كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (اسم الجزء: 3)

كَثِيرٌ وَاخْتَارَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ، وَعَزَاهُ فِي الْهِدَايَةِ إلَى أَنَّهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ اعْتِبَارُ الْأَكْثَرِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا كَمَا اُعْتُبِرَ أَكْثَرُ الْيَوْمِ فِي لُزُومِ الدَّمِ وَاخْتَارَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ جِهَةِ الدِّرَايَةِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الرُّبْعَ رَاجِحٌ رِوَايَةً وَالْأَكْثَرُ رَاجِحٌ دِرَايَةً بِاعْتِبَارِ أَنَّ تَكَامُلَ الْجِنَايَةِ لَا يَحْصُلُ بِمَا دُونَ الْأَكْثَرِ بِخِلَافِ حَلْقِ رُبْعِ الرَّأْسِ فَإِنَّهُ مُعْتَادٌ وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا مَا لَوْ عَصَبَ رَأْسَهُ بِعِصَابَةٍ فَعَلَى اعْتِبَارِ الرُّبْعِ إنْ أَخَذَتْ قَدْرَهُ مِنْ الرَّأْسِ لَزِمَهُ دَمٌ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ فَصَدَقَةٌ فَمَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالظَّهِيرِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ عَصَبَ رَأْسَهُ يَوْمًا فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَأْخُذْ قَدْرَ الرُّبْعِ أَوْ مُفَرَّعٌ عَلَى اعْتِبَارِ الْأَكْثَرِ.
وَأَرَادَ بِالرَّأْسِ عُضْوًا يَحْرُمُ تَغْطِيَتُهُ عَلَى الْمُحْرِمِ فَدَخَلَ الْوَجْهُ فَلَوْ غَطَّى رُبْعَهُ لَزِمَهُ دَمٌ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً وَخَرَجَ مَا لَا يَحْرُمُ تَغْطِيَتُهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لَوْ عَصَبَ مَوْضِعًا آخَرَ مِنْ جَسَدِهِ، وَلَوْ كَثُرَ لَكِنَّهُ يُكْرَهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ كَعَقْدِ الْإِزَارِ وَتَخْلِيلِ الرِّدَاءِ، وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُغَطِّيَ أُذُنَيْهِ وَقَفَاهُ، وَمِنْ لِحْيَتِهِ مَا هُوَ أَسْفَلُ مِنْ الذَّقَنِ بِخِلَافِ فِيهِ، وَعَارِضِهِ وَذَقَنِهِ، وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى أَنْفِهِ دُونَ ثَوْبٍ وَبَيَّنَ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ الْيَوْمِ، وَمَا دُونَهُ فَأَفَادَ أَنَّ اللَّيْلَةَ كَالْيَوْمِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْمُحِيطِ؛ لِأَنَّ الِارْتِفَاقَ الْكَامِلَ الْحَاصِلَ فِي الْيَوْمِ حَاصِلٌ فِي اللَّيْلَةِ، وَإِنَّ مَا دُونَهَا كَمَا دُونَهُ، وَأَطْلَقَ فِي وُجُوبِ الصَّدَقَةِ فِيمَا دُونَ الْيَوْمِ فَشَمَلَ السَّاعَةَ الْوَاحِدَةَ، وَمَا دُونَهَا خِلَافًا لِمَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ أَنَّهُ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ نِصْفُ صَاعٍ، وَفِي أَقَلَّ مِنْ سَاعَةٍ قَبْضَةٌ مِنْ بُرٍّ وَلِمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ فِي لُبْسِ بَعْضِ الْيَوْمِ قِسْطَهُ مِنْ الدَّمِ كَثُلُثِ الْيَوْمِ فِيهِ ثُلُثُ الدَّمِ، وَفِي نِصْفِهِ نِصْفُهُ، وَمِنْ الْغَرِيبِ مَا فِي فَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ هُنَا فَإِنْ لَبِسَ مَا لَا يَحِلُّ لَهُ لُبْسُهُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ أَرَاقَ لِذَلِكَ دَمًا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. اهـ.
فَإِنَّ الصَّوْمَ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي وُجُوبِ الْجِنَايَةِ بَلْ يَكُونُ الدَّمُ فِي ذِمَّتِهِ إلَى الْمَيْسَرَةِ، وَإِنَّمَا يَدْخُلُ الصَّوْمُ فِيمَا إذَا فَعَلَ شَيْئًا لِلْعُذْرِ كَمَا سَيَأْتِي.

(قَوْلُهُ: أَوْ حَلَقَ رُبْعَ رَأْسِهِ أَوْ لِحْيَتِهِ، وَإِلَّا تَصَدَّقَ كَالْحَالِقِ أَوْ رَقَبَتَهُ أَوْ إبْطَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا أَوْ مَحْجَمِهِ) مَعْطُوفٌ عَلَى طَيَّبَ، وَقَوْلُهُ أَوْ لِحْيَتِهِ بِالْجَرِّ مَعْطُوفٌ عَلَى رَأْسِهِ أَيْ حَلَقَ رُبْعَ لِحْيَتِهِ، وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا أَيْ، وَإِنْ كَانَ حَلَقَ أَقَلَّ مِنْ رُبْعِ الرَّأْسِ أَوْ أَقَلَّ مِنْ رُبْعِ اللِّحْيَةِ يَلْزَمُهُ صَدَقَةٌ كَمَا يَلْزَمُ الْمُحْرِمَ إذَا حَلَقَ رَأْسَ غَيْرِهِ، وَقَوْلُهُ أَوْ رَقَبَتَهُ، وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ مَعْطُوفٌ عَلَى الرُّبْعِ أَيْ يَجِبُ الدَّمُ بِحَلْقِ الْمُحْرِمِ رَقَبَتَهُ كُلَّهَا أَوْ بِحَلْقِ إبْطَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا أَوْ بِحَلْقِ مَحَاجِمِهِ وَالْمَحْجَمَةُ هُنَا بِالْفَتْحِ مَوْضِعُ الْمَحْجَمَةِ مِنْ الْعُنُقِ وَالْمِحْجَمَةُ بِالْكَسْرِ قَارُورَةُ الْحِجَامِ، وَكَذَا الْمِحْجَمُ بِطَرْحِ الْهَاءِ، وَقَوْلُهُمْ يَجِبُ غَسْلُ الْمَحَاجِمِ يَعْنِي مَوَاضِعَ الْحِجَامَةِ مِنْ الْبَدَنِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ، وَإِنَّمَا كَانَ حَلْقُ رُبْعِ الرَّأْسِ أَوْ رُبْعِ اللِّحْيَةِ مُوجِبًا لِلدَّمِ لِتَكَامُلِ الْجِنَايَةِ بِتَكَامُلِ الِارْتِفَاقِ؛ لِأَنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَعْتَادُهُ بِخِلَافِ تَطْيِيبِ رُبْعِ الْعُضْوِ فَإِنَّ الْجِنَايَةَ فِيهِ قَاصِرَةٌ، وَكَذَا تَغْطِيَةُ رُبْعِ الرَّأْسِ عَلَى قَوْلِ مَنْ اعْتَبَرَ الْأَكْثَرَ، وَإِذَا حَلَقَ أَقَلَّ مِنْ الرُّبْعِ فِيهِمَا تَقَاصَرَتْ الْجِنَايَةُ فَوَجَبَتْ الصَّدَقَةُ وَاعْتِبَارُ الرُّبْعِ فِي الْحَلْقِ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ اعْتَمَدَهَا الْمَشَايِخُ، وَأَمَّا رِوَايَةُ الْأَصْلِ فَاعْتِبَارُ الثُّلُثِ، وَفِي الْمُحِيطِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجِبُ الدَّمُ بِحَلْقِ الْأَكْثَرِ. اهـ.
وَأَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِالْحَلْقِ الْإِزَالَةَ، سَوَاءٌ كَانَ بِالْمُوسَى أَوْ بِغَيْرِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ مُخْتَارًا أَوْ لَا فَلَوْ أَزَالَهُ بِالنُّورَةِ أَوْ نَتَفَ لِحْيَتَهُ أَوْ احْتَرَقَ شَعْرُهُ بِخُبْزَةٍ أَوْ مَسَّهُ بِيَدِهِ فَسَقَطَ فَهُوَ كَالْحَلْقِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَنَاثَرَ شَعْرُهُ بِالْمَرَضِ أَوْ النَّارِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلزِّينَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ شَيْنٌ كَذَا فِي الْمُحِيطِ أَيْضًا، وَأَطْلَقَ فِي وُجُوبِ الصَّدَقَةِ فِيمَا إذَا حَلَقَ أَقَلَّ مِنْ رُبْعِ الرَّأْسِ أَوْ اللِّحْيَةِ فَشَمَلَ مَا إذَا بَقِيَ شَيْءٌ بَعْدَ الْحَلْقِ أَوْ لَا فَكَذَا لَوْ كَانَ أَصْلَعَ عَلَى نَاصِيَتِهِ أَقَلُّ مِنْ رُبْعِ الرَّأْسِ فَإِنَّمَا فِيهِ صَدَقَةٌ وَكَذَا لَوْ حَلَقَ كُلَّ رَأْسِهِ، وَمَا عَلَيْهِ أَقَلُّ مِنْ رُبْعِ شَعْرِهِ كَمَا أَطْلَقَ وُجُوبَ الدَّمِ بِحَلْقِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالصَّدَقَةِ وَيَكُونُ بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِمَا لَا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ.
(قَوْلُهُ: فَأَفَادَ أَنَّ اللَّيْلَةَ كَالْيَوْمِ) أَيْ فَإِذَا لَبِسَ لَيْلَةً وَجَبَ دَمٌ كَمَا فِي الْيَوْمِ قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مِقْدَارُ أَحَدِهِمَا فَيُفِيدُ أَنَّ مَنْ لَبِسَ مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ مِنْ غَيْرِ انْفِصَالٍ، وَكَذَا فِي عَكْسِهِ لَزِمَهُ دَمٌ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ: وَفِي أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ، وَلَيْلَةٍ صَدَقَةٌ وَتَمَامُهُ فِيهِ، وَفِي حَاشِيَةِ الْمَدَنِيِّ قَالَ الشَّيْخُ حَنِيفُ الدِّينِ الْمُرْشِدِيُّ، وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ فِيمَا اطَّلَعْت عَلَيْهِ مِنْ الْمَنَاسِكِ وَغَيْرِهَا. اهـ.
(قَوْلُهُ: خِلَافًا لِمَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ أَرَادَ بِالسَّاعَةِ الْفَلَكِيَّةَ. (قَوْلُهُ: كَمَا سَيَأْتِي) أَيْ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَإِنْ تَطَيَّبَ أَوْ لَبِسَ أَوْ حَلَقَ بِعُذْرٍ لَكِنْ فِيهِ كَلَامٌ سَنَذْكُرُهُ.

(قَوْلُهُ: وَأَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِالْحَلْقِ الْإِزَالَةَ إلَخْ) يَشْمَلُ التَّقْصِيرَ فَفِي اللُّبَابِ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْحَلْقِ فِي وُجُوبِ الدَّمِ بِهِ وَالصَّدَقَةِ فَلَوْ قَصَّرَ كُلَّ الرَّأْسِ أَوْ

الصفحة 9