كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (اسم الجزء: 3)

فَبِأَنْ يَخَافَ الْعَجْزَ عَنْ الْإِيفَاءِ بِمَوَاجِبِهِ كَذَا فِي الْمُجْتَبَى يَعْنِي فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَأَمَّا مَحَاسِنُهُ فَكَثِيرَةٌ وَدَلَائِلُهُ شَهِيرَةٌ (قَوْلُهُ: هُوَ عَقْدٌ يَرِدُ عَلَى مِلْكِ الْمُتْعَةِ قَصْدًا) أَيْ النِّكَاحِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَالْمُرَادُ بِالْعَقْدِ مُطْلَقًا نِكَاحًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ مَجْمُوعُ إيجَابِ أَحَدِ الْمُتَكَلِّمَيْنِ مَعَ قَبُولِ الْآخَرِ سَوَاءٌ كَانَ بِاللَّفْظَيْنِ الْمَشْهُورَيْنِ مِنْ زَوَّجْت وَتَزَوَّجْت أَوْ غَيْرِهِمَا مِمَّا سَيُذْكَرُ أَوْ كَلَامُ الْوَاحِدِ الْقَائِمِ مَقَامَهُمَا أَعْنِي مُتَوَلِّيَ الطَّرَفَيْنِ، وَقَوْلُ الْوَرْشَكِيِّ إنَّهُ مَعْنًى يُحِلُّ الْمَحَلَّ فَيَتَغَيَّرُ بِهِ حَالُ الْمَحَلِّ وَزَوَّجْت وَتَزَوَّجْت آلَةُ انْعِقَادِهِ إطْلَاقٌ لَهُ عَلَى حُكْمِهِ فَإِنَّ الْمَعْنَى الَّذِي يَتَغَيَّرُ بِهِ حَالُ الْمَحَلِّ مِنْ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ هُوَ حُكْمُ الْعَقْدِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِإِخْرَاجِ اللَّفْظَيْنِ عَنْ مُسَمَّاهُ، وَهُوَ اصْطِلَاحٌ آخَرَ غَيْرُ مَشْهُورٍ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَمِلْكُ الْمُتْعَةِ عِبَارَةٌ عَنْ مِلْكِ الِانْتِفَاعِ وَالْوَطْءِ كَمَا فِي الْكَشْفِ، وَمَعْنَى وُرُودِهِ عَلَيْهِ إفَادَتُهُ لَهُ شَرْعًا فَلَوْ قَالَ: يُفِيدُ مِلْكَ الْمُتْعَةِ أَوْ يَثْبُتُ بِهِ مِلْكُ الْمُتْعَةِ قَصْدًا لَكَانَ أَظْهَرَ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ عَقْدٌ يُفِيدُ حُكْمَهُ بِحَسَبِ وَضْعِ الشَّرْعِ.
وَالْمُرَادُ بِالْمِلْكِ الْحِلُّ لَا الْمِلْكُ الشَّرْعِيُّ؛ لِأَنَّ الْمَنْكُوحَةَ لَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ فَمَهْرُهَا لَهَا، وَلَوْ مَلَكَ الِانْتِفَاعَ بِبُضْعِهَا حَقِيقَةً لَكَانَ بَدَلُهُ لَهُ وَذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّ مِنْ أَحْكَامِهِ مِلْكُ الْمُتْعَةِ، وَهُوَ اخْتِصَاصُ الزَّوْجِ بِمَنَافِعِ بُضْعِهَا وَسَائِرِ أَعْضَائِهَا اسْتِمْتَاعًا أَوْ مِلْكُ الذَّاتِ وَالنَّفْسِ فِي حَقِّ التَّمَتُّعِ عَلَى اخْتِلَافِ مَشَايِخِنَا فِي ذَلِكَ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ قَصْدًا عَمَّا يُفِيدُ الْحِلَّ ضِمْنًا كَمَا إذَا ثَبَتَ فِي ضِمْنِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ كَشِرَاءِ الْجَارِيَةِ لِلتَّسَرِّي فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ شَرْعًا لِمِلْكِ الرَّقَبَةِ، وَمِلْكُ الْمُتْعَةِ ثَابِتٌ ضِمْنًا، وَإِنْ قَصَدَهُ الْمُشْتَرِي، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ مِلْكُ الْمُتْعَةِ مَقْصُودًا لِمِلْكِ الرَّقَبَةِ فِي الشِّرَاءِ أَوْ نَحْوِهِ لِتَخَلُّفِهِ عَنْهُ فِي شِرَاءِ مَحْرَمِهِ نَسَبًا وَرَضَاعًا وَالْأَمَةِ الْمَجُوسِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ سُنَّةٌ، وَعِنْدَ التَّوَقَانِ وَاجِبٌ) بَيَانٌ لِصِفَتِهِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَالْمُرَادُ بِهِ السُّنَّةُ الْمُؤَكَّدَةُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَهُوَ مَحْمَلُ مَنْ أَطْلَقَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُ الْمُصَنِّفِ هُوَ عَقْدٌ) قَالَ: فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة الْمُرَادُ بِالْعَقْدِ الْحَاصِلُ بِالْمَصْدَرِ احْتِرَازًا عَنْ الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ الَّذِي هُوَ فِعْلُ الْمُتَكَلِّمِ كَذَا أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي صَاحِبَ الدُّرَرِ فِي مَنَاهِيهِ (قَوْلُهُ: وَقَوْلُ الْوَرْشَكِيِّ) بِالْوَاوِ وَالرَّاءِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ هُوَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْعَلَّامَةُ بَدْرُ الدِّينِ الْبُخَارِيُّ تَفَقَّهَ عَلَيْهِ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْكَرْدَرِيُّ بِبِجَاتَ مَاتَ بِبَلْخٍ سَنَةَ 594 تَفَقَّهَ عَلَى أَبِي الْفَضْلِ الْكَرْمَانِيِّ كَمَا فِي الْجَوَاهِرِ الْمُضِيئَةِ شَيْخِ إسْمَاعِيلَ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الزَّرْكَشِيّ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(قَوْلُهُ: وَمِلْكُ الْمُتْعَةِ عِبَارَةٌ عَنْ مِلْكِ الِانْتِفَاعِ وَالْوَطْءِ) قَالَ: فِي الدُّرَرِ الْمُتْعَةُ حِلُّ اسْتِمْتَاعِ الرَّجُلِ مِنْ الْمَرْأَةِ، وَهُوَ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْحَقَّ فِي التَّمَتُّعِ لِلرَّجُلِ لَا لِلْمَرْأَةِ وَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ الْأَبْيَارِيُّ شَارِحُ الْكَنْزِ فِي شَرْحِهِ لِلْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «احْفَظْ عَوْرَتَك إلَّا مِنْ زَوْجَتِك، وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُك» مِنْ أَنَّ لِلزَّوْجِ أَنْ يَنْظُرَ إلَى فَرْجِ زَوْجَتِهِ وَحَلَقَةِ دُبُرِهَا بِخِلَافِهَا حَيْثُ لَا تَنْظُرُ إلَيْهِ إذَا مَنَعَهَا مِنْ النَّظَرِ كَذَا فِي حَوَاشِي مِسْكِينٍ، وَعِبَارَةُ الْبَدَائِعِ الْآتِيَةُ أَظْهَرُ فِي إفَادَةِ ذَلِكَ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: فَلَوْ قَالَ: يُفِيدُ مِلْكَ الْمُتْعَةِ إلَخْ) قَالَ: فِي النَّهْرِ الْأَقْرَبُ أَنْ يَكُونَ يَرِدُ بِمَعْنَى يَأْتِي قَالَ: الْجَوْهَرِيُّ الْوُرُودُ خِلَافُ الصُّدُورِ. اهـ.
أَيْ الرُّجُوعِ، وَعَلَى تَعْلِيلِيَّةٌ أَيْ يَأْتِي وَضْعًا لِكَذَا. اهـ.
أَيْ مِثْلُهَا فِي {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 185] أَيْ لِهِدَايَتِهِ إيَّاكُمْ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِالْمِلْكِ الْحِلُّ إلَخْ) قَالَ: فِي النَّهْرِ، وَفِي سِرَاجِ الدَّبُوسِيِّ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ هَذَا الْمِلْكَ فِي حُكْمِ مِلْكِ الْعَيْنِ أَوْ الْمُتْعَةِ قَالَ: أَصْحَابُنَا بِالْأَوَّلِ وَالشَّافِعِيُّ بِالثَّانِي، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ جَمِيعَ أَجْزَائِهَا، وَمَنَافِعِهَا لَهُ وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا بِجَوَازِ نِكَاحِ الْمُرْضَعَةِ أَيْ الصَّغِيرَةِ، وَلَا مُتْعَةَ وَطْءٍ فِيهَا، وَلَا يَرُدُّ مَا لَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ فَإِنَّ الْبَدَلَ لَهَا، وَلَوْ مَلَكَ الْعَيْنَ لَكَانَ لَهُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْمِلْكَ لَيْسَ حَقِيقِيًّا بَلْ فِي حُكْمِهِ فِي حَقِّ تَحْلِيلِ الْوَطْءِ دُونَ مَا سِوَاهُ مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي لَا تَتَّصِلُ بِحَقِّ الزَّوْجِيَّةِ. اهـ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْخِلَافَ لَفْظِيٌّ، وَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَمَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمِلْكِ الْحِلُّ لَا الْمِلْكُ الشَّرْعِيُّ؛ لِأَنَّ الْمَنْكُوحَةَ إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ بَلْ يَمْلِكُ الِانْتِفَاعَ حَقِيقَةً، وَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ لِمَا مَرَّ. اهـ.
وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مَدَارَ كَلَامِ الدَّبُوسِيِّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْمِلْكَ لَيْسَ حَقِيقِيًّا، وَأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ حُكْمُهُ، وَهُوَ حِلُّ الْوَطْءِ وَنَحْوِهِ، وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ الْبَحْرِ عَلَى أَنَّ كَلَامَ الدَّبُوسِيِّ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الْمَتْنِ يَرِدُ عَلَى مِلْكِ الْمُتْعَةِ فَإِنَّ مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ نَعَمْ كَلَامُ الْبَدَائِعِ الْآتِي صَرِيحٌ فِي الْخِلَافِ عِنْدَنَا لَكِنَّ قَوْلَ الْمُؤَلِّفِ هُنَا، وَلَوْ مَلَكَ الِانْتِفَاعَ بِبَعْضِهَا حَقِيقَةً لَكَانَ بَدَلُهُ لَهُ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ لِلْبَدَلِ إنَّمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى مِلْكِهِ لِذَاتِ الْبُضْعِ لَا عَلَى مِلْكِهِ لِمَنْفَعَتِهِ فَيَمْلِكُ عُقْرَ أَمَتِهِ لِمِلْكِهِ لِذَاتِ بُضْعِهَا، وَلَا يَمْلِكُ عُقْرَ زَوْجَتِهِ لِعَدَمِ مِلْكِ الذَّاتِ بَلْ هُوَ مَالِكٌ لِمَنْفَعَتِهِ، وَمِلْكُ كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ وَلِذَا فَسَّرَ فِي الْبَدَائِعِ الْمِلْكَ هُنَا بِالِاخْتِصَاصِ.
(قَوْلُهُ: أَمَّا الْأَوَّلُ فَالْمُرَادُ بِهِ السُّنَّةُ الْمُؤَكَّدَةُ عَلَى الْأَصَحِّ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: إنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَقِيلَ بَلْ وَاجِبٌ عَلَى الْكِفَايَةِ، وَقِيلَ عَلَى التَّعْيِينِ وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُهُ لِثُبُوتِ الْمُوَاظَبَةِ عَلَيْهِ وَالْإِنْكَارِ عَلَى مَنْ رَغِبَ عَنْهُ. اهـ.
وَهُوَ وَجِيهٌ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالسُّنِّيَّةِ لِمَا مَرَّ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ مِنْ تَصْرِيحِ صَاحِبِ الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الْجَمَاعَةِ وَسُنِّيَّتِهَا بِأَنَّهُ اخْتِلَافٌ فِي الْعِبَارَةِ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ الْمُؤَكَّدَةَ وَالْوَاجِبَ سَوَاءٌ. اهـ. تَأَمَّلْ.
وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ كَوْنَ الْوُجُوبِ عِنْدَ التَّوَقَانِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ يَخْتَلِفُ فَإِذَا خَافَ الْوُقُوعَ فِي الْحَرَامِ وَتَرَكَهُ

الصفحة 85