كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (اسم الجزء: 4)

اللَّهُ تَعَالَى. اهـ.
وَقَدَّمْنَا عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْتُك، وَإِنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْت طَالِقٌ لَمْ يَقَعْ حَتَّى يَتَزَوَّجَهَا مَرَّتَيْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَدَّمَ الْجَزَاءَ أَوْ وَسَّطَهُ اهـ فَعَلَى هَذَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ بِالْوَاوِ، وَبِدُونِهِ فِيمَا إذَا أَخَّرَ الْجَزَاءَ، وَكَانَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ فَلْيُحْفَظْ، وَذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ ثُمَّ قَالَ وَلَوْ قَالَ إذَا دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ إذَا دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ لَا تَطْلُقُ مَا لَمْ تَدْخُلْ مَرَّتَيْنِ، وَلَا تَطْلُقُ مَا لَمْ يَتَزَوَّجْ مَرَّتَيْنِ اهـ.
فَعَلَى هَذَا إذَا كَانَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ بِلَا عَطْفٍ فَإِنْ تَأَخَّرَ الْجَزَاءُ عَنْهُمَا فَالشَّرْطُ أَحَدُهُمَا.
وَإِنْ تَوَسَّطَ فَلَا بُدَّ مِنْ الْفِعْلِ مَرَّتَيْنِ، وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِ الْأَمْرَيْنِ تَعَلَّقَ الطَّلَاقُ بِهِمَا لِأَنَّهُ لَوْ قَدَّمَ الْجَزَاءَ، وَأَخَّرَ الشَّرْطَ ثُمَّ ذَكَرَ شَرْطًا آخَرَ بِعِطْفٍ فَإِنَّ الطَّلَاقَ فِيهِ مُعَلَّقٌ بِأَحَدِهِمَا نَحْوُ أَنْت طَالِقٌ إذَا قَدَمَ فُلَانٌ، وَإِذَا قَدَمَ فُلَانٌ أَوْ ذُكِرَ بِكَلِمَةِ إنْ أَوْ مَتَى فَأَيُّهُمَا قَدَمَ أَوَّلًا يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَلَا يَنْتَظِرُ قُدُومَ الْآخَرِ، وَلَوْ قَدَمَا مَعًا لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةٌ، وَلَا بُدَّ مِنْ الْمِلْكِ عِنْدَ أَيِّهِمَا وُجِدَ، وَكَذَا لَوْ وَسَّطَ الْجَزَاءَ مَعَ الْعَطْفِ نَحْوُ إنْ قَدَمَ فُلَانٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَإِذَا قَدَمَ فُلَانٌ فَأَيُّهُمَا سَبَقَ وَقَعَ ثُمَّ لَا يَقَعُ عِنْدَ الشَّرْطِ الثَّانِي شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَنْ يَقَعَ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ تَطْلِيقَةٌ فَتَقَعُ أُخْرَى عِنْدَ الثَّانِي، وَأَمَّا الثَّانِي أَعْنِي مَا لَيْسَا شَرْطَيْنِ حَقِيقَةً، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ فِعْلًا مُتَعَلِّقًا بِشَيْئَيْنِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِهِمَا نَحْوُ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ، وَهَذِهِ أَوْ إنْ كَلَّمْت أَبَا عَمْرٍو، وَأَبَا يُوسُفَ فَكَذَا فَإِنَّهُمَا شَرْطٌ وَاحِدٌ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْوُقُوعَ بِأَحَدِهِمَا فَاشْتُرِطَ لِلْوُقُوعِ قِيَامُ الْمِلْكِ عِنْدَ آخِرِهِمَا، وَكَذَا إذَا كَانَ فِعْلًا قَائِمًا بِاثْنَيْنِ مِنْ حَيْثُ هُوَ قَائِمٌ بِهِمَا نَحْوُ إذَا جَاءَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو فَكَذَا فَإِنَّ الشَّرْطَ مَجِيئُهُمَا فَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَقَصْرُ الشَّارِح كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْقِسْمِ الثَّانِي مِمَّا لَا يَنْبَغِي، وَاعْتِرَاضُ الْكَمَالِ عَلَى الشَّارِحِ فِي جَعْلِهِ مَسْأَلَةَ الْكَلَامِ مِنْ تَعَدُّدِ الشَّرْطِ سَهْوٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا جَعَلَهُ مِنْ قَبِيلِ الشَّرْطِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى وَصْفَيْنِ، وَعَلَيْهِ حَمَلَ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ لَا مِنْ قَبِيلِ تَعَدُّدِ الشَّرْطِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا كَرَّرَ أَدَاةَ الشَّرْطِ مِنْ غَيْرِ عَطْفٍ فَإِنَّ الْوُقُوعَ يَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُودِهِمَا سَوَاءٌ قَدَّمَ الْجَزَاءَ عَلَيْهِمَا أَوْ أَخَّرَهُ عَنْهُمَا أَوْ وَسَّطَهُ لَكِنْ إنْ قَدَّمَهُ أَوْ أَخَّرَهُ فَالْمِلْكُ يُشْتَرَطُ عِنْدَ آخِرِهِمَا، وَهُوَ الْمَلْفُوظُ بِهِ أَوَّلًا عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، وَإِنْ وَسَّطَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْمِلْكِ عِنْدَهُمَا، وَإِنْ كَانَ بِالْعَطْفِ فَإِنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى أَحَدِهِمَا إنْ قَدَّمَ الْجَزَاءَ أَوْ وَسَّطَهُ، وَأَمَّا إذَا أَخَّرَهُ فَإِنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ لَمْ يُكَرِّرْ أَدَاةَ الشَّرْطِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ الشَّيْئَيْنِ قَدَّمَ الْجَزَاءَ عَلَيْهِمَا أَوْ أَخَّرَهُ عَنْهُمَا هَذَا مَا ظَهَرَ لِي مِنْ كَلَامِهِمْ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ إذَا قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَالطَّلَاقُ الْأَوَّلُ، وَالثَّانِي يَتَعَلَّقُ بِالشَّرْطِ الْأَوَّلِ، وَالثَّالِثُ بِالشَّرْطِ الثَّانِي حَتَّى لَوْ دَخَلَتْ طَلَقَتْ تَطْلِيقَتَيْنِ، وَلَوْ كَلَّمَهُ طَلَقَتْ وَاحِدَةً لَا أَنْ يَصِيرَ الشَّرْطُ الْأَوَّلُ شَرْطَ الِانْعِقَادِ فِي حَقِّ الْكُلِّ، وَالثَّانِي شَرْطَ الِانْحِلَالِ فِي حَقِّ الْكُلِّ لِأَنَّا لَوْ عَلَّقْنَا الْجَزَاءَ الثَّانِيَ بِالدُّخُولِ كَانَ الْجَزَاءُ مُؤَخَّرًا عَنْ الشَّرْطِ، وَلَوْ عَلَّقْنَاهُ بِالْكَلَامِ كَانَ الْجَزَاءُ مُقَدَّمًا عَلَى الشَّرْطِ، وَالْأَصْلُ فِي الشَّرْطِ هُوَ التَّقْدِيمُ فَمَهْمَا أَمْكَنَ حِفْظُهُ عَلَى الْأَصْلِ لَا يُغَيَّرُ.
وَلَوْ قَالَ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إنْ دَخَلَتْ الدَّارَ، وَعَبْدِي حُرٌّ، وَعَلَى الْمَشْيِ إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَالطَّلَاقُ عَلَى الدُّخُولِ وَالْعِتْقِ، وَالْمَشْيُ عَلَى الْكَلَامِ أَلْحَقَ الْجَزَاءَ الْمُتَوَسِّطَ بِالشَّرْطِ الْأَخِيرِ هُنَا بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ ثَمَّةَ الْكَلَامُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ عَطَفَ الِاسْمَ عَلَى الِاسْمِ فَصَارَ الْوَصْلُ أَصْلًا، وَإِنَّمَا يُقْطَعُ لِضَرُورَةٍ، وَلَا ضَرُورَةَ فِي حَقِّ الْمُتَخَلِّلِ أَمَّا هُنَا فَالْكَلَامُ مُنْقَطِعٌ لِأَنَّهُ عَطَفَ الِاسْمَ عَلَى الْفِعْلِ فَلَا يُلْحَقُ بِالْأَوَّلِ إلَّا لِضَرُورَةٍ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ إلْحَاقُهُ بِالثَّانِي انْتَهَى، وَتَمَامُ تَفْرِيعَاتِ الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ بِالتَّزَوُّجِ وَبِالْكَلَامِ مَذْكُورٌ فِي تَتِمَّةِ الْفَتَاوَى مِنْ فَصْلِ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالْمِلْكِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ الْأَيْمَانِ، وَالطَّلَاقُ الْمُضَافُ إلَى وَقْتَيْنِ يَنْزِلُ عِنْدَ أَوَّلِهِمَا، وَالْمُعَلَّقُ بِالْفِعْلَيْنِ عِنْدَ آخِرِهِمَا، وَالْمُضَافُ إلَى أَحَدِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِ الْأَمْرَيْنِ تَعَلَّقَ الطَّلَاقُ بِهِمَا) أَيْ حَيْثُ قَالَ فِي صَدْرِ الْمَقُولَةِ، وَأَرَادَ مِنْ الشَّرْطَيْنِ أَمْرَيْنِ يَتَعَلَّقُ إلَخْ (قَوْلُهُ وَاعْتِرَاضُ الْكَمَالِ عَلَى الشَّارِحِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ دَعْوَاهُ أَيْ الْمُؤَلِّفِ أَنَّ الشَّارِحَ لَمْ يَجْعَلْهُ مِنْ تَعَدُّدِ الشَّرْطِ كَمَا فَهِمَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ سَهْوٌ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ يَعْنِي إذَا كَانَ الشَّرْطُ ذَا وَصْفَيْنِ إلَخْ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ هَذَا مِنْ تَعَدُّدِ الشَّرْطَيْنِ، وَكَانَ الْعُذْرُ لِلشَّارِحِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ كُلُّ شَرْطَيْنِ لِمَا يَرِدُ عَلَيْهِ مَا إذَا، وَسَّطَ الْجَزَاءَ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يُشْتَرَطُ الْمِلْكُ لِأَوَّلِهِمَا بِخِلَافِ كُلِّ شَرْطٍ ذِي وَصْفَيْنِ فَإِنَّ اشْتِرَاطَ الْمِلْكِ لِآخِرِهِ صَحِيحٌ فَتَدَبَّرْ. اهـ.
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُؤَلِّفَ ذَكَرَ أَوَّلًا أَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّرْطَيْنِ أَمْرَانِ يَتَعَلَّقُ الطَّلَاقُ بِهِمَا، وَلَا يَقَعُ بِأَحَدِهِمَا سَوَاءٌ كَانَا شَرْطَيْنِ حَقِيقَةً أَوْ لَا فَقَدْ أَدْخَلَ بِهَذَا التَّعْمِيمِ مَسْأَلَةَ الْكَلَامِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَمَا فِي الشَّرْحُ مَبْنِيٌّ عَلَيْهِ فَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ لَا مِنْ قَبِيلِ تَعَدُّدِ الشَّرْطِ فِيهِ نَظَرٌ لِمُخَالَفَتِهِ لِمَا مَهَّدَهُ نَفْسِهِ، وَأَمَّا اعْتِرَاضُ الْكَمَالِ عَلَى الشَّارِحِ فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى اعْتِبَارِ حَقِيقَةِ الشَّرْطِ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ مُرَاجَعَةِ كَلَامِهِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ عَطَفَ الِاسْمَ عَلَى الْفِعْلِ) فِيهِ نَظَرٌ فَتَأَمَّلْ

الصفحة 36