كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (اسم الجزء: 3)

يَكُنْ بِخِلَافِ مَا إذَا جَرَحَ آدَمِيًّا فَانْدَمَلَتْ جِرَاحَتُهُ فَلَمْ يَبْقَ لَهَا أَثَرٌ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ هُنَاكَ إنَّمَا يَجِبُ لِأَجْلِ الشَّيْنِ، وَقَدْ ارْتَفَعَ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَفِي الْمُحِيطِ خِلَافُهُ فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ بَرِئَ مِنْهُ، وَلَمْ يَبْقَ لَهُ أَثَرٌ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الضَّمَانِ قَدْ زَالَ فَيَزُولُ الضَّمَانُ كَمَا فِي الصَّيْدِ الْمَمْلُوكِ. اهـ.
وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ جَزَاءِ الصَّيْدِ، وَالصَّيْدُ الْمَمْلُوكُ فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا غَابَ بَعْدَ الْجُرْحِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَلَعَ سِنَّ ظَبْيٍ أَوْ نَتَفَ رِيشِ صَيْدٍ فَنَبَتَ أَوْ ضَرَبَ عَيْنَ صَيْدٍ فَابْيَضَّتْ ثُمَّ ذَهَبَ الْبَيَاضُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عَلَيْهِ صَدَقَةُ الْأَلَمِ، وَأَشَارَ بِكَوْنِ الْجِرَاحَةِ جِنَايَةً مُسْتَقِلَّةً إلَى أَنَّهُ لَوْ جَرَحَ صَيْدًا فَكَفَّرَ ثُمَّ قَتَلَهُ كَفَّرَ أُخْرَى؛ لِأَنَّهُمَا جِنَايَتَانِ، وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُكَفِّرْ حَتَّى قَتَلَهُ لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ بِالْقَتْلِ وَنُقْصَانٌ بِالْجِرَاحَةِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ لَوْ جَرَحَ صَيْدًا ثُمَّ كَفَّرَ عَنْهُ ثُمَّ مَاتَ أَجْزَأَتْهُ الْكَفَّارَةُ الَّتِي أَدَّاهَا؛ لِأَنَّهُ أَدَّى بَعْدَ وُجُودِ سَبَبِ الْوُجُوبِ، وَفِي الْمُحِيطِ مَعْزِيًّا إلَى الْجَامِعِ مُحْرِمٌ بِعُمْرَةٍ جَرَحَ صَيْدًا جُرْحًا لَا يَسْتَهْكِلُهُ ثُمَّ أَضَافَ إلَيْهَا حَجَّةً ثُمَّ جَرَحَهُ أَيْضًا فَمَاتَ مِنْ الْكُلِّ فَعَلَيْهِ لِلْعُمْرَةِ قِيمَتُهُ صَحِيحًا، وَقِيمَتُهُ لِلْحَجِّ وَبِهِ الْجُرْحُ الْأَوَّلُ، وَلَوْ حَلَّ مِنْ الْعُمْرَةِ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجَّةِ ثُمَّ جَرَحَهُ الثَّانِيَةَ فَعَلَيْهِ لِلْعُمْرَةِ قِيمَتُهُ وَبِهِ الْجُرْحُ الثَّانِي وَلِلْحَجِّ قِيمَتُهُ وَبِهِ الْجُرْحُ الْأَوَّلُ، وَلَوْ كَانَ حِينَ أُحِلَّ مِنْ الْعُمْرَةِ قَرَنَ بِحَجَّةٍ، وَعُمْرَةٍ ثُمَّ جَرَحَ الصَّيْدَ فَمَاتَ ضَمِنَ لِلْعُمْرَةِ الْقِيمَةَ وَبِهِ الْجُرْحُ الثَّانِي وَضَمِنَ لِلْقِرَانِ قِيمَتَيْنِ وَبِهِ الْجُرْحُ الْأَوَّلُ، وَلَوْ كَانَ الْجُرْحُ الْأَوَّلُ اسْتِهْلَاكًا غَرِمَ لِلْإِحْرَامِ الْأَوَّلِ قِيمَتَهُ صَحِيحًا وَلِلْقِرَانِ قِيمَتَيْنِ وَبِهِ الْجُرْحُ الْأَوَّلُ. اهـ.
وَفِي مَنَاسِكِ الْكَرْمَانِيِّ، وَلَوْ ضَرَبَ صَيْدًا فَمَرِضَ وَانْتَقَصَتْ قِيمَتُهُ أَوْ ازْدَادَتْ ثُمَّ مَاتَ كَانَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْقِيمَتَيْنِ مِنْ قِيمَتِهِ وَقْتَ الْجُرْحِ أَوْ وَقْتَ الْمَوْتِ.

(قَوْلُهُ: وَتَجِبُ الْقِيمَةُ بِنَتْفِ رِيشِهِ، وَقَطْعِ قَوَائِمِهِ وَحَلْبِهِ، وَكَسْرِ بَيْضِهِ وَخُرُوجِ فَرْخٍ مَيِّتٍ بِهِ) أَمَّا نَتْفُ رِيشِهِ، وَقَطْعُ قَوَائِمِهِ فَلِأَنَّهُ فَوَّتَ عَلَيْهِ الْأَمْنَ بِتَفْوِيتِ آلَةِ الِامْتِنَاعِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَتَلَهُ فَلَزِمَهُ قِيمَةٌ كَامِلَةٌ، وَأَمَّا حَلْبُهُ فَلِأَنَّ اللَّبَنَ مِنْ أَجْزَائِهِ فَيَكُونُ مُعْتَبَرًا بِكُلِّهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ مَا أَتْلَفَ، وَهُوَ قِيمَةُ اللَّبَنِ، وَأَمَّا كَسْرُ بَيْضِهِ فَلِأَنَّهُ أَصْلُ الصَّيْدِ، وَلَهُ عَرْضِيَّةُ أَنْ يَصِيرَ صَيْدًا فَنَزَلَ مَنْزِلَةَ الصَّيْدِ احْتِيَاطًا، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَوَجَبَ عَلَيْهِ قِيمَةُ الْبَيْضِ.
وَأَمَّا إذَا خَرَجَ فَرْخٌ مَيِّتٌ بِسَبَبِ الْكَسْرِ فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَغْرَمَ سِوَى قِيمَةِ الْبَيْضَةِ؛ لِأَنَّ حَيَاةَ الْفَرْخِ غَيْرُ مَعْلُومٍ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْبَيْضَ مُعَدٌّ لِيَخْرُجَ مِنْهُ الْفَرْخُ الْحَيُّ وَالْكَسْرُ قَبْلَ أَوَانِهِ سَبَبٌ لِمَوْتِهِ فَيُحَالُ بِهِ عَلَيْهِ احْتِيَاطًا فَتَجِبُ قِيمَتُهُ حَيًّا كَمَا صَرَّحَ بِهِ وَالرِّيشُ جَمْعُ الرِّيشَةِ، وَهُوَ الْجَنَاحُ وَالْقَوَائِمُ الْأَرْجُلُ، وَأَطْلَقَ فِي كَسْرِ بَيْضِهِ، وَقَيَّدَهُ فِي الْهِدَايَةِ بِأَنْ لَا يَكُونَ فَاسِدًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَسَرَ بَيْضَةً مَذِرَةً لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ ضَمَانَهَا لَيْسَ لِذَاتِهَا بَلْ لِعَرْضِيَّةِ الصَّيْدِ، وَهُوَ مَفْقُودٌ فِي الْفَاسِدَةِ، وَبِهَذَا انْتَفَى قَوْلُ الْكَرْمَانِيِّ إذَا كَسَرَ بَيْضَةَ نَعَامَةٍ مَذِرَةٍ وَجَبَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQكَذَا فِي اللُّبَابِ وَشَرْحِهِ.

(قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ) قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة يَعْنِي الظَّاهِرَ بِالنِّسْبَةِ لِمَا حَصَلَ عِنْدَهُ لَا أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَلِذَا قَالَ فِي النَّهْرِ إنَّ كَلَامَ الْبَدَائِعِ هُوَ الْمُنَاسِبُ لِلْإِطْلَاقِ (قَوْلُهُ: لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ بِالْقَتْلِ وَنُقْصَانٌ بِالْجِرَاحَةِ) قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ بَعْدَ نَقْلِهِ ذَلِكَ عَنْ مَنْسَكِ الطَّرَابُلْسِيِّ، وَفِي الْفَتْحِ، وَلَوْ جَرَحَ صَيْدًا، وَلَمْ يُكَفِّرْ حَتَّى قَتَلَهُ وَجَبَ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَمَا نَقَصَتْهُ الْجِرَاحَةُ الْأُولَى سَاقِطٌ، وَكَذَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ لِلْجِرَاحَةِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَتَلَهُ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْ الْجِرَاحَةِ صَارَ كَأَنَّهُ قَتَلَهُ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَذَكَرَ الْحَاكِمُ فِي مُخْتَصَرِهِ إلَّا مَا نَقَصَتْهُ الْجِرَاحَةُ الْأُولَى أَيْ يَلْزَمُهُ ضَمَانُ صَيْدٍ مَجْرُوحٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الزَّمَانَ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ مَرَّةً فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ مَرَّةٌ أُخْرَى. اهـ.
وَحَاصِلُهُ تَدَاخُلُ الْجِنَايَتَيْنِ، وَمَآلُهُ إلَى جِنَايَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا حَقَّقَهُ ابْنُ الْهُمَامِ تَبَعًا لِمَا فِي الْبَدَائِعِ فَهُوَ الْمُعَوَّلُ فَتَدَبَّرْ وَتَأَمَّلْ. اهـ.
وَكَذَا مَشَى عَلَيْهِ فِي مَتْنِ اللُّبَابِ لَكِنْ مَا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ يُفِيدُ التَّوْفِيقَ بِأَنَّ مَنْ أَوْجَبَ نُقْصَانَ الْجِرَاحَةِ أَوْجَبَ قِيمَتَهُ فِي الْقَتْلِ مَجْرُوحًا، وَمَنْ لَمْ يُوجِبْهَا أَوْجَبَ قِيمَتَهُ فِي الْقَتْلِ سَالِمًا وَالْمَآلُ فِيهِمَا وَاحِدٌ فَتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: ثُمَّ كَفَّرَ عَنْهُ) أَيْ كَفَّارَةَ الْمَوْتِ كَمَا فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ: وَانْتَقَصَتْ قِيمَتُهُ أَوْ ازْدَادَتْ) أَيْ قِيمَةُ جِنْسِهِ لَا خُصُوصُ هَذَا الْمَضْرُوبِ إذْ لَا يُمْكِنُ زِيَادَةُ قِيمَتِهِ بَعْدَ الضَّرْبِ تَأَمَّلْ أَوْ الْمُرَادُ زَادَتْ قِيمَةُ شَعْرِهِ أَوْ بَدَنِهِ كَمَا يَأْتِي عَنْ الْمُحِيطِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَبِذَبْحِ الْحَلَالِ صَيْدَ الْحَرَمِ.

(قَوْلُهُ: وَهُوَ قِيمَةُ اللَّبَنِ) هَذَا عَلَى مَا فِي الْبَحْرِ الزَّاخِرِ، وَفِي الْبَدَائِعِ عَلَيْهِ مَا نَقَصَهُ الْحَلْبُ كَمَا لَوْ أَتْلَفَ جُزْءًا مِنْ أَجْزَائِهِ، وَقَدْ جَمَعَ الطَّرَابُلْسِيِّ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ حَيْثُ قَالَ: وَإِذَا حَلَبَ صَيْدًا فَعَلَيْهِ مَا نَقَصَهُ، وَقِيمَةُ اللَّبَنِ. اهـ.
وَلَعَلَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا شَرِبَهُ بِنَفْسِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَطْعَمَهُ الْفُقَرَاءَ كَذَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا إذَا خَرَجَ فَرْخٌ مَيِّتٌ إلَخْ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَا تَخْلُو مِنْ أَنْ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ حَيًّا، وَمَاتَ بِالْكَسْرِ أَوْ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ مَيِّتًا أَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ مَوْتَهُ بِسَبَبِ الْكَسْرِ أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الثَّالِثُ فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَغْرَمَ سِوَى قِيمَةِ الْبَيْضَةِ إلَخْ.

الصفحة 35