كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (اسم الجزء: 3)

؛ لِأَنَّهُ مَحْفُوظٌ بِالْبَيْتِ وَالْقَفَصِ لَا بِهِ غَيْرَ أَنَّهُ فِي مِلْكِهِ، وَلَوْ أَرْسَلَهُ فِي مَفَازَةٍ فَهُوَ عَلَى مِلْكِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ بِبَقَاءِ الْمِلْكِ أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ الْقَفَصُ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْقَفَصِ لَا فِي يَدِهِ بِدَلِيلِ جَوَازِ أَخْذِ الْمُصْحَفِ بِغِلَافِهِ لِلْمُحْدِثِ، وَقِيلَ يَلْزَمُهُ إرْسَالُهُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَضِيعُ بِأَنْ يُرْسِلَهُ فِي بَيْتٍ أَوْ يُودِعَهُ عِنْدَ إنْسَانٍ بِنَاءً عَلَى كَوْنِهِ فِي يَدِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَصِيرُ غَاصِبًا لَهُ بِغَصْبِ الْقَفَصِ، وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ فِي بَيْتِهِ أَوْ قَفَصِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بِيَدِهِ الْجَارِحَةِ لَزِمَهُ إرْسَالُهُ اتِّفَاقًا فَلَوْ هَلَكَ، وَهُوَ فِي يَدِهِ لَزِمَهُ الْجَزَاءُ، وَإِنْ كَانَ مَالِكًا لَهُ لِلْجِنَايَةِ عَلَى الْإِحْرَامِ بِإِمْسَاكِهِ، وَفِي الْمُغْرِبِ شَاةٌ دَاجِنٌ أَلِفَتْ الْبُيُوتَ، وَعَنْ الْكَرْخِيِّ الدَّوَاجِنُ خِلَافُ السَّائِمَةِ. اهـ. فَالْمُرَادُ بِالصَّيْدِ نَحْوُ الصَّقْرِ وَالشَّاهِينِ وَبِالدَّوَاجِنِ نَحْوُ الْغَزَالَةِ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ أَخَذَ حَلَالٌ صَيْدًا فَأَحْرَمَ ضَمِنَ مُرْسِلُهُ) يَعْنِي عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَا لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْمُرْسِلَ آمِرٌ بِالْمَعْرُوفِ نَاهٍ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَ {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91] ، وَلَهُ أَنَّهُ مَلَكَ الصَّيْدَ بِالْأَخْذِ مِلْكًا مُحْتَرَمًا فَلَا يَبْطُلُ احْتِرَامُهُ بِإِحْرَامِهِ، وَقَدْ أَتْلَفَهُ الْمُرْسِلُ فَيَضْمَنُهُ وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ تَرْكُ التَّعَرُّضِ وَيُمْكِنُهُ ذَلِكَ بِأَنْ يُخَلِّيَهُ فِي بَيْتِهِ فَإِذَا قَطَعَ يَدَهُ عَنْهُ كَانَ مُتَعَدِّيًا قَالَ: فِي الْهِدَايَةِ وَنَظِيرُهُ الِاخْتِلَافُ فِي كَسْرِ الْمَعَازِفِ. اهـ.
وَهُوَ يَقْتَضِي أَنْ يُفْتَى بِقَوْلِهِمَا هُنَا؛ لِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا فِي عَدَمِ الضَّمَانِ بِكَسْرِ الْمَعَازِفِ. اهـ. وَهِيَ آلَاتُ اللَّهْوِ كَالطُّنْبُورِ، أَطْلَقَ فِي الْإِرْسَالِ فَشَمَلَ مَا إذَا أَرْسَلَهُ مِنْ يَدِهِ الْحَقِيقِيَّةِ أَوْ الْحُكْمِيَّةِ أَيْ مِنْ بَيْتِهِ لَكِنْ يَضْمَنُهُ فِي الثَّانِي اتِّفَاقًا كَذَا فِي شَرْحِ ابْنِ الْمَلَكِ لِلْمَجْمَعِ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ أَخَذَهُ مُحْرِمٌ لَا يَضْمَنُ) أَيْ لَا يَضْمَنُ مُرْسِلُهُ مِنْ يَدِهِ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ بِالْأَخْذِ؛ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ لَا يَمْلِكُ الصَّيْدَ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ؛ لِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ فَصَارَ كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ كَذَا قَالُوا، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ الْمُحْرِمُ فَبَيْعُهُ غَيْرُ مُنْعَقِدٍ أَصْلًا، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْمُحِيطِ بِفَسَادِ الْبَيْعِ، وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِمْ الْمُحْرِمُ لَا يَمْلِكُ الصَّيْدَ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ الِاخْتِيَارِيَّةِ كَالشِّرَاءِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْوَصِيَّةِ، وَأَمَّا السَّبَبُ الْجَبْرِيُّ فَيَمْلِكُهُ بِهِ كَمَا إذَا وَرِثَ مِنْ قَرِيبِهِ صَيْدًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ أَرْسَلَهُ الْمُحْرِمُ فَأَخَذَهُ حَلَالٌ ثُمَّ حَلَّ مُرْسِلُهُ فَإِنَّهُ يَأْخُذُهُ مُرْسِلُهُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى مِمَّنْ هُوَ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ، وَلَا يَأْخُذُهُ فِي الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا أَصْلًا.

(قَوْلُهُ: فَإِنْ قَتَلَهُ مُحْرِمٌ آخَرُ ضَمِنَا وَرَجَعَ آخِذُهُ عَلَى قَاتِلِهِ) لِوُجُودِ الْجِنَايَةِ مِنْهُمَا الْآخِذُ بِالْأَخْذِ وَالْقَاتِلُ بِالْقَتْلِ فَلَزِمَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَزَاءٌ كَامِلٌ وَرَجَعَ الْآخِذُ عَلَى الْقَاتِلِ بِمَا غَرِمَ؛ لِأَنَّ أَدَاءَ الضَّمَانِ يُوجِبُ ثُبُوتَ الْمِلْكِ فِي الْمَضْمُونِ بِالْأَخْذِ السَّابِقِ، وَقَدْ تَعَذَّرَ إظْهَارُهُ فِي عَيْنِ الصَّيْدِ فَأَظْهَرْنَاهُ فِي بَدَلِهِ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْمِلْكِ فِي حَقِّ الرُّجُوعِ بِبَدَلِهِ كَمَنْ غَصَبَ مُدَبَّرًا، وَقَتَلَهُ إنْسَانٌ فِي يَدِهِ يَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الْقَاتِلِ، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ الْمُدَبَّرَ فَكَذَا هَذَا بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ لَا يَمْلِكُ بِسَبَبٍ مَا وَالْمُحْرِمُ يَمْلِكُ الصَّيْدَ بِسَبَبِ الْإِرْثِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِكَوْنِ الْقَاتِلِ مُحْرِمًا آخَرَ لِقَوْلِهِ ضَمِنَا فَإِنَّ الْقَاتِلَ لَوْ كَانَ حَلَالًا فَإِنْ كَانَ الصَّيْدُ فِي الْحَرَمِ لَزِمَهُ الْجَزَاءُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ صَيْدِ الْحِلِّ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ بِالْقَتْلِ لَكِنْ يَرْجِعُ عَلَيْهِ الْآخِذُ بِمَا ضَمِنَ فَالرُّجُوعُ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْمُحْرِمِ وَالْحَلَالِ، وَفِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ كَانَ الْقَاتِلُ نَصْرَانِيًّا أَوْ صَبِيًّا فَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ لِلَّهِ تَعَالَى وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ الْآخِذُ بِقِيمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ حُقُوقُ الْعِبَادِ دُونَ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَيَّدَ بِكَوْنِ الْقَاتِلِ آدَمِيًّا فَإِنَّهُ لَوْ قَتَلَهُ بَهِيمَةُ إنْسَانٍ فَإِنَّ الْجَزَاءَ عَلَى الْآخِذِ وَحْدَهُ، وَلَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQالصَّيْدَ، وَهُوَ فِي الْحَرَمِ ضَمِيرٌ، وَهُوَ رَاجِعٌ إلَى الصَّيْدِ أَيْضًا، وَقَوْلُهُ لَا مُطْلَقًا أَيْ لَيْسَ الْمُرَادُ الْإِطْلَاقَ أَيْ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْحَرَمِ أَوْ بَعْدَ إخْرَاجِهِ إلَى الْحِلِّ، وَهَذَا حَمْلٌ لِكَلَامِ الْمَتْنِ عَلَى مَا فِي الْمُحِيطِ.

(قَوْلُهُ: وَقِيلَ يَلْزَمُهُ إرْسَالُهُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى ضَعْفِهِ قَالَ فِي النَّهْرِ، وَعِبَارَةُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ تُؤْذِنُ بِتَرْجِيحِ الْأَوَّلِ حَيْثُ قَالَ: وَيَسْتَوِي إنْ كَانَ الْقَفَصُ فِي يَدِهِ أَوْ فِي رَحْلِهِ، وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: إنْ فِي يَدِهِ يَلْزَمُهُ إرْسَالُهُ. اهـ.
(قَوْلُهُ: بِأَنْ يُرْسِلَهُ فِي بَيْتٍ إلَخْ) اعْتَرَضَهُ ابْنُ الْكَمَالِ فَقَالَ: وَمَنْ قَالَ: بِأَنْ يُخَلِّيَهُ فِي بَيْتِهِ فَكَأَنَّهُ غَافِلٌ عَنْ شُمُولِ الْمَسْأَلَةِ لِلْمُحْرِمِ الْمُسَافِرِ الَّذِي لَا بَيْتَ لَهُ، وَمَنْ قَالَ: أَوْ يُودِعَهُ فَكَأَنَّهُ غَافِلٌ عَنْ أَنَّ يَدَ الْمُودِعِ كَيَدِ الْمُودَعِ كَذَا فِي حَوَاشِي مِسْكِينٍ عَنْ الْحَمَوِيِّ قُلْتُ: دَفَعَهُ فِي النَّهْرِ فَقَالَ: وَأَفَادَ فِي فَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ يَدَ خَادِمِهِ كَرَحْلِهِ وَبِهِ انْدَفَعَ مَنْعُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ إيدَاعَهُ عَلَى الْقَوْلِ بِإِرْسَالِهِ فَإِنَّ يَدَ الْمُودِعِ كَيَدِهِ فَهَلَّا كَانَتْ يَدُ خَادِمِهِ كَيَدِهِ (قَوْلُهُ: فَالْمُرَادُ بِالصَّيْدِ نَحْوُ الصَّقْرِ إلَخْ) حَمَلَ فِي النَّهْرِ الصُّيُودَ عَلَى الصُّيُودِ الْوَحْشِيَّاتِ وَالدَّوَاجِنَ عَلَى الْمُسْتَأْنَسَةِ ثُمَّ قَالَ: وَمَنْ خَصَّ الصُّيُودَ بِالطُّيُورِ وَالدَّوَاجِنَ بِغَيْرِهَا لَا كَالْغَزَالَةِ فَقَدْ أَبْعَدَ. اهـ. وَمُرَادُهُ التَّعْرِيضُ بِصَاحِبِ غَايَةِ الْبَيَانِ فَإِنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ مَأْخُوذٌ مِنْهُ.

(قَوْلُهُ: وَهُوَ يَقْتَضِي أَنْ يُفْتِيَ بِقَوْلِهِمَا) ، وَهُوَ مُقْتَضَى مَا فِي الْبُرْهَانِ أَيْضًا قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة، وَفِي الْبُرْهَانِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ الْقِيَاسُ، وَقَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانٌ، وَهَذَا نَظِيرُ اخْتِلَافِهِمْ فِيمَنْ أَتْلَفَ الْمَعَازِفَ.

(قَوْلُهُ: وَأَمَّا السَّبَبُ الْجَبْرِيُّ إلَخْ) قَالَ: فِي النَّهْرِ لَكِنْ فِي السِّرَاجِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ بِالْمِيرَاثِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ لِمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ: فِي الصُّورَةِ الْأُولَى) وَهِيَ قَوْلُ الْمَتْنِ، وَلَوْ أَخَذَ حَلَالٌ وَالْمُرَادُ بِالثَّانِيَةِ قَوْلُهُ: وَلَوْ أَخَذَهُ مُحْرِمٌ.

(قَوْلُهُ: وَقَدْ تَعَذَّرَ إظْهَارُهُ) أَيْ إظْهَارُ الْمِلْكِ فِي الْمَضْمُونِ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ

الصفحة 45