كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (اسم الجزء: 3)

فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ هُنَا خُصُوصًا، وَالنَّصُّ هُنَا مُطْلَقٌ فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ لَكِنْ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ لِمِسْكِينٍ وَاحِدٍ كَالْفِطْرَةِ؛ لِأَنَّ الْعَدَدَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ، وَإِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ التَّصَدُّقُ عَلَى الذِّمِّيِّ كَالْمُسْلِمِ كَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِي الْمُشَبَّهِ بِهِ وَالْمُسْلِمُ أَحَبُّ، وَإِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِجَزَاءِ الصَّيْدِ عَلَى أَصْلِهِ، وَإِنْ عَلَا، وَفَرْعِهِ وَإِنْ سَفَلَ وَزَوْجَتِهِ وَزَوْجِهَا كَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ صَدَقَةٍ وَاجِبَةٍ كَمَا أَسْلَفْنَاهُ فِي بَابِ الْمَصْرِفِ، وَصَرَّحُوا هُنَا بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّصَدُّقُ بِشَيْءٍ مِنْ جَزَاءِ الصَّيْدِ عَلَى مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ أَوْلَى لَكِنْ يَرُدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْإِبَاحَةَ تَكْفِي فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ فِي الْإِطْعَامِ كَالتَّمْلِيكِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ، وَلَا يَكْفِي فِي الْفِطْرَةِ، وَأَشَارَ أَيْضًا بِقَوْلِهِ كَالْفِطْرَةِ إلَى أَنَّ دَفْعَ الْقِيمَةِ جَائِزٌ فَيَدْفَعُ لِكُلِّ مِسْكِينٍ قِيمَةَ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ، وَلَا يَجُوزُ النَّقْصُ عَنْهَا كَمَا فِي الْعَيْنِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي مَسْأَلَةِ ذَبْحِ الْهَدْيِ فِي الْحِلِّ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ فَضَلَ أَقَلُّ مِنْ نِصْفِ صَاعٍ تَصَدَّقَ بِهِ أَوْ صَامَ يَوْمًا) ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ مُرَاعَاةُ الْمِقْدَارِ، وَعَدَدُ الْمَسَاكِينِ، وَقَدْ عَجَزَ عَنْ مُرَاعَاةِ الْمِقْدَارِ فَسَقَطَ، وَقَدَرَ عَلَى مُرَاعَاةِ الْعَدَدِ فَلَزِمَهُ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّهَا مُقَدَّرَةٌ بِإِطْعَامِ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ كُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ لَا يَزِيدُ، وَلَا يَنْقُصُ أَمَّا الْقِيمَةُ هُنَا تَزِيدُ وَتَنْقُصُ فَيُخَيَّرُ إنْ شَاءَ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ، وَإِنْ شَاءَ صَامَ يَوْمًا كَامِلًا؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ أَقَلُّ مِنْ يَوْمٍ غَيْرُ مَشْرُوعٍ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْوَاجِبَ لَوْ كَانَ دُونَ طَعَامِ مِسْكِينٍ بِأَنْ قَتَلَ يَرْبُوعًا أَوْ عُصْفُورًا فَهُوَ مُخَيَّرٌ أَيْضًا، وَإِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّوْمِ وَالْإِطْعَامِ بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي كَفَّارَةِ الصَّيْدِ الصَّوْمَ أَصْلٌ كَالْإِطْعَامِ حَتَّى يَجُوزَ الصَّوْمُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْإِطْعَامِ فَجَازَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا، وَإِكْمَالُ أَحَدِهِمَا بِالْآخِرِ، وَأَمَّا فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فَالصَّوْمُ بَدَلٌ عَنْ التَّفْكِيرِ بِالْمَالِ حَتَّى لَا يَجُوزَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَالِ فَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْبَدَلِ لِلتَّنَافِي وَشَمَلَ كَلَامُهُ مَا إذَا كَانَ هَذَا الْفَاضِلُ مِنْ جِنْسِ مَا فَعَلَهُ أَوَّلًا حَتَّى لَوْ اخْتَارَ الْهَدْيَ، وَفَضَلَ مِنْ الْقِيمَةِ مَا لَا يَبْلُغُ هَدْيًا فَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي الْفَضْلِ أَيْضًا، وَعَلَى هَذَا لَوْ بَلَغَتْ قِيمَتُهُ هَدْيَيْنِ إنْ شَاءَ ذَبَحَهُمَا، وَإِنْ شَاءَ تَصَدَّقَ بِالطَّعَامِ، وَإِنْ شَاءَ صَامَ عَنْ كُلِّ نِصْفِ صَاعٍ يَوْمًا، وَإِنْ شَاءَ ذَبَحَ أَحَدَهُمَا، وَأَطْعَمَ وَصَامَ عَمَّا بَقِيَ فَيَجْمَعُ بَيْنَ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ أَوْ يَتَصَدَّقُ بِالْقِيمَةِ مِنْ الدَّرَاهِمِ أَوْ الدَّنَانِيرِ وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الطَّعَامِ قِيمَةُ الصَّيْدِ، وَفِي الصَّوْمِ قِيمَةُ الطَّعَامِ، وَهَكَذَا فِي الْبَدَائِعِ.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ جَرَحَهُ أَوْ قَطَعَ عُضْوَهُ أَوْ نَتَفَ شَعْرَهُ ضَمِنَ مَا نَقَصَ) اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ كَمَا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ أَفَادَ بِمُقَابَلَةِ الْجُرْحِ لِلْقَتْلِ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّهُ لَمْ يَمُتْ مِنْ هَذَا الْجُرْحِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ مِنْهُ وَجَبَ كَمَالُ الْقِيمَةِ فَإِنْ غَابَ، وَلَمْ يَعْلَمْ مَوْتَهُ، وَلَا حَيَاتَهُ فَالْقِيَاسُ أَنْ يَضْمَنَ النُّقْصَانَ لِلشَّكِّ فِي سَبَبِ الْكَمَالِ كَالصَّيْدِ الْمَمْلُوكِ إذَا جَرَحَهُ وَغَابَ وَالِاسْتِحْسَانُ أَنْ يَلْزَمَهُ جَمِيعُ الْقِيمَةِ احْتِيَاطًا كَمَنْ أَخَذَ صَيْدًا مِنْ الْحَرَمِ ثُمَّ أَرْسَلَهُ، وَلَا يَدْرِي أَدَخَلَ الْحَرَمَ أَمْ لَا فَإِنَّهُ تَجِبُ قِيمَتُهُ؛ لِأَنَّ جَزَاءَ الصَّيْدِ يُسْلَكُ بِهِ مَسْلَكُ الْعِبَادَةِ مِنْ وَجْهٍ كَذَا فِي الْمُحِيطِ. وَأَطْلَقَ فِي ضَمَانِهِ النُّقْصَانَ بِسَبَبِ الْجُرْحِ فَشَمَلَ مَا إذَا بَرِئَ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ الْجَزَاءُ بِبُرْئِهِ؛ لِأَنَّ الْجَزَاءَ يَجِبُ بِإِتْلَافِ جُزْءٍ مِنْ الصَّيْدِ بِالِانْدِمَالِ لَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْإِتْلَافَ لَمْ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ هُنَا) تَابَعَهُ عَلَيْهِ فِي النَّهْرِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ بَحْثٌ مَعَ الْمَنْقُولِ (قَوْلُهُ: كَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِي الْمُشَبَّهِ بِهِ) تَقَدَّمَ فِي الْمَصْرِفِ أَنَّ فِيهِ خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ وَذَكَرْنَا عَنْ الْحَاوِي أَنَّهُ قَالَ: وَبِهِ نَأْخُذُ (قَوْلُهُ: وَمَا ذَكَرْنَاهُ أَوْلَى) كَانَ وَجْهُ الْأَوْلَوِيَّةِ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى مَا قَالُوهُ أَنْ لَا يَجُوزَ التَّصَدُّقُ بِهِ عَلَى شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ فِيمَا هُوَ مِنْ شَرِكَتِهِمَا لَكِنْ نَفْيُ الْقَبُولِ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ، وَهُوَ عَدَمُ الْقَبُولِ مُطْلَقًا وَالشَّرِيكُ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ تُقْبَلُ فِي الْجُمْلَةِ (قَوْلُهُ: لَكِنْ يَرُدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ قَدْ عُرِفَ أَنَّ الْمُشَبَّهَ لَا يَلْزَمُ أَنْ يُعْطَى حُكْمَ الْمُشَبَّهِ بِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ عَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ التَّشْبِيهَ إنَّمَا هُوَ فِي الْمِقْدَارِ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ. اهـ.
ثُمَّ الْإِبَاحَةُ بِالْوَضْعِ وَالْعَرْضِ لِلْفَقِيرِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مَعَ الْأَوَّلِ لَكِنَّ هَذَا الْخِلَافَ فِي كَفَّارَةِ الْحَلْقِ مِنْ الْأَذَى، وَأَمَّا كَفَّارَةُ الصَّيْدِ فَيَجُوزُ الْإِطْعَامُ عَلَى وَجْهِ الْإِبَاحَةِ بِلَا خِلَافٍ فَيَضَعُ لَهُمْ طَعَامًا وَيُمَكِّنُهُمْ مِنْهُ حَتَّى يَسْتَوْفُوا أَكْلَتَيْنِ مُشْبِعَتَيْنِ غَدَاءً، وَعَشَاءً أَوْ سُحُورًا، وَعَشَاءً أَوْ غَدَاءَيْنِ أَوْ عَشَاءَيْنِ لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَوْلَى فَإِنْ غَدَّاهُمْ لَا غَيْرُ أَوْ عَشَّاهُمْ فَقَطْ لَا يُجْزِئُهُ لَكِنْ إنْ غَدَّاهُمْ، وَأَعْطَاهُمْ قِيمَةَ الْعَشَاءِ أَوْ بِالْعَكْسِ جَازَ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ مَأْدُومًا، وَفِي الْهِدَايَةِ لَا بُدَّ مِنْ الْإِدَامِ فِي خُبْزِ الشَّعِيرِ، وَفِي الْمُصَفَّى غَيْرُ الْبُرِّ لَا يَجُوزُ إلَّا بِإِدَامٍ، وَفِي الْبَدَائِعِ يَسْتَوِي كَوْنُ الطَّعَامِ مَأْدُومًا أَوْ غَيْرَ مَأْدُومٍ حَتَّى لَوْ غَدَّاهُمْ، وَعَشَّاهُمْ خُبْزًا بِلَا إدَامٍ أَجْزَأَهُ، وَكَذَا لَوْ أَطْعَمَ خُبْزَ الشَّعِيرِ أَوْ سَوِيقًا أَوْ تَمْرًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يُؤْكَلُ وَحْدَهُ ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ هُوَ الشِّبَعُ التَّامُّ لَا مِقْدَارُ الطَّعَامِ حَتَّى لَوْ قَدَّمَ أَرْبَعَةَ أَرْغِفَةٍ أَوْ ثَلَاثَةً بَيْنَ يَدَيْ سِتَّةِ مَسَاكِينَ وَشَبِعُوا أَجْزَأَهُ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ صَاعًا أَوْ نِصْفَ صَاعٍ، وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمْ شَبْعَانَ قِيلَ لَا يَجُوزُ، وَإِلَيْهِ مَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ

الصفحة 34