كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (اسم الجزء: 4)

وَالْكَلَامِ فَكَمَا أَنَّ لِانْعِقَادِ الْيَمِينِ تَعَلُّقًا بِالدُّخُولِ كَانَ لَهَا تَعَلُّقٌ بِالْكَلَامِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت وَاَللَّهِ، وَلَمْ يَقُلْ لَا أُكَلِّمُ لَا يَنْعَقِدُ فَلَمْ يَنْفَسِخْ لِيَكُنْ تَصْحِيحُ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى مُعَلَّقًا بِالدُّخُولِ وَحْدَهُ، وَإِنَّمَا تَصْحِيحُهَا بِالدُّخُولِ وَالْكَلَامِ جَمِيعًا، وَالدُّخُولُ مُتَكَرِّرٌ، وَالْكَلَامُ غَيْرُ مُتَكَرِّرٍ، وَالْمُعَلَّقُ بِشَرْطٍ مُتَكَرِّرٌ، وَغَيْرُ مُتَكَرِّرٍ لَا يَتَكَرَّرُ فَأَمَّا الْيَمِينُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَغَيْرِهِمَا فَعُلِّقَ بِالدُّخُولِ وَحْدَهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ صَحَّ فَلَمْ يَكُنْ لِانْعِقَادِ الْيَمِينِ تَعَلُّقٌ بِالْكَلَامِ فَيَبْقَى الْيَمِينُ مُعَلَّقًا بِالدُّخُولِ وَحْدَهُ، وَالدُّخُولُ يَتَكَرَّرُ لِأَنَّهُ أَدَخَلَ فِيهِ كَلِمَةَ كُلَّمَا، وَالْمُعَلَّقُ بِشَرْطٍ مُتَكَرِّرٌ يَتَكَرَّرُ فَيَصِيرُ قَائِلًا عِنْدَ كُلِّ دَخْلَةٍ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ، وَلَوْ كَرَّرَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ ثُمَّ كَلَّمَهُ مَرَّةً يَحْنَثُ فِي الْأَيْمَانِ كُلِّهَا لِأَنَّ الشَّرْطَ الْوَاحِدَ يَصْلُحُ شَرْطًا لِلْأَيْمَانِ كُلِّهَا اهـ، وَزَادَ الْبَزَّازِيُّ عَلَى الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ الظِّهَارَ، وَفِي الْمُحِيطِ مَعْزِيًّا إلَى الْجَامِعِ أَصْلُهُ أَنَّ الْجَزَاءَ مَتَى عُلِّقَ بِشَرْطٍ مُكَرَّرٍ، وَغَيْرِ مُكَرَّرٍ فَإِنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الْمُكَرَّرِ، وَلِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِشَرْطَيْنِ لَا يَنْزِلُ إلَّا عِنْدَ وُجُودِهِمَا فَلَوْ قَالَ كُلَّمَا دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَعَلَيَّ حَجَّةٌ إنْ ضَرَبْتُك فَدَخَلَ مِرَارًا، وَلَمْ يَضْرِبْهُ إلَّا مَرَّةً فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْحَجُّ بِعَدَدِ الدَّخَلَاتِ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ كَالْمُرْسَلِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَكَأَنَّهُ قَالَ عِنْدَ كُلِّ دَخْلَةٍ عَلَيَّ حَجَّةٌ إنْ ضَرَبْتُك بِخِلَافِ مَا لَوْ ضَرَبَهُ، وَدَخَلَ ثُمَّ دَخَلَ مَرَّةً أُخْرَى فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ حَجَّةٌ أُخْرَى مَا لَمْ يَضْرِبْهُ ثَانِيًا، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ كُلَّمَا دَخَلْت الدَّارَ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ، وَعَبْدُهُ حُرٌّ إنْ ضَرَبْت فُلَانًا لِأَنَّهُ عَلَّقَ بِشَرْطٍ مُكَرَّرٍ، وَهُوَ الدُّخُولُ عِتْقًا أَوْ طَلَاقًا مُعَلَّقًا بِالضَّرْبِ اهـ. .

(قَوْلُهُ فَلَوْ قَالَ كُلَّمَا تَزَوَّجْت امْرَأَةً يَحْنَثُ بِكُلِّ امْرَأَةٍ، وَلَوْ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ) بَيَانٌ لِبَعْضِ تَفَارِيعِ كُلٍّ، وَكُلَّمَا، وَهِيَ مَسَائِلُ مِنْهَا مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الشَّرْطَ مِلْكٌ يُوجَدُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَهُوَ غَيْرُ مَحْصُورٍ، وَكُلَّمَا أُوجَدَ هَذَا الشَّرْطَ تَبِعَهُ مِلْكُ الثَّلَاثِ فَيَتْبَعُهُ جَزَاؤُهُ، وَحَاصِلُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو يُوسُفَ أَنَّ كُلَّمَا إنَّمَا تُوجِبُ التَّكْرَارَ فِي الْمُعَيَّنَةِ لَا فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنَةِ بِادِّعَاءِ اتِّحَادِ الْحَاصِلِ بَيْنَ كُلٍّ، وَكُلَّمَا إذَا نَسَبَ فِعْلَهَا إلَى مُنْكَرٍ مُتَكَرِّرٍ لِأَنَّ الْحَاصِلَ كُلُّ تَزَوُّجٍ لِكُلِّ امْرَأَةٍ، وَفِي مِثْلِهِ تَنْقَسِمُ الْآحَادُ فَلَزِمَ بِالضَّرُورَةِ أَنَّهَا إذَا انْحَلَّتْ فِي فِعْلٍ انْحَلَّتْ فِي اسْمِهِ فَلَا يَتَكَرَّرُ الْحِنْثُ فِي امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهُوَ مَرْدُودٌ لِانْقِسَامِ الْآحَادِ عَلَى الْآحَادِ عِنْدَ التَّسَاوِي، وَهُوَ مُنْتَفٍ لِأَنَّ دَائِرَةَ عُمُومِ الْأَفْعَالِ أَوْسَعُ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ أَفْرَادِهِ مَا يَتَحَقَّقُ بِالتَّكْرَارِ مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ، وَقَدْ فُرِضَ عُمُومُهُ بِكُلَّمَا فَلَا يُعْتَبَرُ كُلُّ اسْمٍ بِفِعْلٍ وَاحِدٍ فَقَطْ، وَمِنْهَا لَوْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَكُلُّ امْرَأَةٍ تَزَوَّجَهَا تَطْلُقُ وَاحِدَةً فَإِنْ تَزَوَّجَهَا ثَانِيًا لَا تَطْلُقُ لِاقْتِضَائِهَا عُمُومَ الْأَسْمَاءِ لَا عُمُومَ الْأَفْعَالِ، وَلَوْ نَوَى بَعْضَ النِّسَاءِ صَحَّتْ نِيَّتُهُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً لِأَنَّ نِيَّةَ تَخْصِيصِ الْعَامِّ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَقَالَ الْخَصَّافُ تَصِحُّ نِيَّتُهُ فِي الْقَضَاءِ أَيْضًا، وَهَذَا مُخَلِّصٌ لِمَنْ يُحَلِّفُهُ ظَالِمٌ فَأَخَذَ بِقَوْلِهِ لَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّ الْحَالَةَ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَالْفَتْوَى عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ.
وَإِنْ أُخِذَ بِقَوْلِ الْخَصَّافِ إذَا كَانَ الْحَالِفُ مَظْلُومًا فَلَا بَأْسَ بِهِ كَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَمِنْهَا لَوْ كَانَ لَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَقَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ تَدْخُلُ الدَّارَ فَهِيَ طَالِقٌ فَدَخَلَتْ وَاحِدَةٌ طَلَقَتْ، وَلَوْ دَخَلْنَ طَلَقْنَ فَإِنْ دَخَلَتْ تِلْكَ الْمَرْأَةُ مَرَّةً أُخْرَى لَا تَطْلُقُ، وَلَوْ قَالَ كُلَّمَا دَخَلْت فَدَخَلَتْ امْرَأَةٌ طَلَقَتْ، وَلَوْ دَخَلَتْ ثَانِيًا تَطْلُقُ، وَكَذَا ثَالِثًا فَإِنْ تَزَوَّجَتْ بَعْدَ الثَّلَاثِ، وَعَادَتْ إلَى الْأَوَّلِ ثُمَّ دَخَلَتْ لَمْ تَطْلُقْ خِلَافًا لِزُفَرَ، وَمِنْهَا لَوْ قَالَ كُلَّمَا تَزَوَّجْت امْرَأَةً، وَدَخَلْت الدَّارَ فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً مَرَّتَيْنِ ثُمَّ دَخَلَتْ الدَّارَ لَمْ تَطْلُقْ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً لِأَنَّ قَوْلَهُ وَدَخَلْت عَطْفٌ عَلَى التَّزَوُّجِ، وَحُكْمُ الْمَعْطُوفِ حُكْمُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، وَكَلِمَةُ كُلَّمَا تُوجِبْ التَّكْرَارَ فَصَارَ الدُّخُولُ مُكَرَّرًا أَيْضًا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ كُلَّمَا تَزَوَّجْت امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَتَزَوَّجَهَا مِرَارًا، وَدَخَلَتْ مَرَّةً طَلَقَتْ ثَلَاثًا لِأَنَّهُ لَمْ يَعْطِفْهُ عَلَى الشَّرْطِ الْمُتَكَرِّرِ، وَإِنَّمَا جَعَلَهُ شَرْطًا بِإِنْ، وَهِيَ لَا تُفِيدُ التَّكْرَارَ فَصَارَ الدُّخُولُ شَرْطَ الْحِنْثِ فِي الْأَيْمَانِ كُلِّهَا كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَمِنْهَا لَوْ قَالَ كُلَّمَا تَزَوَّجْت امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ وَحَاصِلُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو يُوسُفَ إلَخْ) كَانَ الْأَنْسَبُ ذِكْرَ قَوْلِهِ قَبْلَ التَّخْرِيجِ، وَذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ فَقَالَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْمُنْتَقَى إذَا قَالَ كُلَّمَا تَزَوَّجْت امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً طَلَقَتْ فَإِنْ تَزَوَّجَهَا ثَانِيًا لَا تَطْلُقُ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ لِمُعَيَّنَةٍ كُلَّمَا تَزَوَّجْتُك أَوْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ تَكَرَّرَ دَائِمًا.

الصفحة 18