كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (اسم الجزء: 3)

وَإِنْ كَانَ لِشَيْءٍ مَضَى طَلُقَتْ) يَعْنِي لَوْ قَالَتْ الْمَرْأَةُ شِئْت إنْ كَانَ فُلَانٌ قَدْ جَاءَ وَقَدْ جَاءَ طَلُقَتْ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِالْكَائِنِ تَنْجِيزًا وَلِذَا صَحَّ تَعْلِيقُ الْإِبْرَاءِ بِكَائِنٍ، وَالْمُرَادُ مِنْ الْمَاضِي الْمُحَقَّقِ وُجُودُهُ سَوَاءٌ كَانَ مَاضِيًا أَوْ حَاضِرًا كَقَوْلِهَا شِئْت إنْ كَانَ أَبِي فِي الدَّارِ وَهُوَ فِيهَا أَوْ إنْ كَانَ هَذَا لَيْلًا وَهِيَ فِي اللَّيْلِ أَوْ نَهَارًا هِيَ فِي النَّهَارِ أَوْ كَانَ هَذَا أَبِي أَوْ أُمِّي أَوْ زَوْجِي وَكَانَ هُوَ وَلَا يُرَدُّ أَنَّهُ لَوْ قَالَ هُوَ كَافِرٌ إنْ كُنْت فَعَلْت كَذَا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ فَعَلَهُ أَنَّهُ يَقْتَضِي عَلَى هَذَا الْكُفْرُ مَعَ أَنَّ الْمُخْتَارَ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ لِأَنَّ الْكُفْرَ يَبْتَنِي عَلَى تَبَدُّلِ الِاعْتِقَادِ وَتَبَدُّلُهُ غَيْرُ وَاقِعٍ مَعَ ذَلِكَ الْفِعْلِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَذُكِرَ أَنَّهُ الْأَوْجَهُ فَإِنْ قِيلَ لَوْ قَالَ هُوَ كَافِرٌ بِاَللَّهِ وَلَمْ يَتَبَدَّلْ اعْتِقَادُهُ يَجِبُ أَنْ يُكَفَّرَ فَلْيُكَفَّرْ هُنَا بِلَفْظِ هُوَ كَافِرٌ، وَإِنْ لَمْ يَتَبَدَّلْ اعْتِقَادُهُ قُلْنَا النَّازِلُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ حُكْمُ اللَّفْظِ لَا عَيْنُهُ فَلَيْسَ هُوَ مُتَكَلِّمًا بَعْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ بِقَوْلِهِ هُوَ كَافِرٌ حَقِيقَةً اهـ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ اللَّفْظَ الْمُوجِبَ لِلتَّكْفِيرِ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَبَدُّلِ الِاعْتِقَادِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُعَلَّقًا بِالشَّرْطِ، وَلَوْ كَانَ كَائِنًا.

(قَوْلُهُ: أَنْت طَالِقٌ مَتَى شِئْت أَوْ مَتَى مَا أَوْ إذَا أَوْ إذَا مَا فَرَدَّتْ الْأَمْرَ لَا يَرْتَدُّ وَلَا يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ وَلَا تَطْلُقُ إلَّا وَاحِدَةً) أَمَّا فِي كَلِمَةِ مَتَى وَمَتَى مَا فَلِأَنَّهَا لِلْوَقْتِ وَهِيَ عَامَّةٌ فِي الْأَوْقَاتِ كُلِّهَا كَأَنَّهُ قَالَ فِي أَيِّ وَقْتٍ شِئْت فَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ، وَلَوْ رَدَّتْ الْأَمْرَ لَمْ يَكُنْ رَدًّا لِأَنَّهُ مَلَّكَهَا الطَّلَاقَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي شَاءَتْ فَلَمْ يَكُنْ تَمْلِيكًا قَبْلَ الْمَشِيئَةِ حَتَّى يَرْتَدَّ بِالرَّدِّ وَلَا تُطَلِّقُ نَفْسَهَا إلَّا وَاحِدَةً لِأَنَّهَا تَعُمُّ الْأَزْمَانَ دُونَ الْأَفْعَالِ فَتَمْلِكُ التَّطْلِيقَ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَلَا تَمْلِكُ تَطْلِيقًا بَعْدَ تَطْلِيقٍ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ تَمْلِيكًا فِي حَالٍ أَصْلًا لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِطَلَاقِهَا مُعَلَّقًا بِشَرْطِ مَشِيئَتِهَا فَإِذَا وُجِدَتْ مَشِيئَتُهَا وَقَعَ طَلَاقُهُ وَإِنَّمَا يَصِحُّ مَا ذَكَرَهُ فِي طَلِّقِي نَفْسَك مَتَى شِئْت لِأَنَّهَا تَتَصَرَّفُ بِحُكْمِ الْمِلْكِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّهُ، وَإِنْ وَقَعَ الطَّلَاقُ لَكِنَّ الْوَاقِعَ طَلَاقُهُ الْمُعَلَّقُ وَقَوْلُهَا طَلَّقْت إيجَادٌ لِلشَّرْطِ الَّذِي هُوَ مَشِيئَةُ الطَّلَاقِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ الْمَشِيئَةَ تُقَارِنُ الْإِيجَادَ اهـ.
وَجَوَابُهُ أَنَّ هَذَا، وَإِنْ كَانَ تَعْلِيقًا لَكِنْ أَجْرَوْهُ مَجْرَى التَّمْلِيكِ فِي جَمِيعِ الْوُجُوهِ فَيَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ وَيَبْطُلُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ فَإِطْلَاقُ التَّمْلِيكِ عَلَيْهِ صَحِيحٌ وَلِذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ يَتَضَمَّنُ مَعْنَيَيْنِ مَعْنَى التَّعْلِيقِ وَهُوَ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِتَطْلِيقِهَا، وَالتَّعْلِيقُ لَازِمٌ لَا يَقْبَلُ الْإِبْطَالَ وَيَتَضَمَّنُ مَعْنَى التَّمْلِيكِ لِأَنَّ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ بِمَشِيئَتِهَا تَمْلِيكٌ مِنْهَا لِأَنَّ الْمَالِكَ هُوَ الَّذِي يَتَصَرَّفُ عَنْ مَشِيئَتِهِ وَإِرَادَتِهِ وَهِيَ عَامِلَةٌ فِي التَّطْلِيقِ لِنَفْسِهَا، وَالْمَالِكُ هُوَ الَّذِي يَعْمَلُ لِنَفْسِهِ وَجَوَابُ التَّمْلِيكِ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ اهـ.
وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ مِنْ قِسْمِ التَّعْلِيقِ مَعْزِيًّا إلَى الْجَامِعِ لَوْ قَالَ لَهَا: أَنْت طَالِقٌ إنْ شِئْت أَوْ أَحْبَبْت أَوْ هَوَيْت فَلَيْسَ بِيَمِينٍ لِأَنَّ هَذَا تَمْلِيكٌ مَعْنًى تَعْلِيقٌ صُورَةً وَلِهَذَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ، وَالْعِبْرَةُ لِلْمَعْنَى دُونَ الصُّورَةِ اهـ.
وَفَائِدَتُهُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ لَا يَحْلِفُ وَأَمَّا كَلِمَةُ إذَا وَإِذَا مَا فَهِيَ وَمَتَى سَوَاءٌ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِنْ كَانَ تُسْتَعْمَلُ لِلشَّرْطِ كَمَا تُسْتَعْمَلُ لِلْوَقْتِ لَكِنَّ الْأَمْرَ صَارَ بِيَدِهَا فَلَا يَخْرُجُ بِالشَّكِّ، وَقَدْ مَرَّ مِنْ قَبْلُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ الْوَجْهَ أَنْ يُقَالَ إنَّ قَوْلَهُ إذَا شِئْت يَحْتَمِلُ أَنَّهُ تَعْلِيقُ طَلَاقِهَا بِشَرْطٍ هُوَ مَشِيئَتُهَا وَأَنَّهُ إضَافَةٌ إلَى زَمَانِهِ وَعَلَى كُلٍّ مِنْ التَّقْدِيرَيْنِ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ حَتَّى إذَا تَحَقَّقَتْ مَشِيئَتُهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِأَنْ قَالَتْ شِئْت ذَلِكَ الطَّلَاقَ أَوْ قَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي وَقَعَ مُعَلَّقًا كَانَ أَوْ مُضَافًا لَا مَا قَالَ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الْأَمْرَ دَخَلَ فِي يَدِهَا فَلَا يَخْرُجُ بِالشَّكِّ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ ثَبَتَ مِلْكُهَا بِالتَّمْلِيكِ فَلَا يَخْرُجُ بِالشَّكِّ فَالْمُرَادُ بِإِذَا أَنَّهُ مَحْضُ الشَّرْطِ فَيَخْرُجُ مِنْ يَدِهَا بَعْدَ الْمَجْلِسِ أَوْ الزَّمَانِ فَلَا يَخْرُجُ كَمَتَى، وَقَدْ صَرَّحَ آنِفًا فِي مَتَى بِعَدَمِ ثُبُوتِ التَّمْلِيكِ قَبْلَ الْمَشِيئَةِ لِأَنَّهُ إنَّمَا مَلَّكَهَا فِي الْوَقْتِ الَّذِي شَاءَتْ فِيهِ فَلَمْ يَكُنْ تَمْلِيكًا قَبْلَهُ حَتَّى يَرْتَدَّ بِالرَّدِّ وَعَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فَاَلَّذِي دَخَلَ مِلْكَهَا تَحْقِيقُ الشَّرْطِ أَوْ الْمُضَافُ إلَيْهِ الزَّمَانُ وَهُوَ مَشِيئَتُهَا الطَّلَاقَ لِيَقَعَ طَلَاقُهُ وَعَلَى هَذَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: وَجَوَابُهُ أَنَّ هَذَا، وَإِنْ كَانَ تَعْلِيقًا لَكِنْ أَجْرَوْهُ مَجْرَى التَّمْلِيكِ فِي جَمِيعِ الْوُجُوهِ فَيَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ وَيَبْطُلُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ: لَا يَخْفَى أَنَّ مُحَصَّلَ الْجَوَابِ أَنَّهُمْ تَسَامَحُوا وَجَعَلُوا تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ بِمَشِيئَتِهَا، وَنَحْوُهَا فِي حُكْمِ التَّمْلِيكِ لِكَوْنِهَا إذَا شَاءَتْ وَقَعَ فَكَأَنَّهَا مَلَكَتْهُ وَهَذَا لَا يَنْفِي مَا حَقَّقَهُ فِي الْفَتْحِ، وَفِي النَّهْرِ وَهَذَا بَعْدَ أَنَّ الْكَلَامَ فِي مَتَى شِئْت سَهْوٌ ظَاهِرٌ يُرْشِدُ إلَيْهِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَا يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ اهـ.
وَأَجَابَ قَبْلَهُ عَنْ التَّعَقُّبِ بِأَنَّ هَذَا بِالنَّظَرِ إلَى صُورَتِهِ أَمَّا بِالنَّظَرِ إلَى مَعْنَاهُ فَتَمْلِيكٌ لِأَنَّ الْمَالِكَ هُوَ الَّذِي يَتَصَرَّفُ عَنْ مَشِيئَتِهِ وَإِرَادَتِهِ لِنَفْسِهِ وَهَذِهِ كَذَلِكَ.

الصفحة 367