كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (اسم الجزء: 3)

بِجِنَايَتِهِ لَكِنْ فِي الْجِنَايَةِ بِالْجِمَاعِ تَفْصِيلٌ إنْ كَانَ قَبْلَ الْوُقُوفِ ضَمِنَ جَمِيعَ النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُخَالِفًا بِالْإِفْسَادِ، وَإِنْ بَعْدَهُ فَلَا ضَمَانَ وَالدَّمُ عَلَى الْمَأْمُورِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَإِذَا فَسَدَ حَجُّهُ لَزِمَهُ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ بِمَالِ نَفْسِهِ، وَفِيهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّرَدُّدِ فِي وُقُوعِهِ عَنْ الْآمِرِ، وَلَوْ أَتَمَّ الْحَجَّ إلَّا طَوَافَ الزِّيَارَةِ فَرَجَعَ، وَلَمْ يَطُفْهُ فَهُوَ حَرَامٌ عَلَى النِّسَاءِ وَيَعُودُ بِنَفَقَةِ نَفْسِهِ وَيَقْضِي مَا بَقِيَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ جَانٍ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَمَّا لَوْ مَاتَ بَعْدَ الْوُقُوفِ قَبْلَ الطَّوَافِ جَازَ عَنْ الْآمِرِ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى الرُّكْنَ الْأَعْظَمَ كَذَا قَالُوا، وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْحَجِّ فِيهِ بَحْثًا، وَأَعْظَمِيَّةُ أَمْرِهَا إنَّمَا هُوَ لِلْأَمْنِ مِنْ الْإِفْسَادِ بَعْدَهُ لَا؛ لِأَنَّهُ يَكْفِي فَيَجِبُ عَلَى الْآمِرِ الْإِحْجَاجُ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَأَمَّا دَمُ رَفْضِ النُّسُكِ، وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إذَا تَحَقَّقَ إلَّا فِي مَالِ الْحَاجِّ، وَلَا يَبْعُدُ لَوْ فُرِضَ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِحَجَّتَيْنِ مَعًا فَفَعَلَ حَتَّى ارْتَفَضَتْ إحْدَاهُمَا كَوْنُهُ عَلَى الْآمِرِ، وَلَمْ أَرَهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. اهـ.
وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمَأْمُورُ وَالْوَرَثَةُ أَوْ الْوَصِيُّ فَقَالَ: وَقَدْ أَنْفَقَ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ مُنِعَتْ مِنْ الْحَجِّ، وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ لَا يُصَدَّقُ وَيَضْمَنُ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَمْرًا ظَاهِرًا يَشْهَدُ عَلَى صِدْقِهِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الضَّمَانِ قَدْ ظَهَرَ فَلَا يُصَدَّقُ فِي دَفْعِهِ إلَّا بِظَاهِرٍ يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فَقَالَ: حَجَجْت، وَكَذَّبَهُ الْآمِرُ كَانَ الْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الْخُرُوجَ عَنْ عُهْدَةِ مَا هُوَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ، وَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْوَارِثِ أَوْ الْوَصِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَوْمَ النَّحْرِ بِالْبَلَدِ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى النَّفْيِ إلَّا أَنْ يُقِيمَا عَلَى إقْرَارِهِ أَنَّهُ لَمْ يَحُجَّ أَمَّا لَوْ كَانَ الْحَاجُّ مَدْيُونًا لِلْمَيِّتِ أَمَرَهُ أَنْ يَحُجَّ بِمَا لَهُ عَلَيْهِ وَبَاقِي الْمَسْأَلَةِ بِحَالِهَا فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي قَضَاءَ الدَّيْنِ هَكَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ، وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ الْقَوْلُ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلْوَرَثَةِ مُطَالِبٌ بِدَيْنِ الْمَيِّتِ فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِي حَقِّ غَرِيمِ الْمَيِّتِ إلَّا بِالْحُجَّةِ، وَالْقَوَاعِدُ تَشْهَدُ لِلْأَوَّلِ فَكَانَ عَلَيْهِ الْمُعَوَّلُ.

(قَوْلُهُ: فَإِنْ مَاتَ فِي طَرِيقِهِ يَحُجُّ عَنْهُ مِنْ مَنْزِلِهِ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ) هَذِهِ الْعِبَارَةُ تَحْتَمِلُ شَيْئَيْنِ: الْأَوَّلَ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُ مَاتَ الْمَأْمُورُ بِالْحَجِّ فَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْوَصِيَّ إذَا أَحَجَّ رَجُلًا عَنْ الْمَيِّتِ فَمَاتَ الرَّجُلُ فِي الطَّرِيقِ فَإِنَّهُ يَحُجُّ عَنْ الْمَيِّتِ الْمُوصِي مِنْ مَنْزِلِهِ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ مِنْ الْمَالِ كُلِّهِ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ اقْتَصَرَ الشَّارِحُونَ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ التَّعْقِيدِ فِي الضَّمَائِرِ فَإِنَّ ضَمِيرَ مَاتَ يَرْجِعُ إلَى الْمَأْمُورِ وَضَمِيرَ عَنْهُ، وَمَنْزِلِهِ يَرْجِعُ إلَى الْمُوصِي. الثَّانِيَ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُ مَاتَ هُوَ الْمُوصِي، فَيَتَّحِدُ مَرْجِعُ الضَّمَائِرِ، وَهُوَ صَحِيحٌ فَإِنَّهُ إذَا مَاتَ بَعْدَمَا خَرَجَ حَاجًّا، وَأَوْصَى بِالْحَجِّ فَإِنَّهُ يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ مَنْزِلِهِ بِثُلُثِ تَرِكَتِهِ، وَيَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ أَيْ بَعْدَ الْإِنْفَاقِ فِي الطَّرِيقِ.
فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْآمِرَ إمَّا أَنْ يَكُونَ حَيًّا وَقْتَ الْإِحْجَاجِ أَوْ مَيِّتًا فَإِنْ كَانَ حَيًّا، وَمَاتَ الْمَأْمُورُ فِي الطَّرِيقِ فَإِنَّهُ يُحِجُّ إنْسَانًا آخَرَ مِنْ مَنْزِلِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهُ حَيٌّ يَرْجِعُ إلَيْهِ وَلِهَذَا لَوْ أَمَرَ إنْسَانًا بِأَنْ يَحُجَّ عَنْهُ وَدَفَعَ لَهُ مَالًا فَلَمْ تَبْلُغْ النَّفَقَةُ مِنْ بَلَدِهِ لَمْ يَحُجَّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ تَبْلُغُ كَالْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الرُّجُوعُ إلَيْهِ فَيَحْصُلُ الِاسْتِدْرَاكُ بِخِلَافِ الْمَيِّتِ كَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا، وَأَوْصَى بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ خَرَجَ حَاجًّا بِنَفْسِهِ، وَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ أَوْ لَا، وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا لَا يَخْلُو إمَّا إنْ أَطْلَقَ الْوَصِيَّةَ أَوْ عَيَّنَ الْمَالَ وَالْمَكَانَ فَإِنْ أَوْصَى بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ، وَأَطْلَقَ يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ التَّبَرُّعَاتِ فَإِنْ بَلَغَ ثُلُثُهُ أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ وَجَبَ الْإِحْجَاجُ مِنْ بَلَدِهِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ بَلَدِهِ الَّذِي يَسْكُنُهُ، وَكَذَا إنْ خَرَجَ لِغَيْرِ الْحَجِّ، وَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ، وَأَوْصَى. وَأَمَّا إذَا خَرَجَ لِلْحَجِّ، وَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ، وَأَوْصَى فَإِنَّهُ يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا يُحَجُّ مِنْ حَيْثُ مَاتَ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْمَأْمُورُ فِي الْحَجِّ إذَا مَاتَ فِي الطَّرِيقِ فَإِنَّهُ يَحُجُّ عَنْ الْمُوصِي مِنْ مَنْزِلِهِ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْآمِرِ هُوَ الْمُرَادُ بِقَضَاءِ الْفَائِتِ لَا غَيْرُهُ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَفِيهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّرَدُّدِ فِي وُقُوعِهِ عَنْ الْآمِرِ) قَدْ عَلِمْت مِمَّا مَرَّ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ التَّهْذِيبِ أَنَّهُ إذَا أَفْسَدَهُ قَبْلَ الْوُقُوفِ عَلَيْهِ قَضَاءُ الْحَجِّ الَّذِي أَفْسَدَهُ، وَعُمْرَةٌ وَحَجَّةٌ لِلْآمِرِ وَصَرَّحَ فِي الْمِعْرَاجِ بِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ عَلَيْهِ حَجَّةً أُخْرَى لِلْآمِرِ سِوَى الْقَضَاءِ فَيَحُجُّ عَنْ نَفْسِهِ ثُمَّ عَنْ الْآمِرِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: فَيَجِبُ عَلَى الْآمِرِ الْإِحْجَاجُ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ بَحْثٌ مَعَ الْمَنْقُولِ، وَقَدْ مَرَّ جَوَابُهُ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ.

(قَوْلُهُ: وَيَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ يَعْنِي مِنْ التَّرِكَةِ عَلَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ رَمَزَ عَلَى صِحَّةِ الْخِلَافِ بِقَوْلِهِ مِنْ مَنْزِلِهِ وَبِثُلُثِ مَا بَقِيَ، وَعَلَى مَا ادَّعَى لَا خِلَافَ أَنَّهُ يُحَجُّ عَنْهُ بِثُلُثِ تَرِكَتِهِ. اهـ.
وَالْمُرَادُ بِالْخِلَافِ مَا سَنَذْكُرُهُ عَنْ الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْمَأْمُورُ بِالْحَجِّ إلَخْ) أَيْ يَحُجُّ عَنْهُ مِنْ مَنْزِلِهِ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا مِنْ حَيْثُ مَاتَ ثُمَّ عِنْدَهُ يَحُجُّ عَنْهُ مِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَنْظُرُ إنْ بَقِيَ مِنْ الْمَدْفُوعِ شَيْءٌ حَجَّ بِهِ، وَإِلَّا بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ كَانَ الْمَدْفُوعُ تَمَامَ الثُّلُثِ كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ يُكْمَلُ فَإِذَا بَلَغَ بَاقِيهِ مَا يَحُجُّ بِهِ، وَإِلَّا بَطَلَتْ مَثَلًا كَانَ الْمُخَلَّفُ أَرْبَعَةَ آلَافٍ دَفَعَ الْوَصِيَّةَ أَلْفًا فَهَلَكَتْ يُدْفَعُ إلَيْهِ مَا يَكْفِيهِ مِنْ ثُلُثِ الْبَاقِي أَوْ كُلِّهِ، وَهُوَ أَلْفٌ فَإِنْ هَلَكَتْ الثَّانِيَةُ دُفِعَ إلَيْهِ مِنْ ثُلُثِ الْبَاقِي بَعْدَهَا هَكَذَا مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ إلَى أَنْ لَا يَبْقَى مَا ثُلُثُهُ يَبْلُغُ الْحَجَّ فَيَبْطُلُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَأْخُذُ ثَلَثَمِائَةٍ وَثَلَاثَةً وَثَلَاثِينَ وَثُلُثًا فَإِنَّهَا مَعَ تِلْكَ الْأَلْفِ ثُلُثُ الْأَرْبَعَةِ الْآلَافِ فَإِنْ كَفَتْ، وَإِلَّا بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إنْ فَضَلَ مِنْ الْأَلْفِ الْأُولَى مَا يَبْلُغُ، وَإِلَّا بَطَلَتْ

الصفحة 71