كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (اسم الجزء: 3)

الْبَعُوضُ، وَمَا كَانَ مِثْلَهُ مِنْ هَوَامِّ الْأَرْضِ فَلِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِصُيُودٍ أَصْلًا، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا يَبْتَدِئُ بِالْأَذَى كَالْبُرْغُوثِ، وَدَخَلَ الزُّنْبُورُ وَالسَّرَطَانُ وَالذُّبَابُ وَالْبَقُّ وَالْقَنَافِذُ وَالْخَنَافِسُ وَالْوَزَغُ وَالْحَلَمَةُ وَصَيَّاحُ اللَّيْلِ وَابْنُ عُرْسٍ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْعَقْرَبُ وَالْفَأْرَةُ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ؛ لِأَنَّ حَدَّ الصَّيْدِ لَا يُوجَدُ فِيهِمَا وَالْبَعُوضُ مِنْ صِغَارِ الْبَقِّ الْوَاحِدَةُ بَعُوضَةٌ بِالْهَاءِ وَاشْتِقَاقُهَا مِنْ الْبَعْضِ؛ لِأَنَّهَا كَبَعْضِ الْبَقَّةِ قَالَ: اللَّهُ تَعَالَى {مَثَلا مَا بَعُوضَةً} [البقرة: 26] كَذَا فِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ، وَفِيهِ الْحِدَأَةُ بِكَسْرِ الْحَاءِ طَائِرٌ مَعْرُوفٌ وَالْجَمْعُ الْحَدَأُ، وَأَمَّا الْحَدَأَةُ بِفَتْحِ الْحَاءِ فَأْسٌ يُنْقَرُ بِهَا الْحِجَارَةُ لَهَا رَأْسَانِ وَالذِّئْبُ بِالْهَمْزَةِ مَعْرُوفٌ وَجَمْعُهُ أَذْؤُبٌ وَأَذْوَابٌ وَذِئَاب وَذُؤْبَانٌ قِيلَ اشْتِقَاقُهُ مِنْ تَذَاءَبَتْ الرِّيحُ إذَا جَاءَتْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَهُوَ مِنْ أَسْمَاءِ الرِّجَالِ أَيْضًا وَيُصَغَّرُ ذُوَيْبٌ وَالسُّلَحْفَاةُ بِضَمِّ الْحَاءِ، وَفَتْحِ الْفَاءِ وَاحِدَةُ السَّلَاحِفِ مِنْ خَلْقِ الْمَاءِ، وَيُقَالُ أَيْضًا سُلَحْفِيَةٌ بِالْيَاءِ وَالْفَأْرَةُ بِالْهَمْزِ وَاحِدَةُ الْفَأْرِ وَجَمْعُهُ فِيرَانٌ.

(قَوْلُهُ: وَبِقَتْلِ قَمْلَةٍ وَجَرَادَةٍ تَصَدَّقَ بِمَا شَاءَ) أَمَّا وُجُوبُ الصَّدَقَةِ بِقَتْلِ الْقَمْلَةِ فَلِأَنَّهَا مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ التَّفَثِ الَّذِي عَلَى الْبَدَنِ وَالْمُحْرِمُ مَمْنُوعٌ مِنْ إزَالَتِهِ بِمَنْزِلَةِ إزَالَةِ الشَّعْرِ حَتَّى لَوْ قَتَلَ مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ الْقَمْلِ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ أَوْ قَتَلَهَا مِنْ بَدَنِ غَيْرِهِ فَكَذَلِكَ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَغَيْرِهَا، وَفِي الْمُحِيطِ وَيُكْرَهُ قَتْلُ الْقَمْلَةِ، وَمَا تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ خَيْرٌ مِنْهَا أَطْلَقَ فِي قَتْلِ الْقَمْلَةِ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ مُبَاشَرَةً أَوْ تَسَبُّبًا لَكِنْ يُشْتَرَطُ فِي الثَّانِي الْقَصْدُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ لَوْ وَضَعَ ثِيَابَهُ فِي الشَّمْسِ لِيَقْتُلَ حَرَّ الشَّمْسِ الْقَمْلَ كَالصَّيْدِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لَوْ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ كَمَا لَوْ غَسَلَ ثَوْبَهُ فَمَاتَ الْقَمْلُ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الْقَمْلَ كَالصَّيْدِ فَأَفَادَ أَنَّ الدَّلَالَةَ مُوجِبَةٌ فِيهَا فَلَوْ أَشَارَ الْمُحْرِمُ إلَى قَمْلَةٍ عَلَى بَدَنِهِ فَقَتَلَهَا الْحَلَالُ وَجَبَ الْجَزَاءُ، وَعُلِمَ مِنْ التَّعْلِيلِ أَنَّ إلْقَاءَ الْقَمْلَةِ كَالْقَتْلِ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ إزَالَتُهَا عَنْ الْبَدَنِ لَا خُصُوصُ الْقَتْلِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَغَيْرُهُ، وَأَرَادَ بِالْقَمْلَةِ الْقَلِيلَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْكَثِيرَ مِنْهُ جَزَاءُ قَتْلِهِ صَدَقَةٌ مُعَيَّنَةٌ، وَهِيَ نِصْفُ صَاعٍ لَا التَّصَدُّقُ بِمَا شَاءَ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْإِسْبِيجَابِيِّ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ كَثِيرٌ، وَكَلَامُ قَاضِي خَانْ أَنَّ الْعَشَرَةَ فَمَا فَوْقَهَا كَثِيرٌ وَاقْتَصَرَ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ عَلَى الْأَوَّلِ فَكَانَ هُوَ الْمَذْهَبَ، وَأَمَّا وُجُوبُهَا بِقَتْلِ الْجَرَادَةِ فَلِأَنَّ الْجَرَادَ مِنْ صَيْدِ الْبَرِّ فَإِنَّ الصَّيْدَ مَا لَا يُمْكِنُ أَخْذُهُ إلَّا بِحِيلَةٍ وَيَقْصِدُهُ الْآخِذُ، وَقَالَ: عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَمْرَةٌ خَيْرٌ مِنْ جَرَادَةٍ فَأَوْجَبَهَا عَلَى مَنْ قَتَلَ جَرَادَةً كَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ وَتَبِعَهُ أَصْحَابُ الْمَذَاهِبِ.
أَمَّا مَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَجَّةٍ أَوْ غَزْوَةٍ فَاسْتَقْبَلَنَا رِجْلٌ مِنْ جَرَادٍ فَجَعَلْنَا نَضْرِبُهُ بِأَسْيَافِنَا، وَقِسِيِّنَا فَقَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلُوهُ فَإِنَّهُ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ» فَقَدْ أَجَابَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بِأَنَّ الْحُفَّاظَ اتَّفَقُوا عَلَى تَضْعِيفِهِ لِضَعْفِ أَبِي الْمُهَزِّمِ، وَهُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ، وَكَسْرِ الزَّايِ، وَفَتْحِ الْهَاءِ بَيْنَهُمَا، وَاسْمُهُ يَزِيدُ بْنُ سُفْيَانَ، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: وَالسُّلَحْفَاةُ بِضَمِّ الْحَاءِ، وَفَتْحِ الْفَاءِ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَكَأَنَّهَا مِنْ تَحْرِيفِ النُّسَّاخِ وَالْأَصْلُ، وَفَتْحِ اللَّامِ، وَفِي بَعْضِهَا بِضَمِّ الْفَاءِ، وَفَتْحِ الْعَيْنِ أَيْ فَاءِ الْكَلِمَةِ، وَهِيَ السِّينُ، وَعَيْنِهَا وَهِيَ اللَّامُ.

(قَوْلُهُ: فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ لَوْ وَضَعَ ثِيَابَهُ فِي الشَّمْسِ لِيَقْتُلَ إلَخْ) قَالَ: فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة، وَفِي شَرْحِ النُّقَايَةِ لِلْبُرْجُنْدِيِّ مِثْلُهُ ثُمَّ نَقَلَ خِلَافَهُ عَنْ الْمَنْصُورِيَّةِ، وَهُوَ نَفْيُ الْجَزَاءِ (قَوْلُهُ: فَلَوْ أَشَارَ إلَخْ) ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: لِحَلَالٍ ادْفَعْ عَنِّي هَذَا الْقَمْلَ أَوْ أَمَرَهُ بِقَتْلِهَا لُبَابٌ قَالَ شَارِحُهُ: وَكَذَا لَوْ دَفَعَ ثَوْبَهُ لِيَقْتُلَ مَا فِيهِ فَفَعَلَ (قَوْلُهُ: وَأَرَادَ بِالْقَمْلَةِ إلَخْ) قَالَ فِي اللُّبَابِ إنْ قَتَلَ مُحْرِمٌ قَمْلَةً تَصَدَّقَ بِكِسْرَةٍ، وَإِنْ كَانَتْ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا فَقَبْضَةٌ مِنْ طَعَامٍ، وَفِي الزَّائِدِ عَلَى الثَّلَاثِ بَالِغًا مَا بَلَغَ نِصْفُ صَاعٍ. اهـ.
قَالَ شَارِحُهُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَالْفَتْحِ، وَهُوَ الَّذِي رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي قَمْلَةٍ أَطْعَمَ شَيْئًا، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ يَسِيرٍ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ. اهـ.
وَرِوَايَةُ الْحَسَنِ سَيَذْكُرُهَا الْمُؤَلِّفُ قَرِيبًا (قَوْلُهُ: وَأَمَّا وُجُوبُهَا بِقَتْلِ الْجَرَادَةِ إلَخْ) قَالَ: فِي اللُّبَابِ، وَلَوْ وَطِئَ جَرَادًا عَامِدًا أَوْ جَاهِلًا فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ إلَّا أَنْ يَكُونَ كَثِيرًا قَدْ سَدَّ الطَّرِيقَ فَلَا يَضْمَنُ، وَلَوْ شَوَى جَرَادًا فَأَكَلَهُ بَعْدَمَا ضَمِنَهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِلْأَكْلِ وَيُكْرَهُ بَيْعُهُ قَبْلَ الضَّمَانِ. اهـ.
قَالَ شَارِحُهُ وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحْرِمٌ قَطَعَ شَجَرَةً مِنْ الْحَرَمِ أَوْ شَوَى بَيْضَ صَيْدٍ فِي الْحَرَمِ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ حَلَبَ صَيْدًا أَوْ شَوَى جَرَادًا فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ يَعْنِي الْقِيمَةَ وَيُكْرَهُ لَهُ بَيْعُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَإِنْ بَاعَ جَازَ، وَيَمْلِكُ ثَمَنَهُ بِخِلَافِ الصَّيْدِ الَّذِي قَتَلَهُ الْمُحْرِمُ؛ لِأَنَّهُ مَيْتَةٌ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا، وَإِذَا مَلَكَ الثَّمَنَ إنْ شَاءَ جَعَلَهُ فِي الْقِيمَةِ الَّتِي يُؤَدِّيهَا، وَإِنْ شَاءَ جَعَلَهُ فِي غَيْرِهَا وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَنْتَفِعَ بِذَلِكَ مِنْ حَيْثُ التَّنَاوُلُ؛ لِأَنَّ الْبَيْضَ وَالْجَرَادَ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الذَّكَاةِ وَالْحَلَالُ وَالْمُحْرِمُ فِيمَا لَا يَحْتَاجُ إلَى الذَّكَاةِ سَوَاءٌ، وَإِنَّمَا لَا يُبَاحُ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ صَيْدًا فِي حَقِّهِ، وَلَيْسَ بِصَيْدٍ فِي حَقِّ الثَّانِي. اهـ.
وَتَبَيَّنَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْآخِذِ وَالْمُشْتَرِي فِي إبَاحَةِ التَّنَاوُلِ كَمَا لَا يَخْفَى. اهـ.
(قَوْلُهُ: رِجْلٌ مِنْ جَرَادٍ) قَوْلُهُ: فِي الْقَامُوسِ الرِّجْلُ بِالْكَسْرِ الطَّائِفَةُ مِنْ الشَّيْءِ أَوْ الْقِطْعَةُ الْعَظِيمَةُ مِنْ الْجَرَادِ

الصفحة 37