كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (اسم الجزء: 4)

وَعَبْدٌ مِنْ عَبِيدِي حُرٌّ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً طَلَقَتْ، وَعَتَقَ عَبْدٌ مِنْ عَبِيدِهِ، وَلَوْ تَزَوَّجَ أُخْرَى طَلَقَتْ، وَلَا يَعْتِقُ عَبْدٌ مِنْ عَبِيدِهِ كَذَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ، وَأَصْلُهُ أَنَّ الْكَلَامَ إذَا كَانَ تَامًّا مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ يُؤْخَذُ حُكْمُهُ مِنْ نَفْسِهِ لَا مِنْ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ نَاقِصًا غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ، وَلَا مَفْهُومَ الْمَعْنَى بِذَاتِهِ يُؤْخَذُ حُكْمُهُ مِنْ غَيْرِهِ لِئَلَّا يَلْغُوَ بِنَفْسِهِ، وَالْكِنَايَةُ لَا تَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهَا فَأُخِذَ حُكْمُهَا مِنْ الْمُكَنَّى عَنْهُ، وَالصَّرِيحُ مُعْتَبَرٌ بِنَفْسِهِ فَلَوْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي تَدْخُلُ الدَّارَ فَهِيَ طَالِقٌ، وَعَبْدٌ مِنْ عَبِيدِي حُرٌّ فَدَخَلْنَ طَلَقْنَ، وَلَمْ يَعْتِقْ إلَّا عَبْدٌ وَاحِدٌ لِأَنَّ الْعَبْدَ صَرِيحٌ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ فَلَمْ يَنْعَطِفْ عَلَى الْأَوَّلِ، وَأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي الْإِثْبَاتِ فَيَخُصُّ.
وَلَوْ قَالَ كُلَّمَا، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا عَتَقَ أَرْبَعَةُ عَبِيدٍ لِأَنَّ كُلَّمَا أَوْجَبَتْ تَعْمِيمَ الْفِعْلِ فَصَارَ كُلُّ دُخُولٍ شَرْطًا عَلَى حِدَةٍ، وَعِتْقُ الْعَبْدِ مُعَلَّقٌ بِالدُّخُولِ، وَمِنْ ضَرُورَةِ تَكْرَارِ الشَّرْطِ تَكَرُّرُ الْجَزَاءِ حَتَّى يُفِيدَ، وَمِنْ ضَرُورَةِ تَكْرَارِ الْجَزَاءِ تَعْمِيمُ الِاسْمِ، وَلَوْ قَالَ كُلُّ جَارِيَةٍ لِي تَدْخُلُ فَهِيَ حُرَّةٌ وَوَلَدُهَا، وَعَبْدٌ مِنْ عَبِيدِي حُرٌّ فَدَخَلْنَ جَمِيعًا عَتَقْنَ وَعَتَقَ الْأَوْلَادُ كُلُّهُمْ، وَلَمْ يَعْتِقْ إلَّا عَبْدٌ وَاحِدٌ، وَلَوْ قَالَ كُلُّ دَارٍ دَخَلْتهَا فَعَلَيَّ حَجَّةٌ فَدَخَلَ دُورًا لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا حَجَّةٌ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِالْحَجَّةِ، وَهِيَ نَكِرَةٌ فِي الْإِثْبَاتِ فَتَخُصُّ، وَلَمْ يَقْتَرِنْ بِهَا مَا يُوجِبُ تَعْمِيمَهَا، وَلَمْ يُعَلِّقْهَا بِشَرْطٍ مُكَرَّرٍ فَإِنَّ الدُّخُولَ غَيْرُ مُكَرَّرٍ لِأَنَّ كَلِمَةَ كُلٍّ تَجْمَعُ الْأَسْمَاءَ دُونَ الْأَفْعَالِ، وَلَوْ قَالَ فَعَلَيَّ بِهَا حَجَّةٌ لَزِمَهُ بِكُلِّ دَارٍ حَجَّةٌ، وَتَمَامُهُ فِي الْمُحِيطِ إلَّا أَنَّهُ يُشْكِلُ بِفَرْعِ الْإِسْبِيجَابِيِّ، وَلَعَلَّ الصَّوَابَ فِي عِبَارَةِ الْإِسْبِيجَابِيِّ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا دُونَ كُلَّمَا كَمَا لَا يَخْفَى، وَمِنْهَا مَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ لَوْ قَالَ كُلَّمَا نَكَحْتُك فَأَنْت طَالِقٌ فَنَكَحَهَا فِي يَوْمٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَوَطِئَهَا فِي كُلِّ مَرَّةٍ طَلَقَتْ طَلْقَتَيْنِ، وَعَلَيْهِ مَهْرَانِ وَنِصْفُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ بَانَتْ بِثَلَاثٍ، وَعَلَيْهِ أَرْبَعَةُ مُهُورٍ وَنِصْفٍ.
وَلَوْ قَالَ كُلَّمَا نَكَحْتُك فَأَنْت طَالِقٌ بَائِنٌ فَنَكَحَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فِي يَوْمٍ، وَوَطِئَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ بَانَتْ بِثَلَاثٍ إجْمَاعًا، وَعَلَيْهِ خَمْسَةُ مُهُورٍ وَنِصْفٍ، وَتَوْضِيحُهُ فِيهِ، وَمِنْهَا مَا لَوْ قَالَ كُلَّمَا دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ، وَلَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَدَخَلَهَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، وَلَمْ يُعَيِّنْ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ بِعَيْنِهَا يَقَعُ بِكُلِّ دَخْلَةٍ وَاحِدَةٌ إنْ شَاءَ فَرَّقَهَا عَلَيْهِنَّ، وَإِنْ شَاءَ جَمَعَهَا عَلَى وَاحِدَةٍ، وَلَوْ قَالَ كُلَّمَا دَخَلَتْ هَذِهِ الدَّارَ، وَكَلَّمَتْ فُلَانًا أَوْ فَكَلَّمَتْ فُلَانًا فَعَبْدٌ مِنْ عَبِيدِي حُرٌّ فَدَخَلَتْ مِرَارًا، وَكَلَّمَتْ مَرَّةً لَمْ يَعْتِقْ إلَّا عَبْدٌ وَاحِدٌ، وَلَوْ قَالَ كُلَّمَا دَخَلَتْ هَذِهِ الدَّارَ فَإِنْ كَلَّمَتْ فُلَانًا فَأَنْت طَالِقٌ فَدَخَلَتْ ثَلَاثًا ثُمَّ كَلَّمَتْ فُلَانًا طَلَقَتْ ثَلَاثًا، وَلَوْ قَالَ كُلَّمَا دَخَلَتْ هَذِهِ الدَّارَ فَكُلَّمَا كَلَّمَتْ فُلَانًا فَأَنْت طَالِقٌ فَالْيَمِينُ الثَّانِيَةُ تَصِيرُ مُعَلَّقَةً بِالدُّخُولِ، وَإِذَا دَخَلَتْ الدَّارَ انْعَقَدَتْ الْيَمِينُ الثَّانِيَةُ فَإِذَا كَلَّمَتْ فُلَانًا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بَعْدَ ذَلِكَ طَلَقَتْ ثَلَاثًا كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَمِنْهَا مَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالْمُحِيطِ رَجُلٌ لَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَقَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ لَمْ أُجَامِعْهَا مِنْكُنَّ اللَّيْلَةَ فَالْأُخْرَيَاتُ طَوَالِقُ فَجَامَعَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ، وَطَلَعَ الْفَجْرُ طَلَقَتْ الْمُجَامَعَةُ ثَلَاثًا لِأَنَّهَا مُطَلَّقَةٌ بِتَرْكِ جِمَاعِهِ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ، وَسَائِرُهُنَّ طَلَقْنَ كُلُّ وَاحِدَةٍ ثِنْتَيْنِ لِأَنَّ فِي حَقِّ سَائِرِهِنَّ تَرَكَ جِمَاعَ امْرَأَتَيْنِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدَةٍ سِوَاهَا، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ فَافْهَمْ، وَمِنْهَا مَا فِي الْخَانِيَّةِ قَالَ كُلَّمَا قَعَدْت عِنْدَك فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَقَعَدَ عِنْدَهُ سَاعَةً طَلَقَتْ ثَلَاثًا لِأَنَّ الدَّوَامَ عَلَى الْقُعُودِ، وَعَلَى كُلٍّ مَا يُسْتَدَامُ بِمَنْزِلَةِ الْإِنْشَاءِ، وَلَوْ قَالَ كُلَّمَا ضَرَبْتُك فَأَنْت طَالِقٌ فَضَرَبَهَا بِيَدَيْهِ جَمِيعًا طَلَقَتْ ثِنْتَيْنِ، وَإِنْ ضَرَبَهَا بِكَفٍّ وَاحِدٍ لَا تَطْلُقُ إلَّا وَاحِدَةً.
وَإِنْ وَقَعَتْ الْأَصَابِعُ مُتَفَرِّقَةً لِأَنَّ فِي الْيَدَيْنِ تَكْرَارُ الضَّرْبِ لِأَنَّ الضَّرْبَ بِكُلِّ يَدٍ ضَرْبَةٌ عَلَى حِدَةٍ فَكَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الضَّرْبِ بِضِغْثٍ وَاحِدٍ أَمَّا فِي الْوَجْهِ الثَّانِي لَمْ يَتَكَرَّرْ الضَّرْبُ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الضَّرْبِ هُوَ الْكَفُّ، وَالْأَصَابِعُ تَبَعٌ لَهَا فَلَمْ يَتَعَدَّدْ الضَّرْبُ فَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ كُلَّمَا طَلَّقْتُك فَأَنْت طَالِقٌ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً يَقَعُ طَلَاقَانِ طَلَاقٌ بِالتَّطْلِيقِ، وَطَلَاقٌ بِقَوْلِهِ كُلَّمَا طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَلَوْ قَالَ كُلَّمَا وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي فَأَنْت طَالِقٌ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً طَلَقَتْ ثَلَاثًا. اهـ.
وَمِنْهَا مَا فِي الْمُحِيطِ ثُمَّ الْمُنْعَقِدُ بِكَلِمَةِ كُلَّمَا يَمِينٌ وَاحِدَةٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ طَلَقَتْ طَلْقَتَيْنِ، وَعَلَيْهِ مَهْرَانِ وَنِصْفٌ) قَالَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ لِأَنَّهُ لَمَّا تَزَوَّجَهَا أَوَّلًا يَقَعُ عَلَيْهِ تَطْلِيقَةٌ، وَوَجَبَ نِصْفُ مَهْرٍ فَإِذَا دَخَلَ بِهَا، وَجَبَ مَهْرٌ كَامِلٌ لِأَنَّهُ، وَطِئَ عَنْ شُبْهَةٍ فِي مَحَلٍّ، وَوَجَبَتْ الْعِدَّةُ فَإِذَا تَزَوَّجَهَا ثَانِيَةً وَقَعَتْ تَطْلِيقَةٌ أُخْرَى، وَهَذَا الطَّلَاقُ بَعْدَ الدُّخُولِ مَعْنًى فَإِنَّ مَنْ تَزَوَّجَ الْمُعْتَدَّةَ، وَطَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَكُونُ هَذَا الطَّلَاقُ بَعْدَ الدُّخُولِ مَعْنًى فَيَجِبُ مَهْرٌ كَامِلٌ فَصَارَ مَهْرَانِ وَنِصْفٌ فَإِذَا دَخَلَ بِهَا، وَهِيَ مُعْتَدَّةٌ عَنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ صَارَ مُرَاجِعًا، وَلَا يَجِبُ بِالْوَطْءِ شَيْءٌ فَإِذَا تَزَوَّجَهَا ثَالِثًا لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ لِأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا، وَهِيَ مَنْكُوحَةٌ.
وَلَوْ قَالَ كُلَّمَا تَزَوَّجْتُك فَأَنْت طَالِقٌ بَائِنٌ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا بَانَتْ بِثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ، وَعَلَيْهِ خَمْسُ مُهُورٍ وَنِصْفُ عَلَى قَوْلِهِمَا يَخْرُجْ مِنْ الْأَصْلِ الَّذِي قُلْنَا (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ كُلَّمَا وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ الْفَرْقُ أَنَّ الشَّرْطَ

الصفحة 19