كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (اسم الجزء: 4)

وَإِنْ أَكَلَ ثُمَّ شَرِبَ عَتَقَ، وَلَوْ قَالَ إنْ شَرِبْت إنْ أَكَلْت يُؤَخَّرُ الشَّرْطُ الْأَوَّلُ، وَلَوْ قَالَ إنْ دَعَوْتنِي إنْ أَجَبْتُك يُقِرُّ كُلُّ شَرْطٍ فِي مَوْضِعِهِ، وَلَوْ قَالَ إنْ أَجَبْتُك إنْ دَعَوْتنِي تُؤَخَّرُ الْإِجَابَةُ، وَلَوْ قَالَ إنْ لَبِسْت طَيْلَسَانًا إنْ أَتَيْتنِي يَقِرُّ كُلٌّ فِي مَوْضِعِهِ، وَلَوْ قَالَ إنْ أَتَيْتنِي إنْ لَبِسْت طَيْلَسَانًا يُؤَخَّرُ الْإِتْيَانُ، وَلَوْ قَالَ إنْ رَكِبْت الدَّابَّةَ إنْ أَتَيْتنِي يَقِرُّ كُلٌّ فِي مَوْضِعِهِ بِخِلَافِ إنْ أَتَيْتنِي إنْ رَكِبْت الدَّابَّةَ لِأَنَّهُمَا مَتَى كَانَا مُرَتَّبَيْنِ عُرْفًا أُضْمِرَتْ كَلِمَةُ ثُمَّ، وَإِذَا لَمْ يَكُونَا مُرَتَّبَيْنِ عُرْفًا لَمْ يَثْبُتْ الْعَطْفُ بَيْنَهُمَا لَا عُرْفًا وَلَا ذِكْرًا فَمَتَى أَقَرَّ كُلَّ شَرْطٍ فِي مَوْضِعِهِ لَا يَتَّصِلُ الْجَزَاءُ بِأَحَدِ الشَّرْطَيْنِ اهـ. كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَفِي الْفَارِسِيَّةِ الْمُقَدَّمُ مُقَدَّمٌ، وَالْمُؤَخَّرُ مُؤَخَّرٌ، وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّ قَوْلَهُ {وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ} [هود: 34] شَرْطٌ وَدَلِيلُ جَوَابٍ، وَالْجُمْلَةُ دَلِيلُ جَوَابٍ قَوْله تَعَالَى {إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ} [هود: 34] تَقْدِيرُ الْكَلَامِ إنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ فَإِنْ أَرَدْت أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ لَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي. اهـ.
وَجَعَلَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ قَوْله تَعَالَى {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا} [الأحزاب: 50] قَالَ فَالْمَعْنَى إنْ أَرَادَ أَنْ يَنْكِحَ مُؤْمِنَةً وَهَبَتْ نَفْسَهَا فَقَدْ أَحْلَلْنَاهَا اهـ.
وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ قَوْله تَعَالَى {إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ} [الأحزاب: 50] شَرْطٌ لِلشَّرْطِ الْأَوَّلِ فِي اسْتِيجَابِ الْحِلِّ فَإِنَّ وَهَبْتَهَا نَفْسَهَا مِنْهُ لَا تُوجِبُ لَهُ حِلًّا إلَّا بِإِرَادَتِهِ نِكَاحَهَا فَإِنَّهَا جَارِيَةٌ مَجْرَى الْقَبُولِ اهـ فَلَمْ تَكُنْ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ، وَفِي الْمِعْرَاجِ أَنَّهَا مُحْتَمِلَةٌ لِلْأَمْرَيْنِ فَإِنَّ إرَادَةَ النَّبِيِّ مُتَأَخِّرَةٌ فَإِنَّهَا كَالْقَبُولِ، وَيَحْتَمِلُ تَقَدُّمُ إرَادَةِ النَّبِيِّ فَإِذَا فَهِمْت ذَلِكَ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لَهُ اهـ.
وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا إذَا أَخَّرَ الْجَزَاءَ عَنْ الشَّرْطَيْنِ، وَالثَّانِي إذَا قَدَّمَهُ، وَالثَّالِثُ إذَا وَسَّطَهُ أَمَّا الْأَوَّلُ، وَالثَّانِي فَعَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَيُقِرُّ كُلَّ شَرْطٍ فِي مَوْضِعِهِ، وَلَا يَكُونُ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمُعْتَرِضَةِ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ لِأَنَّهُ تَخَلَّلَ الْجَزَاءُ بَيْنَ الشَّرْطَيْنِ بِحَرْفِ الْوَصْلِ، وَهُوَ الْفَاءُ فَيَكُونُ الْأَوَّلُ شَرْطًا لِانْعِقَادِ الْيَمِينِ، وَالثَّانِي شَرْطُ الْحِنْثِ. اهـ.
وَكَذَا فِي الْبَدَائِعِ فِي مَسْأَلَةِ تَوَسُّطِ الْجَزَاءِ فَقَالَ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إذَا دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا يُشْتَرَطُ قِيَامُ الْمِلْكِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ الدُّخُولُ لِأَنَّهُ جَعَلَ الدُّخُولَ شَرْطَ انْعِقَادِ الْيَمِينِ كَأَنَّهُ قَالَ عِنْدَ الدُّخُولِ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَالْيَمِينُ لَا تَنْعَقِدُ إلَّا فِي الْمِلْكِ، وَمُضَافَةً إلَى الْمِلْكِ فَإِنْ كَانَتْ فِي مِلْكِهِ عِنْدَ دُخُولِ الدَّارِ صَحَّتْ الْيَمِينُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْكَلَامِ فَإِذَا كَلَّمْت يَقَعُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي مِلْكِهِ عِنْدَ الدُّخُولِ بِأَنْ طَلَّقَهَا، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ دَخَلَتْ لَمْ يَصِحَّ التَّعْلِيقُ، وَإِنْ كَلَّمَتْ، وَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ ثُمَّ دَخَلَتْ فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ كَلَّمَتْ فِيهَا طَلَقَتْ اهـ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْجَزَاءَ إذَا كَانَ مُتَوَسِّطًا فَلَا بُدَّ مِنْ الْمِلْكِ عِنْدَ الشَّرْطَيْنِ، وَأَنَّ كُلَّ شَرْطٍ يَقِرُّ فِي مَوْضِعِهِ فَلَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ دَاخِلَةً تَحْتَ قَوْلِهِ وَالْمِلْكُ يُشْتَرَطُ لِآخِرِ الشَّرْطَيْنِ إلَّا بِاعْتِبَارِ أَنَّ الشَّرْطَ الْأَوَّلَ هُوَ شَرْطُ الِانْعِقَادِ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْمِلْكَ لَا بُدَّ مِنْهُ وَقْتَ التَّعْلِيقِ فَحِينَئِذٍ لَيْسَ مُعَلَّقًا إلَّا بِشَرْطٍ وَاحِدٍ فَجَعَلَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ قِسْمِ تَقْدِيمِ الْمُؤَخَّرِ مِنْهُمَا مِنْ كَلَامِ التَّجْرِيدِ، وَهُمْ لِمَا عَلِمْت أَنَّ كُلَّ شَرْطٍ فِي مَوْضِعِهِ.
وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الشَّرْطُ الثَّانِي غَيْرَ الْأَوَّلِ فَإِنْ كَانَ عَيْنَهُ فَقَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَعَبْدِي حُرٌّ، وَهُمَا وَاحِدٌ فَالْقِيَاسُ عَدَمُ الْحِنْثِ حَتَّى تَدْخُلَ دَخْلَتَيْنِ فِيهَا، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَحْنَثُ بِدُخُولِ وَاحِدٍ، وَيُجْعَلُ الْبَاقِي تَكْرَارًا، وَإِعَادَةً، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَوْ جَعَلَ الثَّانِيَ تَكْرَارًا لَزِمَ ثُبُوتُ الْحُرِّيَّةِ حَالًا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ، وَيَصِيرُ الثَّانِي فَاصِلًا كَمَا فِي أَنْتَ حُرٌّ، وَحُرٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَيُجَابُ بِأَنْ يُجْعَلَ الثَّانِي تَكْرَارًا مَعْنًى لَا لَفْظًا لِأَنَّ الثَّانِيَ عَطْفٌ عَلَى الْأَوَّلِ، وَلَا يُعْطَفُ الشَّيْءُ عَلَى نَفْسِهِ، وَالْعِبْرَةُ فِي الْبَابِ لِلَّفْظِ فَإِذَا انْتَفَى التَّكْرَارُ لَفْظًا كَانَ الثَّانِي حَشْوًا فَصَارَ فَاصِلًا، وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ الثَّانِي غَيْرُ مَعْطُوفٍ عَلَى الْأَوَّلِ فَأَمْكَنَ جَعْلُ الثَّانِي تَكْرَارًا فَكَانَ وَاحِدًا مَعْنًى فَلَا يُفْصَلُ، وَنَظِيرُهُ حُرٌّ حُرٌّ إنْ شَاءَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الصفحة 35