كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (اسم الجزء: 3)

فَاسِقًا، وَلَا يُزَوِّجُ ابْنَتَهُ الشَّابَّةَ شَيْخًا كَبِيرًا، وَلَا رَجُلًا دَمِيمًا وَيُزَوِّجُهَا كُفُؤًا فَإِذَا خَطَبَهَا الْكُفُؤُ لَا يُؤَخِّرُهَا، وَهُوَ كُلُّ مُسْلِمٍ تَقِيٍّ وَتَحْلِيَةُ الْبَنَاتِ بِالْحُلِيِّ وَالْحُلَلِ لِيُرَغِّبَ فِيهِنَّ الرِّجَالَ سُنَّةٌ وَنَظَرُهُ إلَى مَخْطُوبَتِهِ قَبْلَ النِّكَاحِ سُنَّةٌ فَإِنَّهُ دَاعِيَةٌ لِلْأُلْفَةِ، وَلَا يَخْطُبُ مَخْطُوبَةَ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ جَفَاءٌ وَخِيَانَةٌ وَتَمَامُهُ فِي الْفَصْلِ الْخَامِسِ وَالثَّلَاثِينَ مِنْهَا، وَفِي الْمُجْتَبَى يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ ظَاهِرًا، وَأَنْ يَكُونَ قَبْلَهُ خُطْبَةٌ، وَأَنْ يَكُونَ عَقْدُهُ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَأَنْ يَتَوَلَّى عَقْدَهُ وَلِيٌّ رَشِيدٌ، وَأَنْ يَكُونَ بِشُهُودٍ عُدُولٍ مِنْهَا.

(قَوْلُهُ: وَيَنْعَقِدُ بِإِيجَابٍ، وَقَبُولٍ وُضِعَا لِلْمُضِيِّ أَوْ أَحَدِهِمَا) أَيْ يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ أَيْ ذَلِكَ الْعَقْدُ الْخَاصُّ يَنْعَقِدُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ حَتَّى يَتِمُّ حَقِيقَةً فِي الْوُجُودِ وَالِانْعِقَادُ هُوَ ارْتِبَاطُ أَحَدِ الْكَلَامَيْنِ بِالْآخَرِ عَلَى وَجْهٍ يُسَمَّى بِاعْتِبَارِهِ عَقْدًا شَرْعًا وَيَسْتَعْقِبُ الْأَحْكَامَ بِالشَّرَائِطِ الْآتِيَةِ كَذَا قَرَّرَهُ الْكَمَالُ هُنَا، وَقَرَّرَ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ مَا يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا مِنْ الِانْعِقَادِ الثُّبُوتُ، وَأَنَّ الضَّمِيرَ يَعُودُ إلَى النِّكَاحِ بِاعْتِبَارِ حُكْمِهِ فَالْمَعْنَى يَثْبُتُ حُكْمُ النِّكَاحِ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، وَمَقْصُودُهُ فِي الْبَابَيْنِ تَحْقِيقُ أَنَّ الْإِيجَابَ مَعَ الْقَبُولِ عَيْنُ الْعَقْدِ لَا غَيْرُهُ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ ظَاهِرِ الْعِبَارَةِ وَالْحَقُّ أَنَّ الْعَقْدَ مَجْمُوعُ ثَلَاثَةٍ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ وَالِارْتِبَاطُ الشَّرْعِيُّ فَلَمْ يَكُنْ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ عَيْنَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ جُزْءَ الشَّيْءِ لَيْسَ عَيْنَهُ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي الْبَيْعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْإِيجَابُ لُغَةً الْإِثْبَاتُ وَاصْطِلَاحًا هُنَا اللَّفْظُ الصَّادِرُ أَوَّلًا مِنْ أَحَدِ الْمُتَخَاطِبَيْنِ مَعَ صَلَاحِيَّةِ اللَّفْظِ لِذَلِكَ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً وَالْقَبُولُ اللَّفْظُ الصَّادِرُ ثَانِيًا مِنْ أَحَدِهِمَا الصَّالِحُ لِذَلِكَ مُطْلَقًا فَمَا وَقَعَ فِي الْمِعْرَاجِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَدَّمَ الْقَبُولَ عَلَى الْإِيجَابِ بِأَنْ قَالَ: تَزَوَّجْت ابْنَتَك فَقَالَ: زَوَّجْتُكهَا فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ غَيْرُ صَحِيحٍ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ تَقْدِيمُهُ بَلْ قَوْلُهُ: تَزَوَّجْت ابْنَتَك إيجَابٌ وَالثَّانِي قَبُولٌ وَهَلْ يَكُونُ الْقَبُولُ بِالْفِعْلِ كَالْقَبُولِ بِاللَّفْظِ كَمَا فِي الْبَيْعِ قَالَ: فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَجَابَ صَاحِبُ الْبِدَايَةِ فِي امْرَأَةٍ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بِأَلْفٍ مِنْ رَجُلٍ عِنْدَ الشُّهُودِ فَلَمْ يَقُلْ الزَّوْجُ شَيْئًا لَكِنْ أَعْطَاهَا الْمَهْرَ فِي الْمَجْلِسِ أَنَّهُ يَكُونُ قَبُولًا، وَأَنْكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحِيطِ، وَقَالَ: لَا مَا لَمْ يَقُلْ بِلِسَانِهِ قَبِلْت بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِالتَّعَاطِي وَالنِّكَاحُ لِخَطَرِهِ لَا يَنْعَقِدُ حَتَّى يَتَوَقَّفُ عَلَى الشُّهُودِ بِخِلَافِ إجَازَةِ نِكَاحِ الْفُضُولِيِّ بِالْفِعْلِ لِوُجُودِ الْقَوْلِ ثَمَّةَ. اهـ.
وَهَلْ يَكُونُ الْقَبُولُ بِالطَّلَاقِ قَالَ: فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ امْرَأَةٌ قَالَتْ لِأَجْنَبِيٍّ زَوَّجْت نَفْسِي مِنْك فَقَالَ: الرَّجُلُ فَأَنْت طَالِقٌ طَلُقَتْ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ لَا تَطْلُقُ، وَلَا يَكُونُ هَذَا الْكَلَامُ قَبُولًا لِلنِّكَاحِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ إخْبَارٌ أَمَّا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى جَعَلَ طَلَاقَهَا جَزَاءً لِنِكَاحِهَا وَطَلَاقُهَا لَا يَكُونُ جَزَاءً لِنِكَاحِهَا إلَّا بِالْقَبُولِ فَيَكُونُ كَلَامُهُ قَبُولًا لِلنِّكَاحِ ثُمَّ يَقَعُ الطَّلَاقُ بَعْدَهُ. اهـ.
فَقَدْ سَاوَى النِّكَاحُ الْبَيْعَ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ: بِعْتُك هَذَا الْعَبْدَ بِكَذَا فَقَالَ: فَهُوَ حُرٌّ عَتَقَ، وَلَوْ قَالَ: بِدُونِ الْفَاءِ لَا، وَهَذَا بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ قَالَ: فِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَتْ أَنَا امْرَأَتُك فَقَالَ: لَهَا أَنْت طَالِقٌ يَكُونُ إقْرَارًا بِالنِّكَاحِ وَتَطْلُقُ هِيَ لِاقْتِضَائِهِ النِّكَاحَ وَضْعًا.
وَلَوْ قَالَ: مَا أَنْتِ لِي بِزَوْجَةٍ، وَأَنْتِ طَالِقٌ لَا يَكُونُ إقْرَارًا لِقِيَامِ الْقَرِينَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَى أَنَّهُ مَا أَرَادَ بِالطَّلَاقِ حَقِيقَتَهُ. اهـ.
أَطْلَقَ فِي اللَّفْظَيْنِ فَشَمِلَ اللَّفْظَيْنِ حُكْمًا، وَهُوَ اللَّفْظُ الصَّادِرُ مِنْ مُتَوَلِّي الطَّرَفَيْنِ شَرْعًا وَشَمِلَ مَا لَيْسَ بِعَرَبِيٍّ مِنْ الْأَلْفَاظِ، وَمَا لَمْ يُذْكَرْ مَعَهُمَا الْمَفْعُولَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا بَعْدَ دَلَالَةِ الْمَقَامِ وَالْمُقَدِّمَاتِ؛ لِأَنَّ الْحَذْفَ لِدَلِيلٍ كَائِنٍ فِي كُلِّ لِسَانٍ، وَإِنَّمَا اُخْتِيرَ لَفْظُ الْمَاضِي؛ لِأَنَّ وَاضِعَ اللُّغَةِ لَمْ يَضَعْ لِلْإِنْشَاءِ لَفْظًا خَاصًّا، وَإِنَّمَا عُرِفَ الْإِنْشَاءُ بِالشَّرْعِ وَاخْتِيَارِ لَفْظِ الْمَاضِي لِدَلَالَتِهِ عَلَى التَّحْقِيقِ وَالثُّبُوتِ دُونَ الْمُسْتَقْبَلِ، وَقَوْلُهُ أَوْ أَحَدِهِمَا بَيَانٌ لِانْعِقَادِهِ بِلَفْظَيْنِ أَحَدُهُمَا مَاضٍ وَالْآخَرُ مُسْتَقْبَلٌ كَقَوْلِهِ زَوِّجْنِي ابْنَتَك فَقَالَ: زَوَّجْتُك، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُسْتَقْبَلَ إيجَابٌ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ حَيْثُ قَالَ: وَلَفْظَةُ الْأَمْرِ فِي النِّكَاحِ إيجَابٌ، وَكَذَا الطَّلَاقُ وَالْخُلْعُ وَالْكَفَالَةُ وَالْهِبَةُ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ، وَكَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَذَهَبَ صَاحِبُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: تَقْدِيمُهُ) أَيْ الْقَبُولِ (قَوْلُهُ: وَلَا يَكُونُ هَذَا الْكَلَامُ) أَيْ أَنْتَ بِدُونِ الْفَاءِ

الصفحة 87