كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (اسم الجزء: 2)

يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ قَالَ كَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ رَكْعَةً وَعَلَيْهِ عَمِلَ النَّاسُ شَرْقًا وَغَرْبًا لَكِنْ ذَكَرَ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ الدَّلِيلَ يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ السُّنَّةُ مِنْ الْعِشْرِينَ مَا فَعَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهَا ثُمَّ تَرَكَهُ خَشْيَةَ أَنْ تُكْتَبَ عَلَيْنَا وَالْبَاقِي مُسْتَحَبٌّ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً بِالْوِتْرِ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ فَإِذَنْ يَكُونُ الْمَسْنُونُ عَلَى أُصُولِ مَشَايِخِنَا ثَمَانِيَةٌ مِنْهَا وَالْمُسْتَحَبُّ اثْنَا عَشَرَ انْتَهَى
وَذَكَرَ الْعَلَّامَةُ الْحَلَبِيُّ أَنَّ الْحِكْمَةَ فِي كَوْنِهَا عِشْرِينَ أَنَّ السُّنَنَ شُرِعَتْ مُكَمِّلَاتٍ لِلْوَاجِبَاتِ وَهِيَ عِشْرُونَ بِالْوِتْرِ فَكَانَتْ التَّرَاوِيحُ كَذَلِكَ لِتَقَعَ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَ الْمُكَمِّلِ وَالْمُكَمِّلِ انْتَهَى وَأَرَادَ بِالْعِشْرِينِ أَنْ تَكُونَ بِعَشْرِ تَسْلِيمَاتٍ كَمَا هُوَ الْمُتَوَارَثُ يُسَلِّمُ عَلَى رَأْسِ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ فَلَوْ صَلَّى الْإِمَامُ أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَةٍ وَلَمْ يَقْعُدْ فِي الثَّانِيَةِ فَأَظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ عَدَمُ الْفَسَادِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا هَلْ تَنُوبُ عَنْ تَسْلِيمَةٍ أَوْ تَسْلِيمَتَيْنِ قَالَ أَبُو اللَّيْثِ تَنُوبُ عَنْ تَسْلِيمَتَيْنِ وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَابْنُ الْفَضْلِ تَنُوبُ عَنْ وَاحِدَةٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْخَانِيَّةِ وَفِي الْمُجْتَبَى وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَلَوْ قَعَدَ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ عَنْ تَسْلِيمَتَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ الْعَامَّةِ وَفِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي إذَا شَكُّوا أَنَّهُمْ صَلَّوْا تِسْعَ تَسْلِيمَاتٍ أَوْ عَشْرَ تَسْلِيمَاتٍ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ بِتَسْلِيمَةٍ أُخْرَى فُرَادَى وَلَوْ سَلَّمَ الْإِمَامُ عَلَى رَأْسِ رَكْعَةٍ سَاهِيًا فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ ثُمَّ صَلَّى مَا بَقِيَ عَلَى وَجْهِهَا قَالَ مَشَايِخُ بُخَارَى يَقْضِي الشَّفْعَ الْأَوَّلَ لَا غَيْرَ وَقَالَ مَشَايِخُ سَمَرْقَنْدَ عَلَيْهِ قَضَاءُ الْكُلِّ وَهَذَا إذَا لَمْ يَفْعَلْ بَعْدَ السَّلَامِ الْمَذْكُورِ شَيْئًا مِمَّا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ مِنْ أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ أَوْ كَلَامٍ أَمَّا إذَا فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا قَضَاءُ الشَّفْعِ الْأَوَّلِ لَا غَيْرَ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمَا وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ صَلَّى التَّرَاوِيحَ كُلَّهَا بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَدْ قَعَدَ عَلَى رَأْسِ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ
فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجُوزُ عَنْ الْكُلِّ لِأَنَّهُ قَدْ أَكْمَلَ الصَّلَاةَ وَلَمْ يُخِلَّ بِشَيْءٍ مِنْ الْأَرْكَانِ إلَّا أَنَّهُ جَمَعَ الْمُتَفَرِّقَ وَاسْتَدَامَ التَّحْرِيمَةَ فَكَانَ أَوْلَى بِالْجَوَازِ لِأَنَّهُ أَشَقُّ وَأَتْعَبُ لِلْبَدَنِ انْتَهَى وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَكْرَهُ وَقَدْ صَرَّحَ بِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ لِمُخَالَفَتِهِ الْمُتَوَارَثَ مَعَ تَصْرِيحِهِمْ بِكَرَاهَةِ الزِّيَادَةِ عَلَى ثَمَانٍ فِي مُطْلَقِ التَّطَوُّعِ لَيْلًا فَلَأَنْ يَكْرَهَ هُنَا أَوْلَى فَلِهَذَا نَقَلَ الْعَلَّامَةُ الْحَلَبِيُّ أَنَّ فِي النِّصَابِ وَخِزَانَةِ الْفَتَاوَى الصَّحِيحَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ إلَخْ) أَيْ الْحَدِيثُ السَّابِقُ عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَالْأَفْضَلُ فِيهِمَا رُبَاعُ وَفِيهِ مَا كَانَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلَا غَيْرِهِ عَلَى إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً قَالَ فِي الْفَتْحِ وَأَمَّا مَا رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ وَالطَّبَرَانِيُّ وَعِنْدَ الْبَيْهَقِيّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يُصَلِّي فِي رَمَضَانَ عِشْرِينَ رَكْعَةً سِوَى الْوِتْرِ» فَضَعِيفٌ بِأَبِي شَيْبَةَ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُثْمَانَ جَدِّ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ مُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِهِ مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِلصَّحِيحِ اهـ.
قُلْت: أَمَّا مُخَالَفَتُهُ لِلصَّحِيحِ فَقَدْ يُجَابُ عَنْهَا بِأَنَّ مَا فِي الصَّحِيحِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا هُوَ الْغَالِبُ مِنْ أَحْوَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا كَانَ لَيْلَتَيْنِ فَقَطْ ثُمَّ تَرَكَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَلِذَا لَمْ تَذْكُرْهُ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - وَأَمَّا تَضْعِيفُ الْحَدِيثِ بِمَنْ ذَكَرَ فَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ اعْتَضَدَ بِمَا مَرَّ مِنْ نَقْلِ الْإِجْمَاعِ عَلَى سُنِّيَّتِهَا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ مَعَ قَوْلِ الْإِمَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّ مَا فَعَلَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَتَخَرَّجْهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ مُبْتَدِعًا وَلَمْ يَأْمُرْ بِهِ إلَّا عَنْ أَصْلٍ لَدَيْهِ وَعُهِدَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هـ فَتَأَمَّلْ مُنَصَّفًا
(قَوْلُهُ ثُمَّ اخْتَلَفُوا إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: عَلَى الْقَوْلَيْنِ يَجِبُ سُجُودُ السَّهْوِ فَتَأَمَّلْ اهـ.
قُلْت: هَذَا فِي السَّهْوِ أَمَّا الْعَمْدُ فَسَيَأْتِي أَنَّ انْجِبَارَهُ بِالسُّجُودِ ضَعِيفٌ (قَوْلُهُ وَالصَّحِيحُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ إنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِكَرَاهَةِ الْإِمَامَةِ فِي النَّفْلِ فِي غَيْرِ التَّرَاوِيحِ فَلِمَا احْتَمَلَ أَنَّهَا عَشْرَةٌ وَهَذِهِ زَائِدَةٌ عَلَيْهَا كَانَ الْأَفْضَلُ كَوْنَهَا فُرَادَى (قَوْلُهُ ثُمَّ صَلَّى مَا بَقِيَ عَلَى وَجْهِهَا) أَيْ قَبْلَ أَنْ يُعِيدَ ذَلِكَ الشَّفْعَ (قَوْلُهُ يَقْضِي الشَّفْعَ الْأَوَّلَ لَا غَيْرَ) أَيْ لِأَنَّ كُلَّ شَفْعٍ صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ وَقَدْ خَرَجَ مِنْ الشَّفْعِ الْأَوَّلِ بِشُرُوعِهِ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي فَلَا يَفْسُدُ مَا بَعْدَ الشَّفْعِ الْأَوَّلِ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا قَضَاؤُهُ
(قَوْلُهُ عَلَيْهِ قَضَاءُ الْكُلِّ) أَيْ كُلُّ التَّرَاوِيحِ لِفَسَادِهَا كُلِّهَا لِأَنَّ ذَلِكَ السَّلَامَ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ حُرْمَةِ الصَّلَاةِ لِكَوْنِهِ سَهْوًا فَإِذَا قَامَ إلَى الشَّفْعِ الثَّانِي صَحَّ شُرُوعُهُ فِيهِ وَكَانَ قُعُودُهُ فِيهِ عَلَى الثَّالِثَةِ فَإِذَا سَلَّمَ كَانَ سَلَامُهُ سَهْوًا بِنَاءً عَلَى السَّهْوِ الْأَوَّلِ فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الصَّلَاةِ وَلَا يَصِحُّ شُرُوعُهُ فِي الشَّفْعِ الثَّالِثِ وَحَصَلَ قُعُودُهُ وَسَلَامُهُ فِيهِ عَلَى الْخَامِسَةِ سَهْوًا وَهَكَذَا إلَى آخِرِ الْأَشْفَاعِ فَقَدْ تَرَكَ الْقَعْدَةَ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ فِي الْأَشْفَاعِ كُلِّهَا فَتَفْسُدُ بِأَسْرِهَا وَقَيَّدَ بِالسَّلَامِ سَاهِيًا لِأَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ عَمْدًا لَا يَلْزَمُهُ إلَّا قَضَاءُ الشَّفْعِ الْأَوَّلِ إجْمَاعًا وَفُهِمَ مِنْ التَّوْجِيهِ الْمَذْكُورِ أَنَّ الْحُكْمَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَتَذَكَّرْ أَنَّهُ سَلَّمَ فِي الْأَوَّلِ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَةِ إلَى أَنْ أَتَمَّ التَّرَاوِيحَ حَتَّى لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ سَهَا وَسَلَّمَ عَلَى رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ صَحَّ مَا صَلَّاهُ بَعْدَ الْعِلْمِ سِوَى رَكْعَتَيْنِ لِكَوْنِ سَلَامِهِ بَعْدَهُمَا عَمْدًا لَا سَهْوًا فَكَانَ مُخْرِجًا لَهُ عَنْ التَّحْرِيمَةِ وَإِنْ كَانَ عَلَى وِتْرٍ فَلْيُتَأَمَّلْ كَذَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِلشَّيْخِ إبْرَاهِيمَ الْحَلَبِيِّ

الصفحة 72