كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (اسم الجزء: 3)

أَنْ تَكُونَ جَمِيعُ قَوَائِمِهِ فِي الْحَرَمِ حَتَّى لَوْ كَانَ بَعْضُ قَوَائِمِهِ فِي الْحَرَمِ وَبَعْضُهَا فِي الْحِلِّ وَجَبَ الْجَزَاءُ بِقَتْلِهِ لِتَغْلِيبِ الْحَظْرِ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَلِهَذَا لَوْ كَانَ الصَّيْدُ مُلْقًى عَلَى الْأَرْضِ فِي الْحِلِّ وَرَأْسُهُ فِي الْحَرَمِ وَجَبَ الْجَزَاءُ بِقَتْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقَائِمٍ فِي الْحِلِّ وَبَعْضُهُ فِي الْحَرَمِ وَبِمَا ذَكَرْنَا عُلِمَ أَنَّهُ لَوْ رَمَى إلَى صَيْدٍ مِنْ الْحِلِّ فِي الْحِلِّ غَيْرَ أَنَّ مَمَرَّ السَّهْمِ فِي الْحَرَمِ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ حُكْمُ الْكَلْبِ وَالْبَازِي إذَا أَرْسَلَهُمَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِسْبِيجَابِيُّ، وَهَلْ الْمُعْتَبَرُ حَالَةُ الرَّمْيِ أَوْ الْإِصَابَةِ؟ . فَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ لَوْ رَمَى صَيْدًا فِي الْحِلِّ فَنَفَرَ الصَّيْدُ وَوَقَعَ السَّهْمُ فِي الْحَرَمِ قَالَ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا أَعْلَمُ. اهـ.
وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ مِثْلَهُ فِي آخِرِ الْمَنَاسِكِ وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْجَزَاءُ؛ لِأَنَّهُ فِي الرَّمْيِ غَيْرُ مُرْتَكِبٍ لِلنَّهْيِ، وَلَكِنْ لَا يَحِلُّ تَنَاوُلُ ذَلِكَ الصَّيْدِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ الْمُسْتَثْنَاةُ مِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّ عِنْدَهُ الْمُعْتَبَرَ حَالَةُ الرَّمْيِ إلَّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خَاصَّةً فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي حِلِّ التَّنَاوُلِ حَالَةَ الْإِصَابَةِ احْتِيَاطًا؛ لِأَنَّ الْحِلَّ يَحْصُلُ بِالذَّكَاةِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ عِنْدَ الْإِصَابَةِ، وَعَلَى هَذَا إرْسَالُ الْكَلْبِ. اهـ.
وَقَدْ اخْتَلَفَ كَلَامُهُ لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُ لَا جَزَاءَ عَلَيْهِ قِيَاسًا، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ فَيُحْمَلُ الِاخْتِلَافُ عَلَى الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ، وَفِي فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ لَا يَجِبُ الْجَزَاءُ وَيُكْرَهُ أَكْلُهُ. اهـ.
وَبِمَا ذَكَرْنَا عُلِمَ أَنَّ الصَّيْدَ لَوْ كَانَ عَلَى أَغْصَانِ شَجَرَةٍ مُتَدَلِّيَةٍ فِي الْحَرَمِ، وَأَصْلُ الشَّجَرَةِ فِي الْحِلِّ فَإِنْ قَتَلَهُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الصَّيْدِ مَكَانُهُ لَا أَصْلُهُ، وَفِي حُرْمَةِ قَطْعِ الشَّجَرَةِ الْعِبْرَةُ لِلْأَصْلِ لَا لِلْأَغْصَانِ؛ لِأَنَّ الْأَغْصَانَ تَبَعٌ لِلشَّجَرَةِ، وَلَيْسَ الصَّيْدُ تَبَعًا لَهَا، وَهَكَذَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ كَوْنِ الصَّيْدِ فِي الْحَرَمِ أَنْ يَكُونَ فِي أَرْضِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْكَوْنُ فِي الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ طَائِرًا فِي الْحَرَمِ، وَلَيْسَ فِي الْأَرْضِ فَإِنَّهُ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَهُ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: 97] ، وَهَوَاءُ الْحَرَمِ كَالْحَرَمِ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ مَا إذَا رَمَى حَلَالٌ إلَى صَيْدٍ فَأَحْرَمَ ثُمَّ أَصَابَهُ أَوْ عَكْسُهُ فَصَرَّحُوا فِي آخِرِ الْجِنَايَاتِ بِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ وَقْتُ الرَّمْيِ، وَهُنَا فُرُوعٌ لَمْ أَرَهَا صَرِيحًا فِي كَلَامِ أَئِمَّتِنَا، وَإِنْ أَمْكَنَ اسْتِخْرَاجُهَا مِنْهُ.
مِنْهَا لَوْ نَفَّرَ صَيْدًا فَهَلَكَ فِي حَالِ هَرَبِهِ وَنِفَارِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ضَامِنًا، وَلَا يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ حَتَّى يَسْكُنَ، وَمِنْهَا لَوْ صَاحَ عَلَى صَيْدٍ فَمَاتَ مِنْ صِيَاحِهِ يَضْمَنُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَاسَ عَلَى مَا إذَا صَاحَ عَلَى صَبِيٍّ فَمَاتَ، وَمِنْهَا مَا لَوْ رَمَى إلَى صَيْدٍ فَنَفَذَ فِيهِ السَّهْمُ فَأَصَابَ صَيْدًا آخَرَ فَقَتَلَهُمَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُ جَزَاءَانِ؛ لِأَنَّ الْعَمْدَ وَالْخَطَأَ فِي هَذَا الْبَابِ سَوَاءٌ، وَهُمْ قَدْ صَرَّحُوا بِهِ فِي صَيْدِ الْحَرَمِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِحُكْمِ جُزْءِ صَيْدِ الْحَرَمِ إلَخْ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلْحَلَالِ قَالَ فِي حَوَاشِي مِسْكِينٍ عَنْ الْحَمَوِيِّ هَذَا عَجِيبٌ مِنْهُ فَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي مَتْنِ النُّقَايَةِ حَيْثُ قَالَ: وَكَذَا ذَبْحُ الْحَلَالِ صَيْدَ الْحَرَمِ أَوْ حَلْبُهُ قَالَ: الشُّرَّاحُ أَيْ حَلْبُ الصَّيْدِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَةُ اللَّبَنِ. اهـ.
قُلْتُ: وَكَذَا فِي مَتْنِ الْمُلْتَقَى.
(قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي حِلِّ التَّنَاوُلِ حَالَةَ الْإِصَابَةِ) تَقْيِيدُهُ بِحِلِّ التَّنَاوُلِ يَقْتَضِي أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الْمَذْكُورَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ لَا بِالنِّسْبَةِ إلَى وُجُوبِ الْجَزَاءِ، وَعَدَمِهِ مَعَ أَنَّ عِبَارَةَ الْبَدَائِعِ مُصَرِّحَةٌ بِأَنَّ وُجُوبَ الْجَزَاءِ اسْتِحْسَانٌ وَسَيَذْكُرُ الْمُؤَلِّفُ التَّوْفِيقَ بِالْحَمْلِ عَلَى الِاسْتِحْسَانِ فَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ مَبْنِيًّا عَلَى الِاسْتِحْسَانِ، وَهُوَ وُجُوبُ الْجَزَاءِ لَا حِلُّ التَّنَاوُلِ فَتَدَبَّرْ. وَعِبَارَةُ الْبَدَائِعِ هَكَذَا، وَلَوْ أَرْسَلَ كَلْبًا فِي الْحِلِّ عَلَى صَيْدٍ فِي الْحِلِّ فَأَتْبَعَهُ الْكَلْبُ فَأَخَذَهُ فِي الْحَرَمِ فَقَتَلَهُ لَا شَيْءَ عَلَى الْمُرْسِلِ، وَلَا يُؤْكَلُ الصَّيْدُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ لِحَالَةِ الْإِرْسَالِ إذْ هُوَ السَّبَبُ لِلضَّمَانِ وَالْإِرْسَالُ وَقَعَ مُبَاحًا فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الضَّمَانُ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ فِعْلَ الْكَلْبِ ذَبْحٌ لِلصَّيْدِ، وَإِنَّهُ حَصَلَ فِي الْحَرَمِ فَلَا يَحِلُّ أَكْلُهُ كَمَا لَوْ ذَبَحَهُ آدَمِيٌّ إذْ فِعْلُ الْكَلْبِ لَا يَكُونُ أَعْلَى مِنْ فِعْلِ الْآدَمِيِّ.
وَلَوْ رَمَى صَيْدًا فِي الْحِلِّ فَنَفَّرَ الصَّيْدَ فَوَقَعَ السَّهْمُ بِهِ فِي الْحَرَمِ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا أَعْلَمُ، وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ كَمَا فِي إرْسَالِ الْكَلْبِ وَخَاصَّةً عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ حَالَةُ الرَّمْيِ فِي الْمَسَائِلِ حَتَّى قَالَ فِيمَنْ رَمَى إلَى مُسْلِمٍ فَارْتَدَّ الْمَرْمِيُّ إلَيْهِ ثُمَّ أَصَابَهُ السَّهْمُ فَقَتَلَهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ اعْتِبَارًا بِحَالَةِ الرَّمْيِ إلَّا أَنَّهُمْ اسْتَحْسَنُوا فَأَوْجَبُوا الْجَزَاءَ فِي الرَّمْيِ دُونَ الْإِرْسَالِ؛ لِأَنَّ الرَّمْيَ هُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي الْإِصَابَةِ بِمَجْرَى الْعَادَةِ إنْ لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَ الرَّمْيِ وَالْإِصَابَةِ فِعْلُ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ يَقْطَعُ نِسْبَةَ الْأَثَرِ إلَيْهِ شَرْعًا فَبَقِيَتْ الْإِصَابَةُ مُضَافَةً إلَيْهِ شَرْعًا فِي الْأَحْكَامِ فَصَارَ كَأَنَّهُ ابْتَدَأَ الرَّمْيَ بَعْدَ مَا حَصَلَ الصَّيْدُ فِي الْحَرَمِ، وَقَدْ تَخَلَّلَ بَيْنَ الْإِرْسَالِ وَالْأَخْذِ فِعْلُ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ، وَهُوَ الْكَلْبُ فَمَنَعَ إضَافَةَ الْأَخْذِ إلَى الْمُرْسِلِ. اهـ. مُلَخَّصًا.
(قَوْلُهُ: مِنْهَا لَوْ نَفَّرَ صَيْدَ إلَخْ) صَرَّحَ بِهَذَا وَبِالثَّالِثِ فِي اللُّبَابِ فِي أَوَائِلِ بَحْثِ الْجِنَايَةِ عَلَى الصَّيْدِ مَعَ فُرُوعٍ أُخَرَ فَرَاجِعْهُ ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ: وَلَوْ أَرْسَلَ بَازِيًا فِي الْحِلِّ فَدَخَلَ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ مُرْسِلِهِ الْحَرَمَ فَقَتَلَ صَيْدًا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَرْسَلَ كَلْبًا عَلَى ذِئْبٍ فِي الْحَرَمِ أَوْ نَصَبَ لَهُ شَبَكَةً فَأَصَابَ الْكَلْبُ صَيْدًا أَوْ وَقَعَ فِي الشَّبَكَةِ صَيْدٌ فَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ أَيْ؛ لِأَنَّ قَصْدَهُ قَتْلُ الذِّئْبِ الَّذِي هُوَ حَلَالٌ لَهُ فَلَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا. اهـ.
شَارِحٌ، وَلَوْ نَصَبَهَا لِلصَّيْدِ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ، وَلَوْ نَصَبَ خَيْمَةً فَتَعَلَّقَ بِهِ صَيْدٌ أَوْ حَفَرَ لِلْمَاءِ فَوَقَعَ فِيهِ صَيْدٌ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَمْسَكَ حَلَالٌ صَيْدًا فِي الْحِلِّ، وَلَهُ فَرْخٌ فِي الْحَرَمِ فَمَاتَا ضَمِنَ الْفَرْخَ لَا الْأُمَّ. اهـ

الصفحة 42