كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (اسم الجزء: 4)

أَنَّهُ أَسْلَمَ، وَاسْتَثْنَى وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ أَسْلَمَ، وَلَمْ يَسْتَثْنِ تُقْبَلُ بَيِّنَةُ إثْبَاتِ الْإِسْلَامِ، وَلَوْ كَانَ فِيهَا نَفْيٌ إذْ غَرَضُهُمَا إثْبَاتُ إسْلَامِهِ ثُمَّ رُقِمَ بِعَلَامَةِ مح قَالَ تُقْبَلُ عَلَى الشَّرْطِ، وَإِنْ كَانَ نَفْيًا اهـ.
فَإِنْ قُلْت سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ فِي هَذَا الْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ لَمْ يَحُجَّ الْعَامَ فَشَهِدَا بِنَحْرِهِ فِي الْكُوفَةِ لَمْ يَعْتِقْ يَعْنِي عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ.
وَعَلَّلُوا لَهُمَا بِأَنَّهَا شَهَادَةُ نَفْيٍ مَعْنًى لِأَنَّهَا بِمَعْنًى لَمْ يَحُجَّ الْعَامَ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ شَهَادَةَ النَّفْيِ لَا تُقْبَلُ عَلَى الشَّرْطِ قُلْت قَدْ اخْتَلَفُوا فِي بِنَاءِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقِيلَ إنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَسْأَلَةِ اشْتِرَاطِ الدَّعْوَى فِي شَهَادَةِ عِتْقِ الْقِنِّ قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فَعَلَى هَذَا لَوْ وُضِعَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي الْأَمَةِ يَنْبَغِي أَنْ تَعْتِقَ وِفَاقًا إذْ دَعْوَاهَا الْعِتْقَ لَا يُشْتَرَطُ اهـ.
فَحِينَئِذٍ لَا إشْكَالَ، وَأَمَّا عَلَى مَا عَلَّلَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّهَا قَامَتْ عَلَى النَّفْيِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا نَفْيُ الْحَجِّ لَا إثْبَاتُ التَّضْحِيَةِ لِأَنَّهَا لَا مُطَالِبَ بِهَا فَصَارَ كَمَا إذَا شَهِدُوا أَنَّهُ لَمْ يَحُجَّ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ هَذَا النَّفْيَ مِمَّا يُحِيطُ بِهِ عِلْمُ الشَّاهِدِ، وَلَكِنَّهُ لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ نَفْيٍ، وَنَفْيٍ تَيْسِيرًا اهـ. فَمُشْكِلٌ.
وَلِذَا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ أَوْجَهُ ظَاهِرُهُ تَسْلِيمُ أَنَّهَا عَلَى الشَّرْطِ مَقْبُولَةٌ، وَلَوْ نَفْيًا، وَقَدْ نَقَلَهُ عَنْ الْمَبْسُوطِ أَيْضًا، وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَلَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّ الشَّرْطَ قَدْ وُجِدَ، وَأَنْكَرَ فَالْقَوْلُ لَهُ إلَّا إذَا شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ دَعْوَى الْمَرْأَةِ لِلطَّلَاقِ، وَلَا أَنْ تُبَرْهِنَ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى عِتْقِ الْأَمَةِ وَطَلَاقِ الْمَرْأَةِ تُقْبَلُ حِسْبَةً بِلَا دَعْوَى، وَلَا يُشْتَرَطُ حُضُورُ الْمَرْأَةِ وَالْأَمَةِ لَكِنْ يُشْتَرَطُ حُضُورُ الزَّوْجِ وَالْمَوْلَى صَحَّ تَحْضُرُ الْمَرْأَةُ لِيُشِيرَ إلَيْهَا الشُّهُودُ ط لَوْ شَهِدَا أَنَّهُ أَبَانَ امْرَأَتَهُ فُلَانَةَ فَقَالَتْ لَمْ يُطَلِّقْنِي، وَقَالَ الزَّوْجُ لَيْسَ اسْمُهَا فُلَانَةَ، وَشَهِدَا أَنَّ اسْمَهَا فُلَانَةُ فَالْقَاضِي يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا، وَيُمَاثِلُهُ عِتْقُ الْأَمَةِ فَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ حَرَّرَهَا، وَأَنَّ اسْمَهَا كَذَا، وَقَالَتْ لَمْ يُحَرِّرْنِي فَالْقَاضِي يَحْكُمُ بِعِتْقِهَا، وَالشَّهَادَةُ بِحُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ وَالْإِيلَاءِ وَالظِّهَارِ بِدُونِ الدَّعْوَى تُقْبَلُ، وَيُشْتَرَطُ حُضُورُ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَقِيلَ لَا تُقْبَلُ بِدُونِ الدَّعْوَى فِي الْإِيلَاءِ وَالظِّهَارِ، وَفِي عِتْقِ الْأَمَةِ وَالطَّلَاقِ بِدُونِ الدَّعْوَى قِيلَ يَحْلِفُ، وَقِيلَ لَا فَلْيُتَأَمَّلْ عِنْدَ الْفَتْوَى كَذَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَفِي الْقُنْيَةِ ادَّعَتْ أَنَّهُ طَلَّقَهَا مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، وَالزَّوْجُ يَقُولُ طَلَّقْتهَا بِالشَّرْطِ، وَلَمْ يُوجَدْ فَالْبَيِّنَةُ فِيهِ بَيِّنَةُ الْمَرْأَةِ، وَلَوْ ادَّعَتْ عَلَيْهِ أَنَّهُ حَلَفَ لَا يَضُرُّ بِهَا، وَادَّعَى هُوَ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ بِهَا مِنْ غَيْرِ ذَنْبٍ، وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَيَثْبُتُ كِلَا الْأَمْرَيْنِ، وَتَطْلُقُ بِأَيِّهِمَا كَانَ. اهـ.
وَفِي الْقُنْيَةِ مِنْ بَابِ الْبَيِّنَتَيْنِ الْمُتَضَادَّتَيْنِ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ شَرِبْت مُسْكِرًا بِغَيْرِ إذْنِك فَأَمْرُك بِيَدِك فَأَقَامَتْ بَيِّنَةً عَلَى وُجُودِ الشَّرْطِ، وَأَقَامَ الزَّوْجُ بَيِّنَةً أَنَّهُ كَانَ بِإِذْنِهَا فَبَيِّنَةُ الْمَرْأَةِ أَوْلَى. اهـ. .

(قَوْلُهُ وَمَا لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْهَا فَالْقَوْلُ لَهَا فِي حَقِّهَا كَأَنْ حِضْت فَأَنْت طَالِقٌ، وَفُلَانَةُ أَوْ إنْ كُنْت تُحِبِّينِي فَأَنْت طَالِقٌ وَفُلَانَةُ فَقَالَتْ حِضْت أَوْ أُحِبُّك طَلَقَتْ هِيَ فَقَطْ) عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ لِأَنَّهَا أَمِينَةٌ مَأْمُورَةٌ بِإِظْهَارِ مَا فِي رَحِمِهَا، وَفَائِدَتُهُ تَرْتِيبُ أَحْكَامِ الطُّهْرِ، وَهُوَ فَرْعُ قَبُولِ قَوْلِهَا كَمَا قُبِلَ إخْبَارُهَا بِالْحَيْضِ فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَحُرْمَةِ جِمَاعِهَا وَبِالطُّهْرِ، وَبِقَوْلِهَا طَهُرَتْ فِي حِلِّهِ، وَهِيَ مُتَّهَمَةٌ فِي حَقِّ غَيْرِهَا إنْ كَذَّبَهَا الزَّوْجُ، وَإِنْ صَدَّقَهَا طَلَقَتْ فُلَانَةُ أَيْضًا.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ فِي حَقِّهَا شَرْعًا الْإِخْبَارُ بِهِ لِأَنَّهَا أَمِينَةٌ، وَفِي حَقِّ ضَرَّتِهَا مُتَّهَمَةٌ، وَشَهَادَتُهَا عَلَى ذَلِكَ شَهَادَةُ فَرْدٍ، وَلَا بُعْدَ فِي أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُ الْإِنْسَانِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ كَأَحَدِ الْوَرَثَةِ إذَا أَقَرَّ بِدَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ اقْتَصَرَ عَلَى نَصِيبِهِ إذَا لَمْ يُصَدِّقْهُ الْبَاقُونَ، وَالْمُشْتَرِي إذَا أَقَرَّ بِالْمَبِيعِ لِمُسْتَحِقٍّ لَا يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْمُقِرَّ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لَمْ يَتَعَدَّ ضَرَرُ إقْرَارِهِ إلَى أَحَدٍ، وَهُنَا تَعَدَّى إلَى الزَّوْجِ بِقَطْعِ الْعِصْمَةِ مَعَ كَوْنِهَا مُتَّهَمَةً فِي حَقِّ نَفْسِهَا أَيْضًا، وَلَا بُدَّ مِنْ قِيَامِ الْحَيْضِ عِنْدَ الْإِخْبَارِ أَمَّا بَعْدَ الِانْقِطَاعِ فَلَا لِأَنَّهُ ضَرُورَةٌ فَيُشْتَرَطُ قِيَامُ الشَّرْطِ بِخِلَافِ إنْ حِضْت حَيْضَةً حَيْثُ يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي الطُّهْرِ الَّذِي يَلِي الْحَيْضَةَ لَا قَبْلَهُ، وَلَا بَعْدَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ فَيَثْبُتُ كِلَا الْأَمْرَيْنِ إلَخْ) أَقُولُ: رَأَيْت فِي نُسْخَتِي الْقُنْيَةِ مِنْ هَذَا الْمَحَلِّ مَكْتُوبًا عَلَى هَامِشِهَا مَا نَصُّهُ هَذَا خِلَافُ رِوَايَةِ الْفُصُولِ فَإِنَّهُ قَالَ لَا تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ فِي هَذَا، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ مَعَ الْيَمِينِ تَأَمَّلْ جِدًّا اهـ.
مَا رَأَيْته أَقُولُ: وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَظْهَرُ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى أَصْلِ الْحَلِفِ، وَاخْتَلَفَا فِي الْقَيْدِ، وَهُوَ مِنْ غَيْرِ ذَنْبٍ، وَالزَّوْجُ يَدَّعِي وُجُودَ الْقَيْدِ، وَهِيَ تُنْكِرُهُ فَكَأَنَّهُ يَدَّعِي بِذَلِكَ عَدَمَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ، وَهِيَ تَدَّعِي وُقُوعَهُ فَالْقَوْلُ لَهُ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا سَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَلَا فِي أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ حَيْثُ قَالَ وَيَشْمَلُ مَا إذَا ادَّعَى الِاسْتِثْنَاءَ، وَأَنْكَرَتْهُ فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ وَكَذَا فِي دَعْوَى الشَّرْطِ.

(قَوْلُهُ وَبِالطُّهْرِ، وَبِقَوْلِهَا طَهُرْت فِي حِلِّهِ) كَذَا فِيمَا رَأَيْنَاهُ مِنْ النُّسَخِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْوَاوَ فِي قَوْلِهِ، وَبِقَوْلِهَا زَائِدَةٌ مِنْ قَلَمِ النَّاسِخِ لِأَنَّ الْمَعْنَى، وَكَمَا قُبِلَ إخْبَارُهَا

الصفحة 27