كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (اسم الجزء: 3)

الْمِثْلُ مَعْنًى، وَهُوَ الْقِيمَةُ، وَأَمَّا رَدُّ الْعَيْنِ فَثَابِتٌ بِالسُّنَّةِ أَوْ لِمَا فِي حَمْلِنَا عَلَى الْمِثْلِ مَعْنًى مِنْ التَّعْمِيمِ لِشُمُولِهِ مَا لَهُ نَظِيرٌ لَهُ، وَمَا لَا نَظِيرَ لَهُ، وَإِذَا حُمِلَ عَلَى الْمِثْلِ الْكَامِلِ كَانَتْ الْآيَةُ قَاصِرَةً عَلَى مَا لَهُ نَظِيرٌ، وَعَلَى هَذَا فَكَلِمَةُ مِنْ النَّعَمِ بَيَانٌ لِمَا، وَهُوَ الْمَقْتُولُ لَا لِلْمِثْلِ وَالنَّعَمُ كَمَا يُطْلَقُ عَلَى الْأَهْلِيِّ يُطْلَقُ عَلَى الْوَحْشِيِّ كَمَا قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ وَالْأَصْمَعِيُّ، وَأَرَادَ بِقِيمَةِ الصَّيْدِ قِيمَةَ لَحْمِهِ قَالَ: الْكَرْمَانِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ يُقَوَّمُ الصَّيْدُ لَحْمًا عِنْدَنَا، وَقَالَ: زُفَرُ يَجِبُ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ.
وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ لَوْ قَتَلَ بَازِيًا مُعَلَّمًا فَعِنْدَنَا تَجِبُ قِيمَتُهُ لَحْمًا، وَعِنْدَهُ تَجِبُ قِيمَتُهُ مُعَلَّمًا، وَفِي الِاخْتِيَارِ، وَإِذَا كَانَ الْمُرَادُ مِنْ الْجَزَاءِ الْقِيمَةَ يُقَوَّمُ الْعَدْلَانِ اللَّحْمَ لَا الْحَيَوَانَ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يُقَوَّمُ مِنْ حَيْثُ الذَّاتُ لَا مِنْ حَيْثُ الصِّفَةُ؛ لِأَنَّهَا أَمْرٌ عَارِضٌ، وَلَوْ كَانَتْ الصِّفَةُ بِأَمْرٍ خُلُقِيٍّ كَمَا إذَا كَانَ طَيْرًا يُصَوِّتُ فَازْدَادَتْ قِيمَتُهُ لِذَلِكَ فَفِي اعْتِبَارِ ذَلِكَ فِي الْجَزَاءِ رِوَايَتَانِ وَرَجَّحَ فِي الْبَدَائِعِ اعْتِبَارَهَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَتْلَفَ شَيْئًا مَمْلُوكًا فَإِنَّ الْقِيمَةَ تُعْتَبَرُ مِنْ حَيْثُ الذَّاتُ وَالصِّفَاتُ إلَّا إذَا كَانَ الْوَصْفُ لِمُحْرِمٍ مِنْ اللَّهْوِ كَقِيمَةِ الدِّيكِ لِنِقَارِهِ وَالْكَبْشِ لِنِطَاحِهِ فَإِنَّهَا لَا تُعْتَبَرُ كَالْجَارِيَةِ الْمُغَنِّيَةِ، وَلَيْسَ مُرَادُهُمْ أَنَّهُ يُقَوَّمُ لَحْمُهُ بَعْدَ قَتْلِهِ، وَإِنَّمَا يُقَوَّمُ، وَهُوَ حَيٌّ بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ بِدَلِيلِ أَنَّ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَوَّمَ لَحْمُهُ بَعْدَ قَتْلِهِ إذْ لَيْسَ لَهُ قِيمَةٌ، وَإِنَّمَا يُقَوَّمُ بِاعْتِبَارِ جِلْدِهِ، وَكَوْنِهِ صَيْدًا حَيًّا يُنْتَفَعُ بِهِ، وَلَيْسَ مُرَادُهُمْ إهْدَارَ صِفَةِ الصَّيْدِ بِالْكُلِّيَّةِ لِمَا أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَتَلَ صَيْدًا حَسَنًا مَلِيحًا لَهُ زِيَادَةُ قِيمَةِ تَجِبُ قِيمَتُهُ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ كَمَا لَوْ قَتَلَ حَمَامَةً مُطَوَّقَةً أَوْ فَاخِتَةً مُطَوَّقَةً كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ.
وَإِنَّمَا الْمُرَادُ إهْدَارُ مَا كَانَ بِصُنْعِ الْعِبَادِ، وَأَرَادَ بِالْعَدْلِ مَنْ لَهُ مَعْرِفَةٌ وَبَصَارَةٌ بِقِيمَةِ الصَّيْدِ لَا الْعَدْلُ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ، وَقَيَّدَ بِالْعَدْلَيْنِ؛ لِأَنَّ الْعَدْلَ الْوَاحِدَ لَا يَكْفِي لِظَاهِرِ النَّصِّ وَصَحَّحَهُ فِي شَرْحِ الدُّرَرِ، وَفِي الْهِدَايَةِ قَالُوا: وَالْوَاحِدُ يَكْفِي وَالْمُثَنَّى أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ، وَأَبْعَدُ مِنْ الْغَلَطِ كَمَا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ، وَقِيلَ يُعْتَبَرُ الْمَثْنَى هَاهُنَا بِالنَّصِّ. اهـ.
وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَاَلَّذِينَ لَمْ يُوجِبُوهُ حَمَلُوا الْعَدَدَ فِي الْآيَةِ عَلَى الْأَوْلَوِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ زِيَادَةُ الْأَحْكَامِ وَالْإِتْقَانُ، وَالظَّاهِرُ الْوُجُوبُ، وَقَصْدُ الْأَحْكَامِ، وَالْإِتْقَانُ لَا يُنَافِيهِ بَلْ قَدْ يَكُونُ دَاعِيَتَهُ. اهـ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يَكْتَفِيَ بِالْقَاتِلِ إذَا كَانَ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِالْقِيمَةِ، وَأَنْ يَحْمِلَ ذِكْرَ الْحَكَمَيْنِ عَلَى الْأَوْلَوِيَّةِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَكْتَفِي بِالْوَاحِدِ لَكِنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى نَقْلٍ، وَلَمْ أَرَهُ، وَكَلِمَةُ أَوْ فِي قَوْلِهِ أَوْ أَقْرَبُ الْمَوَاضِعِ لِلتَّوْزِيعِ لَا لِلتَّخْيِيرِ يَعْنِي أَنَّ الْحَكَمَيْنِ يُقَوِّمَانِهِ فِي مَكَانِ قَتْلِهِ إنْ كَانَ يُبَاعُ فِيهِ، وَفِي أَقْرَبِ الْمَوَاضِعِ إلَى مَكَانِ قَتْلِهِ كَالْبَرِّيَّةِ، وَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الْمَكَانِ، وَمِنْ اعْتِبَارِ زَمَانِ قَتْلِهِ لِاخْتِلَافِ الْقِيَمِ بِاخْتِلَافِ الْأَمْكِنَةِ وَالْأَزْمِنَةِ، وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ فَيَشْتَرِي رَاجِعٌ إلَى الْقَاتِلِ فَأَفَادَ أَنَّهُ بَعْدَ تَقْوِيمِ الْحَكَمَيْنِ الْخِيَارُ لِلْقَاتِلِ بَيْنَ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ، وَلَا خِيَارَ لِلْحَكَمَيْنِ؛ لِأَنَّ التَّخْيِيرَ شُرِعَ رِفْقًا بِمَنْ عَلَيْهِ فَيَكُونُ الْخِيَارُ إلَيْهِ كَمَا فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى اخْتِيَارِهِمَا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَوْ كَفَّارَةٌ أَوْ عَدْلٌ بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى جَزَاءٍ، وَلَيْسَ مَنْصُوبًا عَطْفًا عَلَى هَدْيًا فَاقْتَضَى أَنْ لَا خِيَارَ لَهُمَا فِي الْإِطْعَامِ وَالصِّيَامِ فَلَزِمَ أَنْ لَا خِيَارَ لَهُمَا فِي الْهَدْيِ لِعَدَمِ الْقَائِلِ بِالْفَصْلِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ أَوْ؛ لِأَنَّ {هَدْيًا} [المائدة: 95] حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ بِهِ، وَهِيَ حَالٌ مُقَدَّرَةٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقِيَمِيَّاتِ إذَا هَلَكَ الْعَيْنُ الْمَغْصُوبُ كَمَا اعْتَرَفَ بِهِ هُنَا فَانْتَظَمَ لَفْظُ الْمِثْلِ كِلَيْهِمَا فَوَرَدَ الِاعْتِرَاضُ، وَرَدُّ الْعَيْنِ أَمْرٌ آخَرُ لَيْسَ مِنْ إيجَابِ ضَمَانِ الْمِثْلِ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: أَوْ لِمَا فِي حَمْلِنَا) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لِعَدَمِ (قَوْلُهُ: وَرَجَّحَ فِي الْبَدَائِعِ اعْتِبَارَهَا) لِمَا سَيَذْكُرُهُ مِنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى اعْتِبَارِ الْحُسْنِ وَالْمَلَاحَةِ فَإِنَّهَا أَمْرٌ خُلُقِيٌّ، وَهَذَا يُشْكِلُ عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ (قَوْلُهُ: بِدَلِيلِ أَنَّ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَوَّمَ لَحْمُهُ إلَخْ) ؛ وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّ الْجِلْدَ لَا يُقَوَّمُ، وَعَنْ هَذَا اخْتَارَ فِي النَّهْرِ مَا فِي الْعِنَايَةِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقِيمَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ صَيْدٌ لَا مِنْ حَيْثُ مَا زَادَ بِالصَّنْعَةِ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَصَحَّحَهُ فِي شَرْحِ الدُّرَرِ) تَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ فِي النَّهْرِ، وَفِيهِ إنَّ عِبَارَتَهُ كَعِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ هُنَا فَإِنَّهُ قَالَ: وَهُوَ مَا قَوَّمَهُ عَدْلَانِ، وَأَنْتَ تَرَى أَنْ لَا تَصْحِيحَ فِيهَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة، وَقَدْ يُقَالُ جَعْلُهُ إيَّاهُ مَتْنًا وَاقْتِصَارُهُ عَلَيْهِ يُفِيدُ تَصْحِيحَهُ إذْ لَوْ اعْتَقَدَ ضَعْفَهُ لَذَكَرَ مُقَابِلَهُ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكْتَفِيَ إلَخْ) قَالَ أَقُولُ: فِي اللُّبَابِ وَيُشْتَرَطُ لِلتَّقْوِيمِ عَدْلَانِ غَيْرُ الْجَانِي قَالَ: شَارِحُهُ عَلَى مَا نَسَبَهُ ابْنُ جَمَاعَةَ إلَى الْحَنَفِيَّةِ، وَلَعَلَّهُ لِعِلَّةِ التُّهْمَةِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَأَنْ يَحْمِلَ ذِكْرُ الْحَكَمَيْنِ عَلَى الْأَوْلَوِيَّةِ) الْأَوْلَى حَذْفُهُ كَمَا لَا يَخْفَى، وَقَوْلُهُ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَكْتَفِي مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ يَكْتَفِي وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ، وَلَمْ أَرَهُ لِلِاكْتِفَاءِ بِالْقَاتِلِ أَمَّا حَمْلُ ذِكْرِ الْحَكَمَيْنِ عَلَى الْأَوْلَوِيَّةِ فَهُوَ مَنْقُولٌ ذَكَرَهُ قَرِيبًا (قَوْلُهُ: وَلَا خِيَارَ لِلْحَكَمَيْنِ) نَفْيٌ لِقَوْلِ مُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ أَنَّ الْخِيَارَ إلَى الْحَكَمَيْنِ فِي ذَلِكَ فَإِنْ حَكَمَا بِالْهَدْيِ يَجِبُ النَّظِيرُ، وَإِنْ حَكَمَا بِالطَّعَامِ أَوْ بِالصِّيَامِ فَعَلَى مَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ مِنْ اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى كَذَا فِي الْعِنَايَةِ (قَوْلُهُ: أَوْ؛ لِأَنَّ {هَدْيًا} [المائدة: 95] حَالٌ إلَخْ) اقْتَصَرَ مِنْ إعْرَابِ الْآيَةِ عَلَى مَوْضِعِ الِاسْتِدْلَالِ، وَأَعْرَبَهَا فِي الْفَتْحِ بِتَمَامِهَا فَنَذْكُرُ حَاصِلَهُ أَيْضًا حَالًا هُنَا وَذَلِكَ أَنَّهُ قُرِئَ بِتَنْوِينِ جَزَاءً وَرَفْعِ مِثْلُ وَبِدُونِهِ عَلَى الْإِضَافَةِ الْبَيَانِيَّةِ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ أَيْ فَجَزَاءٌ هُوَ مِثْلُ مَا قَتَلَ، وَمَضْمُونُ الْآيَةِ شَرْطٌ وَجَزَاءٌ حُذِفَ مِنْهُ الْمُبْتَدَأُ بَعْدَ فَاءِ

الصفحة 32