كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (اسم الجزء: 4)

فَإِنَّ الْعُمُومَ إنَّمَا هُوَ مِنْ كَلِمَةِ كُلٍّ لَا مِنْ الْوَصْفِ إذْ الْوَصْفُ خَاصٌّ كَمَا قُلْنَا، وَإِنَّمَا الْإِشْكَالُ فِي قَوْلِهِ حَيْثُ تَعُمُّ بِعُمُومِ الصِّفَةِ لِأَنَّهَا لَا عُمُومَ لَهَا فِيهِمَا لَا إنَّ الْإِشْكَالَ لِتَسْلِيمِ عُمُومِهَا، وَأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ فِي أَيٍّ كَمَا فَعَلَا فَإِنْ قُلْت هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَيُّ امْرَأَةٍ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنِّي فَهِيَ طَالِقٌ أَنْ يَتَنَاوَلَ جَمِيعَ النِّسَاءِ لِأَنَّ الْوَصْفَ هُنَا عَامٌّ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَنِدْ إلَى مُعَيَّنٍ فَهُوَ كَقَوْلِهِ أَيُّ عَبِيدِي ضَرَبَك بَلْ أَوْلَى لِتَنْكِيرِ الْمُضَافِ إلَيْهِ قُلْت الْحُكْمُ كَذَلِكَ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ الْفَصْلِ الرَّابِعِ فِي الْيَمِينِ فِي النِّكَاحِ، وَيَدُلُّ عَلَى مَا قَرَرْنَاهُ مَا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ فِي الْكَافِي لَوْ قَالَ لِنِسْوَةٍ أَيَّتُكُنَّ أَكَلَتْ مِنْ هَذَا الطَّعَامِ شَيْئًا فَهِيَ طَالِقٌ فَأَكَلْنَ جَمِيعًا مِنْهُ طَلَقْنَ كُلُّهُنَّ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَيَّتُكُنَّ دَخَلَتْ هَذِهِ الدَّارَ فَدَخَلْنَهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَيَّتُكُنَّ شَاءَتْ فَهِيَ طَالِقٌ فَشِئْنَ جَمِيعًا. وَلَوْ قَالَ أَيَّتُكُنَّ بَشَّرَتْنِي بِكَذَا فَبَشَّرْنَهُ جَمِيعًا
طَلَقْنَ، وَإِنْ بَشَّرَتْهُ وَاحِدَةٌ قَبْلَ الْأُخْرَى طَلَقَتْ وَحْدَهَا. اهـ.
وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ لِعَبِيدِهِ أَيُّكُمْ حَمَلَ هَذِهِ الْخَشَبَةَ فَهُوَ حُرٌّ فَحَمَلُوهَا جَمِيعًا إنْ كَانَتْ الْخَشَبَةُ بِحَيْثُ يُطِيقُ حَمْلَهَا وَاحِدٌ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ كَلِمَةَ أَيٍّ تَتَنَاوَلُ الْوَاحِدَ الْمُنَكَّرَ مِنْ الْجُمْلَةِ فَكَانَ شَرْطُ الْحِنْثِ حَمْلُ الْوَاحِدِ، وَلَمْ يُوجَدْ بِكَمَالِهِ، وَإِنْ كَانَتْ بِحَيْثُ لَا يَحْمِلُهَا الْوَاحِدُ عَتَقُوا لِأَنَّ فِي الْعُرْفِ يُرَادُ بِهِ حَمْلُهُمْ عَلَى الشَّرِكَةِ لَمَّا تَعَذَّرَ حَمْلُهَا عَلَى الْوَاحِدِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ أَيُّكُمْ حَمَلَهَا مَعَ أَصْحَابِهِ، وَنَظِيرُهُ لَوْ قَالَ أَيُّكُمْ شَرِبَ مَاءَ هَذَا الْوَادِي فَشَرِبُوا جَمِيعًا عَتَقُوا لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ شُرْبُ الْبَعْضِ عُرْفًا لِأَنَّ شُرْبَ الْكُلِّ مُتَعَذِّرٌ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ أَيُّكُمْ شَرِبَ بَعْضَ هَذَا الْمَاءِ فَهُوَ حُرٌّ، وَلَوْ قَالَ أَيُّكُمْ شَرِبَ مَاءَ هَذَا الْكُوزِ، وَكَانَ مَاؤُهُ يُمْكِنُ شُرْبُهُ لِلْوَاحِدِ بِدُفْعَةٍ أَوْ دُفْعَتَيْنِ فَشَرِبُوا جَمِيعًا لَمْ يَعْتِقْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَإِنْ حَمَلَهَا بَعْضُهُمْ يَعْتِقُ لِأَنَّ كَلِمَةَ أَيُّ تَتَنَاوَلُ وَاحِدًا مُنَكَّرًا مِنْ الْجُمْلَةِ لَكِنَّهَا صَارَتْ عَامَّةً بِعُمُومِ الْوَصْفِ، وَهُوَ الْحَمْلُ فَتَتَنَاوَلُ كُلَّ وَاحِدٍ عَلَى الِانْفِرَادِ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ لَا عَلَى الْعُمُومِ وَالشُّمُولِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ إنْ حَمَلْتُمْ هَذِهِ الْخَشَبَةَ فَأَنْتُمْ أَحْرَارٌ فَحَمَلَهَا بَعْضُهُمْ لَمْ يَعْتِقْ لِأَنَّ اللَّفْظَ عَامٌّ بِصِيغَتِهِ فَيَتَنَاوَلُ الْكُلَّ لِعُمُومِهِ فَمَا لَمْ يُوجَدْ الْحَمْلُ مِنْهُمْ لَا يَتَحَقَّقُ شَرْطُ الْحِنْثِ اهـ.
وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُمْ إنَّهَا تَعُمُّ بِعُمُومِ الْوَصْفِ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ.

(قَوْلُهُ إلَّا فِي كُلَّمَا لِاقْتِضَائِهَا عُمُومَ الْأَفْعَالِ كَاقْتِضَاءِ كُلٍّ عُمُومَ الْأَسْمَاءِ) لِأَنَّ كَلِمَةَ كُلٍّ مَوْضُوعَةٌ لِاسْتِغْرَاقِ مَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ كَانَ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ غَيْرَ أَنَّ كُلَّمَا تَدْخُلُ عَلَى الْأَفْعَالِ، وَكُلٌّ تَدْخُلُ عَلَى الْأَسْمَاءِ فَيُفِيدُ كُلٌّ مِنْهُمَا عُمُومَ مَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ فَإِذَا وُجِدَ فِعْلٌ وَاحِدٌ أَوْ اسْمٌ وَاحِدٌ فَقَدْ وُجِدَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ فِي حَقِّهِ، وَفِي حَقِّ غَيْرِهِ مِنْ الْأَفْعَالِ، وَالْأَسْمَاءُ بَاقِيَةٌ عَلَى حَالِهَا فَيَحْنَثُ كُلَّمَا وُجِدَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ غَيْرَ أَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ طَلْقَاتُ هَذَا الْمِلْكِ، وَهِيَ مُتَنَاهِيَةٌ فَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّمَا لِعُمُومِ الْأَفْعَالِ، وَعُمُومُ الْأَسْمَاءِ ضَرُورِيٌّ فَيَحْنَثُ بِكُلِّ فِعْلٍ حَتَّى يَنْتَهِيَ طَلْقَاتُ هَذَا الْمِلْكِ، وَكُلُّ لِعُمُومِ الْأَسْمَاءِ، وَعُمُومُ الْأَفْعَالِ ضَرُورِيٌّ، وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ إلَّا فِي كُلٍّ، وَكُلَّمَا لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّ الْيَمِينَ فِي كُلٍّ، وَإِنْ انْتَهَتْ فِي حَقِّ اسْمٍ بَقِيَتْ فِي حَقِّ غَيْرِهِ مِنْ الْأَسْمَاءِ كَمَا سَيَأْتِي، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ مَتَى عُلِّقَ بِشَرْطٍ مُتَكَرِّرٍ يَتَكَرَّرُ، وَالْيَمِينُ مَتَى عُلِّقَ بِشَرْطٍ مُتَكَرِّر لَا يَتَكَرَّرُ حَتَّى لَوْ قَالَ كُلَّمَا دَخَلْت الدَّارَ فَوَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا فَدَخَلَتْ الدَّارَ مِرَارًا فَكَلَّمَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَحْنَثُ إلَّا فِي يَمِينٍ وَاحِدَةٍ.
وَلَوْ قَالَ كُلَّمَا دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَدَخَلَ الدَّارَ مِرَارًا ثُمَّ كَلَّمَهُ مَرَّةً يَحْنَثُ فِي الْأَيْمَانِ كُلِّهَا، وَالْفَرْقُ أَنَّ انْعِقَادَ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ لَيْسَ إلَّا ذَكَرُ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى مَقْرُونًا بِخَبَرٍ، وَذِكْرُ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى مَقْرُونٌ بِخَبَرِ الدُّخُولِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ أَيًّا لَا تَكُونُ لِلْعُمُومِ إلَّا إذَا وُصِفَتْ بِصِفَةٍ عَامَّةٍ بِخِلَافِ كُلٍّ فَإِنَّهَا لِلْعُمُومِ وَضْعًا، وَالْفَرْقُ أَنَّ أَيًّا بِحَسَبِ مَا تُضَافُ إلَيْهِ فَتَكُونُ لِلزَّمَانِ وَالْمَكَانِ، وَلِمَنْ يَعْقِلُ، وَمَا لَا يَعْقِلُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا لَا عُمُومَ لَهَا فِيهِمَا) أَيْ لَا عُمُومَ لِلصِّفَةِ، وَهِيَ أَتَزَوَّجُهَا فِيهِمَا أَيْ فِي الْمِثَالَيْنِ، وَهُمَا أَيُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا، وَكُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا (قَوْلُهُ وَإِنْ بَشَّرَتْهُ وَاحِدَةٌ قَبْلَ الْأُخْرَى طَلَقَتْ وَحْدَهَا) قَالَ الرَّمْلِيُّ إنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِعَدَمِ تَصَوُّرِ الْبِشَارَةِ مِنْ غَيْرِ السَّابِقَةِ لِأَنَّهَا اسْمٌ لِخَبَرٍ سَارٍّ صُدِّقَ، وَلَيْسَ لِلْمُبَشِّرِ بِهِ عِلْمٌ عُرْفًا (قَوْلُهُ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُمْ إنَّهَا تَعُمُّ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ يَعْنِي لِتَخَلُّفِهِ فِي صُورَةِ حَمْلِهِمْ الْخَشَبَةَ جَمِيعًا مَعَ إطَاقَةِ الْوَاحِدِ لَهَا، وَشُرْبِهِمْ لِمَاءِ الْكُوزِ جَمِيعًا مَعَ إمْكَانِ شُرْبِ الْوَاحِدِ لَهُ، وَسَبَبُهُ الْعُرْفُ

(قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ إلَّا فِي كُلٍّ، وَكُلَّمَا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ، وَخَصَّ كُلَّمَا، وَإِنْ كَانَتْ كُلٌّ كَذَلِكَ بِاعْتِبَارِ بَقَاءِ الْيَمِينِ لَا تَنْتَهِي فِيهَا بِوُجُودِ الشَّرْطِ بِخِلَافِ كُلٍّ فَإِنَّهَا تَنْتَهِي فِي حَقِّ ذَلِكَ الِاسْمِ.
وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ إلَّا فِي كُلٍّ، وَكُلَّمَا لَا، وَهَمَ أَنَّ الْيَمِينَ لَا تَنْتَهِي بِمَرَّةٍ فِيهِمَا، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ هَذَا مُطْلَقًا فِي كُلٍّ غَيْرُ صَحِيحٍ لَكِنْ لَمَّا كَانَ فِي كُلٍّ عُمُومٌ لَا يَنْتَهِي بِمَرَّةٍ بِاعْتِبَارِ مَا مَرَّ بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ كَاقْتِضَاءِ كُلٍّ عُمُومَ الْأَسْمَاءِ، وَجَعَلَهَا مُشَبَّهًا بِهَا لِأَنَّهَا الْأَصْلُ، وَأَدْخَلَ عَلَيْهَا مَا، وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَى هَذَا، وَبِهِ عُرِفَ أَنَّ مَا فِي الْبَحْرِ مَدْفُوعٌ

الصفحة 17