِ مُقَيَّدٌ بِذَلِكَ وَإِطْلَاقُهُ يُفِيدُ التَّحْرِيمَ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي النِّهَايَةِ بِإِسَاءَتِهِ اهـ.
أَيْ فَظَاهِرُهُ عَدَمُ التَّحْرِيمِ وَقَدْ شَاعَ فِي كَلَامِهِمْ فِي كِتَابِ الْحَجِّ

الصفحة 396