كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (اسم الجزء: 2)

الْكَلَامَ فِيهِ إطَالَةً حَسَنَةً كَمَا هُوَ دَأْبُهُ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ فِي كَلَامِ مَنْ تَقَدَّمَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ صَلَاةَ الضُّحَى لِلِاخْتِلَافِ فِيهَا فَقِيلَ لَا تُسْتَحَبُّ لِمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ إنْكَارِ ابْنِ عُمَرَ لَهَا وَقِيلَ مُسْتَحَبَّةٌ لِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يُصَلِّي الضُّحَى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَيَزِيدُ مَا شَاءَ» وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ وَلَا يُخَالِفُهُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهَا «مَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي سُبْحَةَ الضُّحَى قَطُّ وَإِنِّي لَأُسَبِّحُهَا» لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا أَخْبَرَتْ فِي النَّفْيِ عَنْ رُؤْيَتِهَا وَمُشَاهَدَتِهَا وَفِي الْإِثْبَاتِ عَنْ خَبَرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَوْ خَبَرِ غَيْرِهِ عَنْهُ أَوْ أَنَّهَا أَنْكَرَتْهَا مُوَاظَبَةً وَإِعْلَانًا وَيَدُلُّ لِذَلِكَ كُلِّهِ قَوْلُهَا وَإِنِّي لَأُسَبِّحُهَا وَفِي رِوَايَةِ الْمُوَطَّإِ وَإِنِّي لَأَسْتَحِبُّهَا مِنْ الِاسْتِحْبَابِ وَهُوَ أَظْهَرُ فِي الْمُرَادِ وَظَاهِرُ مَا فِي الْمُنْيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَقَلَّهَا رَكْعَتَانِ وَأَكْثَرَهَا ثَنَتَا عَشْرَةَ رَكْعَةً لِمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ صَلَّى الضُّحَى رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُكْتَبْ مِنْ الْغَافِلِينَ وَمَنْ صَلَّى أَرْبَعًا كُتِبَ مِنْ الْعَابِدِينَ وَمَنْ صَلَّى سِتًّا كَفَى ذَلِكَ الْيَوْمَ وَمَنْ صَلَّى ثَمَانِيًا كَتَبَهُ اللَّهُ مِنْ الْقَانِتِينَ وَمَنْ صَلَّى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَمَا مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إلَّا وَلِلَّهِ مَنٌّ يَمُنُّ بِهِ عَلَى عِبَادِهِ وَصَدَقَةٌ وَمَا مَنَّ اللَّهُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ عِبَادِهِ أَفْضَلَ مِنْ أَنْ يُلْهِمَهُ ذِكْرَهُ» قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ وَلَمْ أَرَ بَيَانَ أَوَّلَ وَقْتِهَا وَآخِرَهُ لِمَشَايِخِنَا هُنَا وَلَعَلَّهُمْ تَرَكُوهُ لِلْعِلْمِ بِهِ وَهُوَ أَنَّهُ مِنْ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ إلَى زَوَالِهَا كَمَا لَا يَخْفَى ثُمَّ رَأَيْت صَاحِبَ الْبَدَائِعِ صَرَّحَ بِهِ فِي كُتُبِ الْأَيْمَانِ فِيمَا إذَا حَلَفَ لَيُكَلِّمَنَّهُ الضُّحَى فَقَالَ أَنَّهُ مِنْ السَّاعَةِ الَّتِي تَحِلُّ فِيهَا الصَّلَاةُ إلَى الزَّوَالِ وَهُوَ وَقْتُ صَلَاةِ الضُّحَى اهـ. .
وَمِنْ الْمَنْدُوبَاتِ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ وَقَدْ قَدَّمْنَاهَا فِي أَحْكَامِ الْمَسْجِدِ قُبَيْلَ بَابِ الْوِتْرِ وَصَرَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ بِاسْتِحْبَابِهَا وَأَنَّهَا رَكْعَتَانِ وَمِنْ الْمَنْدُوبَاتِ رَكْعَتَانِ عَقِيبَ الْوُضُوءِ كَمَا فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ وَالتَّبْيِينِ وَمِنْ الْمَنْدُوبَاتِ صَلَاةُ الِاسْتِخَارَةِ وَقَدْ أَفْصَحَتْ السُّنَّةُ بِبَيَانِهَا فَعَنْ جَابِرٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَنُدِبَ سِتُّ رَكَعَاتٍ بَعْدَ الْمَغْرِبِ يَعْنِي غَيْرَ سُنَّةِ الْمَغْرِبِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ صَلَّى بَعْدَ الْمَغْرِبِ سِتَّ رَكَعَاتٍ لَمْ يَتَكَلَّمْ فِيمَا بَيْنَهُنَّ بِسُوءٍ عَدَلْنَ عِبَادَةَ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً» كَذَا فِي الْإِيضَاحِ اهـ.
وَفِي الْغَزْنَوِيَّةِ وَصَلَاةُ الْأَوَّابِينَ وَهِيَ مَا بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ سِتُّ رَكَعَاتٍ بِثَلَاثِ تَسْلِيمَاتٍ قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ الْقُرَشِيُّ فِي شَرْحِهَا يُصَلِّي سِتَّ رَكَعَاتٍ بِنِيَّةِ صَلَاةِ الْأَوَّابِينَ يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] مَرَّةً {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَالَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ اللَّهِ الْبِسْطَامِيُّ اهـ.
وَكَذَلِكَ صَرَّحَ فِي التَّجْنِيسِ وَغُرَرِ الْأَذْكَارِ بِأَنَّهَا بِثَلَاثِ تَسْلِيمَاتٍ ثُمَّ قَالَ فِي الْغُرَرِ الْأَذْكَارِيَّةِ وَفَسَّرَهُ يَعْنِي أَنَسًا رَاوِيَ الْحَدِيثِ بِثَلَاثِ تَسْلِيمَاتٍ اهـ.
كَلَامُ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ ثُمَّ قَالَ مَعَ أَنَّ الْحَدِيثَ يُشِيرُ إلَى ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ لَمْ يَتَكَلَّمْ فِيمَا بَيْنَهُنَّ بِسُوءٍ إذْ مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ تَكَلَّمَ بِخَيْرٍ اسْتَحَقَّ الْمَوْعُودَ اهـ فَظَهَرَ أَنَّهَا سِتٌّ مُسْتَقِلَّةٌ كَمَا هُوَ صَرِيحُ الْمِفْتَاحِ وَظَاهِرُ شَرْحِ الْغَزْنَوِيَّةِ وَأَنَّهَا بِثَلَاثِ تَسْلِيمَاتٍ وَإِنْ قَالَ فِي الدُّرَرِ وَالتَّنْوِيرِ أَنَّهَا بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ قَالَ الرَّمْلِيُّ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي فِي وَجْهِ الْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ السِّتِّ وَبَيْنَ الْأَرْبَعِ فِي الظُّهْرِ وَالْعِشَاءِ أَنَّهَا لَمَّا زَادَتْ عَنْ الْأَرْبَعِ وَكَانَ جَمْعُهَا بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ خِلَافَ الْأَفْضَلِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْأَفْضَلَ فِيهِمَا رُبَاعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ سَلَّمَ عَلَى رَأْسِ الْأَرْبَعِ لَزِمَ أَنْ يُسَلِّمَ فِي الشَّفْعِ الثَّالِثِ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ فَيَكُونُ فِيهِ مُخَالَفَةٌ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ فَكَانَ الْمُسْتَحَبُّ فِيهِ ثَلَاثَ تَسْلِيمَاتٍ لِيَكُونَ عَلَى نَسَقٍ وَاحِدٍ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي مِنْ الْوَجْهِ وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِي فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ وَهُوَ حَسَنٌ
(قَوْلُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ إلَخْ) أَقُولُ: لَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ أَيْضًا صَلَاةَ التَّوْبَةِ وَصَلَاةَ الْوَالِدَيْنِ وَصَلَاةَ رَكْعَتَيْنِ عِنْدَ نُزُولِ الْغَيْثِ وَرَكْعَتَيْنِ عِنْدَ الْخُرُوجِ إلَى السَّفَرِ وَرَكْعَتَيْنِ فِي السِّرِّ لِدَفْعِ النِّفَاقِ وَالصَّلَاةَ حِينَ يَدْخُلُ بَيْتَهُ وَيَخْرُجُ تَوَقِّيًا عَنْ فِتْنَةِ الْمَدْخَلِ وَالْمَخْرَجِ كَمَا فِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ عَنْ الشِّرْعَةِ (قَوْلُهُ وَلَمْ أَرَ إلَخْ) .
أَقُولُ: لَمْ يَذْكُرْ وَقْتَهَا الْمُخْتَارَ وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ عَنْ الشِّرْعَةِ وَيَتَحَرَّى لَهَا وَقْتَ تَعَالِي النَّهَارِ حَتَّى تَرْمَضَ الْفِصَالُ مِنْ الظَّهِيرَةِ قَالَ وَفِي شَرْحِهَا تَعَالِي النَّهَارِ عُلُوُّهُ وَارْتِفَاعُهُ وَتَرْمَضُ مِنْ بَابِ عَلِمَ أَيْ تَحْتَرِقُ أَخْفَافُ الْفِصَالِ جَمْعُ فَصِيلٍ وَلَدُ النَّاقَةِ إذَا فُصِلَ عَنْ أُمِّهِ وَالظَّهِيرَةُ نِصْفُ النَّهَارِ هَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَشَارِقِ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ إذَا رَمِضَتْ الْفِصَالُ» قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ أَقُولُ: وَمُقْتَضَاهُ أَفْضَلِيَّةُ كَوْنَهَا أَقْرَبَ إلَى الظَّهِيرَةِ اهـ.
قُلْت: وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ عَنْ الْحَاوِي وَوَقْتُهَا الْمُخْتَارُ إذَا مَضَى رُبُعٌ النَّهَارِ ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ وَذَكَرَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ عَنْ الشِّرْعَةِ أَنَّهُ يَقْرَأُ فِيهَا سُورَتَيْ الضُّحَى أَيْ سُورَةَ {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} [الشمس: 1] وَسُورَةَ {وَالضُّحَى - وَاللَّيْلِ} [الضحى: 1 - 2] اهـ.
قُلْت رَأَيْت فِي التُّحْفَةِ لِابْنِ حَجَرٍ الشَّافِعِيِّ مَا نَصُّهُ: قَالَ بَعْضُهُمْ: وَيُسَنُّ قِرَاءَةُ وَالشَّمْسِ وَالضُّحَى لِحَدِيثٍ فِيهِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ اهـ.
قَالَ وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهُ يَقْرَؤُهُمَا فِيمَا إذَا زَادَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ مِنْ رَكَعَاتِهَا أَوْ فِي الْأُولَيَيْنِ فَقَطْ وَعَلَيْهِ فَمَا عَدَاهُمَا يَقْرَأُ فِيهِ الْكَافِرُونَ وَالْإِخْلَاصَ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ اهـ.
وَمُرَادُهُ بِمَا مَرَّ مَا نَقَلَهُ عَنْ بَعْضِهِمْ بَحْثًا أَنَّهُمَا يُسَنَّانِ أَيْضًا فِي سَائِرِ السُّنَنِ الَّتِي لَمْ تَرِدْ لَهَا قِرَاءَةٌ مَخْصُوصَةٌ (قَوْلُهُ وَمِنْ الْمَنْدُوبَاتِ صَلَاةُ الِاسْتِخَارَةِ) قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ وَفِي شَرْحِ

الصفحة 55