كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (اسم الجزء: 3)

مَعًا بِأَنْ جَرَحَهُ الْحَلَالُ أَوَّلًا ثُمَّ ثَنَّى الْمُحْرِمُ ضَمِنَ الْحَلَالُ مَا انْتَقَصَ بِجُرْحِهِ صَحِيحًا وَنِصْفَ قِيمَتِهِ وَبِهِ الْجِرَاحَتَانِ؛ لِأَنَّ النُّقْصَانَ حَصَلَ بِالْجُرْحِ، وَهُوَ صَحِيحٌ وَالْهَلَاكُ حَصَلَ بِأَثَرِ الْفِعْلِ، وَهُوَ مَنْقُوصٌ بِالْجِرَاحَتَيْنِ، وَعَلَى الْمُحْرِمِ قِيمَتُهُ وَبِهِ الْجُرْحُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ حِينَ جُرِحَ كَانَ مَنْقُوصًا بِالْجُرْحِ الْأَوَّلِ، وَلَوْ قَطَعَ حَلَالٌ يَدَ صَيْدٍ ثُمَّ فَقَأَ مُحْرِمٌ عَيْنَهُ ثُمَّ جَرَحَهُ قَارِنٌ فَمَاتَ فَعَلَى الْحَلَالِ قِيمَتُهُ كَامِلَةً؛ لِأَنَّهُ اسْتَهْلَكَهُ مَعْنًى، وَهُوَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ عَلَيْهِ جِنْسَ الْمَنْفَعَةِ، وَعَلَى الثَّانِي قِيمَتُهُ وَبِهِ الْجُرْحُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَهْلَكَهُ مَعْنًى، وَعَلَى الْقَارِنِ قِيمَتَانِ وَبِهِ الْجِنَايَاتُ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ حَقِيقَةً بِأَثَرِ الْفِعْلِ، وَهُوَ مَنْقُوصٌ بِهِمَا وَتَمَامُ تَفَارِيعِهِ فِي الْمُحِيطِ.

(قَوْلُهُ: وَيَبْطُلُ بَيْعُ الْمُحْرِمِ صَيْدًا وَشِرَاؤُهُ) ؛ لِأَنَّ بَيْعَهُ حَيًّا تَعَرَّضَ لِلصَّيْدِ بِفَوَاتِ الْأَمْنِ وَبَيْعُهُ بَعْدَ مَا قَتَلَهُ بَيْعُ مَيْتَةٍ كَذَا عَلَّلَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالظَّاهِرُ مِنْ الصَّيْدِ هُوَ الْحَيُّ، وَأَمَّا الْمَيْتَةُ فَمَعْلُومٌ بُطْلَانُ بَيْعِهَا، وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِلْبَائِعِ إذَا كَانَ قَدْ اصْطَادَهُ الْبَائِعُ، وَهُوَ مُحْرِمٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ اصْطَادَهُ، وَهُوَ حَلَالٌ ثُمَّ أَحْرَمَ فَبَاعَهُ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَضْمَنُ لَهُ قِيمَتَهُ، وَأَمَّا الْجَزَاءُ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ جَزَاءٌ كَامِلٌ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ جَنَى بِالْبَيْعِ وَالْمُشْتَرِيَ بِالشِّرَاءِ وَالْأَخْذِ، وَإِنَّمَا كَانَ الْبَيْعُ بَاطِلًا، وَلَمْ يَكُنْ فَاسِدًا؛ لِأَنَّ الصَّيْدَ فِي حَقِّ الْمُحْرِمِ مُحَرَّمُ الْعَيْنِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96] أَضَافَ التَّحْرِيمَ إلَى الْعَيْنِ فَأَفَادَ سُقُوطَ التَّقَوُّمِ فِي حَقِّهِ كَالْخَمْرِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ، وَحَاصِلُهُ إخْرَاجُ الْعَيْنِ عَنْ الْمَحَلِّيَّةِ لِسَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ فَيَكُونُ التَّصَرُّفُ فِيهَا عَبَثًا فَيَكُونُ قَبِيحًا لِعَيْنِهِ فَيَبْطُلُ سَوَاءٌ كَانَا مُحْرِمَيْنِ أَوْ أَحَدَهُمَا وَلِهَذَا أَطْلَقَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنَّهُ أَفَادَ أَنَّ بَيْعَ الْمُحْرِمِ بَاطِلٌ، وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي حَلَالًا، وَأَنَّ شِرَاءَهُ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ حَلَالًا.
وَأَمَّا الْجَزَاءُ فَإِنَّمَا يَكُونُ عَلَى الْمُحْرِمِ حَتَّى لَوْ كَانَ الْبَائِعُ حَلَالًا وَالْمُشْتَرِي مُحْرِمٌ لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ فَقَطْ، وَعَلَى هَذَا كُلُّ تَصَرُّفٍ فَإِنْ وَهَبَ صَيْدًا فَإِنْ كَانَا مُحْرِمَيْنِ لَزِمَ كُلَّ وَاحِدٍ جَزَاءٌ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُحْرِمًا لَزِمَهُ فَقَطْ، وَلَوْ تَبَايَعَا صَيْدًا فِي الْحِلِّ ثُمَّ أَحْرَمَا أَوْ أَحَدُهُمَا ثُمَّ وَجَدَ الْمُشْتَرِي بِهِ عَيْبًا رَجَعَ بِالنُّقْصَانِ، وَلَيْسَ لَهُ الرَّدُّ، وَعَلَى هَذَا لَوْ غَصَبَ حَلَالٌ صَيْدَ حَلَالٍ ثُمَّ أَحْرَمَ الْغَاصِبُ وَالصَّيْدُ فِي يَدِهِ لَزِمَهُ إرْسَالُهُ وَضَمَانُ قِيمَتِهِ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ فَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ وَدَفَعَهُ إلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ حَتَّى بَرِئَ مِنْ الضَّمَانِ لَهُ كَانَ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ، وَقَدْ أَسَاءَ، وَهَذَا لُغْزٌ يُقَالُ غَاصِبٌ يَجِبُ عَلَيْهِ عَدَمُ الرَّدِّ بَلْ إذَا فَعَلَ يَجِبُ بِهِ الضَّمَانُ فَلَوْ أَحْرَمَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ ثُمَّ دَفَعَهُ إلَيْهِ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْجَزَاءُ.
(قَوْلُهُ: وَمَنْ أَخْرَجَ ظَبْيَةَ الْحَرَمِ فَوَلَدَتْ فَمَاتَا ضَمِنَهُمَا فَإِنْ أَدَّى جَزَاءَهَا فَوَلَدَتْ لَا يَضْمَنُ الْوَلَدَ) ؛ لِأَنَّ الصَّيْدَ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ مِنْ الْحَرَمِ بَقِيَ مُسْتَحَقَّ الْأَمْنِ شَرْعًا وَلِهَذَا وَجَبَ رَدُّهُ إلَى مَأْمَنِهِ، وَهَذِهِ صِفَةٌ شَرْعِيَّةٌ فَتَسْرِي إلَى الْوَلَدِ فَإِنْ أَدَّى جَزَاءَهَا ثُمَّ وَلَدَتْ لَيْسَ عَلَيْهِ جَزَاءُ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ بَعْدَ أَدَاءِ الْجَزَاءِ لَمْ تَبْقَ آمِنَةً؛ لِأَنَّ وُصُولَ الْخَلَفِ كَوُصُولِ الْأَصْلِ وَلِهَذَا يَمْلِكُهَا الَّذِي أَخْرَجَهَا بَعْدَ أَدَاءِ الْجَزَاءِ وَلِهَذَا لَوْ ذَبَحَهَا لَمْ تَكُنْ مَيْتَةً لَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ كَذَا قَالُوا: وَقَدْ بَحَثَ فِيهِ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَقَالَ: وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ أَنَّ أَدَاءَ الْجَزَاءِ إنْ كَانَ حَالَ الْقُدْرَةِ عَلَى إعَادَةِ مَأْمَنِهَا بِالرَّدِّ إلَى الْمَأْمَنِ لَا يَقَعُ كَفَّارَةً، وَلَا يَحِلُّ بَعْدَهُ التَّعَرُّضُ لَهُ بَلْ حُرْمَةُ التَّعَرُّضِ إلَيْهَا قَائِمَةً، وَإِنْ كَانَ حَالَ الْعَجْزِ عَنْهُ بِأَنْ هَرَبَتْ فِي الْحِلِّ بَعْدَ مَا أَخْرَجَهَا إلَيْهِ خَرَجَ بِهِ عَنْ عُهْدَتِهَا فَلَا يَضْمَنُ مَا يَحْدُثُ بَعْدَ التَّكْفِيرِ مِنْ أَوْلَادِهَا، وَلَهُ أَنْ يَصْطَادَهَا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمُتَوَجَّهَ قَبْلَ الْعَجْزِ عَنْ تَأْمِينِهَا إنَّمَا هُوَ خِطَابُ الرَّدِّ إلَى الْمَأْمَنِ، وَلَا يَزَالُ مُتَوَجِّهًا مَا كَانَ قَادِرًا؛ لِأَنَّ سُقُوطَ الْأَمْرِ إنَّمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ قَدْ اصْطَادَهُ، وَهُوَ حَلَالٌ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَاسِدٌ وَبِهِ صَرَّحَ فِي النَّهْرِ مَعَ أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَكَلَامُهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُشْتَرِيَ مُحْرِمٌ أَيْضًا فَيَكُونُ مُخْرِجًا لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَنْ الْإِطْلَاقِ فَقَوْلُهُ سَوَاءٌ كَانَا مُحْرِمَيْنِ أَوْ أَحَدَهُمَا إلَخْ مُسْتَدْرَكٌ فَتَأَمَّلْهُ، وَقَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ اصْطَادَهُ، وَهُوَ حَلَالٌ إلَى قَوْلِهِ يَضْمَنُ لَهُ قِيمَتَهُ، وَأَمَّا الْجَزَاءُ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ يَصْلُحُ جَوَابًا لِمَا أَلْغَزَ بِهِ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ عِنْدِي سُؤَالٌ حَسَنٌ مُسْتَظْرَفٌ فَرْعٌ عَلَى أَصْلَيْنِ قَدْ تَفَرَّعَا أَتْلَفَ شَيْئًا بِرِضَا مَالِكِهِ وَيَضْمَنُ الْقِيمَةَ وَالْمِثْلَ مَعًا، وَلَمْ أَرَ مَنْ نَظَمَ الْجَوَابَ فَنَظَمْته بِقَوْلِي
هَذَا حَلَالٌ بَاعَ صَيْدًا مُحْرِمًا ... فَمَا حَمَى إحْرَامَهُ وَمَا رَعَى
وَأَتْلَفَ الصَّيْدَ الْمَبِيعَ جَانِيًا ... فَضَمِنَ الْقِيمَةَ وَالْمِثْلَ مَعًا
اهـ.
قُلْتُ: لَكِنْ فِيهِ أَنَّ الْمَبِيعَ فَاسِدًا يَمْلِكُهُ الْمُشْتَرِي بِالْقَبْضِ فَالْمَالِكُ هَذَا هُوَ الْمُشْتَرِي لَا الْبَائِعُ (قَوْلُهُ: فَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ وَدَفَعَهُ إلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ إلَخْ) . أَقُولُ: وُجُوبُ الْجَزَاءِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مُشْكِلٌ لِمَا مَرَّ عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ، وَلَوْ أَخَذَ حَلَالٌ صَيْدًا فَأَحْرَمَ ضَمِنَ مُرْسِلُهُ مِنْ أَنَّهُ قَدْ أَتْلَفَهُ الْمُرْسِلُ فَيَضْمَنُهُ وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ تَرْكُ التَّعَرُّضِ وَيُمْكِنُهُ ذَلِكَ بِأَنْ يُخَلِّيَهُ فِي بَيْتِهِ فَإِذَا قَطَعَ يَدَهُ عَنْهُ كَانَ مُتَعَدِّيًا. اهـ.
فَقَوْلُهُ وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ تَرْكُ التَّعَرُّضِ إلَخْ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إرْسَالُهُ مِنْ يَدِهِ لِإِمْكَانِ تَخْلِيَتِهِ فِي بَيْتِهِ فَهَلَّا كَانَ دَفْعُ الْغَاصِبِ مِثْلَ تَخْلِيَةِ الْمَالِكِ فَلْيُتَأَمَّلْ

الصفحة 50