كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (اسم الجزء: 4)

لِأَنَّهَا تَقُولُ أَنَا أَشَدُّ حُبًّا مِنْهَا، وَهِيَ أَقَلُّ حُبًّا مِنِّي، وَهِيَ غَيْرُ مُصَدَّقَةٍ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى صَاحِبَتِهَا فَلَمْ يَتِمَّ الشَّرْطُ. اهـ.
وَقَيَّدَ بِمَحَبَّتِهَا لِأَنَّهُ لَوْ عَلَّقَهُ بِمَحَبَّةِ غَيْرِهَا فَظَاهِرُ مَا فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَصْدِيقِ الزَّوْجِ فَإِنَّهُ قَالَ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ إنْ لَمْ تَكُنْ أُمُّك تَهْوَى ذَلِكَ فَقَالَتْ الْأُمُّ أَنَا لَا أَهْوَى، وَكَذَّبَهَا الزَّوْجُ لَا تَطْلُقُ فَإِنْ صَدَّقَهَا طَلَقَتْ لِمَا عُرِفَ، وَرَوَى ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ كَانَ فُلَانٌ مُؤْمِنًا فَأَنْت طَالِقٌ لَا تَطْلُقُ لِأَنَّ هَذَا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا هُوَ، وَلَا يُصَدَّقُ هُوَ عَلَى غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ هُوَ بَيْنَ مُسْلِمِينَ يُصَلِّي، وَيَحُجُّ، وَلَوْ قَالَ لِآخَرَ لِي إلَيْك حَاجَةٌ فَاقْضِهَا لِي فَقَالَ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إنْ لَمْ أَقْضِ حَاجَتُك فَقَالَ حَاجَتِي أَنْ تُطَلِّقَ زَوْجَتَك فَلَهُ أَنْ لَا يُصَدِّقَهُ فِيهِ، وَلَا تَطْلُقُ زَوْجَتُهُ لِأَنَّهُ مُحْتَمِلٌ لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ فَلَا يَصْدُقُ عَلَى غَيْرِهِ اهـ.
وَأَطْلَقَ فِي الْمَرْأَةِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَتْ مُرَاهِقَةً لَمْ تَحِضْ بَعْدُ لِمَا فِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ الْمُرَاهِقَةِ إنْ حِضْت فَأَنْت طَالِقٌ فَقَالَتْ حِضْت أَوْ قَالَ لِغُلَامِهِ الْمُرَاهِقِ إنْ احْتَلَمْت فَأَنْت حُرٌّ فَقَالَ احْتَلَمْت تُصَدَّقُ الْمَرْأَةُ، وَلَا يُصَدَّقُ الْغُلَامُ فِي رِوَايَةِ هِشَامٍ لِأَنَّ الْغُلَامَ يُنْظَرُ إلَيْهِ كَيْفَ يَخْرُجُ مِنْهُ الْمَنِيُّ، وَلَا يُسْتَطَاعُ ذَلِكَ فِي الْحَيْضِ لِأَنَّهَا تُدْخِلُ الدَّمَ فِي الْفَرْجِ فَلَا يُعْلَمُ مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا، وَفِي رِوَايَةٍ يُصَدَّقُ الْغُلَامُ أَيْضًا، وَهِيَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ الِاحْتِلَامَ لَا يَعْرِفُهُ غَيْرُهُ كَالْحَيْضِ، وَلِذَلِكَ إذَا قَالَ احْتَلَمْت فِي حَالِ إشْكَالِ أَمْرِهِ يُصَدَّقُ فِيمَا لَهُ، وَفِيمَا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ بِخَبَرٍ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ فَيُصَدَّقُ كَالْجَارِيَةِ. اهـ.
وَلَمْ أَرَ صَرِيحًا أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا قُبِلَ قَوْلُهَا فِي حَقِّهَا فِي الْحَيْضِ وَالْمَحَبَّةِ فَهَلْ يَكُونُ بِيَمِينِهَا أَوْ بِلَا يَمِينٍ، وَوَقَعَ فِي الْوِقَايَةِ أَنَّهُ قَالَ صُدِّقَتْ فِي حَقِّهَا خَاصَّةً، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَمِينَ عَلَيْهَا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ إنَّ الطَّلَاقَ مُعَلَّقٌ بِإِخْبَارِهَا، وَقَدْ وُجِدَ.
وَلَا فَائِدَةَ فِي التَّحْلِيفِ لِأَنَّهُ وَقَعَ بِقَوْلِهَا، وَالتَّحْلِيفُ لِرَجَاءِ النُّكُولِ، وَهِيَ لَوْ أَخْبَرَتْ ثُمَّ قَالَتْ كُنْت كَاذِبَةً لَا يَرْتَفِعُ الطَّلَاقُ لِتَنَاقُضِهَا كَمَا سَيَأْتِي نَقْلُهُ عَنْ الْكَافِي قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

(قَوْلُهُ وَبِرُؤْيَةِ الدَّمِ لَا يَقَعُ فَإِنْ اسْتَمَرَّ ثَلَاثًا وَقَعَ مِنْ حِينِ رَأَتْ) يَعْنِي لَا يَقَعُ بِرُؤْيَتِهِ فِيمَا إذَا عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِحَيْضِهَا سَوَاءٌ كَانَ بَانَ أَوْ بَقِيَ أَوْ مَعَ نَحْوِ أَنْتِ طَالِقٌ فِي حَيْضِك أَوْ مَعَ حَيْضِك أَوْ إنْ حِضْت لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ كَوْنُهُ حَيْضًا حِينَئِذٍ فَإِذَا اسْتَمَرَّ حِينَئِذٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا وَقَعَ الطَّلَاقُ مِنْ حِينِ رَأَتْ الدَّمَ لِأَنَّهُ بِالِامْتِدَادِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ حَيْضٌ مِنْ الِابْتِدَاءِ فَيَجِبُ عَلَى الْمُفْتِي أَنْ يُعَيِّنَهُ فَيَقُولُ طَلَقَتْ مِنْ حِينِ رَأَتْ الدَّمَ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ الِاسْتِنَادِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ التَّبْيِينِ، وَلِذَا قَالَ مِنْ حِينِ رَأَتْ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ إنَّهُ تَبَيَّنَ بِالِانْتِهَاءِ أَنَّهُ حَيْضٌ مِنْ الِابْتِدَاءِ.
وَأَظْهَرُ مِنْهُ مَا فِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ لَهَا عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ حِضْت فَقَالَتْ رَأَيْت الدَّمَ، وَصَدَّقَهَا الزَّوْجُ لَا يَحْكُمُ بِعِتْقِهِ حَتَّى يَسْتَمِرَّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَيَحْكُمَ بِعِتْقِهِ مِنْ حِينِ رَأَتْ لِأَنَّ الدَّمَ لَا يَكُونُ حَيْضًا حَتَّى يَسْتَمِرَّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَالظَّاهِرُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ الِاسْتِمْرَارُ، وَلَكِنَّ الظَّاهِرَ يَكْفِي لِلدَّفْعِ فَيَدْفَعُ بِهِ الْعَبْدُ اسْتِخْدَامَ الْمَوْلَى عَنْ نَفْسِهِ، وَلَا يَكْفِي لِلِاسْتِحْقَاقِ فَإِذَا اسْتَمَرَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ حَيْضًا فَيَعْتِقُ مِنْ حِينِ رَأَتْ الدَّمَ حَتَّى لَوْ جَنَى أَوْ جُنِيَ عَلَيْهِ كَانَ أَرْشُهُ أَرْشَ الْأَحْرَارِ لِأَنَّهُ يَظْهَرُ عِتْقُهُ، وَلَا يَسْتَنِدُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ إنْ كَانَ فُلَانٌ فِي الدَّارِ فَأَنْت حُرٌّ فَظَهَرَ ذَلِكَ فِي آخِرِ النَّهَارِ يَظْهَرُ عِتْقُهُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَنْتَ حُرٌّ قَبْلَ مَوْتَى بِشَهْرٍ فَمَاتَ بَعْدَهُ بِشَهْرٍ، وَقَدْ جَنَى الْعَبْدُ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْعَبِيدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ ثَمَّةَ الْعِتْقُ يَثْبُتُ مُسْتَنِدًا، وَالِاسْتِنَادُ لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْفَائِتِ، وَالْمُتَلَاشِي فَإِنْ قَالَ الزَّوْجُ انْقَطَعَ الدَّمُ فِي الثَّلَاثَةِ، وَأَنْكَرَتْ الْمَرْأَةُ وَالْعَبْدُ فَالْقَوْلُ لَهُمَا لِأَنَّ الزَّوْجَ أَقَرَّ بِوُجُودِ شَرْطِ الْعِتْقِ ظَاهِرًا لِأَنَّ رُؤْيَةَ الدَّمِ فِي وَقْتِهِ يَكُونُ حَيْضًا، وَلِهَذَا تُؤْمَرُ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ ثُمَّ ادَّعَى عَارِضًا يَخْرُجُ الْمَرْئِيُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا فَلَا يُصَدَّقُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ تَكُنْ أُمُّك تَهْوَى ذَلِكَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ فَقَدْ عُلِمَ مِنْ هَذِهِ الْفُرُوعِ أَنَّهُ إنْ عَلَّقَ بِفِعْلِ الْغَيْرِ لَا يُصَدَّقُ ذَلِكَ الْغَيْرُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْهُ أَمْ لَا، وَلَا بُدَّ مِنْ تَصْدِيقِ الزَّوْجِ فَهُمَا أَوْ الْبَيِّنَةُ فِيمَا يَثْبُتُ بِهَا مِنْ الْأَمْرِ الَّذِي يُعْلَمُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَمِينَ عَلَيْهَا) أَقَرَّهُ عَلَيْهِ فِي النَّهْرِ، وَهَذَا فِي الْقَضَاءِ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا فِي الدِّيَانَةِ فَيَنْبَغِي التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْحَيْضِ وَالْمَحَبَّةِ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الطَّلَاقِ بِإِخْبَارِهَا إنَّمَا هُوَ فِي الْمَحَبَّةِ أَمَّا فِي الْحَيْضِ فَلَا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ كَاذِبَةً فِي الْإِخْبَارِ تَطْلُقُ فِي التَّعْلِيقِ بِالْمَحَبَّةِ، وَفِي التَّعْلِيقُ بِالْحَيْضِ لَا تَطْلُقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إلَى آخِرِ مَا مَرَّ فَتَدَبَّرْ، وَفِي حَوَاشِي مِسْكِينٍ نَقَلَ الْحَمَوِيُّ عَنْ رَمْزِ الْمَقْدِسِيَّ أَنَّ عَلَيْهَا الْيَمِينَ بِالْإِجْمَاعِ إذَا لَيْسَ هَذَا مِنْ الْمَوَاضِعِ الْمُسْتَثْنَاةِ مِنْ قَوْلِهِمْ كُلٌّ مِنْ قَبْلِ قَوْلِهِ فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ. اهـ.
قُلْت، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ كَيْفَ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَهَا أَمِينَةً فِيمَا تُخْبِرُ بِهِ عَنْ الْحَيْضِ، وَالطُّهْرِ، وَإِنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ شَرْعًا فِي حَقِّهَا الْإِخْبَارُ بِهِ، وَكَذَا مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهَا لَوْ أَخْبَرَتْ ثُمَّ رَجَعَتْ لَا يَرْتَفِعُ الطَّلَاقُ فَإِنَّ هَذَا كَالصَّرِيحِ فِيمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ نَعَمْ يُقَيَّدُ فِي الْحَيْضِ بِالْقَضَاءِ لَا الدِّيَانَةِ لِمَا عَلِمْت تَأَمَّلْ

الصفحة 30