كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (اسم الجزء: 4)

الْحَالِفُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَعَنْهُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ بَرْهَنَ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي بِأَلْفٍ ذَكَرَ فِي وَاقِعَاتِ النَّاطِفِيِّ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ حَلَفَ رَجُلَانِ فِي أَيْدِيهِمَا دَارٌ حَلَفَ كُلٌّ أَنَّ الدَّارَ دَارُهُ، وَبَرْهَنَا كَانَتْ بَيْنَهُمَا وَيَحْنَثَانِ، وَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا حَنِثَ صَاحِبُ الْيَدِ لِتَقْدِيمِ بَيِّنَةِ الْخَارِجِ عَلَيْهِ. حَلَفَ بِاَللَّهِ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ هَذِهِ الدَّارَ الْيَوْمَ ثُمَّ قَالَ عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَهَا الْيَوْمَ لَا كَفَّارَةَ، وَلَا يَعْتِقُ عَبْدُهُ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ صَادِقًا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَمْ يَحْنَثْ، وَلَا كَفَّارَةَ، وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَهُوَ يَمِينُ الْغَمُوسِ فَلَا تُوجِبُ الْكَفَّارَةَ، وَالْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَا مَدْخَلَ لَهَا فِي الْقَضَاءِ فَلَمْ يَصِرْ فِيهَا مُكَذَّبًا شَرْعًا فَلَمْ يَتَحَقَّقْ شَرْطُ الْحِنْثِ فِي الْيَمِينِ بِالْعِتْقِ، وَهُوَ عَدَمُ الدُّخُولِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْيَمِينُ الْأُولَى بِعِتْقٍ أَوْ طَلَاقٍ حَنِثَ فِي الْيَمِينَيْنِ لِأَنَّ لَهَا مَدْخَلًا فِي الْقَضَاءِ.
وَلَوْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ دَيْنًا فَحَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ مَا لَهُ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ، وَقُضِيَ بِهِ لَهُ يُنْظَرُ إنْ قَالَ كَانَ لَهُ عَلَيَّ دَيْنٌ، وَأَوْفَيْته لَمْ تَطْلُقْ امْرَأَتُهُ، وَإِنْ قَالَ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيَّ شَيْءٌ قَطُّ طَلَقَتْ امْرَأَتُهُ، وَتَمَامُهُ فِيهِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَهُنَا مَسَائِلَ فِي الْأَيْمَانِ تُحْمَلُ عَلَى الْمَعْنَى دُونَ ظَاهِرِ اللَّفْظِ مِنْهَا لَوْ قَالَ سَكْرَانُ لِآخَرَ إنْ لَمْ أَكُنْ عَبْدًا لَك فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ ثَلَاثًا لَا يَحْنَثُ إنْ كَانَ مُتَوَاضِعًا لَهُ، وَمِنْهَا إنْ وَضَعْت يَدَك عَلَى الْمِغْزَلِ فَكَذَا فَوَضَعَتْ يَدَهَا عَلَيْهِ، وَلَمْ تَغْزِلْ لَا يَحْنَثُ، وَمِنْهَا إنْ دَفَعْت لِأَخِيك شَيْئًا، وَدَفَعَ إلَيْهَا أَرُزًّا لِتَدْفَعَ لَا يَحْنَثُ، وَمِنْهَا خَرَجَ مِنْ دَارِهِ، وَحَلَفَ لَا يَرْجِعُ ثُمَّ رَجَعَ لِشَيْءٍ نَسِيَهُ فِي دَارِهِ لَا يَحْنَثُ كَذَا فِي الْقُنْيَةِ، وَفِيهَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْنِ لَهُ أَطْوَلُكُمَا حَيَاةً طَالِقٌ لَا تَطْلُقُ فِي الْحَالِ فَلَوْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا بِنْتَ سِتِّينَ سَنَةً، وَالْأُخْرَى بِنْتَ عِشْرِينَ سَنَةً فَمَاتَتْ الْعَجُوزُ قَبْلَ الشَّابَّةِ طَلَقَتْ الشَّابَّةُ فِي الْحَالِ، وَلَا يَسْتَنِدُ خِلَافًا لِزُفَرَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَلَوْ مَاتَتَا مَعًا لَا تَطْلُقُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا. إنْ لَمْ تَخْرُجْ الْفُسَّاقُ مِنْ النَّارِ فَأَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا لَا تَطْلُقُ لِتَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ. اهـ.
وَفِيهَا دَعَا امْرَأَتَهُ إلَى الْوِقَاعِ فَأَبَتْ فَقَالَ مَتَى يَكُونُ قَالَتْ غَدًا فَقَالَ إنْ لَمْ تَفْعَلِي لِي هَذَا الْمُرَادَ غَدًا فَأَنْت طَالِقٌ ثُمَّ نَسِيَاهُ حَتَّى مَضَى الْغَدُ لَا يَحْنَثُ اهـ.
وَهَذَا يُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِمْ إذَا فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ نَاسِيًا يَحْنَثُ، وَالْجَوَابُ إنَّ الْحِنْثَ شَرْطُهُ أَنْ يَطْلُبَ مِنْهَا غَدًا وَتَمْتَنِعَ، وَلَمْ يَطْلُبْ فَلَا اسْتِثْنَاءَ.

(قَوْلُهُ وَإِلَّا لَا، وَانْحَلَّتْ) أَيْ إنْ لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ فِي الْمِلْكِ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَتَنْحَلُّ الْيَمِينُ إنْ وُجِدَ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ، وَأَمَّا بِمُجَرَّدِ عَدَمِ الشَّرْطِ فِي الْمِلْكِ لَا تَنْحَلُّ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ تُعْتَبَرُ الْأَهْلِيَّةُ وَقْتَ التَّعْلِيقِ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ، وَفِي الطَّرِيقَةِ الرَّضَوِيَّةِ أَجْمَعْنَا أَنَّ الْأَهْلِيَّةَ فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ تُعْتَبَرُ وَقْتَ الْيَمِينِ لَا وَقْتَ الشَّرْطِ حَتَّى لَوْ كَانَ مُفِيقًا وَقْتَ الْيَمِينِ مَجْنُونًا وَقْتَ الشَّرْطِ يَصِحُّ وَيَقَعُ، وَعَلَى الْعَكْسِ لَا يَصِحُّ الْيَمِينُ. اهـ. .

(قَوْلُهُ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي وُجُودِ الشَّرْطِ فَالْقَوْلُ لَهُ) أَيْ لِلزَّوْجِ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ وُقُوعَ الطَّلَاقِ، وَهِيَ تَدَّعِيهِ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ التَّعْلِيلِ بِأَنَّهُ مُتَمَسِّكٌ بِالْأَصْلِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الشَّرْطِ، وَالْقَوْلُ لِمَنْ يَتَمَسَّكُ بِالْأَصْلِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهُ. اهـ.
لِأَنَّهُ لَا يَشْمَلُ مَا إذَا كَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لَهَا، وَالْحُكْمُ قَبُولُ قَوْلِهِ مُطْلَقًا فَلِذَا لَوْ قَالَ لَهُمَا إنْ لَمْ تَدْخُلِي هَذِهِ الدَّارَ الْيَوْمَ فَأَنْت طَالِقٌ فَقَالَتْ لَمْ أَدْخُلْهَا، وَقَالَ الزَّوْجُ بَلْ دَخَلْتِيهَا فَالْقَوْلُ لَهُ، وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لَهَا، وَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الدُّخُولِ لِكَوْنِهِ مُنْكِرًا، وَأَقْوَى مِنْهُ لَوْ قَالَ لَهَا إنْ لَمْ أُجَامِعْك فِي حَيْضَتِك فَالْقَوْلُ لَهُ أَنَّهُ جَامَعَهَا مَعَ أَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهَا مِنْ وَجْهَيْنِ كَوْنُ الْأَصْلِ عَدَمَ الْعَارِضِ، وَكَوْنُ الْحُرْمَةِ مَانِعَةً لَهُ مِنْ الْجِمَاعِ قَيَّدَ بِالشَّرْطِ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ لَوْ كَانَ فِي وَقْتِ الْمُضَافِ كَانَ الْقَوْلُ لَهَا كَمَا إذَا قَالَ لَهَا أَنْت طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ ثُمَّ قَالَ جَامَعْتُك، وَهِيَ طَاهِرَةٌ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ حَائِضًا لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ إنْشَاءُ الْجِمَاعِ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَجُزْ شَرْعًا أَمَّا إذَا كَانَتْ طَاهِرَةً فَلِكَوْنِهِ اعْتَرَفَ بِالسَّبَبِ لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّ الْمُضَافَ يَنْعَقِدُ سَبَبًا لِلْحَالِ بِخِلَافِ الْمُعَلَّقِ، وَفِي الْكَافِي مِنْ هَذَا الْبَابِ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ الْمَوْطُوءَةِ أَنْت طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ لَا يَقَعُ إلَّا فِي
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ طَلَقَتْ الشَّابَّةُ فِي الْحَالِ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ مَا دَامَتَا حَيَّتَيْنِ لَا يَقَعُ شَيْءٌ، وَإِنْ مَاتَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا تَكُونُ الْبَاقِيَةُ أَطْوَلَهُمَا حَيَاةً، وَلَا يُنْظَرُ إلَى السِّنِّ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْيَتِيمَةِ قَالَ وَأَنْشَدَ لَنَا شِعْرًا
وَإِنَّ حَيَاةَ الْمَرْءِ بَعْدَ عُدُوِّهِ ... وَلَوْ سَاعَةً مِنْ عُمْرِهِ لَكَثِيرٌ

الصفحة 24