كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (اسم الجزء: 4)

لِأَنَّهَا أَخْبَرَتْ عَنْ الشَّرْطِ حَالَ عَدَمِهِ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَهَا أَمِينَةً فِيمَا تُخْبِرُ بِهِ عَنْ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ ضَرُورَةَ إقَامَةِ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِمَا فَمَا دَامَتْ الْأَحْكَامُ قَائِمَةً كَانَ الِاسْمَانِ قَائِمَيْنِ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ فَتُصَدَّقُ.
وَإِذَا كَانَتْ الْأَحْكَامُ مُنْقَضِيَةً كَانَ الِاسْمَانِ غَيْرَ ثَابِتَيْنِ فَلَا تُصَدَّقُ بِخِلَافِ الْمُودَعِ لَوْ قَالَ رَدَدْتهَا أَوْ هَلَكَتْ يُصَدَّقُ، وَلَا يُشْتَرَطُ لِتَصْدِيقِهِ قِيَامُ الْأَمَانَةِ لِأَنَّهُ صَارَ أَمِينًا مِنْ جِهَةِ صَاحِبِ الْمَالِ صَرِيحًا، وَابْتِدَاءً لَا لِضَرُورَةٍ حَيْثُ ائْتَمَنَهُ صَاحِبُ الْمَالِ مُطْلَقًا كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ إنْ حِضْت لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ إنْ حِضْتُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَانِ فَقَالَتَا حِضْنَا لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُمَا فَإِنْ صَدَّقَ إحْدَاهُمَا، وَكَذَّبَ الْأُخْرَى طَلَقَتْ الْمُكَذَّبَةُ، وَإِنْ كُنَّ ثَلَاثًا فَقَالَ ذَلِكَ فَقُلْنَ حِضْنَا لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ إلَّا أَنْ يُصَدِّقْهُنَّ، وَكَذَا إنْ صَدَّقَ إحْدَاهُنَّ فَإِنْ صَدَّقَ ثِنْتَيْنِ فَقَطْ طَلَقَتْ الْمُكَذَّبَةُ دُونَ الْمُصَدَّقَاتِ، وَلَوْ كُنَّ أَرْبَعًا، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا لَمْ يُطَلَّقْنَ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُنَّ، وَكَذَا إنْ صَدَّقَ إحْدَاهُنَّ أَوْ ثِنْتَيْنِ، وَإِنْ صَدَّقَ ثَلَاثًا فَقَطْ طَلَقَتْ الْمُكَذَّبَةُ دُونَ الْمُصَدَّقَاتِ، وَالْوَجْهُ ظَاهِرٌ مِنْ الشَّرْحِ، وَفِي الْمُحِيطِ قَالَ لِنِسَائِهِ الْأَرْبَعِ إذَا حِضْتُنَّ حَيْضَةً فَأَنْتُنَّ طَوَالِقُ فَقَالَتْ وَاحِدَةٌ حِضْت حَيْضَةً، وَصَدَّقَهَا الزَّوْجُ طَلَقْنَ لِأَنَّ شَرْطَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهِنَّ حَيْضَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ لِأَنَّ اجْتِمَاعَهُنَّ عَلَى حَيْضَةٍ وَاحِدَةٍ لَا يُتَصَوَّرُ فَيُجْعَلُ ذَلِكَ مَجَازًا عَنْ حَيْضَةِ إحْدَاهُنَّ كَمَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ إذَا حِضْتُمَا حَيْضَةً، وَأَنْتُمَا طَالِقَانِ فَحَاضَتْ إحْدَاهُمَا طَلَقَتَا، وَإِنْ كَذَّبَهَا طَلَقَتْ وَحْدَهَا تَطْلِيقَةً لِأَنَّهَا مُصَدَّقَةٌ فِي حَقِّهَا دُونَ ضِرَّاتِهَا.
وَلَوْ قَالَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ حِضْت حَيْضَةً طَلَقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ تَطْلِيقَةً صَدَّقَهَا الزَّوْجُ أَوْ كَذَّبَهَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مُصَدَّقَةٌ شَرْعًا فِيمَا بَيْنَهَا، وَبَيْنَ زَوْجِهَا، وَلَوْ قَالَ كُلَّمَا حِضْتُنَّ حَيْضَةً فَأَنْتُنَّ طَوَالِقُ فَقَالَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ حِضْت حَيْضَةً فَإِنْ كَذَّبَهُنَّ طَلَقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ تَطْلِيقَةً لِأَنَّهُ ثَبَتَ حَيْضَةُ كُلِّ وَاحِدَةٍ فِي حَقِّ نَفْسِهَا خَاصَّةً دُونَ صَوَاحِبِهَا فَلَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدَةٍ إلَّا شَرْطُ طَلَاقِ وَاحِدَةٍ، وَإِنْ صَدَّقَ وَاحِدَةً دُونَ الثَّلَاثِ طَلَقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الثَّلَاثِ ثِنْتَيْنِ، وَالْمُصَدَّقَةُ وَاحِدَةً لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِي حَقِّ الْمُصَدَّقَةِ دُونَ حَقِّ صَوَاحِبِهَا، وَثَبَتَ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمُكَذَّبَاتِ حَيْضَتَانِ حَيْضُهَا بِإِخْبَارِهَا، وَحَيْضَةُ الْمُصَدَّقَةِ بِالتَّصْدِيقِ، وَإِنْ صَدَّقَ مِنْهُنَّ اثْنَتَيْنِ طَلَقَتْ كُلُّ مُصَدِّقَةٍ ثِنْتَيْنِ لِوُجُودِ حَيْضَتَيْنِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدَةٍ حَيْضَتُهَا، وَحَيْضَةُ صَاحِبَتِهَا الْمُصَدَّقَةِ، وَكُلُّ مُكَذَّبَةٍ ثَلَاثًا لِوُجُودِ ثَلَاثِ حِيَضٍ فِي حَقِّهَا حَيْضَتِهَا، وَحَيْضَتَيْ الْمُصَدَّقَتَيْنِ، وَإِنْ صَدَّقَ ثَلَاثًا طَلَقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثًا لِثُبُوتِ ثَلَاثِ حِيَضٍ فِي حَقِّ الْمُصَدَّقَاتِ، وَأَرْبَعِ حِيَضٍ فِي حَقِّ الْمُكَذَّبَةِ اهـ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْوُقُوعَ عَلَى الضَّرَّةِ لَمْ يَنْحَصِرْ فِي تَصْدِيقِهِ، وَإِنَّمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى تَصْدِيقِهِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ وُجُودَ الْحَيْضِ مِنْهَا أَمَّا إذَا عَلِمَ طَلَقَتْ فُلَانَةُ أَيْضًا كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ، وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ لَا يَعْلَمُ إلَّا مِنْهَا لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ يَعْلَمُ مِنْ غَيْرِهَا تَوَقَّفَ الْوُقُوعُ عَلَى تَصْدِيقِهِ أَوْ الْبَيِّنَةُ كَالدُّخُولِ وَالْكَلَامِ اتِّفَاقًا، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِوِلَادَتِهَا فَقَالَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ لَا بُدَّ مِنْ شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ، وَلَا يَشْمَلُ مَا لَوْ عَلَّقَهُ عَلَى فِعْلٍ بِغَيْرِ إذْنِهَا لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ إنْ شَرِبْت مُسْكِرًا بِغَيْرِ إذْنِك فَأَمْرُك بِيَدِك، وَشَرِبَ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي الْإِذْنِ فَالْقَوْلُ لَهُ، وَالْبَيِّنَةُ لَهَا. اهـ.
وَفِي الصَّيْرَفِيَّةِ إنْ ذَهَبْت إلَى بَيْتِ أَبِي بِغَيْرِ إذْنِك فَأَنْت طَالِقٌ فَادَّعَى إذْنَهَا، وَأَنْكَرَتْ فَالْقَوْلُ لَهُ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ اهـ.
مَعَ أَنَّ الْإِذْنَ لَا يُسْتَفَادُ إلَّا مِنْهَا، وَلَكِنْ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ بِالْقَوْلِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالطُّهْرِ بِقَوْلِهَا طَهُرْت فِي حِلِّ الْجِمَاعِ (قَوْلُهُ وَالْوَجْهُ ظَاهِرٌ مِنْ الشَّرْحِ) قَالَ فِيهِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ حَيْضَ جَمِيعِهِنَّ شَرْطٌ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهِنَّ، وَلَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ حَتَّى تَرَى جَمِيعَهُنَّ الْحَيْضَ، وَإِنْ حَاضَتْ بَعْضُهُنَّ يَكُونُ ذَلِكَ بَعْضَ الْعِلَّةِ، وَهِيَ لَا يَثْبُتُ بِهَا الْحُكْمُ فَإِنْ قُلْنَ جَمِيعًا قَدْ حِضْنَا لَا يَثْبُتُ حَيْضُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ إلَّا فِي حَقِّهَا، وَلَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ غَيْرِهَا إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُنَّ فَيَثْبُتَ فِي حَقِّ الْجَمِيعِ، وَإِنْ صَدَّقَ الْبَعْضَ، وَكَذَّبَ الْبَعْضَ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَتْ الْمُكَذَّبَةُ وَاحِدَةً طَلَقَتْ هِيَ وَحْدَهَا لِتَمَامِ الشَّرْطِ فِي حَقِّهَا لِأَنَّ قَوْلَهَا مَقْبُولٌ فِي حَقِّ نَفْسِهَا، وَقَدْ صَدَّقَ غَيْرَهَا فَتَمَّ الشَّرْطُ فِيهَا، وَلَا يُطَلِّقُ غَيْرَهَا لِأَنَّ الْمُكَذَّبَةَ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي حَقِّ غَيْرِهَا فَلَمْ يَتِمَّ الشَّرْطُ فِي حَقِّ غَيْرِهَا، وَإِنْ كَذَّبَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمُكَذَّبَاتِ لَمْ يَثْبُتْ حَيْضُهَا إلَّا فِي حَقِّ نَفْسِهَا فَكَانَ الْمَوْجُودُ بَعْضَ الْعِلَّةِ، وَلَا تَطْلُقُ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ حَتَّى يُصَدِّقَ غَيْرَهَا جَمِيعًا (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِي حَقِّ الْمُصَدَّقَةِ) أَيْ لِأَنَّ الْحَيْضَ ثَبَتَ فِي حَقِّ الْمُصَدَّقَةِ دُونَ حَيْضِ صَوَاحِبِهَا فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِي حَقِّهَا لِتَكْذِيبِهِنَّ بَلْ ثَبَتَ حَيْضُهُنَّ فِي حَقِّهِنَّ فَقَطْ (قَوْلُهُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُوَقَّعَ عَلَى الضَّرَّةِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ لَا يُنَافِيه مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ.
وَمَا لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْهَا إلَخْ إذْ ذَاكَ فِيمَا إذَا أَشْكَلَ أَمْرُهَا، وَذَا فِيمَا لَمْ يُشْكِلْ بِأَنْ أَخْبَرَتْ فِي، وَقْتِ عِدَّتِهَا الْمَعْرُوفَةِ لِزَوْجِهَا وَضِرَّتِهَا، وَشُوهِدَ الدَّمُ مِنْهَا بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ شَكٌّ تَأَمَّلْ

الصفحة 28