كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (اسم الجزء: 4)

إلَى سَنَتَيْنِ فَوَقَعَ الشَّكُّ فِي الْمَوْقِعِ فَلَا يَقَعُ بِالشَّكِّ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ لَمْ تَكُونِي حَامِلًا فَأَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ بِيَوْمٍ مِنْ وَقْتِ الْيَمِينِ لَا تَطْلُقُ فِي الْحُكْمِ، وَإِنْ جَاءَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ بِيَوْمٍ طَلَقَتْ فَإِنْ حَاضَتْ بَعْدَ الْيَمِينِ لَا يَقْرَبُهَا لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا تَكُونَ حَامِلًا، وَكَذَا إذَا لَمْ تَحِضْ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقْرَبَهَا حَتَّى تَضَعَ. اهـ. .

(قَوْلُهُ وَالْمِلْكُ يُشْتَرَطُ لِآخِرِ الشَّرْطَيْنِ) لِأَنَّ صِحَّةَ الْكَلَامِ بِأَهْلِيَّةِ الْمُتَكَلِّمِ إلَّا أَنَّ الْمِلْكَ يُشْتَرَطُ حَالَةَ التَّعْلِيقِ لِيَصِيرَ الْجَزَاءُ غَالِبَ الْوُجُودِ لِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ فَتَصِحُّ الْيَمِينُ، وَعِنْدَ تَمَامِ الشَّرْطِ لِيَنْزِلَ الْجَزَاءُ لِأَنَّهُ لَا يَنْزِلُ إلَّا فِي الْمِلْكِ، وَفِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ الْحَالِ حَالُ بَقَاءِ الْيَمِينِ فَيُسْتَغْنَى عَنْ قِيَامِ الْمِلْكِ إذْ بَقَاؤُهُ بِمَحَلِّهِ، وَهُوَ الذِّمَّةُ فَالْمُرَادُ مِنْ اشْتِرَاطِهِ لِآخِرِهِمَا بَيَانُ عَدَمِ اشْتِرَاطِهِ لِأَوَّلِهِمَا فَلَا يُنَافِي اشْتِرَاطَهُ وَقْتَ التَّعْلِيقِ، وَأَيْضًا عُلِمَ الِاشْتِرَاطُ وَقْتَ التَّعْلِيقِ مِنْ قَوْلِهِ أَوَّلَ الْبَابِ فَلَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ زُرْت فَأَنْت طَالِقٌ لَمْ يَصِحَّ لَكِنْ فِي الْقُنْيَةِ قُبَيْلَ النَّفَقَاتِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُلْتَقِطِ قَالَ حَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ إنْ فَعَلْت كَذَا، وَلَيْسَ لَهُ امْرَأَةٌ فَتَزَوَّجَ ثُمَّ فَعَلَ ذَلِكَ الْفِعْلَ لَا تَطْلُقُ، حَجّ طَلَقَتْ. اهـ.
وَيَنْبَغِي الِاعْتِمَادُ عَلَى الْأَوَّلِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَأَرَادَ مِنْ الشَّرْطَيْنِ أَمْرَيْنِ يَتَعَلَّقُ الطَّلَاقُ بِهِمَا، وَلَا يَقَعُ بِأَحَدِهِمَا سَوَاءٌ كَانَا شَرْطَيْنِ حَقِيقَةً بِتَعَدُّدِ أَدَاةِ الشَّرْطِ أَوْ لَا أَمَّا الْأَوَّلُ فَبِأَنْ عَطَفَ شَرْطًا عَلَى آخَرَ، وَأَخَّرَ الْجَزَاءَ نَحْو إذَا قَدَمَ فُلَانٌ، وَإِذَا قَدَمَ فُلَانٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ حَتَّى يَقْدَمَا لِأَنَّهُ عَطَفَ شَرْطًا مَحْضًا عَلَى شَرْطٍ لَا حُكْمَ لَهُ ثُمَّ ذَكَرَ الْجَزَاءَ فَيَتَعَلَّقُ بِهِمَا فَصَارَا شَرْطًا وَاحِدًا فَلَا يَقَعُ إلَّا بِوُجُودِهِمَا فَإِنْ نَوَى الْوُقُوعَ بِأَحَدِهِمَا صَحَّتْ نِيَّةُ تَقْدِيمِ الْجَزَاءِ عَلَى أَحَدِهِمَا، وَفِيهِ تَغْلِيظٌ أَوْ بِأَنْ كَرَّرَ أَدَاةَ الشَّرْطِ بِغَيْرِ عَطْفٍ كَقَوْلِهِ إنْ أَكَلْت أَوْ لَبِسْت فَأَنْت طَالِقٌ فَإِنَّهَا لَا تَطْلُقُ مَا لَمْ تَلْبَسْ ثُمَّ تَأْكُلْ فَيُقَدَّمُ الْمُؤَخَّرُ.
وَكَذَا لَوْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَهِيَ طَالِقٌ يُقَدَّمُ الْمُؤَخَّرُ فَيَصِيرُ التَّقْدِيرُ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَكُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ، وَاسْتَغْنَى عَنْ الْفَاءِ بِتَقْدِيرِ الْجَزَاءِ فَالْكَلَامُ شَرْطُ الِانْعِقَادِ، وَالتَّزَوُّجُ شَرْطُ الِانْحِلَالِ، وَأَصْلُهُ قَوْله تَعَالَى {وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ} [هود: 34] فَالْمَعْنَى إنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ فَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إنْ أَرَدْت أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ، وَوَجْهُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الشَّرْطَانِ شَرْطًا وَاحِدًا لِنُزُولِ الْجَزَاءِ لِعَدَمِ الْعَطْفِ، وَإِنْ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، وَأَقَرَّ كُلَّ شَرْطٍ فِي مَوْضِعِهِ، وَهُوَ رَأْيُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّقْدِيرِ إلَّا بِدَلِيلٍ، وَالْكَلَامُ فِي مُوجِبِ اللَّفْظِ، وَلَا الشَّرْطُ الثَّانِي مَعَ مَا بَعْدَهُ هُوَ الْجَزَاءُ لِلْأَوَّلِ لِعَدَمِ الْفَاءِ الرَّابِطَةِ، وَنِيَّةُ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ أَحَقُّ مِنْ إضْمَارِ الْحَرْفِ لِأَنَّهُ تَصْحِيحٌ لِلْمَنْطُوقِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ شَيْءٍ آخَرَ فَكَانَ قَوْلُهُ إنْ أَكَلْت مُقَدَّمًا مِنْ تَأْخِيرٍ لِأَنَّهُ فِي حَيِّزِ الْجَوَابِ الْمُتَأَخِّرِ، وَالتَّقْدِيرُ إنْ لَبِسْت فَإِنْ أَكَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ لُزُومِ التَّنْجِيزِ فِي مِثْلِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ أَنْتِ طَالِقٌ، وَعَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مِنْ لُزُومِ إضْمَارِ الْفَاءِ يَجِبُ أَنْ لَا يُعْكَسَ التَّرْتِيبَ.
وَفِي التَّجْرِيدِ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الْمِلْكِ عِنْدَ الشَّرْطِ الْأَوَّلِ فَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا ثُمَّ دَخَلَتْ الدَّارَ، وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ كَلَّمَتْ فُلَانًا، وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ طَلَقَتْ. اهـ.
وَهُوَ عَلَى الظَّاهِرِ مِنْ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فَكَانَ الْمُتَقَدِّمُ شَرْطَ الِانْحِلَالِ فَيُعْتَبَرُ الْمِلْكُ عِنْدَهُ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ إنْ أَعْطَيْتُك إنْ وَعَدْتُك إنْ سَأَلْتِينِي فَأَنْت طَالِقٌ لَا تَطْلُقُ حَتَّى تَسْأَلَهُ أَوَّلًا ثُمَّ يَعِدَهَا ثُمَّ يُعْطِيَهَا لِأَنَّهُ شَرَطَ فِي الْعَطِيَّةِ الْوَعْدَ، وَفِي الْوَعْدِ السُّؤَالَ فَكَأَنَّهُ قَالَ إنْ سَأَلْتِينِي إنْ وَعَدْتُك إنْ أَعْطَيْتُك كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الشَّرْطُ الثَّانِي مُتَرَتِّبًا عَلَى الْأَوَّلِ عَادَةً فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ كَانَ كُلُّ شَرْطٍ فِي مَوْضِعِهِ نَحْوُ إنْ أَكَلْت إنْ شَرِبْت فَأَنْتِ كَذَا كَانَ الْأَكْلُ مُقَدَّمًا وَالشُّرْبُ مُؤَخَّرًا حَتَّى إذَا شَرِبَ ثُمَّ أَكَلَ لَمْ يَعْتِقْ
ـــــــــــــــــــــــــــــQفَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَطَأَهَا إلَّا بِاسْتِبْرَاءٍ لِتَصَوُّرِ حُدُوثِ الْحَبَلِ.

(قَوْلُهُ فَلَا يُنَافِي اشْتِرَاطُهُ وَقْتَ التَّعْلِيقِ) أَيْ فِي صُورَةِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُضَافًا إلَى الْمِلْكِ (قَوْلُهُ وَلَا الشَّرْطُ الثَّانِي) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الشَّرْطَانِ شَرْطًا وَاحِدًا

الصفحة 34