كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (اسم الجزء: 3)

يَسْقُطُ عَنْ الْآمِرِ، وَلَا يَسْقُطُ عَنْ الْمَأْمُورِ، وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَنْوِيَهُ عَنْ الْآمِرِ، وَهُوَ دَلِيلُ الْمَذْهَبِ، وَأَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَهْلِيَّةُ النَّائِبِ لِصِحَّةِ الْأَفْعَالِ حَتَّى لَوْ أَمَرَ ذِمِّيًّا لَا يَجُوزُ، وَهُوَ دَلِيلُ الضَّعِيفِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِالثَّمَرَةِ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّهَا تَظْهَرُ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَحُجَّ فَعَلَى الْمَذْهَبِ إذَا حَجَّ عَنْ غَيْرِهِ لَا يَحْنَثُ، وَعَلَى الضَّعِيفِ يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْعُرْفَ أَنَّهُ قَدْ حَجَّ، وَإِنْ وَقَعَ عَنْ غَيْرِهِ فَيَحْنَثُ اتِّفَاقًا.

(قَوْلُهُ: وَمَنْ حَجَّ عَنْ آمِرَيْهِ ضَمِنَ النَّفَقَةَ) ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَمَرَهُ بِأَنْ يُخَلِّصَ النَّفَقَةَ لَهُ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاكٍ، وَلَا يُمْكِنُهُ إيقَاعُهُ عَنْ أَحَدِهِمَا لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ فَيَقَعُ عَنْ الْمَأْمُورِ نَفْلًا، وَلَا يُجْزِئُهُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَيَضْمَنُ النَّفَقَةَ إنْ أَنْفَقَ مِنْ مَالِهِمَا؛ لِأَنَّهُ صَرَفَ نَفَقَةَ الْآمِرِ إلَى حَجِّ نَفْسِهِ أَطْلَقَ فِي الْآمِرَيْنِ فَشَمِلَ الْأَبَوَيْنِ وَسَيَأْتِي إخْرَاجُهُمَا، وَقَيَّدَ بِالْأَمْرِ بِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ عَنْهُمَا بِغَيْرِ أَمْرِهِمَا فَلَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ عَنْ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِجَعْلِ ثَوَابِ عَمَلِهِ لِأَحَدِهِمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: وَهُوَ دَلِيلُ الضَّعِيفِ) فِي حُكْمِهِ عَلَيْهِ بِالضَّعْفِ شَيْءٌ إذْ قَالَ فِي الْفَتْحِ: إنَّ عَلَيْهِ جَمْعًا مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْهُمْ صَدْرُ الْإِسْلَامِ والإسبيجابي وَقَاضِي خَانْ حَتَّى نَسَبَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ هَذَا لِأَصْحَابِنَا قَالَ فِي النَّهْرِ: وَفِي الْعِنَايَةِ، وَإِلَيْهِ مَالَ عَامَّةُ الْمُتَأَخِّرِينَ. اهـ.
وَمَا عَزَاهُ إلَى قَاضِي خَانْ هُوَ مَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ حَيْثُ قَالَ: وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى الْفِقْهِ لَكِنْ صَحَّحَ فِي فَتَاوَاهُ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ فَاعْتِرَاضُ بَعْضِهِمْ مَنْشَؤُهُ عَدَمُ الْمُرَاجَعَةِ.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَمَرَهُ إلَخْ) عَدَلَ عَنْ قَوْلِ الْهِدَايَةِ فَهِيَ عَنْ الْحَاجِّ وَيَضْمَنُ النَّفَقَةَ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ يَقَعُ عَنْ الْآمِرِ حَتَّى لَا يَخْرُجُ الْحَاجُّ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَمَرَهُ أَنْ يُخَلِّصَ الْحَجَّ لَهُ إلَخْ لَمَّا قَالَ فِي الْعِنَايَةِ وَذَهَبَ الشَّارِحُونَ إلَى أَنَّ الدَّلِيلَ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِلْمَدْلُولِ قَالَ: ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ، وَلَكِنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ تَعْلِيلُ حُكْمٍ غَيْرِ مَذْكُورٍ وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ وَيَضْمَنُ النَّفَقَةَ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَهُمَا، وَإِنَّمَا لَا يَضْمَنُ النَّفَقَةَ إذَا وَافَقَ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ إلَخْ قَالَ فِي السَّعْدِيَّةِ، وَلَا قَرِينَةَ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ وَلِذَا قَالَ فِي النَّهْرِ: وَمَا رَأَيْت مَنْ أَفْصَحَ مِنْهُمْ عَنْ الْمَرْمَى لَكِنْ رَأَيْت فِي نُسْخَةٍ قَدِيمَةٍ مُعْتَمَدَةٍ لَا إنَّ الْحَجَّ يَقَعُ عَنْ الْآمِرِ بِلَا النَّافِيَةِ، وَلَيْسَ تَعْلِيلًا لِلْمَسْأَلَةِ، وَقَوْلُهُ حَتَّى لَا يَخْرُجُ غَايَةٌ لِقَوْلِهِ فَهِيَ عَنْ الْحَاجِّ نَفْلًا، وَهَذَا أَوْلَى مَا رَأَيْت فَتَدَبَّرْهُ. اهـ.
قُلْتُ:، وَهَذَا أَيْضًا لَا يَخْفَى بَعْدَهُ، وَقَدْ خَطَرَ لِي جَوَابٌ عَنْ النُّسْخَةِ الْأُولَى أَظْهَرُ مِمَّا فِي النِّهَايَةِ بِأَنْ تُجْعَلَ أَلْ فِي الْحَجِّ لِلْعَهْدِ أَيْ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ الْمَأْمُورَ بِهِ مَا يَقَعُ عَنْ الْآمِرِ، وَقَوْلُهُ حَتَّى لَا يَخْرُجُ تَفْرِيعٌ عَلَيْهِ تَأَمَّلْ ثُمَّ رَأَيْت جَوَابِي بِعَيْنِهِ أَجَابَ بِهِ الْعَلَّامَةُ ابْنُ كَمَالِ بَاشَا فِي شَرْحِهِ عَلَى الْهِدَايَةِ.
(قَوْلُهُ: فَيَقَعُ عَنْ الْمَأْمُورِ نَفْلًا) كَذَا فِي النَّهْرِ وَاَلَّذِي فِي شَرْحِ الْبَاقَانِيُّ أَنَّهُ يَخْرُجُ بِهَا عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ لَكِنْ قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ إنَّهُ يَقَعُ عَنْ الْآمِرِ مِنْ وَجْهٍ بِدَلِيلِ أَنَّ الْحَاجَّ لَا يَخْرُجُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَرَأَيْت فِي الْفَتْحِ مَا يُفِيدُ مَا ذَكَرَهُ الْبَاقَانِيُّ فَإِنَّهُ فِي الْفَتْحِ ذَكَرَ صُوَرَ الْإِبْهَامِ الْأَرْبَعَةِ الْآتِي ذِكْرُهَا ثُمَّ قَالَ: وَمَبْنَى الْأَجْوِبَةِ عَلَى أَنَّهُ إذَا وَقَعَ عَنْ نَفْسِ الْمَأْمُورِ لَا يَتَحَوَّلُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى الْآمِرِ، وَأَنَّهُ بَعْدَمَا صَرَفَ نَفَقَةَ الْآمِرِ إلَى نَفْسِهِ ذَاهِبًا إلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَخَذَ النَّفَقَةَ لَهُ لَا يَنْصَرِفُ الْإِحْرَامُ إلَى نَفْسِهِ إلَّا إذَا تَحَقَّقَتْ الْمُخَالَفَةُ أَوْ عَجَزَ شَرْعًا عَنْ التَّعْيِينِ. اهـ.
وَلَا شَكَّ فِي أَنَّهُ إذَا أَحْرَمَ عَنْهُمَا تَحَقَّقَتْ الْمُخَالَفَةُ، وَعَجَزَ شَرْعًا عَنْ التَّعْيِينِ فَيَقَعُ الْحَجُّ عَنْ نَفْسِهِ وَذَكَرَ فِي الْفَتْحِ أَيْضًا بَعْدَ ذَلِكَ فِيمَا لَوْ أَحْرَمَ عَنْ أَحَدِهِمَا غَيْرَ عَيْنٍ أَنَّ الْمُخَالَفَةَ لَمْ تَتَحَقَّقْ بِمُجَرَّدِ الْإِحْرَامِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَصِيرَ لِلْمَأْمُورِ؛ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى إخْرَاجِهَا عَنْ نَفْسِهِ بِجَعْلِهَا لِأَحَدِهِمَا فَلَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ إلَّا إذَا وُجِدَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا أَيْ مِنْ تَحَقُّقِ الْمُخَالَفَةِ أَوْ الْعَجْزِ عَنْ التَّعْيِينِ، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ ذَلِكَ مَا لَمْ يَشْرَعْ فِي الْأَعْمَالِ، وَلَوْ شَوْطًا؛ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ لَا تَقَعُ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ فَتَقَعُ عَنْهُ، وَلَيْسَ فِي وُسْعِهِ أَنْ يُحَوِّلَهَا إلَى غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا جَعَلَ الشَّرْعُ لَهُ ذَلِكَ فِي الثَّوَابِ. اهـ.
وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي الْأَعْمَالِ تَحَقَّقَتْ الْمُخَالَفَةُ وَامْتَنَعَ تَحْوِيلُهَا لِغَيْرِهِ وَبَطَلَ إخْرَاجُهَا عَنْ نَفْسِهِ، وَإِذَا بَطَلَ إخْرَاجُهَا عَنْ نَفْسِهِ تَقَعُ عَنْ فَرْضِهِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ يَصِحُّ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ عِنْدَنَا، وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْفَتْحِ أَيْضًا لَوْ أَمَرَهُ بِالْحَجِّ فَقَرَنَ مَعَهُ عُمْرَةً لِنَفْسِهِ لَا يَجُوزُ وَيَضْمَنُ اتِّفَاقًا ثُمَّ قَالَ: وَلَا يَقَعُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ عَنْ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ مَا يَقَعُ بِإِطْلَاقِ النِّيَّةِ، وَهُوَ قَدْ صَرَفَهَا عَنْهُ فِي النِّيَّةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ. اهـ.
فَقَوْلُهُ: وَفِيهِ نَظَرٌ أَيْ لِمَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّهُ إذَا تَحَقَّقَتْ الْمُخَالَفَةُ أَوْ عَجَزَ شَرْعًا عَنْ التَّعْيِينِ، وَقَعَتْ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ إذَا قَرَنَ تَحَقَّقَتْ الْمُخَالَفَةُ فَتَقَعُ الْحَجَّةُ عَنْ نَفْسِهِ وَلِذَا يَضْمَنُ النَّفَقَةَ، وَإِذَا وَقَعَتْ عَنْ نَفْسِهِ يَلْغُو صَرْفُهَا عَنْ نَفْسِهِ فَكَأَنَّهُ أَحْرَمَ عَنْ نَفْسِهِ فَتُجْزِئُهُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي (قَوْلُهُ: وَسَيَأْتِي إخْرَاجُهُمَا) قَالَ الرَّمْلِيُّ الَّذِي يَأْتِي لَيْسَ فِيهِ ذَلِكَ بَلْ سَيَأْتِي مَا يُفِيدُ أَنَّهُ فِي مَسْأَلَةِ الْآمِرِ لَا فَرْقَ، وَأَنَّ مَوْضُوعَ مَسْأَلَةِ الْأَبَوَيْنِ الْآتِيَةَ آخِرَ الْبَابِ فِي الْمَتْنِ فِي جَعْلِ الثَّوَابِ، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيهِ أَيْضًا بَيْنَ الْأَجْنَبِيِّ وَالْوَارِثِ فَرَاجِعْهُ وَتَأَمَّلْ.
وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْوَارِثِ وَالْأَجْنَبِيِّ إلَّا فِي وَاحِدَةٍ أَنَّهُ لَوْ حَجَّ عَنْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ إنْ كَانَ وَارِثًا يُجْزِئُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَإِلَّا لَا (قَوْلُهُ: فَلَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ عَنْ أَحَدِهِمَا) يَعْنِي إذَا لَمْ يَأْمُرَاهُ، وَأَحْرَمَ عَنْهُمَا يُمْكِنُهُ إيقَاعُهُ بَعْدُ عَنْ أَحَدِهِمَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَمَرَاهُ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ إيقَاعُهُ عَنْ أَحَدِهِمَا كَمَا مَرَّ يَعْنِي عَلَى وَجْهٍ يَسْقُطُ بِهِ ضَمَانُ النَّفَقَةِ وَحَجُّ الْمُوقَعِ عَنْهُ، وَإِلَّا فَلَهُ جَعْلُ الثَّوَابِ لِأَحَدِهِمَا حَيْثُ وَقَعَ نَفْلًا عَنْ الْمَأْمُورِ فَإِنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ تَبَرُّعِهِ بِجَعْلِ ثَوَابِ عَمَلِهِ لِمَنْ أَرَادَ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ انْدَفَعَ مَا أَوْرَدَهُ الرَّمْلِيُّ مِنْ أَنَّ جَعْلَ الثَّوَابِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى عَدَمِ

الصفحة 67