كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (اسم الجزء: 4)

الْوَقْتَيْنِ كَقَوْلِهِ غَدًا أَوْ بَعْدَ غَدٍ يَنْزِلُ بَعْدَ غَدٍ، وَلَوْ عَلَّقَ بِأَحَدِ الْفِعْلَيْنِ يَنْزِلُ عِنْدَ أَوَّلِهِمَا، وَالْمُعَلَّقُ بِفِعْلٍ وَوَقْتٍ يَقَعُ بِأَيِّهِمَا سَبَقَ انْتَهَى، وَقَدَّمْنَاهُ فِي فَصْلِ إضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى الزَّمَانِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ قَالَ لَهَا إنْ دَخَلْت دَارَ فُلَانٍ، وَفُلَانٌ يَدْخُلُ فِي دَارِك فَأَنْت طَالِقٌ فَدَخَلَتْ الْمَرْأَةُ دَارَ فُلَانٍ، وَفُلَانٌ لَمْ يَدْخُلْ دَارَهَا حَنِثَ فِي يَمِينِهِ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِالْيَمِينِ أَحَدُهُمَا دُونَ الْجَمْعِ انْتَهَى.

(قَوْلُهُ وَيَبْطُلُ تَنْجِيزُ الثَّلَاثِ تَعْلِيقُهُ) أَيْ تَعْلِيقُ الثَّلَاثِ عَلَى مَا يُشِيرُ إلَيْهِ أَكْثَرُ الْكُتُبِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَعُودَ إلَى الزَّوْجِ لِيَشْمَلَ مَا دُونَ الثَّلَاثِ كَذَا فِي شَرْحِ مِسْكِينٍ قُلْت الْأَوْلَى أَنْ يَعُودَ إلَى الطَّلَاقِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ حَتَّى لَوْ قَالَ لَهَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا أَوْ قَالَ وَاحِدَةً أَوْ قَالَ ثِنْتَيْنِ ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ ثُمَّ دَخَلَتْ لَمْ تَطْلُقْ لِأَنَّ الْجَزَاءَ طَلْقَاتُ هَذَا الْمِلْكِ لِأَنَّهَا هِيَ الْمَانِعُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ مَا يَحْدُثُ، وَالْيَمِينُ تُعْقَدُ لِلْمَنْعِ أَوْ الْحَمْلِ وَإِذَا كَانَ الْجَزَاءُ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَقَدْ فَاتَ بِتَنْجِيزِ الثَّلَاثِ الْمُبْطِلِ لِلْمَحَلِّيَّةِ فَلَا تَبْقَى الْيَمِينُ. قَيَّدَ بِالثَّلَاثِ لِأَنَّهُ لَوْ نَجَّزَ أَقَلَّ مِنْهَا لَا يَبْطُلُ التَّعْلِيقُ لِأَنَّ الْجَزَاءَ بَاقٍ لِبَقَاءِ مَحَلِّهِ فَلَوْ طَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ، وَقَدْ كَانَ عَلَّقَ الثَّلَاثَ ثُمَّ وُجِدَ الْمُعَلَّقُ طَلَقَتْ ثَلَاثًا اتِّفَاقًا أَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِوُقُوعِ الْمُعَلَّقِ كُلِّهِ لِأَنَّ الزَّوْجَ الثَّانِيَ هَدَمَ الْوَاقِعَ، وَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَلِوُقُوعِ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمُعَلَّقِ لِأَنَّ الثَّانِيَ لَا يُهْدَمُ عِنْدَهُ، وَلَوْ كَانَ الْمُعَلَّقُ طَلْقَةً، وَالْمُنَجَّزُ ثِنْتَيْنِ ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطُ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تُحَرَّمُ حُرْمَةً غَلِيظَةً بِالْمُنَجَّزِ، وَالْمُعَلَّقِ، وَعِنْدَهُمَا لَا تُحَرَّمُ إذْ يَمْلِكُ بَعْدَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ ثِنْتَيْنِ لِهَدْمِ الثَّانِي مَا نَجَّزَهُ الْأَوَّلُ، وَقَيَّدَ بِالطَّلَاقِ لِأَنَّ الْمِلْكَ إذَا زَالَ بَعْدَ تَعْلِيقِ الْعِتْقِ لَا يَبْطُلُ التَّعْلِيقُ كَمَا إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت حُرٌّ ثُمَّ بَاعَهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ ثُمَّ دَخَلَ عَتَقَ لِأَنَّ الْعَبْدَ بِصِفَةِ الرِّقِّ مَحَلٌّ لِلْعِتْقِ وَبِالْبَيْعِ لَمْ تُفْتِ تِلْكَ الصِّفَةُ حَتَّى لَوْ فَاتَتْ بِالْعِتْقِ بَطَلَتْ الْيَمِينُ حَتَّى لَوْ ارْتَدَّ، وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ سُبِيَ ثُمَّ مَلَكَهُ الْمَوْلَى، وَدَخَلَ الدَّارَ لَمْ يَعْتِقْ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَصَوَابُهُ حَتَّى لَوْ ارْتَدَّتْ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يُمْلَكُ بِالسَّبْيِ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي الْأَمَةِ، وَقَيَّدَ بِتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ لِأَنَّ تَنْجِيزَ الثَّلَاثِ لَا يُبْطِلُ الظِّهَارَ مُنَجَّزًا كَانَ أَوْ مُعَلَّقًا كَمَا إذَا قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ دَخَلَتْ بَعْدَمَا عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ كَانَ مُظَاهِرًا لِأَنَّ الظِّهَارَ تَحْرِيمُ الْفِعْلِ لَا تَحْرِيمُ الْحِلِّ الْأَصْلِيِّ لَكِنْ قِيَامُ النِّكَاحِ شَرْطٌ لَهُ فَلَا يُشْتَرَطُ بَقَاؤُهُ لِبَقَاءِ الْمَشْرُوطِ كَالشُّهُودِ فِي النِّكَاحِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ لِأَنَّهُ تَحْرِيمٌ لِلْحِلِّ الْأَصْلِيِّ.
وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَأَوْرَدَ بَعْضُ أَفَاضِلِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ لَا يَقَعَ إلَّا وَاحِدَةٌ كَقَوْلِ زُفَرَ لِقَوْلِهِمْ الْمُعَلَّقُ تَطْلِيقَاتٌ هَذَا الْمِلْكِ، وَالْفَرْضُ أَنَّ الْبَاقِيَ مِنْ هَذَا الْمِلْكِ لَيْسَ إلَّا وَاحِدَةٌ فَصَارَ كَمَا لَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثِنْتَيْنِ ثُمَّ قَالَ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا فَإِنَّمَا يَقَعُ وَاحِدَةٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ فِي مِلْكِهِ سِوَاهَا.
وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذِهِ مَشْرُوطَةٌ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمُعَلَّقَ طَلْقَاتُ هَذَا الْمِلْكِ الثَّلَاثُ مَا دَامَ مِلْكُهُ لَهَا فَإِذَا زَالَ بَقِيَ الْمُعَلَّقُ ثَلَاثًا مُطْلَقَةً كَمَا هُوَ اللَّفْظُ لَكِنْ بِشَرْطِ بَقَائِهَا مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ فَإِذَا نَجَّزَ ثِنْتَيْنِ زَالَ مِلْكُ الثَّلَاثِ فَبَقِيَ الْمُعَلَّقُ ثَلَاثًا مُطْلَقَةً مَا بَقِيَتْ مَحَلِّيَّتُهَا، وَأَمْكَنَ وُقُوعُهَا، وَهَذَا ثَابِتٌ فِي تَنْجِيزِهِ الثِّنْتَيْنِ فَيَقَعُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى، وَقَدَّمْنَا أَنَّ مِمَّا يُبْطِلُ التَّعْلِيقَ لَحَاقُهُ بِدَارِ الْحَرْبِ قَالَ فِي الْمَجْمَعِ فَلَحَاقُهُ مُرْتَدًّا مُبْطِلٌ لِتَعْلِيقِهِ أَيْ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَقَالَا لَا لِأَنَّ زَوَالَ الْمِلْكِ لَا يُبْطِلُهُ، وَلَهُ أَنَّ إبْقَاءَ تَعْلِيقِهِ بِاعْتِبَارِ قِيَامِ أَهْلِيَّتِهِ، وَبِالِارْتِدَادِ ارْتَفَعَتْ الْعِصْمَةُ فَلَمْ يَبْقَ تَعْلِيقُهُ لِفَوَاتِ الْأَهْلِيَّةِ فَإِذَا عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ لَمْ يَعُدْ بَعْدَ ذَلِكَ التَّعْلِيقِ الَّذِي حَكَمَ بِسُقُوطِهِ لِاسْتِحَالَةِ عَوْدِ السَّاقِطِ كَذَا فِي شَرْحِ الْمُصَنِّفِ، وَمِمَّا يُبْطِلُهُ فَوْتُ مَحَلِّ الشَّرْطِ كَفَوْتِ مَحَلِّ الْجَزَاءِ كَمَا إذَا قَالَ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَمَاتَ فُلَانٌ كَذَا فِي النِّهَايَةِ.
وَمِنْهُ مَا إذَا قَالَ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَجُعِلَتْ الدَّارُ بُسْتَانًا كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ مِمَّا يُبْطِلُهُ زَوَالُ إمْكَانِ الْبِرِّ، وَذَكَرْنَا فُرُوعًا عَلَيْهِ عِنْدَ شَرْحِ قَوْلِهِ، وَزَوَالُ الْمِلْكِ بَعْدَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ قُلْت الْأَوْلَى أَنْ يَعُودَ إلَى الطَّلَاقِ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَا يَخْفَى أَنَّ إضَافَةَ الْمَصْدَرِ إلَى فَاعِلِهِ هِيَ الْأَصْلُ (قَوْلُهُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَأَوْرَدَ إلَخْ) هَذَا وَارِدٌ عَلَى قَوْلِهِ فَلَوْ طَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ إلَخْ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ ذِكْرُهُ هُنَاكَ

الصفحة 37