كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (اسم الجزء: 3)

نَفَقَةَ مِثْلِهِ مِنْ طَعَامٍ، وَمِنْهُ اللَّحْمُ وَالْكِسْوَةُ، وَمِنْهُ ثَوْبَا إحْرَامِهِ وَأُجْرَةُ مَنْ يَخْدُمُهُ إنْ كَانَ مِمَّنْ يُخْدَمُ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُنْفِقَ مَا فِيهِ تَرْفِيهٌ كَدُهْنِ السِّرَاجِ وَالْأَدْهَانِ وَالتَّدَاوِي وَالِاحْتِجَامِ وَأُجْرَةِ الْحَمَّامِ وَالْحَلَّاقِ إلَّا أَنْ يُوسِعَ عَلَيْهِ وَاخْتَارَ فِي الْمُحِيطِ وَالْخَانِيَّةِ أَنْ يُعْطَى أُجْرَةَ الْحَمَّامِ وَالْحَارِسِ، وَصَرَّحَ الْوَلْوَالِجِيُّ بِأَنَّهُ الْمُخْتَارُ، وَقَالُوا: لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ حِمَارًا يَرْكَبُهُ وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ بِأَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَالْجَمَلُ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ فِيهِ أَكْثَرُ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَدْعُوَ أَحَدًا إلَى طَعَامِهِ، وَلَا يَتَصَدَّقَ بِهِ، وَلَا يُقْرِضَ أَحَدًا، وَلَا يَصْرِفَ الدَّرَاهِمَ بِالدَّنَانِيرِ، وَلَا يَشْتَرِيَ بِهَا مَاءً لِوُضُوئِهِ، وَلَوْ اتَّجَرَ فِي الْمَالِ ثُمَّ حَجَّ بِمِثْلِهِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهَا عَنْ الْمَيِّتِ وَيَتَصَدَّقُ بِالرِّبْحِ كَمَا لَوْ خَلَطَهَا بِدَرَاهِمِهِ حَتَّى صَارَ ضَامِنًا ثُمَّ حَجَّ بِمِثْلِهَا، وَلَهُ أَنْ يَخْلِطَ الدَّرَاهِمَ لِلنَّفَقَةِ مَعَ الرُّفْقَةِ لِلْعُرْفِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

(قَوْلُهُ: وَدَمُ الْإِحْصَارِ عَلَى الْآمِرِ وَدَمُ الْقِرَانِ وَدَمُ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمَأْمُورِ) ؛ لِأَنَّ الْآمِرَ هُوَ الَّذِي أَدْخَلَهُ فِي هَذِهِ الْعُهْدَةِ فَعَلَيْهِ خَلَاصُهُ، وَأَرَادَ مِنْ الْآمِرِ الْمَحْجُوجُ عَنْهُ فَشَمِلَ الْمَيِّتَ فَإِنَّ دَمَ الْإِحْصَارِ مِنْ مَالِهِ ثُمَّ قِيلَ هُوَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ صِلَةٌ كَالزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا، وَقِيلَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ حَقًّا لِلْمَأْمُورِ فَصَارَ دَيْنًا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَإِذَا تَحَلَّلَ الْمَأْمُورُ الْمُحْصَرُ بِذَبْحِ الْهَدْيِ فَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ بِمَالِ نَفْسِهِ، وَلَا يَكُونُ ضَامِنًا لِلنَّفَقَةِ كَفَائِتِ الْحَجِّ لِعَدَمِ الْمُخَالَفَةِ، وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ بِمَالِ نَفْسِهِ كَذَا قَالُوا، وَلَمْ يُصَرِّحُوا بِأَنَّهُ فِي الْإِحْصَارِ وَالْفَوَاتِ إذَا قَضَى الْحَجَّ هَلْ يَكُونُ عَنْ الْآمِرِ أَوْ يَقَعُ لِلْمَأْمُورِ، وَإِذَا كَانَ لِلْآمِرِ فَهَلْ يُجْبَرُ عَلَى الْحَجِّ مِنْ قَابِلٍ بِمَالِ نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ دَمُ الْقِرَانِ عَلَى الْمَأْمُورِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ وَجَبَ شُكْرًا لِمَا وَفَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ وَالْمَأْمُورُ هُوَ الْمُخْتَصُّ بِهَذِهِ النِّعْمَةِ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْفِعْلِ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ الْحَجُّ يَقَعُ عَنْ الْآمِرِ؛ لِأَنَّهُ وُقُوعٌ شَرْعِيٌّ وَوُجُوبُ دَمِ الشُّكْرِ مُسَبَّبٌ عَنْ الْفِعْلِ الْحَقِيقِيِّ الصَّادِرِ مِنْ الْمَأْمُورِ.
وَأَطْلَقَ فِي الْقِرَانِ فَشَمِلَ مَا إذَا أَمَرَهُ وَاحِدٌ بِالْقِرَانِ فَقَرَنَ أَوْ أَمَرَهُ وَاحِدٌ بِالْحَجِّ وَآخَرُ بِالْعُمْرَةِ، وَأَذِنَا لَهُ فِي الْقِرَانِ وَبَقِيَ صُورَتَانِ يَكُونُ بِالْقِرَانِ فِيهِمَا مُخَالِفًا إحْدَاهُمَا مَا إذَا لَمْ يَأْذَنَا لَهُ بِالْقِرَانِ فَقَرَنَ عَنْهُمَا ضَمِنَ نَفَقَتَهُمَا الثَّانِيَةَ مَا إذَا أَمَرَهُ بِالْحَجِّ مُفْرِدًا فَقَرَنَ فَإِنَّهُ يَكُونُ ضَامِنًا لِلنَّفَقَةِ لَا؛ لِأَنَّ الْإِفْرَادَ أَفْضَلُ مِنْ الْقِرَانِ بَلْ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِإِفْرَادِ سَفَرٍ لَهُ، وَقَدْ خَالَفَ، وَفِي الثَّانِيَةِ خِلَافُهُمَا هُمَا يَقُولَانِ هُوَ خِلَافٌ إلَى خَيْرٍ، وَهُوَ يَقُولُ إنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْعُمْرَةِ، وَلَا وِلَايَةَ لِأَحَدٍ فِي إيقَاعِ نُسُكٍ عَنْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَمَرَهُ بِالْإِفْرَادِ فَتَمَتَّعَ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُخَالِفًا اتِّفَاقًا، وَأَرَادَ بِالْقِرَانِ دَمَ الْجَمْعِ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ قِرَانًا كَانَ أَوْ تَمَتُّعًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ لَكِنْ بِالْإِذْنِ الْمُتَقَدِّمِ، وَأَطْلَقَ فِي دَمِ الْجِنَايَةِ فَشَمِلَ دَمَ الْجِمَاعِ وَدَمَ جَزَاءِ الصَّيْدِ وَدَمَ الْحَلْقِ وَدَمَ لُبْسِ الْمَخِيطِ وَالطِّيبِ وَدَمَ الْمُجَاوَزَةِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ، وَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَى الْمَأْمُورِ وَحْدَهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ تَعَلَّقَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ بِمَالِ نَفْسِهِ) مَكْرُوهٌ مَعَ مَا قَبْلَهُ، وَأَظُنُّ أَنَّهُ تَغْيِيرٌ مِنْ سَبْقِ الْقَلَمِ وَالْأَصْلُ، وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ فِي نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ عِبَارَةَ السِّرَاجِ عَنْ الْكَرْخِيِّ فَلَا يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ، وَعَلَيْهِ فِي نَفْسِهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ لَزِمَهُ بِالدُّخُولِ إلَى آخِرِ مَا يَأْتِي عَنْ النَّهْرِ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُصَرِّحُوا بِأَنَّهُ فِي الْإِحْصَارِ وَالْفَوَاتِ إلَخْ) قَالَ: فِي النَّهْرِ عَلَّلَهُ فِي السِّرَاجِ بِأَنَّ الْحَجَّ لَزِمَهُ بِالدُّخُولِ فَإِنْ فَاتَ لَزِمَهُ قَضَاؤُهُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ إنَّ الْحَجَّ يَقَعُ عَنْ الْحَاجِّ. اهـ.
يَعْنِي، وَعَلَى قَوْلِ غَيْرِهِ مِنْ أَنَّهُ يَقَعُ عَنْ الْآمِرِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَضَاءُ عَنْهُ وَتَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ. اهـ.
قُلْتُ: رَأَيْت فِي التَّتَارْخَانِيَّة مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي الْجَوَابِ قَالَ: وَفِي الْمُنْتَقَى إذَا أَوْصَى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ فَأَحَجَّ الْوَصِيُّ عَنْهُ رَجُلًا فَأَحْرَمَ الرَّجُلُ بِالْحَجِّ عَنْ الْمَيِّتِ ثُمَّ قَدِمَ، وَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَحُجُّ عَنْ الْمَيِّتِ مِنْ بَلَدِهِ إذَا بَلَغَتْ النَّفَقَةُ، وَإِلَّا فَمِنْ حَيْثُ بَلَغَ، وَعَلَى الْمُحْرِمِ قَضَاءُ الْحَجِّ الَّذِي فَاتَ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا أَنْفَقَ، وَلَا نَفَقَةَ لَهُ بَعْدَ الْفَوْتِ. اهـ.
وَفِيهَا قَبْلَ هَذَا بِنَحْوِ وَرَقَةِ التَّهْذِيبِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ الْحَاجُّ عَنْ الْغَيْرِ إذَا فَسَدَ حَجُّهُ قَبْلَ الْوُقُوفِ عَلَيْهِ ضَمَانُ النَّفَقَةِ، وَعَلَيْهِ الْحَجُّ الَّذِي أَفْسَدَهُ، وَعُمْرَةٌ وَحَجَّةٌ لِلْآمِرِ، وَلَوْ فَاتَهُ الْحَجُّ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ، وَعَلَيْهِ قَضَاءُ الْفَائِتِ وَحَجٌّ عَنْ الْآمِرِ ثُمَّ قَالَ: وَفِي الْحَاوِي، وَإِنْ كَانَ شَغَلَهُ حَوَائِجُ نَفْسِهِ حَتَّى فَاتَهُ الْحَجُّ فَإِنَّهُ ضَامِنٌ لِلنَّفَقَةِ، وَلَوْ حَجَّ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ قَابِلٍ مِنْ مَالِهِ عَنْ الْمَيِّتِ يَجُوزُ عَنْ الْمَيِّتِ. اهـ.
نَقَلَهُ فِي السِّرَاجِ ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ زُفَرُ لَا يُجْزِئُهُ عَنْهُ وَيَضْمَنُ الْمَالَ، وَإِنْ فَاتَهُ الْحَجُّ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ بِمَرَضٍ أَوْ سَقَطَ مِنْ الْبَعِيرِ قَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَضْمَنُ النَّفَقَةَ وَنَفَقَتُهُ فِي رُجُوعِهِ مِنْ مَالِهِ خَاصَّةً ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الْكَرْخِيِّ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ، وَعَلَيْهِ فِي نَفْسِهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ وَاَلَّذِي تَحَرَّرَ مِنْ هَذِهِ النُّقُولِ أَنَّهُ إمَّا أَنْ يَفُوتَهُ بِتَقْصِيرِهِ أَوْ لَا فَفِي الْأَوَّلِ يَضْمَنُ النَّفَقَةَ وَيَحُجُّ مِنْ قَابِلٍ عَنْ الْمَيِّتِ مِنْ مَالِهِ كَمَا فِي الْحَاوِي، وَفِي الثَّانِي لَا يَضْمَنُ النَّفَقَةَ، وَيَحُجُّ مِنْ قَابِلٍ عَنْ نَفْسِهِ عَلَى مَا فِي الْمُنْتَقَى وَالسِّرَاجِ، وَأَمَّا عَلَى مَا فِي التَّهْذِيبِ فَعَنْ الْآمِرِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَوَّلَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُنْتَقَى وَالثَّانِي قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ التَّهْذِيبِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا مَرَّ فِي النَّهْرِ عَنْ السِّرَاجِ ثُمَّ عَلَى مَا فِي التَّهْذِيبِ مِنْ أَنَّهُ عَنْ الْآمِرِ ظَاهِرُ قَوْلِهِ، وَعَلَيْهِ قَضَاءُ الْفَائِتِ وَحَجَّ عَنْ الْآمِرِ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ وَحَجَّ عَنْ

الصفحة 70