كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (اسم الجزء: 3)

وَاحِدٌ مَا لَمْ يَتْرُكْهُ وَيَعْزِمْ عَلَى التَّرْكِ. اهـ.
وَاعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ إيجَابِ الْجَزَاءِ إذَا لَبِسَ جَمِيعَ الْمَخِيطِ مَحِلُّهُ مَا إذَا لَمْ يَتَعَدَّدْ سَبَبُ اللُّبْسِ فَإِنْ تَعَدَّدَ كَمَا إذَا اُضْطُرَّ إلَى لُبْسِ ثَوْبٍ فَلَبِسَ ثَوْبَيْنِ فَإِنْ لَبِسَهُمَا عَلَى مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ يَتَخَيَّرُ فِيهَا، وَإِنْ لَبِسَهُمَا عَلَى مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ وَغَيْرِهِ لَزِمَهُ كَفَّارَتَانِ يَتَخَيَّرُ فِيهَا لِلضَّرُورَةِ فَقَطْ، وَمِنْ صُوَرِ تَعَدُّدِ اللُّبْسِ وَاتِّحَادِهِ مَا إذَا كَانَ بِهِ مَثَلًا حُمًّى يَحْتَاجُ إلَى اللُّبْسِ لَهَا وَيَسْتَغْنِي عَنْهُ فِي وَقْتِ زَوَالِهَا فَإِنَّ عَلَيْهِ كَفَّارَةً وَاحِدَةً، وَإِنْ تَعَدَّدَ اللُّبْسُ مَا لَمْ تَزُلْ عَنْهُ فَإِنْ زَالَتْ، وَأَصَابَهُ مَرَضٌ آخَرُ أَوْ حُمًّى غَيْرُهَا فَعَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ كَفَّرَ لِلْأُولَى أَوْ لَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فِي الثَّانِي، وَكَذَا إذَا حَصَرَهُ عَدُوٌّ فَاحْتَاجَ إلَى اللُّبْسِ لِلْقِتَالِ أَيَّامًا يَلْبَسُهَا إذَا خَرَجَ إلَيْهِ وَيَنْزِعُهَا إذَا رَجَعَ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ مَا لَمْ يَذْهَبْ هَذَا الْعَدُوُّ فَإِنْ ذَهَبَ وَجَاءَ عَدُوٌّ غَيْرُهُ لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ أُخْرَى. وَالْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّهُ يَنْظُرُ إلَى اتِّحَادِ الْجِهَةِ وَاخْتِلَافِهَا لَا إلَى صُورَةِ اللُّبْسِ كَيْفَ كَانَتْ، وَلَوْ لَبِسَ لِضَرُورَةٍ فَزَالَتْ فَدَامَ بَعْدَهَا يَوْمًا وَيَوْمَيْنِ فَمَا دَامَ فِي شَكٍّ مِنْ زَوَالِ الضَّرُورَةِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ تَيَقَّنَ زَوَالَهَا كَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ أُخْرَى لَا يَتَخَيَّرُ فِيهَا هَكَذَا ذَكَرُوا، وَذَكَرَ الْحَلَبِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ أَنَّ مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ إذَا لَبِسَ شَيْئًا مِنْ الْمَخِيطِ لِدَفْعِ بَرْدٍ ثُمَّ صَارَ يَنْزِعُ وَيَلْبَسُ كَذَلِكَ ثُمَّ زَالَ ذَلِكَ الْبَرْدُ ثُمَّ أَصَابَهُ بَرْدٌ آخَرُ غَيْرَ الْأَوَّلِ عُرِفَ ذَلِكَ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ الْمُفِيدَةِ لِمَعْرِفَتِهِ فَلَبِسَ لِذَلِكَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ. اهـ.
وَشَمَلَ كَلَامُهُ أَيْضًا مَا إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَ الْمَخِيطِ فَلِذَا قَالَ فِي الْمَجْمَعِ: وَلَوْ لَمْ يَجِدْ إلَّا السَّرَاوِيلَ فَلَبِسَهُ، وَلَمْ يَفْتُقْهُ نُوجِبُهُ أَيْ الدَّمَ، وَأَطْلَقَ فِي التَّغْطِيَةِ فَانْصَرَفَتْ إلَى الْكَامِلِ، وَهُوَ مَا يُغَطِّي بِهِ عَادَةً كَالْقَلَنْسُوَةِ وَالْعِمَامَةِ فَخَرَجَ مَا لَا يُغَطَّى بِهِ عَادَةً كَالطِّسْتِ وَالْإِجَّانَةِ وَالْعَدْلِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَعَلَى هَذَا يُفَرَّعُ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ مَا لَوْ دَخَلَ الْمُحْرِمُ تَحْتَ سِتْرِ الْكَعْبَةِ فَإِنْ كَانَ يُصِيبُ وَجْهَهُ وَرَأْسَهُ فَهُوَ مَكْرُوهٌ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا بَأْسَ بِهِ وَظَاهِرُ مَا فِي الْمُتُونِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَغْطِيَةِ جَمِيعِ الرَّأْسِ فِي لُزُومِ الدَّمِ، وَمَا رَأَيْته رِوَايَةٌ، وَلِهَذَا لَمْ يُصَرِّحُوا بِحُكْمِ مَا دُونَهَا، وَإِنَّمَا الْمَنْقُولُ عَنْ الْأَصْلِ اعْتِبَارُ الرُّبْعِ، وَمَشَى عَلَيْهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجَزَاءُ مَعَ تَعَدُّدِ اللُّبْسِ بِأُمُورٍ مِنْهَا اتِّحَادُ السَّبَبِ، وَعَدَمُ الْعَزْمِ عَلَى التَّرْكِ عِنْدَ النَّزْعِ وَجَمْعُ اللِّبَاسِ كُلِّهِ فِي مَجْلِسٍ أَوْ يَوْمٍ. اهـ. قَالَ شَارِحُهُ أَيْ مَعَ اتِّحَادِ السَّبَبِ.
ثُمَّ قَالَ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ مَا يُفِيدُ أَنَّ الْيَوْمَ فِي اتِّحَادِ الْجَزَاءِ فِي حُكْمِ اللُّبْسِ كَالْمَجْلِسِ فِي غَيْرِهِ مِنْ الطِّيبِ وَالْحَلْقِ وَالْقَصِّ وَالْجِمَاعِ كَمَا سَيَأْتِي؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْفَارِسِيُّ وَالطَّرَابُلُسِيّ أَنَّهُ إنْ لَبِسَ الثِّيَابَ كُلَّهَا مَعًا، وَلَبِسَ خُفَّيْنِ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ لَبِسَ قَمِيصًا بَعْدَ يَوْمِهِ ثُمَّ لَبِسَ فِي يَوْمِهِ سَرَاوِيلَ ثُمَّ لَبِسَ خُفَّيْنِ، وَقَلَنْسُوَةً عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَيَّدَ بِالْيَوْمِ لَا بِالْمَجْلِسِ، وَفِي الْكَرْمَانِيِّ، وَلَوْ جَمَعَ اللِّبَاسَ كُلَّهُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ لِوُقُوعِهِ عَلَى جِهَةِ وَاحِدَةٍ وَسَبَبٍ وَاحِدٍ فَصَارَ كَجِنَايَةٍ وَاحِدَةٍ، وَمِثْلُهُ مَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ فِي حَلْقِ الرَّأْسِ إذَا حَلَقَ فِي أَرْبَعِ مَجَالِسَ عَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ، وَقِيلَ عَلَيْهِ أَرْبَعُ دِمَاءٍ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي مُنْيَةِ النَّاسِكِ بِتَعَدُّدِ الْجَزَاءِ فِي تَعَدُّدِ الْأَيَّامِ حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ لَبِسَ الْعِمَامَةَ يَوْمًا ثُمَّ لَبِسَ الْقَمِيصَ يَوْمًا آخَرَ ثُمَّ الْخُفَّيْنِ يَوْمًا آخَرَ ثُمَّ السَّرَاوِيلَ يَوْمًا آخَرَ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ لُبْسٍ دَمٌ. اهـ.
(قَوْلُهُ: كَمَا إذَا اُضْطُرَّ إلَى لُبْسِ ثَوْبٍ فَلَبِسَ ثَوْبَيْنِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ، وَكَذَلِكَ نَحْوُ أَنْ يَضْطَرَّ إلَى لُبْسِ قَمِيصٍ فَلَبِسَ قَمِيصَيْنِ أَوْ قَمِيصًا وَجُبَّةً أَوْ اُضْطُرَّ إلَى لُبْسِ قَلَنْسُوَةٍ فَلَبِسَهَا مَعَ عِمَامَتِهِ. اهـ.
وَكَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ، وَإِنَّمَا ذَكَرْنَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُؤَلِّفَ سَيَذْكُرُ مَا يُخَالِفُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ، وَإِنْ تَطَيَّبَ أَوْ لَبِسَ إلَخْ فَتَنَبَّهْ لَهُ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ لَبِسَهُمَا عَلَى مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ) ، وَكَذَا إذَا لَبِسَهُمَا عَلَى مَوْضِعَيْنِ لِضَرُورَةٍ بِهِمَا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ بِأَنْ لَبِسَ عِمَامَةً وَخُفًّا بِعُذْرٍ فِيهِمَا فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ كَفَّارَةُ الضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّ اللُّبْسَ عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ فَتَجِبُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ كَذَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ: وَمِنْ صُوَرِ تَعَدُّدِ اللُّبْسِ) كَذَا فِي النُّسَخِ الَّتِي رَأَيْتهَا، وَاَلَّذِي فِي الْفَتْحِ وَالنَّهْرِ عَنْهُ السَّبَبُ بَدَلُ اللُّبْسِ. (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ الْحَلَبِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ أَنَّ مُقْتَضَاهُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَالْحُكْمُ فِي الْمَذْهَبِ مَسْطُورٌ كَذَلِكَ ثُمَّ سَاقَ عَنْ الْفَتْحِ مَسْأَلَةَ الْحُمَّى السَّابِقَةِ (قَوْلُهُ: وَمَا رَأَيْته رِوَايَةٌ) أَيْ مَا رَأَيْت ظَاهِرَ مَا فِي الْمُتُونِ مَرْوِيًّا، وَقَوْلُهُ وَلِهَذَا عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ يَقْتَضِي لَا لِقَوْلِهِ، وَمَا رَأَيْته، وَالضَّمِيرُ فِي لَمْ يُصَرِّحُوا لِأَصْحَابِ الْمُتُونِ، وَفِي شَرْحِ اللُّبَابِ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا سَتَرَ بَعْضَ كُلٍّ مِنْهُمَا أَيْ الْوَجْهَ وَالرَّأْسَ فَالْمَشْهُورُ مِنْ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ اعْتَبَرَ الرُّبْعَ فَبِتَغْطِيَةِ رُبْعِ الرَّأْسِ يَجِبُ مَا يَجِبُ بِكُلِّهِ كَمَا ذُكِرَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عَلَى مَا قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ أَكْثَرُ الرَّأْسِ عَلَى مَا نَقَلَ عَنْهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَالْمَبْسُوطِ وَنَقَلَهُ فِي الْمُحِيطِ وَالذَّخِيرَةِ وَالْبَدَائِعِ وَالْكَرْمَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدٍ لَكِنْ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ، وَقِيَاسُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنْ يُعْتَبَرَ فِيهِ الْوُجُوبَ بِحِسَابِهِ مِنْ الدَّمِ. اهـ.
وَكَذَا الْحُكْمُ فِي الْوَجْهِ عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمَا، وَأَمَّا مَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ، وَإِنْ غَطَّى ثُلُثَ رَأْسِهِ أَوْ رُبْعَهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْحَلْقِ فَهُوَ شَاذٌّ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ غَيْرِهِ بَلْ لِكَلَامِهِ أَيْضًا فَإِنَّهُ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَبِتَغَطِّيهِ رُبْعِ وَجْهِهِ أَوْ رُبْعِ رَأْسِهِ يَجِبُ مَا يَجِبُ بِكُلِّهِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: أَرَادَ بِقَوْلِهِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ أَيْ مِنْ الدَّمِ لَا مِنْ

الصفحة 8