كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (اسم الجزء: 4)

دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَهَذِهِ عَلَى دَخْلَةٍ وَاحِدَةٍ.
وَلَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ إنْ دَخَلْت فَهَذَا عَلَى دَخْلَتَيْنِ، وَلَوْ قَالَ إنْ قُلْت لَك أَنْت طَالِقٌ فَأَنْت طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ قَدْ طَلَّقْتُك تَطْلُقُ ثِنْتَيْنِ وَاحِدَةً بِالتَّطْلِيقِ وَوَاحِدَةً بِالْيَمِينِ. اهـ.
وَالْفَرْعُ الْأَخِيرُ يُفِيدُ أَنَّ قَوْلَهُمْ إنَّ التَّعْلِيقَ يُرَاعَى فِيهِ اللَّفْظُ، وَلَا يَقُومُ لَفْظٌ آخَرُ مَقَامَهُ يُسْتَثْنَى مِنْهُ الْمُرَادِفُ لَهُ فَإِنَّ قَوْلَهُ قَدْ طَلَّقْتُك مُرَادِفٌ لِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ جِهَةِ إفَادَةِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ، وَمِنْهَا مَا فِي الصَّيْرَفِيَّةِ إنْ لَمْ تَمُتْ فُلَانَةُ غَدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَمَضَى الْغَدُ، وَهِيَ حَيَّةٌ يَقَعُ لِإِمْكَانِهِ بِخِلَافِ إنْ تَكَلَّمَتْ الْمَوْتَى حَيْثُ لَا يَقَعُ لِعَدَمِهِ، وَمِنْهَا مَا فِيهَا أَيْضًا قَالَتْ لِزَوْجِهَا لَك مَعَ فُلَانَةَ شُغْلٌ، وَلَك مَعَهَا حَدِيثٌ فَقَالَ إنْ كُنْت أَعْرِفُ أَنَّهُ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ فَأَنْت كَذَا قَالَ إنْ كَانَ لَهُ مَعَهَا حَدِيثٌ أَوْ شُغْلٌ وَقَعَ، وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ هُنَا لِلْمَعْنَى لَا لِلْحَقِيقَةِ، وَالْمَعْنَى تَرْكُ التَّعَرُّضِ، وَمِنْهَا مَا لَوْ قَالَ إنْ لَمْ أَكُنْ الْيَوْمَ فِي الْعَالَمِ أَوْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا فَحَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ يُحْبَسُ حَتَّى يَمْضِيَ الْيَوْمُ سَوَاءٌ حَبَسَهُ الْقَاضِي أَوْ الْوَالِي أَوْ فِي بَيْتٍ لِأَنَّ الْحَبْسَ يُسَمَّى نَفْيًا قَالَ تَعَالَى {أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ} [المائدة: 33] . اهـ.
وَمِنْهَا مَا فِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ ثَلَاثًا يَنْصَرِفُ الثَّلَاثُ إلَى الطَّلَاقِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الدُّخُولَ، وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ عَشْرًا فَهِيَ عَلَى الدُّخُولِ عَشْرُ مَرَّاتٍ لَا إلَى الطَّلَاقِ. اهـ.
وَمِنْهَا مَا فِيهَا أَيْضًا قَالَ إنْ لَمْ أُجَامِعْهَا أَلْفَ مَرَّةٍ فَهِيَ طَالِقٌ قَالُوا هَذَا عَلَى الْمُبَالَغَةِ وَالْكَثْرَةِ دُونَ الْعَدَدِ، وَلَا تَقْدِيرَ فِي ذَلِكَ، وَالسَّبْعُونَ كَثِيرٌ اهـ.
وَمِنْهَا مَا فِيهَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ تَكُونِي امْرَأَتِي فَأَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا فَإِنْ لَمْ يُطَلِّقْهَا وَاحِدَةً بَائِنَةً مُتَّصِلَةً بِيَمِينِهِ تَطْلُقُ ثَلَاثًا، وَلَوْ قَالَ إنْ أَنْت امْرَأَتِي فَأَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا طَلَقَتْ ثَلَاثًا اهـ.
وَدَلَّ اقْتِصَارُهُ عَلَى اسْتِثْنَاءِ كُلَّمَا أَنَّ مَنْ لَا تُقِيدُ التَّكْرَارَ فَعَلَى هَذَا مَا فِي الْغَايَةِ لَوْ قَالَ لِنِسْوَةٍ لَهُ مَنْ دَخَلَتْ مِنْكُنَّ الدَّارَ فَهِيَ طَالِقٌ فَدَخَلَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ الدَّارَ مِرَارًا طَلَقَتْ بِكُلِّ مَرَّةٍ تَطْلِيقَةً لِأَنَّ الْفِعْلَ، وَهُوَ الدُّخُولُ أُضِيفَ إلَى جَمَاعَةٍ فَيُرَادُ بِهِ تَعْمِيمُ الْفِعْلِ عُرْفًا مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} [المائدة: 95] أَفَادَ الْعُمُومَ، وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِمَا ذَكَرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ إذَا قَالَ الْإِمَامُ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ فَقَتَلَ وَاحِدٌ قَتِيلَيْنِ فَلَهُ سَلَبُهُمَا. اهـ.
وَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّ عُمُومَ الصَّيْدِ لِكَوْنِ الْوَاجِبِ فِيهِ مُقَدَّرًا بِقِيمَةِ الْمَقْتُولِ، وَفِي السَّلَبِ بِدَلَالَةِ الْحَالِ، وَهُوَ أَنَّ مُرَادَهُ التَّشْجِيعُ، وَكَثْرَةُ الْقَتْلِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ، وَالْحَقُّ أَنَّ مَا فِي الْغَايَةِ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فَقَدْ نَقَلَ الْقَوْلَيْنِ فِي الْقُنْيَةِ فِي مَسْأَلَةِ صُعُودِ السَّطْحِ، وَدَلَّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ إذَا لَا تُفِيدُ التَّكْرَارَ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ} [الأنعام: 68] فَإِنَّمَا حَرَّمَ الْقُعُودَ مَعَ الْوَاحِدِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ مِنْ الْعِلَّةِ لَا مِنْ الصِّيغَةِ كَمَنْ فِيمَا تَقَدَّمَ لِمَا فِيهِمَا مِنْ تَرْتِيبِ الْحُكْمِ، وَهُوَ الْجَزَاءُ فِي الْأَوَّلِ، وَمَنْعُ الْقُعُودِ عَلَى الْمُشْتَقِّ مِنْهُ، وَهُوَ الْقَتْلُ وَالْخَوْضُ فَيَتَكَرَّرُ بِهِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَدَلَّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ أَيًّا لَا تُفِيدُ التَّكْرَارَ، وَفِي الْمُحِيطِ وَجَوَامِعِ الْفِقْهِ لَوْ قَالَ أَيُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهُوَ عَلَى امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ بِخِلَافِ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا حَيْثُ يَعُمُّ بِعُمُومِ الصِّفَةِ اهـ.
واسْتَشْكَلَهُ فِي التَّبْيِينِ، وَفَتْحِ الْقَدِيرِ حَيْثُ لَمْ يَعُمَّ أَيَّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا بِعُمُومِ الصِّفَةِ، وَلَمْ يُجِيبَا عَنْهُ.
وَقَدْ ظَهَرَ لِي أَنَّهُ لَا إشْكَالَ فِيهِ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ، وَهُوَ مَنْقُولٌ فِي الْخُلَاصَةِ والولوالجية أَيْضًا، وَزَادَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ جَمِيعَ النِّسَاءِ لِأَنَّ الصِّفَةَ هُنَا لَيْسَتْ عَامَّةً لِأَنَّ الْفِعْلَ، وَهُوَ أَتَزَوَّجُ مُسْنَدٌ إلَى خَاصٍّ، وَهُوَ الْمُتَكَلِّمُ فَهُوَ نَظِيرُ مَا صَرَّحَ بِهِ الْأُصُولِيُّونَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ أَيُّ عَبِيدِي ضَرَبْته لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا وَاحِدًا، وَبَيْنَ أَيُّ عَبِيدِي ضَرَبَك يَعْتِقُ الْكُلُّ إذَا ضَرَبُوا لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ أُسْنِدَ إلَى خَاصٍّ، وَفِي الثَّانِي إلَى عَامٍّ بِخِلَافٍ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ وَمِنْهَا مَا لَوْ قَالَ إنْ لَمْ أَكُنْ الْيَوْمَ فِي الْعَالَمِ) الظَّاهِرُ أَنَّ لَمْ زَائِدَةٌ مِنْ النَّاسِخِ، وَالصَّوَابُ حَذْفُهَا فَلْيُرَاجَعْ ثُمَّ رَاجَعْت الْفَتَاوَى الصَّيْرَفِيَّةَ الْمَعْزُوَّ إلَيْهَا هَذَا الْفَرْعَ فَرَأَيْته إنْ أَكُنْ بِدُونِ لَمْ. اهـ.
وَمِمَّا أَنْشَدَهُ الْوَزِيرُ ابْنُ مُقْلَةَ لَمَّا حَبَسَهُ الرَّاضِي بِاَللَّهِ سَنَةَ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ قَوْلُهُ
خَرَجْنَا مِنْ الدُّنْيَا وَنَحْنُ مِنْ أَهْلِهَا ... فَلَسْنَا مِنْ الْمَوْتَى نُعَدُّ وَلَا الْأَحْيَا
إذَا جَاءَنَا السَّجَّانُ يَوْمًا لِحَاجَةٍ ... فَرِحْنَا وَقُلْنَا جَاءَ هَذَا مِنْ الدُّنْيَا
(قَوْلُهُ لِأَنَّ الصِّفَةَ هُنَا) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ فِي مَسْأَلَتَيْ كُلٍّ وَأَيٍّ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا) قَالَ الرَّمْلِيُّ كَمَا أَنَّ كَلِمَةَ كُلٍّ لِلْعُمُومِ فَكَذَا كَلِمَةُ أَيٍّ فَقَدْ صَرَّحُوا قَاطِبَةً بِأَنَّهَا مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ، وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ ابْنُ السَّرَّاجِ، وَصَاحِبُ جَمْعِ الْجَوَامِعِ، وَقَوْلُهُ فَإِنَّ الْعُمُومَ إنَّمَا هُوَ مِنْ كَلِمَةِ كُلٍّ إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّهُ لَا عُمُومَ لَهُمَا فِيهِمَا مُخَالِفٌ لِصَرِيحِ كَلَامِ مُحَمَّدٍ حَيْثُ قَالَ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ الْبَزْدَوِيُّ فِي أُصُولِهِ لَكِنَّهَا مَتَى وُصِفَتْ بِصِفَةٍ عَامَّةٍ عَمَّتْ بِعُمُومِهَا كَسَائِرِ النَّكِرَاتِ فِي مَوْضِعِ الْإِثْبَاتِ، وَقَدْ ظَهَرَ لِي أَنَّ الْوَجْهَ فِي الْجَوَابِ الْعُرْفُ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا نَقَلَهُ عَنْ كَافِي الْحَاكِمِ فَلْيُتَأَمَّلْ، وَاَللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُوَفِّقُ اهـ.
أَقُولُ: مَا ذَكَرَهُ لَا يُرَدُّ عَلَى الْمُؤَلِّفِ لِأَنَّهُ نَقَلَ تَصْرِيحَ الْأُصُولِيِّينَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ أَيِّ عَبِيدِي ضَرَبْته، وَأَيِّ عَبِيدِي ضَرَبَك فَيُعْلَمُ مِنْ كَلَامِهِمْ

الصفحة 16