كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (اسم الجزء: 4)

{وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} [الروم: 36] ، وَإِنَّ الْفَاءَ قَدْ تُحْذَفُ لِلضَّرُورَةِ كَقَوْلِهِ:
مَنْ يَفْعَلْ الْحَسَنَاتِ اللَّهُ يَشْكُرُهَا
، وَعَنْ الْمُبَرَّدِ أَنَّهُ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى فِي الشِّعْرِ، وَزَعَمَ أَنَّ الرِّوَايَةَ مَنْ يَفْعَلْ الْخَيْرَ فَالرَّحْمَنُ يَشْكُرُهُ، وَعَنْ الْأَخْفَشِ أَنَّ ذَلِكَ وَاقِعٌ فِي النَّثْرِ الْفَصِيحِ، وَإِنَّ مِنْهُ قَوْله تَعَالَى {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ} [البقرة: 180] وَتَقَدَّمَ تَأْوِيلُهُ.
وَقَالَ ابْنُ مَالِكٍ يَجُوزُ فِي النَّثْرِ نَادِرًا، وَمِنْهُ حَدِيثُ اللُّقَطَةِ، وَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا، وَإِلَّا اسْتَمْتِعْ بِهَا، وَكَمَا تَرْبِطُ الْفَاءُ الْجَوَابَ بِشَرْطِهِ كَذَلِكَ تَرْبِطُ شِبْهَ الْجَوَابِ بِشِبْهِ الشَّرْطِ، وَذَلِكَ فِي نَحْوِ الَّذِي يَأْتِينِي فَلَهُ دِرْهَمٌ اهـ.
مَا فِي الْمُغْنِي، وَذَكَرَ الْمُرَادِيُّ فِي شَرْحِ الْأَلْفِيَّةِ أَحَدَ عَشَرَ مَوْضِعًا لِوُجُوبِ الِاقْتِرَانِ بِالْفَاءِ، وَهِيَ الْجُمْلَةُ الِاسْمِيَّةُ وَالْفِعْلِيَّةُ الطَّلَبِيَّةُ، وَالْفِعْلُ غَيْرُ الْمُتَصَرِّفِ وَالْمَقْرُونِ بِالسِّينِ أَوْ سَوْفَ أَوْ قَدْ أَوْ مَنْفِيًّا بِمَا أَوْ لَنْ وَإِنْ، وَالْمَقْرُونُ بِالْقَسَمِ، وَالْمَقْرُونُ بِرُبَّ قَالَ فَهَذِهِ الْأَجْوِبَةُ تَلْزَمُهَا الْفَاءُ لِأَنَّهَا لَا يَصْلُحُ جَعْلُهَا شَرْطًا، وَخَطْبُ التَّمْثِيلِ سَهْلٌ. اهـ.
وَهَذَا لَا يُخَالِفُ قَوْلَ الْمُغْنِي إنَّهَا مُنْحَصِرَةٌ فِي سِتٍّ لِأَنَّ حَرْفَ الِاسْتِقْبَالِ شَامِلٌ لِلسِّينِ، وَسَوْفَ، وَلَنْ، وَمَا لَهُ الصَّدْرُ شَامِلٌ لِلْقَسَمِ، وَرُبَّ، وَالْأَضْبَطُ، وَالْأَخْصَرُ مَا ذَكَرَهُ الرَّضِيُّ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ أَحَدُهَا الْجُمْلَةُ الطَّلَبِيَّةُ كَالْأَمْرِ، وَالنَّهْيِ، وَالِاسْتِفْهَامِ، وَالتَّمَنِّي، وَالْعَرْضِ، وَالتَّحْضِيضِ، وَالدُّعَاءِ. الثَّانِي الْجُمْلَةُ الْإِنْشَائِيَّةُ كَنِعْمَ وَبِئْسَ، وَمَا تَضَمَّنَ مَعْنَى إنْشَاءِ الْمَدْحِ وَالذَّمِّ، وَكَذَا عَسَى، وَفِعْلُ التَّعَجُّبِ. وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ الْجُمْلَةُ الِاسْمِيَّةُ. الرَّابِعُ كُلُّ فِعْلِيَّةٍ مُصَدَّرَةٍ بِحَرْفٍ سِوَى لَا وَلَمْ فِي الْمُضَارِعِ سَوَاءٌ كَانَ الْفِعْلُ الْمُصَدَّرُ مَاضِيًا أَوْ مُضَارِعًا اهـ.
وَظَاهِرُهُ أَنَّ الطَّلَبِيَّةَ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْإِنْشَائِيَّةِ، وَلِذَا صَرَّحَ بَعْدَهُ بِمَا يُفِيدُ التَّغَايُرَ فَقَالَ إنَّ الْجُمْلَةَ الْإِنْشَائِيَّةَ مُتَجَرِّدَةٌ عَنْ الزَّمَانِ، وَالطَّلَبِيَّةَ مُتَمَحِّضَةٌ لِلِاسْتِقْبَالِ، وَتَمَامُهُ فِيهِ.
وَفِي شَرْحِ التَّوْضِيحِ مِنْ بَحْثِ الصِّلَةِ الْإِنْشَائِيَّةُ مَا قَارَنَ لَفْظُهَا مَعْنَاهَا، وَالطَّلَبِيَّةُ مَا تَأَخَّرَ وُجُودُ مَعْنَاهَا عَنْ وُجُودِ لَفْظِهَا. اهـ.
وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ النُّحَاةِ، وَأَمَّا فِي عِلْمِ الْمَعَانِي، وَالطَّلَبِيَّةُ مِنْ أَقْسَامِ الْإِنْشَائِيَّةِ لِأَنَّهَا مَا لَيْسَ لَهَا خَارِجٌ تُطَابِقُهُ أَوْ لَا تُطَابِقُهُ، وَالْخَبَرِيَّةُ مَا لَهَا خَارِجٌ تُطَابِقُهُ أَوْ لَا تُطَابِقُهُ، وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَ الزَّيْلَعِيِّ إنَّ مَوَاضِعَهَا سَبْعٌ وَنَظَمَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ
طَلَبِيَّةٌ وَاسْمِيَّةٌ وَبِجَامِدٍ ... وَبِمَا وَقَدْ وَلَنْ وَبِالتَّنْفِيسِ
قَاصِرٌ عَنْ الِاسْتِيفَاءِ، وَزِيَادَةُ الْمُحَقِّقِ عَلَيْهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مَا ذَكَرَهُ الْمُرَادِيُّ لَيْسَ تَحْرِيرًا، وَالْحَقُّ مَا أَسْلَفْنَاهُ عَنْ الرَّضِيِّ فَإِذَا عُرِفَ ذَلِكَ تَفَرَّعَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَأْتِ بِالْفَاءِ فِي مَوْضِعِ وُجُوبِهَا فَإِنَّهُ يَتَنَجَّزُ كَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ أَنْت طَالِقٌ فَإِنْ نَوَى تَعْلِيقَهُ دُيِّنَ، وَكَذَا إنْ نَوَى تَقْدِيمَهُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ حَمْلًا لِكَلَامِهِ عَلَى الْفَائِدَةِ فَتُضْمَرُ الْفَاءُ.
قُلْت الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ حَذْفِهَا اخْتِيَارًا فَأَجَازَهُ أَهْلُ الْكُوفَةِ، وَعَلَيْهِ فَرَّعَ أَبُو يُوسُفَ، وَمَنَعَهُ أَهْلُ الْبَصْرَةِ، وَعَلَيْهِ تَفَرَّعَ الْمَذْهَبُ، وَقَدْ حَكَى الرَّضِيُّ خِلَافَ الْكُوفِيِّينَ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فَإِنْ قُلْت يَرِدُ عَلَى الْبَصْرِيِّينَ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام: 121] قُلْت قَدْ أَجَابَ عَنْهُ الرَّضِيُّ بِأَنَّهُ بِتَقْدِيرِ الْقَسَمِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ} [الجاثية: 25] مِثْلُهُ أَيْ بِتَقْدِيرِ الْقَسَمِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ إذْ الْمُجَرَّدُ الْوَقْتُ مِنْ دُونِ مُلَاحَظَةِ الشَّرْطِ كَمَا لَمْ يُلَاحَظْ فِي قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} [الشورى: 39] وقَوْله تَعَالَى {وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} [الشورى: 37] . اهـ.
وَلَوْ أَجَابَ بِالْوَاوِ فِي مَوْضِعِ وُجُوبِ الْفَاءِ تَنَجَّزَ، وَإِنْ نَوَى تَعْلِيقَهُ يُدَيَّنُ، وَفِي الْمِعْرَاجِ، وَلَوْ نَوَى تَقْدِيمَهُ قِيلَ يَصِحُّ، وَتُحْمَلُ الْوَاوُ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَفِيهِ ضَعْفٌ لِأَنَّ وَاوَ الِابْتِدَاءِ لَا تُسْتَعْمَلُ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ. اهـ.
وَظَاهِرُ مَا فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ لَوْ نَوَى تَعْلِيقَهُ لَا يُدَيَّنُ فَإِنَّهُ قَالَ وَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ التَّعْلِيقِ أَصْلًا لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى إسْقَاطِ حَرْفِ الْوَاوِ ثُمَّ إلَى إضْمَارِ حَرْفِ الْفَاءِ.
، وَلِأَنَّ الْإِضْمَارَ إنَّمَا يَصِحُّ مَتَى أَظْهَرَ مَا أَضْمَرَ لَا يَخْتَلُّ الْكَلَامُ، وَهُنَا لَوْ ظَهَرَ مَا أَضْمَرَ اخْتَلَّ الْكَلَامُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَوَأَنْتَ طَالِقٌ، وَلَوْ لَمْ يَأْتِ بِحَرْفِ التَّعْلِيقِ كَأَنْتِ طَالِقٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ وَذَكَرَ الْمُرَادِيُّ فِي شَرْحِ الْأَلْفِيَّةِ أَحَدَ عَشَرَ مَوْضِعًا) نَظَمَهَا فِي الْفَتْحِ بِقَوْلِهِ:
تَعَلَّمْ جَوَابُ الشَّرْطِ حَتْمٌ قِرَانُهُ ... بِفَاءٍ إذَا مَا فِعْلُهُ طَلَبًا أَتَى
كَذَا جَامِدًا أَوْ مُقْسَمًا كَانَ أَوْ بِقَدْ ... وَرُبَّ وَسِينٍ أَوْ بِسَوْفَ ادْرِ يَا فَتَى
أَوْ اسْمِيَّةً أَوْ كَانَ مَنْفِيَّ مَا وَإِنْ ... وَلَنْ مَنْ يَحِدْ عَمَّا حَدَّدْنَاهُ قَدْ عَتَى

الصفحة 13