كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (اسم الجزء: 4)

مَتَى نَقَلَهَا أَوْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا، وَأَبْرَأَتْهُ مِنْ كَذَا مِمَّا لَهَا عَلَيْهِ فَدَفَعَ لَهَا جَمِيعَ مَا عَلَيْهِ قَبْلَ الشَّرْطِ فَهَلْ تَبْطُلُ الْيَمِينُ فَالْجَوَابُ أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْقُنْيَةِ أَنَّهُ مَتَى عَجَزَ عَنْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَالْيَمِينُ مُوَقَّتَةٌ فَإِنَّهَا تَبْطُلُ يَقْتَضِي بُطْلَانَهَا فِي الْحَادِثَةِ الْأُولَى إلَّا أَنْ يُوجَدَ نَقْلٌ صَرِيحٌ بِخِلَافِهِ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْإِبْرَاءَ بَعْدَ الْأَدَاءِ مُمْكِنٌ فَإِنَّهُ لَوْ دَفَعَ الدَّيْنَ إلَى صَاحِبِهِ ثُمَّ قَالَ الدَّائِنُ لِلْمَدْيُونِ قَدْ أَبْرَأْتُك بَرَاءَةَ إسْقَاطٍ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ صَحَّ الْإِبْرَاءُ، وَيَرْجِعُ الْمَدْيُونُ بِمَا دَفَعَهُ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ فِي مَسْأَلَةِ الْإِبْرَاءِ مِنْ الثَّمَنِ، وَالْحَطِّ مِنْهُ إلَّا أَنْ يُوجَدَ نَقْلٌ بِخِلَافِهِ فَيَتْبَعُ.
وَفِي الْمُحِيطِ قُبَيْلَ الْقِسْمِ الْخَامِسِ فِي الطَّاعَاتِ، وَالْمُحَرَّمَاتِ مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ كُنْت زَوْجَتِي غَدًا فَأَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا فَجَلَعَهَا فِي الْغَدِ إنْ نَوَى بِذَلِكَ كَوْنَهَا امْرَأَةً لَهُ فِي بَعْضِ النَّهَارِ تَطْلُقُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ لَمْ تَطْلُقْ لِأَنَّ الْبِرَّ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي آخِرِ النَّهَارِ، وَلَوْ خَلَعَهَا قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ طَلُقَتْ لِأَنَّهَا امْرَأَتُهُ قَبْلَ الْغُرُوبِ، وَلَوْ خَلَعَهَا قَبْلَ الْغُرُوبِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ الْغُرُوبِ كَانَتْ امْرَأَتَهُ، وَبَرَّ فِي يَمِينِهِ لِأَنَّهُ لَمْ تَكُنْ امْرَأَتَهُ قَبْلَ الْغُرُوبِ. اهـ.
وَفِي الْقُنْيَةِ إنْ سَكَنْت فِي هَذِهِ الْبَلْدَةِ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ، وَخَرَجَ عَلَى الْفَوْرِ، وَخَلَعَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ سَكَنَهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لَا تَطْلُقْ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِامْرَأَتِهِ وَقْتَ وُجُودِ الشَّرْطِ اهـ.
فَقَدْ بَطَلَتْ الْيَمِينُ بِزَوَالِ الْمِلْكِ هُنَا فَعَلَى هَذَا يُفَرَّقُ بَيْنَ كَوْنِ الْجَزَاءِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَبَيْنَ كَوْنِهِ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ لِأَنَّهَا بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ لَمْ تَبْقَ امْرَأَتَهُ فَلْيُحْفَظْ هَذَا فَإِنَّهُ حَسَنٌ جِدًّا، وَفِي الْقُنْيَةِ أَيْضًا إنْ فَعَلْت كَذَا فَحَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ ثُمَّ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَحَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ فَفَعَلَ أَحَدَ الْفِعْلَيْنِ حَتَّى بَانَتْ امْرَأَتُهُ ثُمَّ فَعَلَ الْآخَرَ فَقِيلَ لَا يَقَعُ الثَّانِي لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِامْرَأَتِهِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ، وَقِيلَ يَقَعُ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ اهـ.
فَعَلَى الْأَظْهَرِ قَوْلُهُ حَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ مِثْلُ أَنْتِ طَالِقٌ، وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنَّهُ مِثْلُ امْرَأَتِي طَالِقٌ كَمَا لَا يَخْفَى.
فَإِنْ قُلْت قَدْ جَعَلُوا زَوَالَ الْمِلْكِ مُبْطِلًا لِلْيَمِينِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ فَالْجَوَابُ أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْقُنْيَةِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ نَقَلَ فِي عَقْدِ الْفَوَائِدِ عَنْ التَّجْنِيسِ مَا حَاصِلُهُ لَا أَسْكُنُ فِي هَذَا الْبَيْتِ فَأَغْلَقَ الْبَابَ أَوْ قُيِّدَ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِيهِمَا، وَلَوْ قَالَ إنْ لَمْ أَخْرُجْ مِنْ هَذَا الْمَنْزِلِ فَكَذَا فَقُيِّدَ، وَمُنِعَ أَوْ قَالَ لَهَا فِي مَنْزِلِ أَبِيهَا إنْ لَمْ تَحْضُرِي اللَّيْلَةَ إلَى مَنْزِلِي فَأَنْتِ كَذَا فَمَنَعَهَا أَبُوهَا حَنِثَ فِيهِمَا هُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى، وَالْفَرْقُ أَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ فِي الْأَوَّلِ الْفِعْلُ، وَهُوَ السُّكْنَى وَالْإِكْرَاهُ يُؤَثِّرُ فِيهِ، وَفِي الثَّانِي عَدَمُ الْفِعْلِ وَالْإِكْرَاهُ لَا يُؤَثِّرُ قَالَ فِي الْعَقْدِ قُلْتُ: وَهَذَا مَعْنَى مَا نَقَلَهُ بَعْضُ عُلَمَائِنَا الْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ إنْ كَانَ عَدَمِيًّا، وَعَجَزَ عَنْ مُبَاشَرَتِهِ فَالْمُخْتَارُ الْحِنْثُ، وَإِنْ كَانَ وُجُودِيًّا، وَعَجَزَ فَالْمُخْتَارُ عَدَمُ الْحِنْثِ. اهـ.
وَاعْتِبَارُ هَذَا الْأَصْلِ يُفِيدُ الْحِنْثَ فِي مَسْأَلَتِنَا إذْ شَرْطُ الْحِنْثِ فِيهَا عَدَمِيٌّ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ.
وَهَذَا مِنْ الْمَوَاضِعِ الْمُهِمَّةِ فَكُنْ فِيهِ عَلَى بَصِيرَةٍ اهـ. كَلَامُ النَّهْرِ.
وَنَقَلَ الرَّمْلِيُّ عَنْ الْفُصُولَيْنِ مَا يُؤَيِّدُهُ، وَيُخَالِفُ مَا نَقَلَهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْ الْقُنْيَةِ حَيْثُ قَالَ قَالَ لَهُ مَدْيُونُهُ لَوْ لَمْ أَقْضِك مَالَك الْيَوْمَ فَكَذَا فَتَوَارَى الطَّالِبُ فَنَصَّبَ الْقَاضِي عَنْهُ، وَكِيلًا بِطَلَبِ الْمَدْيُونِ لِيَقْضِيَ مِنْهُ الْمَالَ كَيْ لَا يَحْنَثَ فَقَبَضَ، وَحَكَمَ بِهِ آخَرُ قَالَ لَمْ يَجُزْ فَهُوَ كَمَا تَرَى كَالصَّرِيحِ فِي عَدَمِ بُطْلَانِهَا فِي الْحَادِثَةِ الْمَذْكُورَةِ إذْ الْعَجْزُ كَمَا يَقَعُ بِعَدَمِ شَيْءٍ مَعَ الْمَدِينِ يَقَعُ بِتَوَارِي الدَّائِنِ، وَلَوْ بَطَلَتْ بِالْعَجْزِ لِمَا اُحْتِيجَ إلَى نَصْبِ وَكِيلٍ عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِهِ ثُمَّ نَقَلَ عَنْ فَتَاوَى الْمُؤَلِّفِ أَنَّهُ أَفْتَى بِالْحِنْثِ فِي مَسْأَلَتِنَا مُسْتَنِدًا إلَى إمْكَانِ الْبِرِّ حَقِيقَةً، وَعَادَةً مَعَ الْإِعَارَةِ بِهِبَةٍ أَوْ تَصَدُّقٍ أَوْ إرْثٍ. اهـ.
قُلْت، وَمَا اسْتَشْهَدَ بِهِ الْمُؤَلِّفُ مِنْ كَلَامِ الْقُنْيَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى مَا قَالَهُ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْعَجْزُ الْحَقِيقِيُّ بِأَنْ كَانَ غَيْرَ مُتَصَوَّرٍ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْكُوزِ، وَإِذَا كَانَ يَحْنَثُ فِي قَوْلِهِ لَأَصْعَدَنَّ السَّمَاءَ الْيَوْمَ لِأَنَّهُ مُمْكِنٌ عَقْلًا، وَإِنْ اسْتَحَالَ عَادَةً فَحِنْثُهُ هُنَا بِالْأَوْلَى لِأَنَّهُ مُمْكِنٌ عَقْلًا، وَعَادَةً (قَوْلُهُ فَعَلَى هَذَا يُفَرَّقُ بَيْنَ كَوْنِ الْجَزَاءِ إلَخْ) يُنَافِي هَذَا مَا يَأْتِي قَرِيبًا عَنْ الْمُحِيطِ مِنْ إنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ قَبَّلْت امْرَأَتِي فُلَانَةَ فَعَبْدِي حُرٌّ فَقَبَّلَهَا بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ يَحْنَثُ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ لِلتَّعْرِيفِ لَا لِلتَّقْيِيدِ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ تَعْلِيقِ طَلَاقِهَا، وَغَيْرِهِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ فَعَلَى الْأَظْهَرِ قَوْلُهُ حَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ حَلَالَ اللَّهِ صَارَ عِبَارَةٌ عَنْ امْرَأَتِي لَا عَنْ أَنْتِ بِلَفْظِ الْخِطَابِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَوْ خَاطَبَهَا بِقَوْلِهِ حَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ صَارَ عِبَارَةً عَنْ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، وَلَعَلَّ هَذَا وَجْهُ قَوْلِهِ فِي النَّهْرِ فِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنَّهُ مِثْلُ امْرَأَتِي طَالِقٌ) قَالَ فِي النَّهْرِ، وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ. اهـ.
وَلَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَهُ أَقُولُ: إنَّ قَوْلَ الْقُنْيَةِ، وَقِيلَ يَقَعُ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ يُفِيدَانِ الْمُرَجَّحَ اعْتِبَارُ حَالَةِ التَّعْلِيقِ لَا حَالَةِ وُجُودِ الشَّرْطِ، وَلَمَّا قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَحَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَانَتْ زَوْجَتُهُ حَلَالًا لَهُ، وَإِنْ بَانَتْ مِنْهُ بِفِعْلِ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ اعْتِبَارًا لِحَالَةِ التَّعْلِيقِ.
وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ كَلَامَ الْقُنْيَةِ السَّابِقِ مَبْنِيٌّ عَلَى خِلَافِ الْأَظْهَرِ، وَهُوَ اعْتِبَارُ حَالَةِ وُجُودِ الشَّرْطِ بِقَرِينَةِ التَّعْلِيلِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ امْرَأَتَهُ، وَقْتَ وُجُودِ الشَّرْطِ أَمَّا عَلَى مَا هُوَ الْأَظْهَرُ مِنْ اعْتِبَارِ حَالَةِ التَّعْلِيقِ فَيَنْبَغِي أَنْ تَطْلُقَ لِأَنَّهَا كَانَتْ امْرَأَتُهُ، وَيَدُلُّ عَلَى تَرْجِيحِ اعْتِبَارِ حَالَةِ التَّعْلِيقِ مَا ذَكَرَهُ بَعْدَهُ عَنْ الْمُحِيطِ مِنْ الْفَرْعَيْنِ

الصفحة 22