كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (اسم الجزء: 3)

فَاتَهُ إلَّا بِهَا، وَعِنْدَهُمَا يَسْقُطُ الدَّمُ مُطْلَقًا كَمَا لَوْ أَحْرَمَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ، وَمَرَّ بِالْمَوَاقِيتِ سَاكِتًا فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا وَجَوَابُهُ أَنَّ الْإِحْرَامَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ هُوَ الْعَزِيمَةُ، وَقَدْ أَتَى بِهِ فَإِذَا تَرَخَّصَ بِالتَّأْخِيرِ إلَى الْمِيقَاتِ وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاءُ حَقِّهِ بِإِنْشَاءِ التَّلْبِيَةِ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ عَادَ مُحْرِمًا، وَلَمْ يُلَبِّ فِيهِ لَكِنْ لَبَّى بَعْدَمَا جَاوَزَهُ ثُمَّ رَجَعَ، وَمَرَّ بِهِ سَاكِتًا فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ فَوْقَ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ فِي تَعْظِيمِ الْبَيْتِ، وَأَطْلَقَ فِي الْعَوْدِ فَشَمِلَ مَا إذَا عَادَ إلَى الْمِيقَاتِ الَّذِي جَاوَزَهُ غَيْرَ مُحْرِمٍ أَوْ إلَى غَيْرِهِ أَقْرَبَ أَوْ أَبْعَدَ؛ لِأَنَّ الْمَوَاقِيتَ كُلَّهَا سَوَاءٌ فِي حَقِّ الْإِحْرَامِ وَالْأَوْلَى أَنْ يُحْرِمَ مِنْ وَقْتِهِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ جَاوَزَ آخِرَ الْمَوَاقِيتِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِ الْإِحْرَامِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا عِنْدَ آخِرِهَا وَيَجُوزُ مُجَاوَزَةُ مِيقَاتِهِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ إذَا كَانَ بَعْدَهُ مِيقَاتٌ آخَرُ وَتَرَكَ الْمُصَنِّفُ قَيْدًا لَا بُدَّ مِنْهُ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْعَوْدُ إلَى الْمِيقَاتِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْأَعْمَالِ فَلَوْ عَادَ إلَيْهِ بَعْدَمَا طَافَ شَوْطًا لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ اتِّفَاقًا، وَكَذَا بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ مِنْ غَيْرِ طَوَافٍ؛ لِأَنَّ مَا شَرَعَ فِيهِ وَقَعَ مُعْتَدًّا بِهِ فَلَا يَعُودُ إلَى حُكْمِ الِابْتِدَاءِ بِالْعَوْدِ إلَى الْمِيقَاتِ.
وَمَا فِي الْهِدَايَةِ مِنْ التَّقْيِيدِ بِاسْتِلَامِ الْحَجَرِ مَعَ الطَّوَافِ فَلَيْسَ احْتِرَازِيًّا بَلْ الطَّوَافُ يُؤَكِّدُ الدَّمَ مِنْ غَيْرِ اسْتِلَامٍ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْعِنَايَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْعَوْدَ أَفْضَلُ أَوْ تَرْكَهُ، وَفِي الْمُحِيطِ إنْ خَافَ فَوْتَ الْحَجّ إذَا عَادَ فَإِنَّهُ لَا يَعُودُ وَيَمْضِي فِي إحْرَامِهِ، وَإِنْ لَمْ يَخَفْ فَوْتَهُ عَادَ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ فَرْضٌ وَالْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ وَاجِبٌ، وَتَرْكُ الْوَاجِبِ أَهْوَنُ مِنْ تَرْكِ الْفَرْضِ. اهـ.
فَاسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا تَفْصِيلَ فِي الْعُمْرَةِ، وَأَنَّهُ يَعُودُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَفُوتُ أَصْلًا وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ عُلِمَ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِهِ أَوْ جَاوَزَ ثُمَّ أَحْرَمَ إلَى آخِرِهِ لِدُخُولِهِ تَحْتَ قَوْلِهِ ثُمَّ عَادَ مُحْرِمًا مُلَبِّيًا؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ كَمَا عَلِمْت بَيْنَ إحْرَامِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَدَاءً أَوْ قَضَاءً، وَإِنْ كَانَ أَفْرَدَهَا لِأَجْلِ أَنَّ زُفَرَ يُخَالِفُ فِيهَا فَهُوَ مُخَالِفٌ أَيْضًا فِيمَا قَبْلَهَا خُصُوصًا أَنَّهُ مُوهِمٌ غَيْرَ الْمُرَادِ فَإِنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ الْعَوْدَ إلَى الْمِيقَاتِ فِي الْقَضَاءِ، وَلَا بُدَّ مِنْهُ لِلسُّقُوطِ، وَقَيَّدَ بِالْعُمْرَةِ، وَلَيْسَ احْتِرَازِيًّا بَلْ إذَا فَسَدَ الْحَجُّ ثُمَّ قَضَاهُ بِأَنْ عَادَ إلَى الْمِيقَاتِ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ مِنْ سُقُوطِ الدَّمِ.

(قَوْلُهُ: فَلَوْ دَخَلَ كُوفِيٌّ الْبُسْتَانَ لِحَاجَةٍ لَهُ دُخُولُ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ، وَوَقْتُهُ الْبُسْتَانُ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ أَوَّلًا دُخُولَ مَكَّةَ، وَإِنَّمَا قَصَدَ الْبُسْتَانَ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ أَهْلِهِ حِينَ دَخَلَهُ وَلِلْبُسْتَانِيِّ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ لِلْحَاجَةِ فَكَذَلِكَ لَهُ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَوَقْتُهُ الْبُسْتَانُ جَمِيعُ الْحِلِّ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَرَمِ قَالُوا: وَهَذِهِ حِيلَةُ الْآفَاقِيِّ إذَا أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ فَيَنْوِي أَنْ يَدْخُلَ خُلَيْصًا مِثْلًا فَلَهُ مُجَاوَزَةُ رَابِغٍ الَّذِي هُوَ مِيقَاتُ الشَّامِيِّ وَالْمِصْرِيِّ الْمُحَاذِي لِلْجُحْفَةِ، وَلَمْ أَرَ أَنَّ هَذَا الْقَصْدَ لَا بُدَّ مِنْهُ حِينَ خُرُوجِهِ مِنْ بَيْتِهِ أَوَّلًا، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ هُوَ الْأَوَّلُ فَإِنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: وَمَا فِي الْهِدَايَةِ مِنْ التَّقْيِيدِ بِاسْتِلَامِ الْحَجَرِ) أَيْ حَيْثُ قَالَ: لَوْ عَادَ بَعْدَمَا ابْتَدَأَ الطَّوَافَ وَاسْتَلَمَ الْحَجَرَ، وَكَذَا فِي بَعْضِ نُسَخِ الدُّرَرِ، وَفِي بَعْضِهَا أَوْ اسْتَلَمَ بِأَوْ، قَالَ: فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ بَعْد نَقْلِهِ عِبَارَةَ الْمُؤَلِّفِ فَلْيُحَرَّرْ هَلْ مُجَرَّدُ الِاسْتِلَامِ مَانِعٌ لِلسُّقُوطِ أَوْ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الطَّوَافِ. اهـ.
قُلْتُ: الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ عِبَارَةِ الْعِنَايَةِ عَدَمُ اعْتِبَارِ الِاسْتِلَامِ مَانِعًا وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ وَظَهَرَ لَك بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ قَوْلَهُ وَاسْتَلَمَ الْحَجَرَ لِبَيَانِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي ذَلِكَ الشَّوْطُ. اهـ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ ذِكْرَ الِاسْتِلَامِ لِإِفَادَةِ أَنَّ الْمَانِعَ هُوَ الشَّوْطُ الْكَامِلُ، وَلَيْسَ احْتِرَازِيًّا، وَكَيْفَ يَكُونُ الِاسْتِلَامُ بِمُجَرَّدِهِ مَانِعًا مَعَ أَنَّهُ يَكُونُ أَيْضًا قَبْلَ الِابْتِدَاءِ بِالطَّوَافِ تَأَمَّلْ، وَقَالَ مُنْلَا عَلِيٌّ الْقَارِي عِنْدَ قَوْلِ صَاحِبِ اللُّبَابِ، وَإِنْ عَادَ بَعْدَ شُرُوعِهِ كَأَنْ اسْتَلَمَ الْحَجَرَ الْأَوْلَى كَأَنْ نَوَى الطَّوَافَ سَوَاءٌ اسْتَلَمَهُ أَوْ لَا وَسَوَاءٌ ابْتَدَأَ مِنْهُ أَوْ لَا بَلْ الصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: بِأَنْ نَوَى. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ عُلِمَ إلَخْ) قَرَّرَ فِي النَّهْرِ كَلَامَ الْمَتْنِ بِأَنَّ قَوْلَهُ ثُمَّ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ يُعْلَمُ مِنْهُ مَا إذَا أَحْرَمَ بِحَجَّةٍ بِالْأَوْلَى، وَقَوْلُهُ ثُمَّ أَفْسَدَ أَيْ تِلْكَ الْعُمْرَةَ أَوْ الْحَجَّةَ، وَقَضَى مَا أَفْسَدَهُ مِنْ الْمِيقَاتِ بِأَنْ أَحْرَمَ فِي الْقَضَاءِ مِنْهُ، وَعَزَاهُ إلَى الزَّيْلَعِيِّ ثُمَّ قَالَ: وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي الْبَحْرِ؛ لِأَنَّ مَوْضُوعَ الْأُولَى مَا إذَا عَادَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ إلَى الْمِيقَاتِ، وَفِيهَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَدَاءً، وَقَضَاءً وَالثَّانِيَةُ مَا إذَا أَنْشَأَ إحْرَامَ الْقَضَاءِ مِنْ الْمِيقَاتِ وَلِذَا لَمْ يَقُلْ ثُمَّ عَادَ قَاضِيًا. اهـ.
وَلَا يَخْفَى عَلَيْك إنْ أَنْصَفْت مَا فِيهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ ثُمَّ عَادَ لَيْسَ قَيْدًا احْتِرَازِيًّا عَمَّا إذَا أَنْشَأَ الْإِحْرَامَ مِنْهُ بَلْ لِيُدْخِلَ فِيهِ ذَلِكَ بِالْأَوْلَى كَمَا مَرَّ؛ وَلِأَنَّ مَسْأَلَةَ الْقَضَاءِ لَا تَخْتَصُّ بِمَا إذَا أَنْشَأَ الْإِحْرَامَ مِنْ الْمِيقَاتِ بَلْ كَذَلِكَ مَا إذَا عَادَ مُحْرِمًا مُلَبِّيًا بِالْقَضَاءِ فَلَا فَرْقَ حِينَئِذٍ بَيْنَ الْقَضَاءِ وَالْأَدَاءِ وَالْمُتُونُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الِاخْتِصَارِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْأُولَى لَشَمِلَ أَدَاءَ الْحَجِّ فَرْضِهِ وَنَفْلِهِ وَالْعُمْرَةَ وَقَضَاءَهُمَا. (قَوْلُهُ: بَلْ إذَا فَسَدَ الْحَجُّ ثُمَّ قَضَاهُ بِأَنْ عَادَ إلَى الْمِيقَاتِ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَفِي غَيْرِهَا بَلْ إذَا فَسَدَ الْحَجُّ ثُمَّ عَادَ بِأَنْ قَضَاهُ فَالْحُكْمُ إلَخْ وَالْأُولَى أَظْهَرُ.

(قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ هُوَ الْأَوَّلُ إلَخْ) قَالَ: فِي النَّهْرِ الظَّاهِرُ أَنَّ وُجُودَ ذَلِكَ الْقَصْدِ عِنْدَ الْمُجَاوَزَةِ كَافٍ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا فِي الْبَدَائِعِ بَعْدَمَا ذَكَرَ حُكْمَ الْمُجَاوَزَةِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ قَالَ: هَذَا إذَا جَاوَزَ أَحَدٌ هَذِهِ الْمَوَاقِيتَ الْخَمْسَةَ يُرِيدُ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ أَوْ دُخُولَ

الصفحة 52