كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (اسم الجزء: 4)

بِخِلَافِ الْحَيْضِ وَالْمَحَبَّةِ وَالْبُغْضِ، وَمِنْ قَبِيلِ الدُّخُولِ وَالْكَلَامِ مَا لَوْ عَلَّقَ بِقَوْلِهِ إنْ كُنْت جَائِعَةً فِي بَيْتِي قَالَ قَاضِي خَانْ إنْ لَمْ تَكُنْ جَائِعَةً فِي غَيْرِ الصَّوْمِ لَا يَكُونُ حَانِثًا، وَمِنْهُ مَا لَوْ عَلَّقَهُ بِقَوْلِهِ إنْ لَمْ أُشْبِعْك مِنْ الْجِمَاعِ قَالَ الْقَاضِي إنْ جَامَعَهَا حَتَّى أَنْزَلَتْ فَقَدْ أَشْبَعَهَا. اهـ.
وَفِي الْقُنْيَةِ، وَالْمَسَرَّةُ كَالْمَحَبَّةِ، وَكَذَا الْغَيْرَةُ بِاللِّسَانِ لَا بِالْقَلْبِ. اهـ.
وَقَدْ سَوَّى الْمُصَنِّفُ بَيْنَ الْمَحَبَّةِ وَالْحَيْضِ، وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ إلَّا مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ التَّعْلِيقَ بِالْمَحَبَّةِ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ لِكَوْنِهِ تَخْيِيرًا حَتَّى لَوْ قَامَتْ، وَقَالَتْ أُحِبُّك لَا تَطْلُقُ، وَالتَّعْلِيقُ بِالْحَيْضِ لَا يَبْطُلُ بِالْقِيَامِ كَسَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ، وَالثَّانِي أَنَّهَا إذَا كَانَتْ كَاذِبَةً فِي الْإِخْبَارِ تَطْلُقُ فِي التَّعْلِيقِ بِالْمَحَبَّةِ لِمَا قُلْنَا، وَفِي التَّعْلِيقِ بِالْحَيْضِ لَا تَطْلُقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى يَحِلَّ وَطْؤُهَا دِيَانَةً لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْمَحَبَّةِ وَالْبُغْضِ أَمْرٌ خَفِيٌّ لَا يُوقَفُ عَلَيْهَا مِنْ قِبَلِ أَحَدٍ لَا مِنْ قِبَلِهَا، وَلَا مِنْ قِبَلِ غَيْرِهَا لِأَنَّ الْقَلْبَ يَتَقَلَّبُ لَا يَسْتَقِرُّ عَلَى شَيْءٍ فَلَمَّا لَمْ يُوقَفْ عَلَيْهَا تَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِإِخْبَارِهَا لِأَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَيْهَا لِأَنَّ أَحْكَامَ الشَّرْعِ لَا تُنَاطُ بِأَحْكَامٍ خَفِيَّةٍ.
وَفِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ إنْ كُنْت أَنَا أُحِبُّ كَذَا ثُمَّ قَالَ لَسْت أُحِبُّهُ، وَهُوَ كَاذِبٌ فَهِيَ امْرَأَتُهُ يَسَعُهُ وَطْؤُهَا دِيَانَةً قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ، وَهَذَا مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ يَعْرِفُ مَا فِي قَلْبِهِ حَقِيقَةً، وَإِنْ كَانَ لَا يَعْرِفُ مَا فِي قَلْبِهَا لَكِنَّ الطَّرِيقَ مَا قُلْنَا إنَّ الْحُكْمَ يُدَارُ عَلَى الظَّاهِرِ، وَهُوَ الْإِخْبَارُ وُجُودًا وَعَدَمًا، وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ قَالَ إنْ كُنْت تُبْغِضِينِي، وَلَوْ قَالَ إنْ كُنْت تُحِبِّينِي بِقَلْبِك فَقَالَتْ أُحِبُّك طَلَقَتْ دِيَانَةً وَقَضَاءً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ الْمَحَبَّةَ فِعْلُ الْقَلْبِ فَكَانَ إطْلَاقُهَا، وَتَقْيِيدُهَا بِالْقَلْبِ سَوَاءٌ، وَإِنَّمَا يُفِيدُ التَّأْكِيدَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا تَطْلُقُ دِيَانَةً لِأَنَّ الْمَحَبَّةَ عَمَلُ الْقَلْبِ، وَجُعِلَ اللِّسَانُ خَلَفًا عَنْهُ، وَعِنْدَ التَّقْيِيدِ بِالْقَلْبِ تَبْطُلُ الْخَلْفِيَّةُ فَيَبْقَى الْحُكْمُ مُتَعَلِّقًا بِالْأَصْلِ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ مَشَايِخِنَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ التَّعْلِيقِ بِمَحَبَّتِهَا إيَّاهُ أَوْ بِمَحَبَّتِهَا فِرَاقَهُ، وَذَكَرَهُ فِي الْمِعْرَاجِ عَنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ فَقَالَ: وَفِي التَّبْصِرَةِ لِلَّخْمِيِّ قَالَ لَهَا إنْ كُنْت تُحِبِّينَ فِرَاقِي فَأَنْت طَالِقٌ فَقَالَتْ أُحِبُّ ثُمَّ قَالَتْ كُنْت لَاعِبَةً قَالَ أَرَى أَنْ يَقَعَ عَلَيْهَا ثُمَّ نَقَلَهُ عَنْ الْأَنْوَارِ لِلْمَالِكِيَّةِ، وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ مَسْأَلَةَ مَا إذَا قَالَ إنْ كُنْت تُحِبِّينَ الطَّلَاقَ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْفِرَاقِ فَكَانَ مَنْقُولًا عَنْ أَصْحَابِنَا أَيْضًا، وَأَطْلَقَ فِي الْمَحَبَّةِ فَشَمِلَ مَا إذَا قَالَ إنْ كُنْت تُحِبِّينَ أَنْ يُعَذِّبَك اللَّهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَلَا يَتَيَقَّنُ بِكَذِبِهَا لِأَنَّهَا لِشِدَّةِ بُغْضِهَا إيَّاهُ قَدْ تُحِبُّ التَّخَلُّصَ مِنْهُ بِالْعَذَابِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.
وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ سَرَرْتُك فَأَنْت طَالِقٌ فَضَرَبَهَا فَقَالَتْ سَرَّنِي قَالُوا لَا تَطْلُقُ امْرَأَتُهُ لِأَنَّا نَتَيَقَّنُ بِكَذِبِهَا قَالَ مَوْلَانَا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَفِيهِ إشْكَالٌ وَهُوَ أَنَّ السُّرُورَ مِمَّا لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَعَلَّقَ الطَّلَاقُ بِخَبَرِهَا، وَيُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كُنَّا نَتَيَقَّنُ بِكَذِبِهَا كَمَا لَوْ قَالَ إنْ كُنْت تُحِبِّينَ أَنْ يُعَذِّبَك اللَّهُ بِنَارِ جَهَنَّمَ فَأَنْت طَالِقٌ فَقَالَتْ أُحِبُّ يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا، وَلَوْ أُعْطِيَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَقَالَتْ لَمْ يَسُرَّنِي كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا، وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا طَلَبَتْ الْأَلْفَيْنِ فَلَا يَسُرُّهَا الْأَلْفُ. اهـ.
قُلْت بَيْنَهُمَا فَرْقٌ، وَقَوْلُهُ: وَإِنْ كُنَّا نَتَيَقَّنُ بِكَذِبِهَا مَمْنُوعٌ لِمَا سَمِعْته عَنْ الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَتَيَقَّنُ بِكَذِبِهَا، وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّهُ لَوْ عَلَّقَ بِفِعْلٍ قَلْبِيٍّ، وَأَخْبَرَتْ بِهِ فَإِنْ تَيَقَّنَّا بِكَذِبِهَا لَمْ يَقَعْ، وَإِلَّا وَقَعَ، وَفِي الْبَدَائِعِ إنْ كُنْت تَكْرَهِينَ الْجَنَّةَ تَعَلَّقَ بِإِخْبَارِهَا بِالْكَرَاهَةِ مَعَ أَنَّهَا لَا تَصِلُ إلَى حَالَةٍ تَكْرَهُ الْجَنَّةَ فَقَدْ تَيَقَّنَّا بِكَذِبِهَا، وَقَدْ يُقَالُ إنَّ لِشِدَّةِ مَحَبَّتِهَا لِلْحَيَاةِ الدُّنْيَا تَكْرَهُ الْجَنَّةَ لِأَنَّهَا لَا تَتَوَصَّلُ إلَيْهَا إلَّا بِالْمَوْتِ، وَهِيَ تَكْرَهُهُ فَلَمْ يَتَيَقَّنْ بِكَذِبِهَا، وَهَلْ تَكْفُرُ الْمَرْأَةُ بِقَوْلِهَا أَنَّا أُحِبُّ عَذَابَ جَهَنَّمَ، وَأَكْرَهُ الْجَنَّةَ قُلْت ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ هُنَا عَدَمُهُ.
وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ أَشَدُّكُمَا حُبًّا لِلطَّلَاقِ، وَأَشَدُّكُمَا بُغْضًا لَهُ طَالِقٌ فَقَالَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ أَنَا أَشَدُّ حُبًّا فِي ذَلِكَ لَا يَقَعُ شَيْءٌ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مُخَيَّرَةٌ فِي حَقِّ نَفْسِهَا شَاهِدَةٌ عَلَى صَاحِبَتِهَا بِمَا فِي ضَمِيرِهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ قُلْت بَيْنَهُمَا فَرْقٌ) قَالَ فِي النَّهْرِ، وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ إيلَامَ الضَّرْبِ الْقَائِمِ بِهَا دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى كَذِبِهَا بِخِلَافِ مُجَرَّدِ مَحَبَّةِ الْعَذَابِ فَإِنَّهُ لَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى التَّيَقُّنِ بِكَذِبِهَا (قَوْلُهُ وَقَوْلُهُ: وَإِنْ كُنَّا نَتَيَقَّنُ بِكَذِبِهَا مَمْنُوعٌ) مُقْتَضَى كَلَامِهِ تَسْلِيمُ مَا فِي الْهِدَايَةِ فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ، وَقَوْلُهُ كَمَا لَوْ قَالَ إنْ كُنْت تُحِبِّينِي إلَخْ مَمْنُوعٌ تَأَمَّلْ

الصفحة 29