كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (اسم الجزء: 3)

أَوْ لَهُمَا فَبَقِيَ عَلَى خِيَارِهِ بَعْدَ وُقُوعِهِ سَبَبًا لِثَوَابِهِ، وَأَشَارَ بِالضَّمَانِ إلَى أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ بِأَنْ يَجْعَلَهُ عَنْ أَحَدِهِمَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ أَحْرَمَ عَنْهُمَا مَعًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ عَنْ أَحَدِهِمَا غَيْرَ مُعَيِّنٍ فَالْأَمْرُ مَوْقُوفٌ فَإِنْ عَيَّنَ أَحَدَهُمَا قَبْلَ الطَّوَافِ وَالْوُقُوفِ انْصَرَفَ إلَيْهِ، وَإِلَّا انْصَرَفَ إلَى نَفْسِهِ، وَلَا يَكُونُ مُخَالِفًا بِمُجَرَّدِ الْإِحْرَامِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّ كُلًّا أَمَرَهُ بِحَجَّةٍ، وَأَحَدُهُمَا صَالِحٌ لِكُلٍّ مِنْهُمَا صَادِقٌ عَلَيْهِ، وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَصِيرَ لِلْمَأْمُورِ؛ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى إخْرَاجِهَا عَنْ نَفْسِهِ بِجَعْلِهَا لِأَحَدِ الْآمِرَيْنِ فَلَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ إلَّا إذَا وُجِدَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ بَعْدُ فَإِذَا شَرَعَ فِي الْأَعْمَالِ قَبْلَ التَّعْيِينِ تَعَيَّنَتْ لَهُ؛ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ لَا تَقَعُ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ ثُمَّ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ أَنْ يُحَوِّلَهَا إلَى غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا جَعَلَ لَهُ الشَّرْعُ ذَلِكَ إلَى الثَّوَابِ، وَلَوْلَا الشَّرْعُ لَمْ يُحْكَمْ بِهِ فِي الثَّوَابِ أَيْضًا، وَلَوْ أَحْرَمَ بِحَجَّةٍ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ فَإِنَّهُ يَصِحُّ التَّعْيِينُ بَعْدَهُ لِأَحَدِهِمَا بِالْأَوْلَى وَذَكَرَ فِي الْكَافِي أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْمُخَالَفَةِ، وَلَوْ أَحْرَمَ مُبْهِمًا مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ مَا أَحْرَمَ بِهِ لِآمِرٍ مُعَيَّنٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ، وَهُوَ أَظْهَرُ مِنْ الْكُلِّ فَصُوَرُ الْإِبْهَامِ أَرْبَعَةٌ فِي وَاحِدَةٍ يَكُونُ مُخَالِفًا، وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ مَنْطُوقًا، وَفِي الثَّلَاثَةِ لَا يَكُونُ مُخَالِفًا، وَهِيَ أَنْ يَكُونَ الْإِبْهَامُ إمَّا فِي الْآمِرِ أَوْ فِي النُّسُكِ أَوْ فِيهِمَا، وَلَوْ أَهَلَّ الْمَأْمُورُ بِالْحَجِّ بِحَجَّتَيْنِ إحْدَاهُمَا عَنْ نَفْسِهِ وَالْأُخْرَى عَنْ الْآمِرِ ثُمَّ رَفَضَ الَّتِي أَهَلَّ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ تَكُونُ الْبَاقِيَةُ عَنْ الْآمِرِ كَأَنَّهُ أَهَلَّ بِهَا وَحْدَهَا.
وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ الْمَأْمُورَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَصِيرُ مُخَالِفًا فَإِنَّهُ يَضْمَنُ النَّفَقَةَ فَمِنْهَا مَا إذَا أَمَرَهُ بِالْإِفْرَادِ بِحَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ فَقَرَنَ، فَهُوَ ضَامِنٌ لِلنَّفَقَةِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا.
وَمِنْهَا مَا إذَا أَمَرَهُ بِالْحَجِّ فَاعْتَمَرَ ثُمَّ حَجَّ مِنْ مَكَّةَ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِحَجٍّ مِيقَاتِيٍّ، وَمَا أَتَى بِهِ مَكِّيٌّ بِخِلَافِ مَا إذَا أَمَرَهُ بِالْعُمْرَةِ فَاعْتَمَرَ ثُمَّ حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا، وَالنَّفَقَةُ فِي مُدَّةِ إقَامَتِهِ لِلْحَجِّ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ أَقَامَ فِي مَنْفَعَةِ نَفْسِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَجَّ أَوَّلًا ثُمَّ اعْتَمَرَ لِلْآمِرِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُخَالِفًا؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْمَسَافَةَ لِلْحَجِّ، وَأَنَّهُ لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ، وَإِنْ كَانَتْ الْحَجَّةُ أَفْضَلَ مِنْ الْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّهُ خِلَافٌ مِنْ حَيْثُ الْجِنْسُ كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ إذَا بَاعَ بِأَلْفِ دِينَارٍ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْحَاجُّ عَنْ غَيْرِهِ إنْ شَاءَ قَالَ لَبَّيْكَ عَنْ فُلَانٍ، وَإِنْ شَاءَ اكْتَفَى بِالنِّيَّةِ عَنْهُ، وَلَيْسَ لِلْمَأْمُورِ أَنْ يَأْمُرَ غَيْرَهُ بِمَا أُمِرَ بِهِ عَنْ الْآمِرِ، وَإِنْ مَرِضَ فِي الطَّرِيقِ إلَّا أَنْ يَكُونَ وَقْتُ الدَّفْعِ قِيلَ لَهُ اصْنَعْ مَا شِئْت فَحِينَئِذٍ لَهُ أَنْ يَأْمُرَ غَيْرَهُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فَلَوْ أَحَجَّ رَجُلًا فَحَجَّ ثُمَّ أَقَامَ بِمَكَّةَ جَازَ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ صَارَ مُؤَدًّى وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَحُجَّ ثُمَّ يَعُودَ إلَى أَهْلِهِ. اهـ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ النَّفَقَةَ مَا يَكْفِيهِ لِذَهَابِهِ، وَإِيَابِهِ وَأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمَحْجُوجُ عَنْهُ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا فَإِنْ كَانَ حَيًّا فَإِنَّهُ يُعْطِيهِ بِقَدْرِ مَا يَكْفِيهِ كَمَا ذَكَرْنَا فَإِنْ أَعْطَاهُ زَائِدًا عَلَى كِفَايَتِهِ فَلَا يَحِلُّ لِلْمَأْمُورِ مَا زَادَ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهُ إلَى صَاحِبِهِ إلَّا إذَا قَالَ: وَكَّلْتُك أَنْ تَهَبَ الْفَضْلَ مِنْ نَفْسِك وَتَقْبِضَهُ لِنَفْسِك فَإِنْ كَانَ عَلَى مَوْتٍ قَالَ:
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْآمِرِ بَلْ لَهُ ذَلِكَ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ حَيْثُ، وَقَعَ الْحَجُّ لَهُ فَلَهُ جَعْلُ ثَوَابِهِ لِمَنْ أَرَادَ. اهـ.
وَسَيَأْتِي مَا يُعَيِّنُ مَا قُلْنَا، وَأَمَّا مَا اعْتَرَضَ بِهِ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ مَنْ حَجَّ عَنْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَا يَكُونُ حَاجًّا عَنْهُ لِمَا مَرَّ أَيْ مِنْ اشْتِرَاطِ الْآمِرِ بَلْ جَاعِلًا ثَوَابَهُ لَهُ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ التَّقْيِيدُ بِالْآمِرِ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا لَمْ يَأْمُرْهُ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي أَنَّ الْحَجَّ لِلْفَاعِلِ فِي الْوَجْهَيْنِ. اهـ.
فَمَدْفُوعٌ بِأَنَّ كَوْنَ الْأَمْرِ شَرْطًا لِصِحَّةِ النِّيَابَةِ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْمَتْنِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ هُوَ فِي شَرْحِهِ بِقَوْلِهِ وَبَقِيَ مِنْ الشَّرَائِطِ أَمْرُهُ بِهِ وَالْكَلَامُ فِيمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْمَتْنِ فَتَدَبَّرْ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ أَحْرَمَ مُبْهِمًا) اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ الْإِبْهَامِ حَالٌ مِنْ فَاعِلِ أَحْرَمَ أَوْ اسْمُ مَفْعُولٍ أَيْ إحْرَامًا مُبْهَمًا، وَقَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ مَا أَحْرَمَ بِهِ حَالٌ عَلَى الْوَجْهَيْنِ لِبَيَانِ مَا وَقَعَ الْإِبْهَامُ بِهِ، وَقَوْلُهُ لِآمِرٍ مُعَيَّنٍ مُتَعَلِّقٌ بِإِحْرَامِ الْأَوَّلِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُحْرِمَ بِهِ مُبْهَمٌ وَالْمُحْرَمُ عَنْهُ مُعَيَّنٌ، وَعَامَّةُ النُّسَخِ هُنَا مُحَرَّفَةٌ وَالصَّوَابُ هَذِهِ (قَوْلُهُ: فَصُوَرُ الْإِبْهَامِ أَرْبَعَةٌ) ، وَهِيَ أَنْ يُهِلَّ بِحَجَّةٍ عَنْهُمَا أَوْ عَنْ أَحَدِهِمَا عَلَى الْإِبْهَامِ أَوْ بِحَجَّةٍ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ لِلْمَحْجُوجِ عَنْهُ أَوْ يُحْرِمُ عَنْ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ بِلَا تَعْيِينٍ لِمَا أَحْرَمَ بِهِ كَذَا فِي الْفَتْحِ فَالثَّالِثَةُ الْإِبْهَامُ فِيهَا عَكْسُ الرَّابِعَةِ، وَفِي الْحَقِيقَةِ لَا إبْهَامَ فِي الصُّورَةِ الثَّالِثَةِ (قَوْلُهُ: وَفِي الثَّالِثَةِ لَا يَكُونُ مُخَالِفًا) كَذَا فِي أَغْلَبِ النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِهَا بِزِيَادَةِ قَوْلِهِ، وَهِيَ أَنْ يَكُونَ الْإِبْهَامُ إمَّا فِي الْآمِرِ أَوْ فِي النُّسُكِ أَوْ فِيهِمَا وَالصَّوَابُ إسْقَاطُهَا إذْ لَيْسَ مِنْ الصُّوَرِ مَا يَكُونُ الْإِبْهَامُ فِيهَا فِي النُّسُكِ وَالْآمِرِ.
(قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِحَجٍّ مِيقَاتِيٍّ إلَخْ) يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ خَرَجَ إلَى الْمِيقَاتِ، وَأَحْرَمَ مِنْهُ أَنَّهُ يَصِحُّ لَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمَّا اعْتَمَرَ جَعَلَ سَفَرَهُ لِلْعُمْرَةِ، وَلَمْ يُؤْمَرْ بِهِ فَيَكُونُ مُخَالِفًا كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ: الْآتِي؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْمَسَافَةَ إلَخْ، وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَى الْمَسْأَلَةِ قُبَيْلَ بَابِ الْإِحْرَامِ فَرَاجِعْهُ، وَقَدَّمْنَا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ قَرِيبًا فِي هَذَا الْبَابِ، وَفِي الْبَابِ الثَّالِثَ عَشَرَ أَيْ مِنْ الشُّرُوطِ عَدَمُ الْمُخَالَفَةِ فَلَوْ أَمَرَهُ بِالْإِفْرَادِ أَوْ الْعُمْرَةِ فَقَرَنَ أَوْ تَمَتَّعَ، وَلَوْ لِلْمَيِّتِ لَمْ يَقَعْ حَجُّهُ عَنْ الْآمِرِ وَيَضْمَنُ النَّفَقَةَ، وَقَالَ فِي شَرْحِهِ: وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِتَجْرِيدِ السَّفَرِ لِلْحَجِّ عَنْ الْمَيِّتِ فَإِنَّهُ الْمَفْرُوضُ عَلَيْهِ وَيَنْصَرِفُ مُطْلَقُ الْأَمْرِ إلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ يُشْكِلُ إذَا أَمَرَهُ بِإِفْرَادِ الْعُمْرَةِ ثُمَّ إتْيَانِ الْحَجِّ بَعْدَهُ أَوْ صَرَّحَ بِالتَّمَتُّعِ فِي سَفَرِهِ أَوْ تَفْوِيضِ الْأَمْرِ إلَيْهِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا حَجَّ أَوَّلًا) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ لَمْ يَكُنْ

الصفحة 68