كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (اسم الجزء: 3)

الْجَزَاءُ؛ لِأَنَّ لِقِشْرِهَا قِيمَةً، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ نَعَامَةٍ لَا يَجِبُ شَيْءٌ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ بِالْإِحْرَامِ لَيْسَ مَنْهِيًّا عَنْ التَّعَرُّضِ لِلْقِشْرِ بَلْ لِلصَّيْدِ فَقَطْ، وَلَيْسَ لِلْمَذِرَةِ عَرْضِيَّةُ الصَّيْدِيَّةِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.
وَفِي الْبَدَائِعِ وَلَوْ شَوَى بَيْضًا أَوْ جَرَادًا فَضَمِنَهُ لَا يَحْرُمُ أَكْلُهُ، وَلَوْ أَكَلَهُ أَوْ غَيْرُهُ حَلَالًا كَانَ أَوْ حَرَامًا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَعَلَّلَ لَهُ فِي الْمُحِيطِ بِأَنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى الذَّكَاةِ فَلَا يَصِيرُ مَيْتَةً وَلِهَذَا يُبَاحُ أَكْلُ الْبَيْضِ قَبْلَ الشَّيْءِ، وَأَفَادَ بِمَسْأَلَةِ خُرُوجِ الْفَرْخِ أَنَّهُ لَوْ ضَرَبَ بَطْنَ ظَبْيَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا فَإِنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ حَيًّا فَإِنْ مَاتَتْ الْأُمُّ ضَمِنَ قِيمَتَهَا أَيْضًا بِخِلَافِ جَنِينِ الْمَرْأَةِ إذَا خَرَجَ مَيِّتًا لَا يَلْزَمُ الضَّارِبُ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ النَّفْسِ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ احْتِيَاطًا، وَفِي حُقُوقِ الْعِبَادِ فِي حُكْمِ الْجُزْءِ؛ لِأَنَّ غَرَامَاتِ الْأَمْوَالِ لَا تَبْتَنِي عَلَى الِاحْتِيَاطِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ عَلِمَ مَوْتَهُ بِغَيْرِ الْكَسْرِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِلْفَرْخِ لِانْعِدَامِ الْأَمَانَةِ، وَلَا لِلْبَيْضِ لِعَدَمِ الْعَرْضِيَّةِ، وَإِذَا ضَمِنَ الْفَرْخَ لَا يَجِبُ فِي الْبَيْضِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ مَا ضَمَانُهُ لِأَجْلِهِ قَدْ ضَمِنَهُ، وَأَشَارَ بِخُرُوجِ الْفَرْخِ إلَى أَنَّهُ لَوْ نَفَّرَ صَيْدًا عَنْ بَيْضِهِ فَفَسَدَ أَنَّهُ يَضْمَنُ إحَالَةً لِلْفَسَادِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ السَّبَبُ الظَّاهِرُ كَمَا لَوْ أَخَذَ بَيْضَةَ الصَّيْدِ فَدَفَنَهَا تَحْتَ دَجَاجَةٍ فَفَسَدَتْ، وَلَوْ لَمْ تَفْسُدْ وَخَرَجَ مِنْهَا فَرْخٌ وَطَارَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.

(قَوْلُهُ: وَلَا شَيْءَ بِقَتْلِ غُرَابٍ وَحِدَأَةٍ، وَذِئْبٍ وَحَيَّةٍ وَعَقْرَبٍ، وَفَأْرَةٍ وَكَلْبٍ عَقُورٍ، وَبَعُوضٍ وَنَمْلٍ وَبُرْغُوثٍ، وَقُرَادٍ وَسُلَحْفَاةٍ) أَمَّا الْفَوَاسِقُ، وَهِيَ السَّبْعَةُ الْمَذْكُورَةُ هُنَا فَلِمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ «خَمْسٌ مِنْ الدَّوَابِّ لَا حَرَجَ عَلَى مَنْ قَتَلَهُنَّ الْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ وَالْفَأْرَةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ» وَزَادَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد «الْحَيَّةُ وَالسَّبُعُ الْعَادِي» ، وَفِي رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ «الذِّئْبُ» فَلِذَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ سَبْعَةً، وَمَعْنَى الْفِسْقِ فِيهِنَّ خُبْثُهُنَّ، وَكَثْرَةُ الضَّرَرِ فِيهِنَّ، وَهُوَ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ فَلِذَا خَصَّ بِهِ الْكِتَابَ الْقَطْعِيَّ كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي نَفْيِ شَيْءٍ بِقَتْلِهَا فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُحْرِمًا أَوْ حَلَالًا فِي الْحَرَمِ، وَأَطْلَقَ فِي الْغُرَابِ فَشَمَلَ الْغُرَابَ بِأَنْوَاعِهِ الثَّلَاثَةِ، وَمَا فِي الْهِدَايَةِ مِنْ قَوْلِهِ وَالْمُرَادُ بِالْغُرَابِ الَّذِي يَأْكُلُ الْجِيَفَ أَوْ يَخْلِطُ؛ لِأَنَّهُ يَبْتَدِئُ بِالْأَذَى أَمَّا الْعَقْعَقُ غَيْرُ مُسْتَثْنًى؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى غُرَابًا، وَلَا يَبْتَدِئُ بِالْأَذَى فَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ دَائِمًا يَقَعُ عَلَى دُبُرِ الدَّابَّةِ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَسَوَّى الْمُصَنِّفُ بَيْنَ الذِّئْبِ وَالْكَلْبِ الْعَقُورِ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْكَرْخِيِّ وَاخْتَارَهَا فِي الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّ الذِّئْبَ يَبْتَدِئُ بِالْأَذَى غَالِبًا وَالْغَالِبُ كَالْمُتَحَقِّقِ؛ وَلِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا الْإِمَامُ الطَّحَاوِيُّ فَلَمْ يَجْعَلْ الذِّئْبَ مِنْ الْفَوَاسِقِ، وَأَطْلَقَ فِي الْفَأْرَةِ فَشَمَلَتْ الْأَهْلِيَّةَ وَالْوَحْشِيَّةَ، وَقَيَّدَ الْكَلْبَ بِالْعَقُورِ اتِّبَاعًا لِلْحَدِيثِ مَعَ أَنَّ الْعَقُورَ وَغَيْرَهُ سَوَاءٌ أَهْلِيًّا كَانَ أَوْ وَحْشِيًّا؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْعَقُورِ لَيْسَ بِصَيْدٍ فَلَا يَجِبُ الْجَزَاءُ بِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ وَاخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَفِي السِّنَّوْرِ الْبَرِّيِّ رِوَايَتَانِ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْكَلَامَ إنَّمَا هُوَ فِي وُجُوبِ الْجَزَاءِ بِقَتْلِهِ، وَأَمَّا حِلُّ الْقَتْلِ فَمَا لَا يُؤْذِي لَا يَحِلُّ قَتْلُهُ فَالْكَلْبُ الْأَهْلِيُّ إذَا لَمْ يَكُنْ مُؤْذِيًا لَا يَحِلُّ قَتْلُهُ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ نُسِخَ فَقَيَّدَ الْقَتْلَ بِوُجُوبِ الْإِيذَاءِ. وَأَمَّا
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: وَفِي الْبَدَائِعِ، وَلَوْ شَوَى بَيْضًا أَوْ جَرَادًا إلَخْ) قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ اللَّبَنُ الْمَحْلُوبُ مِنْ الصَّيْدِ. اهـ.
ثُمَّ رَأَيْته مُصَرَّحًا بِهِ فِي اللُّبَابِ فَقَالَ: وَلَوْ شَوَى مُحْرِمٌ بَيْضًا أَوْ جَرَادًا أَوْ حَلَبَ صَيْدًا، وَأَدَّى جَزَاءَهُ ثُمَّ أَكَلَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِلْأَكْلِ وَيَجُوزُ لَهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَيَجُوزُ لِغَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ جَنِينِ الْمَرْأَةِ) أَيْ حُرَّةً أَوْ أَمَةً إذَا خَرَجَ مَيِّتًا أَيْ، وَمَاتَتْ الْأُمُّ بَعْدَهُ وَلِهَذَا عَبَّرَ فِي الْمِعْرَاجِ بِقَوْلِهِ ثُمَّ مَاتَتْ الْأُمُّ، وَقَوْلُهُ لَا يَلْزَمُ الضَّارِبَ شَيْئًا صَوَابُهُ شَيْءٌ، وَمَعْنَاهُ لَا يَلْزَمُهُ الدِّيَةُ كَمَا يَلْزَمُهُ دِيَةُ الْأُمِّ أَوْ قِيمَتُهَا لَوْ أَمَةً، وَإِلَّا فَالْغُرَّةُ لَازِمَةٌ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ إذَا خَرَجَ مَيِّتًا عَمَّا إذَا خَرَجَ حَيًّا فَمَاتَ فَإِنَّ فِيهِ الدِّيَةَ كَامِلَةً، وَأَمَّا إنْ مَاتَتْ فَأَلْقَتْهُ مَيِّتًا فَدِيَةُ الْأُمِّ فَقَطْ.

(قَوْلُهُ: فَلِذَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ سَبْعَةً) ، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ السَّبُعَ مَعَ أَنَّهُ مَذْكُورٌ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد؛ لِأَنَّهُ صَيْدٌ عِنْدَنَا فَيَجِبُ فِيهِ الْجَزَاءُ أَوْ؛ لِأَنَّهُ قَيَّدَهُ بِالْعَادِي وَسَيَذْكُرُهُ بِقَوْلِهِ، وَإِنْ صَالَ لَا شَيْءَ بِقَتْلِهِ بَقِيَ الْكَلَامُ فِي عَدَمِ عَدِّهِ مِنْهَا وَجَعَلَهُ مِنْ الصُّيُودِ عَلَى مَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَلِلْمُحَقِّقِ فِي الْفَتْحِ كَلَامٌ أَطَالَ الْبَحْثَ فِيهِ. وَقَالَ فِي آخِرِهِ: وَلَعَلَّ لِعَدَمِ قُوَّةِ وَجْهِهِ كَانَ فِي السِّبَاعِ رِوَايَتَانِ. (قَوْلُهُ: فَفِيهِ نَظَرٌ) رَدَّهُ فِي النَّهْرِ بِمَا فِي الْبَدَائِعِ، وَقَالَ: أَبُو يُوسُفَ الْغُرَابُ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي يَأْكُلُ الْجِيَفَ أَوْ يَخْلِطُ؛ لِأَنَّ هَذَا النَّوْعَ هُوَ الَّذِي يَبْتَدِئُ بِالْأَذَى. اهـ.
وَأَشَارَ فِي الْمِعْرَاجِ إلَى دَفْعِ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّهُ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ غَالِبًا وَبِهِ انْدَفَعَ دَعْوَى الدَّيْمُومَةِ فِيهِ، وَلَمَّا كَانَ الْمُطَّرَدُ هُوَ ابْتِدَاؤُهُ بِالْأَذَى اقْتَصَرَ الْإِمَامُ الثَّانِي فِي التَّعْلِيلِ عَلَيْهِ ثُمَّ رَأَيْته فِي الظَّهِيرِيَّةِ قَالَ: وَفِي الْعَقْعَقِ رِوَايَتَانِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ الصُّيُودِ. اهـ.
قُلْتُ: وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ مَا فِي الْهِدَايَةِ هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ غَيْرَ الْعَقُورِ) الْمُنَاسِبُ؛ وَلِأَنَّ بِالْوَاوِ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ اتِّبَاعًا (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْأَمْرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ نُسِخَ) كَذَا قَالَهُ فِي الْفَتْحِ قَالَ فِي النَّهْرِ لَكِنْ رَأَيْت فِي الْمُلْتَقَطِ مَا لَفْظُهُ، وَإِذَا كَثُرَتْ الْكِلَابُ فِي قَرْيَةٍ، وَأَضَرَّ بِأَهْلِ الْقَرْيَةِ أُمِرَ أَرْبَابُهَا بِقَتْلِهَا، وَإِنْ أَبَوْا رُفِعَ الْأَمْرُ إلَى الْقَاضِي حَتَّى يَأْمُرَ بِذَلِكَ. اهـ.
فَيُحْمَلُ مَا فِي الْفَتْحِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ ضَرَرٌ

الصفحة 36