كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (اسم الجزء: 3)

مِنْ التَّرِكَةِ، وَكَذَا لَوْ مَاتَ الثَّانِي أَوْ الثَّالِثُ إلَى أَنْ لَا يَبْقَى شَيْءٌ يُمْكِنُ أَنْ يُحَجَّ بِثُلُثِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِنْ كَانَ لِلْمُوصِي أَوْطَانٌ حُجَّ عَنْهُ مِنْ أَقْرَبِ أَوْطَانِهِ إلَى مَكَّةَ؛ لِأَنَّهُ مُتَيَقَّنٌ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَطَنٌ فَمِنْ حَيْثُ مَاتَ فَلَوْ مَاتَ مَكِّيٌّ بِالْكُوفَةِ، وَأَوْصَى بِحَجَّةٍ حُجَّ عَنْهُ مِنْ مَكَّةَ.
وَإِنْ أَوْصَى بِالْقِرَانِ قُرِنَ مِنْ الْكُوفَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْ مَكَّةَ فَإِنْ أَحَجَّ عَنْهُ الْوَصِيُّ مِنْ غَيْرِ وَطَنِهِ مَعَ مَا يُمْكِنُ الْإِحْجَاجُ مِنْ وَطَنِهِ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ فَإِنَّ الْوَصِيَّ يَكُونُ ضَامِنًا وَيَكُونُ الْحَجُّ لَهُ وَيُحِجُّ عَنْ الْمَيِّتِ ثَانِيًا إلَّا إذَا كَانَ الْمَكَانُ الَّذِي أَحَجَّ مِنْهُ قَرِيبًا إلَى وَطَنِهِ مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ إلَيْهِ وَيَرْجِعُ إلَى الْوَطَنِ قَبْلَ اللَّيْلِ فَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ ضَامِنًا مُخَالِفًا هَذَا كُلُّهُ إنْ بَلَغَ ثُلُثُ مَالِهِ فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ الْإِحْجَاجُ مِنْ بَلَدِهِ حُجَّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ اسْتِحْسَانًا، وَإِنْ بَلَغَ الثُّلُثُ أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ رَاكِبًا فَأَحَجَّ عَنْهُ مَاشِيًا لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ إلَّا مَاشِيًا مِنْ بَلَدِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ: يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ بَلَغَ رَاكِبًا، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ مَاشِيًا أَوْ رَاكِبًا مِنْ حَيْثُ تَبْلُغُ هَذَا إذَا أَطْلَقَ، وَأَمَّا إذَا عَيَّنَ مَكَانًا اُتُّبِعَ؛ لِأَنَّ الْإِحْجَاجَ لَا يَجِبُ بِدُونِ الْوَصِيَّةِ فَيَجِبُ بِمِقْدَارِهَا، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الثُّلُثُ يَكْفِي لِحَجَّةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنْ كَانَ يَكْفِي لِحِجَجٍ فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ إمَّا أَنْ يُعَيِّنَ حَجَّةً وَاحِدَةً أَوْ يُطْلِقَ أَوْ يُعَيِّنَ فِي كُلِّ سَنَةٍ حَجَّةً فَفِي الْأَوَّلِ يُحَجُّ عَنْهُ وَاحِدَةٌ، وَمَا فَضَلَ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ، وَفِي الثَّانِي خُيِّرَ الْوَصِيُّ إنْ شَاءَ أَحَجَّ عَنْهُ فِي كُلٍّ سَنَةٍ حَجَّةً، وَإِنْ شَاءَ أَحَجَّ عَنْهُ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ حِجَجًا، وَهُوَ الْأَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ تَعْجِيلُ تَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا هَلَكَ الْمَالُ، وَفِي الثَّالِثِ كَالثَّانِي، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ التَّفْرِيقِ لَا يُفِيدُ فَصَارَ كَالْإِطْلَاقِ كَمَا لَوْ أَمَرَ الْمُوصِي رَجُلًا بِالْحَجِّ فِي هَذِهِ السَّنَةِ فَأَخَّرَهُ الْمَأْمُورُ إلَى الْقَابِلِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ عَنْ الْمَيِّتِ، وَلَا يَضْمَنُ النَّفَقَةَ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ السَّنَةِ لِلِاسْتِعْجَالِ لَا لِلتَّقْيِيدِ، وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ بِثُلُثِ مَالِهِ أَوْ أَطْلَقَ فَهَلَكَتْ النَّفَقَةُ فِي يَدِ الْمَأْمُورِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُحَجُّ عَنْهُ بِثُلُثِ مَالِهِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ بِمَا بَقِيَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ، وَأَبْطَلَهُ مُحَمَّدٌ.
وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يُعَيِّنْ الْمُوصِي قَدْرًا فَإِنْ عَيَّنَ قَدْرًا مِنْ الْمَالِ فَإِنْ بَلَغَ ذَلِكَ أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ وَجَبَ، وَإِلَّا فَمِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ، وَلَوْ عَيَّنَ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ يُحَجُّ عَنْهُ بِالثُّلُثِ مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ، وَإِعْتَاقِهِ عَنْهُ فَإِنَّهَا بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ فِي الْعِتْقِ لَا يَجُوزُ النُّقْصَانُ عَنْ الْمُسَمَّى كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوَاهُ لَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ، وَلَمْ يَقُلْ حَجَّةً حُجَّ عَنْهُ مِنْ جَمِيعِ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَى بِصَرْفِ جَمِيعِ الثُّلُثِ إلَى الْحَجِّ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ مِنْ لِلتَّمْيِيزِ عَنْ أَصْلِ الْمَالِ، وَلَوْ دَفَعَ الْوَصِيُّ الدَّرَاهِمَ إلَى رَجُلٍ لِيَحُجَّ عَنْ الْمَيِّتِ فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَرِدَّ كَانَ لَهُ ذَلِكَ مَا لَمْ يُحْرِمْ؛ لِأَنَّ الْمَالَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ فَإِنْ اسْتَرَدَّهُ فَنَفَقَتُهُ إلَى بَلَدِهِ عَلَى مَنْ تَكُونُ إنْ اسْتَرَدَّ بِجِنَايَةٍ ظَهَرَتْ مِنْهُ فَالنَّفَقَةُ فِي مَالِهِ خَاصَّةً، وَإِنْ اسْتَرَدَّ لَا بِجِنَايَةٍ، وَلَا تُهْمَةَ فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْوَصِيِّ فِي مَالِهِ خَاصَّةً، وَإِنْ اسْتَرَدَّ لِضَعْفِ رَأْيٍ فِيهِ أَوْ لِجَهْلِهِ بِأُمُورِ الْمَنَاسِكِ فَأَرَادَ الدَّفْعَ إلَى أَصْلَحَ مِنْهُ فَنَفَقَتُهُ فِي مَالِ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَرَدَّ لِمَنْفَعَةِ الْمَيِّتِ. اهـ.
وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَوْ أَوْصَى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ كَانَ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَحُجَّ بِنَفْسِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ وَارِثًا، وَإِنْ دَفَعَهُ إلَى وَارِثٍ لِيَحُجَّ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ تُجِيزَ الْوَرَثَةُ، وَهُمْ كِبَارٌ؛ لِأَنَّ هَذَا كَالتَّبَرُّعِ بِالْمَالِ فَلَا يَصِحُّ لِلْوَارِثِ إلَّا بِإِجَازَةِ الْبَاقِينَ، وَلَوْ قَالَ الْمَيِّتُ لِلْوَصِيِّ: ادْفَعْ الْمَالَ لِمَنْ يَحُجُّ عَنْهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَحُجَّ بِنَفْسِهِ مُطْلَقًا، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَوْ كَانَ ثُلُثُ مَالِهِ قَدْرَ مَا لَا يُمْكِنُ الْإِحْجَاجُ عَنْهُ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ، وَفِي التَّجْنِيسِ رَجُلٌ أَوْصَى بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ فَحَجَّ عَنْهُ ابْنُهُ لِيَرْجِعَ فِي التَّرِكَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَالدِّينِ إذَا قَضَاهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، وَلَوْ حَجَّ عَلَى أَنْ لَا يَرْجِعَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عَنْ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُ الْمَيِّتِ، وَهُوَ ثَوَابُ الْإِنْفَاقِ، وَعَلَى هَذَا الزَّكَاةُ وَالْكَفَّارَةُ، وَمِثْلُهُ لَوْ قَضَى عَنْهُ دَيْنَهُ مُتَطَوِّعًا جَازَ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ عَنْ الْكَبِيرِ الْعَاجِزِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَا يَجُوزُ، وَقَضَاءُ الدَّيْنِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ يَجُوزُ فَكَذَا بَعْدَ الْمَوْتِ.
رَجُلٌ مَاتَ، وَعَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ فَحَجَّ عَنْهُ رَجُلٌ بِإِذْنِهِ، وَلَمْ يَنْوِ لَا فَرْضًا
ـــــــــــــــــــــــــــــQفَالْخِلَاف فِي مَوْضِعَيْنِ فِيمَا يُدْفَعُ ثَانِيًا، وَفِي الْمَحَلِّ الَّذِي يَجِبُ الْإِحْجَاجُ مِنْهُ ثَانِيًا وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ.
(قَوْلُهُ: فَهَلَكَتْ النَّفَقَةُ إلَخْ) قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ، وَلَوْ ضَاعَ مَالُ النَّفَقَةِ بِمَكَّةَ أَوْ بِقُرْبٍ مِنْهَا أَوْ لَمْ يَبْقَ مَالُ النَّفَقَةِ فَأَنْفَقَ الْمَأْمُورُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي مَالِ الْمَيِّتِ، وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَمَرَهُ بِالْحَجِّ فَقَدْ أَمَرَهُ بِأَنْ يُنْفِقَ عَنْهُ (قَوْلُهُ: فَحَجَّ عَنْهُ ابْنُهُ لِيَرْجِعَ فِي التَّرِكَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ) ، وَكَذَا لَوْ أَحَجَّ الْوَارِثُ رَجُلًا مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لِيَرْجِعَ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَلْيُنْظَرْ لِمَ جَازَ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ حَجُّ الْوَارِثِ وَإِحْجَاجُهُ، وَلَمْ يَجُزْ حَجُّهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَارَّةِ قَرِيبًا عَنْ الْفَتْحِ إلَّا بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ؟ . اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: مَا هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ وَارِثٌ غَيْرُهُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ حَجَّ عَلَى أَنْ لَا يَرْجِعَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ) كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ حَيْثُ قَالَ: الْمَيِّتُ إذَا أَوْصَى بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ بِمَالِهِ فَتَبَرَّعَ عَنْهُ الْوَارِثُ أَوْ الْأَجْنَبِيُّ لَا يَجُوزُ. اهـ.
لَكِنْ قَالَ بَعْدَهُ: وَلَوْ أَوْصَى

الصفحة 72