كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (اسم الجزء: 3)

قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ: مَيْمُونٌ غَيْرُ مَعْرُوفٍ. اهـ.
فَلَيْسَ هُنَا حَدِيثٌ ثَابِتٌ فَثَبَتَ أَنَّهُ مِنْ صَيْدِ الْبَرِّ بِإِيجَابِ عُمَرَ الْجَزَاءَ فِيهِ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ، وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: فِي الْجَرَادِ قَبْضَةٌ مِنْ طَعَامٍ، وَلَمْ أَرَ مَنْ تَكَلَّمَ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْجَرَادِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ كَالْقَمْلِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْقَمْلِ فَفِي الثَّلَاثِ، وَمَا دُونَهَا يَتَصَدَّقُ بِمَا شَاءَ، وَفِي الْأَرْبَعِ فَأَكْثَرَ يَتَصَدَّقُ بِنِصْفِ صَاعٍ، وَفِي الْمُحِيطِ مَمْلُوكٌ أَصَابَ جَرَادَةً فِي إحْرَامِهِ إنْ صَامَ يَوْمًا فَقَدْ زَادَ، وَإِنْ شَاءَ جَمَعَهَا حَتَّى تَصِيرَ عِدَّةَ جَرَادَاتٍ فَيَصُومَ يَوْمًا. اهـ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَمْلُ كَذَلِكَ فِي حَقِّ الْعَبْدِ لِمَا عُلِمَ أَنَّ الْعَبْدَ لَا يُكَفِّرُ إلَّا بِالصَّوْمِ ثُمَّ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الصَّدَقَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِقْدَارَهَا، وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُطْعِمُ فِي الْوَاحِدَةِ كِسْرَةً، وَفِي الِاثْنَيْنِ أَوْ الثَّلَاثَةِ قَبْضَةً مِنْ الطَّعَامِ، وَفِي الْأَكْثَرِ نِصْفَ صَاعٍ كَذَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ.

(قَوْلُهُ:، وَلَا يُجَاوِزُ عَنْ شَاةٍ بِقَتْلِ السَّبُعِ، وَإِنْ صَالَ لَا شَيْءَ بِقَتْلِهِ بِخِلَافِ الْمُضْطَرِّ) ؛ لِأَنَّ السَّبُعَ صَيْدٌ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ الْفَوَاسِقِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْتَدِئُ بِالْأَذَى حَتَّى لَوْ ابْتَدَأَ بِالْأَذَى كَانَ مِنْهَا فَلَا يَجِبُ بِقَتْلِهِ شَيْءٌ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ صَالَ أَيْ وَثَبَ بِخِلَافِ الذِّئْبِ فَإِنَّهُ مِنْ الْفَوَاسِقِ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَهِبُ الْغَنَمَ، وَأَرَادَ بِالسَّبُعِ كُلَّ حَيَوَانٍ لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِمَّا لَيْسَ مِنْ الْفَوَاسِقِ السَّبْعَةِ وَالْحَشَرَاتِ سَوَاءٌ كَانَ سَبُعًا أَوْ لَا، وَلَوْ خِنْزِيرًا أَوْ قِرْدًا أَوْ فِيلًا كَمَا فِي الْمَجْمَعِ وَالسَّبُعُ اسْمٌ لِكُلِّ مُخْتَطِفٍ مُنْتَهِبٍ جَارِحٍ قَاتِلٍ عَادٍ عَادَةً فَإِذَا وَجَبَ الْجَزَاءُ بِقَتْلِهِ لَا يُجَاوِزُ بِهِ شَاةً؛ لِأَنَّ كَثْرَةَ قِيمَتِهِ إمَّا لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْمُحَارَبَةِ، وَهُوَ خَارِجٌ عَنْ مَعْنَى الصَّيْدِيَّةِ أَوْ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِيذَاءِ، وَهُوَ لَا تَقُومُ لَهُ شَرْعًا فَبَقِيَ اعْتِبَارُ الْجِلْدِ وَاللَّحْمِ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ مَأْكُولًا وَذَلِكَ لَا يَزِيدُ عَلَى قِيمَةِ الشَّاةِ غَالِبًا؛ لِأَنَّ لَحْمَ الشَّاةِ خَيْرٌ مِنْ لَحْمِ السَّبُعِ.
وَقَيَّدَ بِالسَّبُعِ؛ لِأَنَّ الْجَمَلَ إذَا صَالَ عَلَى إنْسَانٍ فَقَتَلَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْإِذْنَ فِي مَسْأَلَةِ السَّبُعِ بِقَتْلِهِ حَاصِلٌ مِنْ صَاحِبِ الْحَقِّ، وَهُوَ الشَّارِعُ، وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الْجَمَلِ فَلَمْ يَحْصُلْ الْإِذْنُ مِنْ صَاحِبِهِ، وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ إذَا صَالَ بِالسَّيْفِ عَلَى إنْسَانٍ فَقَتَلَهُ الْمَصُولُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُهُ مَعَ أَنَّهُ لَا إذْنَ لَهُ أَيْضًا مِنْ مَالِكِهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْعَبْدَ مَضْمُونٌ فِي الْأَصْلِ حَقًّا لِنَفْسِهِ بِالْآدَمِيَّةِ لَا لِلْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ كَسَائِرِ الْمُكَلَّفِينَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ ارْتَدَّ أَوْ قَتَلَ يُقْتَلُ، وَإِذَا كَانَ مَضْمُونًا لِنَفْسِهِ سَقَطَ هَذَا الضَّمَانُ بِمُبِيحٍ جَاءَ مِنْ قِبَلِهِ، وَهُوَ الْمُصَالُ بِهِ، وَمَالِيَّةُ الْمَوْلَى فِيهِ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَقَوِّمَةً مَضْمُونَةً لَهُ فَهِيَ تَبَعٌ لِضَمَانِ النَّفْسِ فَيَسْقُطُ التَّبَعُ فِي ضِمْنِ سُقُوطِ الْأَصْلِ أَطْلَقَ فِي عَدَمِ وُجُوبِ شَيْءٍ إذَا صَالَ فَشَمَلَ مَا إذَا أَمْكَنَهُ دَفْعُهُ بِغَيْرِ سِلَاحٍ أَوْ لَا، وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ إذَا أَمْكَنَهُ دَفْعُهُ بِغَيْرِ السِّلَاحِ فَقَتَلَهُ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ، وَقَيَّدَ قَاضِي خَانْ السَّبُعَ بِكَوْنِهِ غَيْرَ مَمْلُوكٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَمْلُوكًا وَجَبَتْ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ يَعْنِي عَلَيْهِ قِيمَتَانِ إذَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: وَلَمْ أَرَ مَنْ تَكَلَّمَ عَلَى الْفَرْقِ إلَخْ) اسْتَدْرَكَ عَلَيْهِ فِي النَّهْرِ بِمَا سَيَذْكُرُهُ عَنْ الْمُحِيطِ أَيْ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ قَلِيلِ الْجَرَادِ، وَكَثِيرِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ فِي الْمَمْلُوكِ لَيْسَ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْحُرِّ ثُمَّ رَأَيْت فِي التَّتَارْخَانِيَّة قَالَ: وَذَكَرَ هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مُحْرِمٍ أَشَارَ فِي جَرَادٍ، وَلَمْ يَكُونُوا رَأَوْهَا إلَّا مِنْ دَلَالَتِهِ فَأَخَذُوهَا فَعَلَى الدَّالِّ بِكُلِّ جَرَادَةٍ تَمْرَةٌ إلَّا إنْ بَلَغَ ذَلِكَ دَمًا فَعَلَيْهِ دَمٌ. اهـ.
وَهَذَا صَرِيحٌ فِي الْفَرْقِ أَيْضًا وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ الْمُؤَلِّفِ أَنَّهُ لَمْ يَرَ الْفَرْقَ بَيْنَ قَلِيلِهِ الْوَاجِبِ فِيهِ التَّصَدُّقُ بِمَا شَاءَ وَبَيْنَ كَثِيرِهِ الْوَاجِبِ فِيهِ نِصْفُ صَاعٍ هَلْ مَا فَوْقَ الثَّلَاثَةِ كَمَا فِي الْقَمْلِ أَوْ لَا وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ: فَيَنْبَغِي إلَخْ فَلَا اسْتِدْرَاكَ، وَقَدْ رَاجَعْته فَلَمْ أَرَهُ.

(قَوْلُهُ: وَأَرَادَ بِالسَّبُعِ كُلَّ حَيَوَانٍ لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ فَكَانَ عَدَمُ التَّخْصِيصِ أَوْلَى إذْ الْمَفْهُومُ مُعْتَبَرٌ فِي الرِّوَايَاتِ اتِّفَاقًا، وَمِنْهُ أَقْوَالُ الصَّحَابَةِ كَمَا فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا يُدْرَكُ بِالرَّأْيِ لَا مَا لَا يُدْرَكُ بِهِ (قَوْلُهُ: عَادٍ) اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ الْعُدْوَانِ عَلَى وَزْنِ قَاضٍ وَاَلَّذِي فِي النُّسَخِ عَادِي بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ وَالْأَصْوَبُ حَذْفُهَا (قَوْلُهُ: وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ إذَا صَالَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ يُحْتَرَزُ بِهِ عَنْ الْحُرِّ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُهُ، وَقَوْلُنَا الْعَاقِلُ نَحْتَرِزُ بِهِ عَنْ الْمَجْنُونِ فَإِنَّ الْمَجْنُونَ الْحُرَّ إذَا صَالَ فَقَتَلَهُ الْمَصُولُ عَلَيْهِ تَجِبُ دِيَتُهُ، وَإِذَا كَانَ عَبْدًا تَجِبُ قِيمَتُهُ كَالْبَعِيرِ، وَقَوْلُنَا الْبَالِغُ نَحْتَرِزُ بِهِ عَنْ الصَّبِيِّ فَإِذَا كَانَ الصَّائِلُ صَبِيًّا حُرًّا تَجِبُ دِيَتُهُ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا تَجِبُ قِيمَتُهُ، وَلَا يَسْقُطُ الضَّمَانُ لِانْتِفَاءِ التَّكْلِيفِ عَنْهُ كَالْمَجْنُونِ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ الْمَجْنُونُ أَوْ الْبَعِيرُ الْمُغْتَلِمُ صَالَ عَلَى إنْسَانٍ لِيَقْتُلَهُ فَقَتَلَهُ الْمَصُولُ عَلَيْهِ يَضْمَنُ قِيمَةَ الْبَعِيرِ وَدِيَةَ الْمَجْنُونِ. اهـ.
وَفِي الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ، وَإِنْ شَهَرَ الْمَجْنُونُ عَلَى غَيْرِهِ سِلَاحًا فَقَتَلَهُ الْمَشْهُورُ عَلَيْهِ عَمْدًا تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ، وَعَلَى هَذَا الصَّبِيِّ وَالدَّابَّةِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: يَعْنِي عَلَيْهِ قِيمَتَانِ) أَقُولُ: هَذَا إذَا كَانَ غَيْرَ صَائِلٍ أَمَّا الصَّائِلُ فَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ جَزَاءٌ لِلَّهِ تَعَالَى تَأَمَّلْ.

الصفحة 38