كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (اسم الجزء: 3)

الْهِدَايَةِ وَالْمَجْمَعِ إلَى أَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ بِإِيجَابٍ، وَإِنَّمَا هُوَ تَوْكِيلٌ، وَقَوْلُهُ زَوَّجْتُك قَائِمٌ مَقَامَ اللَّفْظَيْنِ بِخِلَافِهِ فِي الْبَيْعِ لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْوَاحِدَ فِي النِّكَاحِ يَتَوَلَّى الطَّرَفَيْنِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، وَهُوَ تَوْكِيلٌ ضِمْنِيٌّ فَلَا يُنَافِيهِ اقْتِصَارُهُ عَلَى الْمَجْلِسِ فَقَدْ عَلِمْت اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ فِي أَنَّ الْأَمْرَ بِإِيجَابٍ أَوْ تَوْكِيلٍ فَمَا فِي الْمُخْتَصَرِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فَانْدَفَعَ مَا اعْتَرَضَ بِهِ مُنْلَا خُسْرو مِنْ أَنَّ صَاحِبَ الْكَنْزِ خَالَفَ الْكُتُبَ فَلَمْ يَتَنَبَّهْ لِمَا فِي الْهِدَايَةِ فَالْمُعْتَرِضُ غَفَلَ عَنْ الْقَوْلِ الْآخَرِ حَفِظَ شَيْئًا وَغَابَتْ عَنْهُ أَشْيَاءُ مَعَ أَنَّ الرَّاجِحَ كَوْنُهُ إيجَابًا؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ لَيْسَ إلَّا اللَّفْظُ الْمُفِيدُ قَصَدَ تَحْقِيقَ الْمَعْنَى أَوْ لَا، وَهُوَ صَادِقٌ عَلَى لَفْظَةِ الْأَمْرِ فَلْيَكُنْ إيجَابًا وَيُسْتَغْنَى عَمَّا أُورِدَ أَنَّهُ تَوْكِيلٌ مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ تَوْكِيلًا لَمَا اقْتَصَرَ عَلَى الْمَجْلِسِ كَذَا رَجَّحَهُ الْكَمَالُ لَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ مَا لَوْ قَالَ: الْوَكِيلُ بِالنِّكَاحِ هَبْ ابْنَتَك لِفُلَانٍ فَقَالَ: الْأَبُ، وَهَبْت فَإِنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ مَا لَمْ يَقُلْ الْوَكِيلُ بَعْدَهُ قَبِلْت كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ مُعَلَّلًا بِأَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَمْلِكُ التَّوْكِيلَ، وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَ: هَبْ ابْنَتَك لِابْنِي فَقَالَ: وَهَبْت لَمْ يَصِحَّ مَا لَمْ يَقُلْ أَبُو الصَّغِيرِ قَبِلْت، وَفِي التَّتِمَّةِ لَوْ قَالَ: هَبْ ابْنَتَك لِفُلَانٍ فَقَالَ: الْأَبُ وَهَبْت مَا لَمْ يَقُلْ الْوَكِيلُ قَبِلْت لَا يَصِحُّ، وَإِذَا قَالَ: قَبِلْت فَإِنْ قَالَ: لِفُلَانٍ صَحَّ النِّكَاحُ لِلْمُوَكِّلِ، وَإِنْ قَالَ: مُطْلَقًا قَبِلْت يَجِبُ أَنْ يَصِحَّ أَيْضًا لِلْمُوَكِّلِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ قَالَ: بَعْدَمَا جَرَى بَيْنَهُمَا كَلَامٌ بِعْت هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، وَقَالَ: الْآخَرُ اشْتَرَيْت يَصِحُّ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ الْبَائِعُ بِعْت مِنْك. اهـ.
وَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يُوَكِّلَ فِي نِكَاحِ ابْنِهِ فَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ إيجَابًا لَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَى الْقَبُولِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ لَا إيجَابٌ وَحِينَئِذٍ تَظْهَرُ ثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ لَكِنَّهُ مُتَوَقِّفٌ عَلَى النَّقْلِ وَصَرَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ تَوْكِيلٌ يَكُونُ تَمَامُ الْعَقْدِ بِالْمُجِيبِ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْأَمْرَ إيجَابٌ يَكُونُ تَمَامُ الْعَقْدِ قَائِمًا بِهِمَا. اهـ.
فَعَلَى هَذَا لَا يُشْتَرَطُ سَمَاعُ الشَّاهِدَيْنِ لِلْأَمْرِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْإِشْهَادُ عَلَى التَّوْكِيلِ وَيُشْتَرَطُ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي كَمَا لَا يَخْفَى، وَظَاهِرُ مَا فِي الْمِعْرَاجِ أَنَّ زَوِّجْنِي، وَإِنْ كَانَ تَوْكِيلًا لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَعْمَلْ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: فَانْدَفَعَ مَا اعْتَرَضَ بِهِ مُنْلَا خُسْرو) دَفَعَهُ فِي النَّهْرِ بِوَجْهٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ مَا فِي الْمُخْتَصَرِ لَيْسَ نَصًّا فِي أَنَّهُ إيجَابٌ إذْ كَوْنُ أَحَدِهِمَا لِلْمَاضِي يَصْدُقُ بِكَوْنِ الثَّانِي لِلْحَالِ (قَوْلُهُ: لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ إيجَابٌ (قَوْلُهُ: كَذَا رَجَّحَهُ الْكَمَالُ) قَالَ فِي النَّهْرِ: ثُمَّ قَالَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِهِ تَوْكِيلًا، وَإِلَّا بَقِيَ طَلَبُ الْفَرْقِ بَيْنَ النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ حَيْثُ لَا يَتِمُّ بِقَوْلِهِ بِعَيْنِهِ بِكَذَا فَيَقُولُ بِعْت بِلَا جَوَابٍ. اهـ.
ثُمَّ ذَكَرَ فِي النَّهْرِ مَا أَوْرَدَهُ الْمُؤَلِّفُ مِنْ كَلَامِ الْخُلَاصَةِ ثُمَّ قَالَ: لَكِنْ فِي بُيُوعِ الْفَتْحِ الْفَرْقُ بَيْنَ النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ إيجَابٌ أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَدْخُلُهُ الْمُسَاوَمَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ مُقَدِّمَاتٍ، وَمُرَاجَعَاتٍ فَكَانَ لِلتَّحْقِيقِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، وَمَا فِي الْخُلَاصَةِ مُفَرَّعٌ عَلَى أَنَّهُ تَوْكِيلٌ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ التَّعْلِيلُ وَيَنْبَغِي عَلَى أَنَّهُ إيجَابٌ أَنْ لَا يَحْتَاجَ إلَى الْقَبُولِ (قَوْلُهُ: وَفِي التَّتِمَّةِ لَوْ قَالَ: هَبْ ابْنَتَكَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَبِهِ يُعْلَمُ حُكْمُ مَا لَوْ قَالَ: زَوَّجْتُ مُوَكِّلَكَ فَقَالَ: الْوَكِيلُ قَبِلْتُ، وَلَمْ يَقُلْ لِمُوَكِّلِي فَاعْلَمْهُ فَإِنَّهُ كَثِيرُ الْوُقُوعِ. اهـ. أَيْ فَيَصِحُّ.
(قَوْلُهُ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ قَالَ: بَعْدَ مَا جَرَى بَيْنَهُمَا كَلَامٌ إلَخْ) تَأَمَّلْ فِي هَذِهِ الدَّلَالَةِ نَعَمْ مَا يَأْتِي عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ قَوْلِهِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَدُلُّ إلَخْ الدَّلَالَةُ فِيهِ ظَاهِرَةٌ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يُوَكِّلَ فِي نِكَاحِ ابْنِهِ) أَيْ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُفَرَّعًا عَلَى أَنَّهُ تَوْكِيلٌ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ تَمَامُ الْعَقْدِ بِالْمُجِيبِ غَيْرَ مُتَوَقِّفٍ عَلَى قَبُولِ الْأَبِ بَعْدُ، وَقَوْلُهُ فَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ إيجَابًا إلَخْ صَحِيحٌ فِي نَفْسِهِ، وَلَكِنَّ تَفْرِيعَهُ عَلَى مَا قَبْلَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ فَالصَّوَابُ إبْدَالُ قَوْلِهِ إيجَابًا بِتَوْكِيلًا؛ لِأَنَّ عَدَمَ كَوْنِهِ مُفَرَّعًا عَلَى كَوْنِهِ إيجَابًا قَدْ عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ أَوَّلًا لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ إلَخْ أَيْ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ إيجَابٌ، وَعَلَى كُلٍّ فَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إلَخْ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَكَذَا قَوْلُهُ: وَحِينَئِذٍ تَظْهَرُ ثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَفْرِيعُهُ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ إذْ لَوْ كَانَ إيجَابًا أَوْ تَوْكِيلًا لَمَا تَوَقَّفَ عَلَى قَوْلِهِ ثَانِيًا قَبِلْت بَلْ لَوْ كَانَ إيجَابًا كَانَ قَوْلُ الْآخَرِ وَهَبْت قَبُولًا فَيَتِمُّ الْعَقْدُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ تَوْكِيلًا كَمَا عَلِمْته مِمَّا مَرَّ وَيُمْكِنُ تَصْحِيحُ كَلَامِهِ عَلَى وَجْهٍ بَعِيدٍ، وَهُوَ أَنْ يُجْعَلَ قَوْلُهُ: فَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ إيجَابًا تَفْرِيعًا عَلَى قَوْلِهِ لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ إلَخْ فَلَا يَرِدُ شَيْءٌ مِمَّا مَرَّ فَتَدَبَّرْ.
هَذَا وَقَدْ أَجَابَ فِي الرَّمْزِ عَنْ إشْكَالِ الْمُؤَلِّفِ بِأَنَّهُ إنَّمَا تَوَقَّفَ الِانْعِقَادُ عَلَى الْقَبُولِ فِيمَا ذَكَرَ مِنْ الْفُرُوعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ إرَادَةُ الْإِيجَابِ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ أَوْ الْأَبَ إذَا اجْتَمَعَ فَقَالَ: هَبْ ابْنَتَكَ لِفُلَانٍ أَوْ لِابْنِي أَوْ أَعْطِهَا مَثَلًا كَانَ ظَاهِرًا فِي الطَّلَبِ، وَأَنَّهُ مُسْتَقْبَلٌ لَمْ يَرِدْ بِهِ الْحَالُ وَالتَّحَقُّقُ فَلَمْ يَتِمَّ بِهِ عَقْدٌ بِخِلَافِ زَوِّجْنِي ابْنَتَك بِكَذَا بَعْدَ الْخِطْبَةِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي التَّحَقُّقِ وَالْإِثْبَاتِ الَّذِي هُوَ مَعْنَى الْإِيجَابِ فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَصِحُّ تَوْكِيلُ الْأَبِ فِي تَزْوِيجِ وَلَدِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَفْظُهُ هَذَا يَخْرُجُ مَخْرَجَ الْإِيجَابِ وَالْإِثْبَاتِ لِكَوْنِهِ إنْشَاءً لِلتَّزْوِيجِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَظْهَرَ مِنْهُ مَعْنَى الْإِثْبَاتِ كَمَا يَأْتِي عَنْ الْإِسْبِيجَابِيِّ وَيَشْهَدُ لَهُ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ طَلَبَ مِنْهَا الزِّنَا فَقَالَتْ: وَهَبْتُ نَفْسِي مِنْك، وَقِيلَ لَا يَكُونُ نِكَاحًا بِخِلَافِ الْهِبَةِ ابْتِدَاءً عَلَى وَجْهِ النِّكَاحِ

الصفحة 88