كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (اسم الجزء: 3)

وَلَا نَفْلًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَلَوْ نَوَى تَطَوُّعًا لَا يَجُوزُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ. اهـ.
وَفِي عُمْدَةِ الْفَتَاوَى لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ لَوْ قَالَ: حُجُّوا مِنْ ثُلُثِي حَجَّتَيْنِ يُكْتَفَى بِوَاحِدَةٍ وَالْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ إنْ فَضَلَ. اهـ.
وَهُوَ مُشْكِلٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمُحِيطِ والولوالجية، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ أَنْ يُوصِيَ مِنْ الثُّلُثِ وَبَيْنَ أَنْ يُوصِيَ بِجَمِيعِ الثُّلُثِ وَذَكَرَ فِي آخِرِ الْعُمْدَةِ مِنْ الْوَصَايَا لَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ بِالْأَلْفِ مِنْ مَالِهِ فَأَحَجَّ الْوَصِيُّ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لِيَرْجِعَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِاللَّفْظِ فَيُعْتَبَرُ لَفْظُ الْمُوصِي، وَهُوَ أَضَافَ الْمَالَ إلَى نَفْسِهِ فَلَا يُبَدَّلُ. اهـ.
وَفِي الْعُدَّةِ امْرَأَةٌ تَرَكَتْ مَهْرَهَا عَلَى الزَّوْجِ لِيَحُجَّ بِهَا وَحَجَّ بِهَا فَعَلَيْهِ الْمَهْرُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الرِّشْوَةِ، وَهِيَ حَرَامٌ اهـ.

وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى الْحَجِّ، وَلَا عَلَى شَيْءٍ مِنْ الطَّاعَاتِ فَلَوْ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى الْحَجِّ وَدُفِعَ إلَيْهِ الْأَجْرُ فَحَجَّ عَنْ الْمَيِّتِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ عَنْ الْمَيِّتِ، وَلَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِقْدَارُ نَفَقَةِ الطَّرِيقِ فِي الذَّهَابِ وَالْمَجِيءِ وَيُرَدُّ الْفَضْلُ عَلَى الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْفَضْلَ لِنَفْسِهِ إلَّا إذَا تَبَرَّعَ الْوَرَثَةُ بِهِ، وَهُمْ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ أَوْ أَوْصَى الْمَيِّتُ بِأَنَّ الْفَضْلَ لِلْحَاجِّ. وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: لَا تَجُوزُ هَذِهِ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ مَجْهُولٌ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ يَصِيرُ مَعْرُوفًا بِالْحَجِّ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ وَيُعْتَقُ وَيُعْطَى لَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ فَإِنَّهَا جَائِزَةٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تَجُوزُ. اهـ.
وَأَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِمَوْتِهِ فِي الطَّرِيقِ مَوْتَهُ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَلَوْ كَانَ بِمَكَّةَ، وَفِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ مَالًا لِيَحُجَّ بِهِ عَنْهُ فَأَهَلَّ بِحَجَّةٍ ثُمَّ مَاتَ الْآمِرُ فَلِلْوَرَثَةِ أَنْ يَأْخُذُوا مَا بَقِيَ مِنْ الْمَالِ مَعَهُ وَيَضْمَنُونَهُ مَا أَنْفَقَ مِنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَلَا يُشْبِهُ الْوَرَثَةُ الْآمِرَ فِي هَذَا؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ الْحَجِّ كَنَفَقَةِ ذَوِي الْأَرْحَامِ فَتَبْطُلُ بِالْمَوْتِ وَيَرْجِعُ الْمَالُ إلَى الْوَرَثَةِ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَمَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ عَنْ أَبَوَيْهِ فَعَيَّنَ صَحَّ) ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الثَّوَابَ لِلْغَيْرِ، وَهُوَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بَعْدَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQبِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ فَأَحَجَّ الْوَارِثُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لَا لِيَرْجِعَ عَلَيْهِ جَازَ لِلْمَيِّتِ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ فَقَدْ فَرَّقَ فِي مَسْأَلَةِ عَدَمِ الرُّجُوعِ بَيْنَ مَا إذَا حَجَّ بِنَفْسِهِ وَبَيْنَ مَا إذَا أَحَجَّ غَيْرَهُ عَنْ الْمَيِّتِ، وَلَمْ يَذْكُرْ وَجْهَ الْفَرْقِ فَلْيُنْظَرْ نَعَمْ قَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّهُ فِي الْأُولَى أَوْصَى بِأَنْ يُحَجَّ بِمَالِهِ دُونَ الثَّانِيَةِ لَكِنْ لَيْسَ فِي كَلَامِ التَّجْنِيسِ وَالْخَانِيَّةِ ذَلِكَ.

(قَوْلُهُ: فَلَوْ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى الْحَجِّ إلَخْ) قَالَ: فِي الْفَتْحِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّ مَا يُنْفِقُهُ الْمَأْمُورُ إنَّمَا هُوَ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مِلْكَهُ لَكَانَ بِالِاسْتِئْجَارِ، وَلَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى الطَّاعَاتِ، وَعَنْ هَذَا قُلْنَا لَوْ أَوْصَى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَدَّمَهَا الْمُؤَلِّفُ عَنْهُ ثُمَّ قَالَ: وَإِذَا عُلِمَ هَذَا فَمَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ مِنْ قَوْلِهِ إذَا اسْتَأْجَرَ الْمَحْبُوسُ رَجُلًا لِيَحُجَّ عَنْهُ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ جَازَتْ الْحَجَّةُ عَنْ الْمَحْبُوسِ إذَا مَاتَ فِي الْحَبْسِ وَلِلْأَجِيرِ أَجْرُ مِثْلِهِ مُشْكِلٌ لَا جَرَمَ أَنَّ الَّذِي فِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ أَبِي الْفَضْلِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَالَ: وَلَهُ نَفَقَةُ مِثْلِهِ هِيَ الْعِبَارَةُ الْمُحَرَّرَةُ وَزَادَ إيضَاحُهَا فِي الْمَبْسُوطِ فَقَالَ: وَهَذِهِ النَّفَقَةُ لَيْسَ يَسْتَحِقُّهَا بِطَرِيقِ الْعَرَضِ بَلْ بِطَرِيقِ الْكِفَايَةِ؛ لِأَنَّهُ فَرَّغَ نَفْسَهُ لِعَمَلٍ يَنْتَفِعُ بِهِ الْمُسْتَأْجِرُ هَذَا، وَإِنَّمَا جَازَ الْحَجُّ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ بَقِيَ الْأَمْرُ بِالْحَجِّ فَتَكُونُ لَهُ نَفَقَةُ مِثْلِهِ. اهـ.
وَأُجِيبَ عَنْ قَاضِي خَانْ بِأَنَّهُ أَرَادَ مَا قَالَهُ الْحَاكِمُ غَيْرَ أَنَّهُ عَبَّرَ عَنْ نَفَقَةِ الْمِثْلِ بِأَجْرِ الْمِثْلِ لِمُشَاكَلَةِ صِفَةِ الْعِبَارَةِ الْمُنَاسِبَةِ لِلَفْظِ الْإِجَارَةِ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْمُشَاكَلَةَ إنَّمَا تَحْسُنُ فِي الْمَقَامَاتِ الْخَطَابِيَّةِ لَا فِي إفَادَةِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ قِيلَ وَيَنْبَغِي جَوَازُ الِاسْتِئْجَارِ بِنَاءً عَلَى الْمُفْتَى بِهِ مِنْ جَوَازِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى الطَّاعَاتِ. اهـ.
وَفِيهِ نَظَرٌ يَظْهَرُ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْبَابِ، وَقَدْ نَصَّ فِي الْمَتْنِ وَالْمُخْتَارِ وَالْمَوَاهِبِ وَالْمَجْمَعِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْمُتُونِ الْمُعْتَبَرَةِ عَلَى عَدَمِ جَوَازِهَا عَلَى الْحَجِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الطَّاعَاتِ وَاسْتَثْنَى فِي الْمَتْنِ تَعْلِيمَ الْقُرْآنِ وَزَادَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ الْفِقْهَ وَزَادَ فِي الْمَجْمَعِ وَالْمُخْتَارِ الْإِمَامَةَ وَزَادَ بَعْضُهُمْ الْأَذَانَ، وَقَدْ جُمِعَ الْأَرْبَعَةُ فِي مَتْنِ التَّنْوِيرِ، وَقَدْ صَرَّحَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي رِسَالَتِهِ بُلُوغِ الْأَرَبِ بِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْ مَشَايِخِنَا جَوَازَ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى الْحَجِّ، وَمَا قِيلَ إنَّهُ صَرَّحَ بِهِ الْقُهُسْتَانِيُّ فَغَيْرُ صَحِيحٍ نَعَمْ صَدْرُ كَلَامِهِ مُوهِمٌ لِذَلِكَ، وَلَكِنْ يَرْفَعُهُ التَّعْلِيلُ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ مُرَاجَعَتِهِ، وَلَوْ سَلِمَ فَلَا يُعْتَبَرُ بِمَا يَنْفَرِدُ بِهِ كَمَا هُوَ مَشْهُورٌ كَمَا لَا عِبْرَةَ بِمَا يَنْفَرِدُ بِهِ الزَّاهِدِيُّ كَيْفَ، وَلَوْ صَحَّ يَلْزَمُهُ هَدْمُ كَثِيرٍ مِنْ الْفُرُوعِ مِنْهَا مَا مَرَّ عَنْ الْكَمَالِ، وَمِنْهَا وُجُوبُ رَدِّ الزَّائِدِ مِنْ النَّفَقَةِ إلَّا بِالشَّرْطِ السَّابِقِ، وَمِنْهَا اشْتِرَاطُ الْإِنْفَاقِ بِقَدْرِ مَالِ الْآمِرِ أَوْ أَكْثَرِهِ وَغَيْرُهَا مِمَّا يَظْهَرُ لِلْمُتَأَمِّلِ الْمُتَتَبِّعِ إذْ لَوْ صَحَّتْ الْإِجَارَةُ لَمَا لَزِمَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَمَنْ أَهَّلَ بِحَجٍّ عَنْ أَبَوَيْهِ فَعَيَّنَ صَحَّ) قَالَ: فِي الشرنبلالية يُفِيدُ بِطَرِيقٍ أَوْلَى أَنَّهُ إذَا أَهَّلَ عَنْ أَحَدِهِمَا عَلَى الْإِبْهَامِ لَهُ أَنْ يَجْعَلَهَا عَنْ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَتَعْلِيلُ الْمَسْأَلَةِ بِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِجَعْلِ ثَوَابِ عَمَلِهِ لِأَحَدِهِمَا يُفِيدُ وُقُوعَ الْحَجِّ عَنْ الْفَاعِلِ فَيَسْقُطُ بِهِ الْفَرْضُ عَنْهُ، وَإِنْ جَعَلَ ثَوَابَهُ لِغَيْرِهِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَمَبْنَاهُ عَلَى أَنَّ نِيَّتَهُ لَهُمَا تَلْغُو بِسَبَبِ أَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُورٍ مِنْ قِبَلِهِمَا أَوْ أَحَدِهِمَا فَهُوَ مُعْتَبَرٌ فَتَقَعُ الْأَعْمَالُ عَنْهُ أَلْبَتَّةَ، وَإِنَّمَا يَجْعَلُ لَهُمَا الثَّوَابَ وَيُفِيدُ ذَلِكَ مَا فِي الْأَحَادِيثِ الَّتِي رَوَاهَا الْكَمَالُ بِقَوْلِهِ: اعْلَمْ أَنَّ فِعْلَ الْوَلَدِ ذَلِكَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ جِدًّا لِمَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

الصفحة 73