كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (اسم الجزء: 4)

بِإِمْسَاكِ غَيْرِهِ فَمَهُ أَوْ كَانَ بِلِسَانِهِ ثِقَلٌ فَطَالَ فِي تَرَدُّدِهِ، وَالْفَاصِلُ اللَّغْوُ يُبْطِلُ الْمَشِيئَةَ فَلِذَا طَلَقَتْ ثَلَاثًا فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، وَثَلَاثًا إنْ شَاءَ اللَّهُ وَفِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَفِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَاحِدَةٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ كَقَوْلِهِ عَبْدُهُ حُرٌّ وَحُرٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ بِالْوَاوِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِدُونِهَا لِلتَّأْكِيدِ، وَبِخِلَافِ حُرٍّ وَعَتِيقٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ لِكَوْنِهِ تَفْسِيرًا، وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ بِغَيْرِ لَفْظِ الْأَوَّلِ، وَبِخِلَافِ طَالِقٌ وَاحِدَةً، وَثَلَاثًا إنْ شَاءَ اللَّهُ لِكَوْنِهِ أَفَادَ التَّكْمِيلَ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَفِي الْمُجْتَبَى مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ رَجْعِيًّا إنْ شَاءَ اللَّهُ يَقَعُ، وَلَوْ قَالَ بَائِنًا لَا يَقَعُ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَغْوٌ دُونَ الثَّانِي، وَفِي الْقُنْيَةِ بَعْدَهُ، وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا إنْ شَاءَ اللَّهُ يُسْأَلُ عَنْ نِيَّتِهِ فَإِنْ عَنَى الرَّجْعِيَّ لَا يَقَعُ، وَإِنْ عَنَى الْبَائِنَ يَقَعُ، وَلَا يَعْمَلُ الِاسْتِثْنَاءُ انْتَهَى، وَصَوَابُهُ إنْ عَنَى الرَّجْعِيَّ يَقَعُ لِعَدَمِ صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ لِلْفَاصِلِ، وَإِنْ عَنَى الْبَائِنَ لَمْ يَقَعْ لِصِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا يَا زَانِيَةُ إنْ شَاءَ اللَّهُ يَقَعُ، وَصُرِفَ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى الْوَصْفِ، وَكَذَا أَنْت طَالِقٌ يَا طَالِقُ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَكَذَا أَنْت طَالِقٌ يَا صَبِيَّةُ إنْ شَاءَ اللَّهُ يُصْرَفُ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى الْكُلِّ، وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ كَأَنَّهُ قَالَ يَا فُلَانَةُ، وَالْأَصْلُ عِنْدَهُ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي آخِرِ الْكَلَامِ إذَا كَانَ يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ أَوْ يَلْزَمُ بِهِ حَدٌّ كَقَوْلِهِ يَا طَالِقُ يَا زَانِيَةُ فَالِاسْتِثْنَاءُ عَلَى الْكُلِّ انْتَهَى، وَأَطْلَقَ فَشَمِلَ مَا إذَا أَتَى بِالْمَشِيئَةِ عَنْ قَصْدٍ أَوْ لَا فَلَا يَقَعُ فِيهِمَا، وَكَذَا إذَا كَانَ لَا يَعْلَمُ الْمَعْنَى فَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ اسْتَثْنَى مُتَّصِلًا، وَهُوَ لَا يَذْكُرُهُ قَالُوا إنْ كَانَ بِحَالٍ لَا يَدْرِي مَا يَجْرِي عَلَى لِسَانِهِ لِغَضَبٍ جَازَ لَهُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِمَا، وَإِلَّا لَا، وَشَمِلَ مَا إذَا ادَّعَى الِاسْتِثْنَاءَ وَأَنْكَرَتْهُ، وَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ وَكَذَا فِي دَعْوَى الشَّرْطِ، وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ طَلَّقَ أَوْ خَالَعَ بِلَا اسْتِثْنَاءٍ أَوْ شَهِدُوا بِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَثْنِ تُقْبَلُ، وَهَذَا مِمَّا تُقْبَلُ فِيهِ الْبَيِّنَةُ عَلَى النَّفْيِ لِأَنَّهُ فِي الْمَعْنَى أَمْرٌ وُجُودِيٌّ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ ضَمِّ الشَّفَتَيْنِ عَقِيبَ التَّكَلُّمِ بِالْمُوجِبِ، وَإِنْ قَالُوا أَطْلَقَ، وَلَمْ نَسْمَعْ مِنْهُ غَيْرَ كَلِمَةِ الْخُلْعِ، وَالزَّوْجُ يَدَّعِي الِاسْتِثْنَاءَ فَالْقَوْلُ لَهُ لِجَوَازِ أَنَّهُ قَالَهُ، وَلَمْ يَسْمَعُوهُ، وَالشَّرْطُ سَمَاعُهُ لَا سَمَاعُهُمْ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَفِي الصُّغْرَى إذَا ذَكَرَ الْبَدَلَ فِي الْخُلْعِ لَا تُسْمَعُ دَعْوَى الِاسْتِثْنَاءِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ الزَّوْجُ طَلَّقْتُك أَمْسِ، وَقُلْت إنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ وَصَوَابُهُ إنْ عَنَى الرَّجْعِيَّ يَقَعُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: بَلْ الصَّوَابُ مَا فِي الْقُنْيَةِ وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى كَلَامِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَحَدُ هَذَيْنِ وَبِهَذَا لَا يَكُونُ الرَّجْعِيُّ لَغْوًا وَإِنْ نَوَاهُ بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى الْبَائِنَ وَأَمَّا الْبَائِنُ فَلَيْسَ لَغْوًا عَلَى كُلِّ حَالٍ اهـ.
قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ، وَأَنَا أَقُولُ: الْحَقُّ مَا فِي الْبَحْرِ لِأَنَّهُ إذَا نَوَى الرَّجْعِيَّ فَجُمْلَةُ أَنْتِ طَالِقٌ تُفِيدُهُ فَكَأَنَّ قَوْلَهُ رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى أَحَدِ هَذَيْنِ لَغْوًا بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى الْبَائِنَ فَإِنَّ تِلْكَ الْجُمْلَةَ لَا تُفِيدُهُ فَلَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا لَغْوًا فَإِنْ قُلْت لَمَّا نَوَى الْبَائِنَ كَانَ قَوْلُهُ رَجْعِيًّا لَغْوًا إذْ كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ بَائِنًا.
قُلْت هُوَ تَرْكِيبٌ صَحِيحٌ لُغَةً وَشَرْعًا كَمَا فِي إحْدَى امْرَأَتَيَّ طَالِقٌ وَحَيْثُ كَانَ مَقْصُودُهُ الْبَائِنَ وَكَانَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ غَيْرَ مُفِيدٍ لِلْبَائِنِ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا وَيَنْوِيَ الْبَائِنَ وَبَيْنَ أَنْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ بَائِنًا. قَوْلُهُ كَقَوْلِهِ يَا طَالِقُ يَا زَانِيَةُ فَالِاسْتِثْنَاءُ عَلَى الْكُلِّ قَالَ الرَّمْلِيُّ هُنَا غَلَطٌ وَلَعَلَّهُ بَعْدَ قَوْلِهِ فَالِاسْتِثْنَاءُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ لَا يَجِبُ بِهِ حَدٌّ وَلَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ فَالِاسْتِثْنَاءُ عَلَى الْكُلِّ إلَخْ وَلَمْ أَجِدْ هَذَا فِي نُسَخِ الْبَحْرِ الَّتِي عِنْدِي، وَلَا فِي نُسَخِ الْبَزَّازِيَّةِ وَلَا بُدَّ مِنْهُ اهـ.
قُلْت وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ وَكَذَا أَنْتِ طَالِقٌ يَا صَبِيَّةُ صَوَابُهُ وَلَوْ قَالَ أَنْتِ إلَخْ وَيُوَضِّحُ الْأَمْرَ، عِبَارَةُ التَّتَارْخَانِيَّة وَنَصُّهَا وَفِي نَوَادِرِ بِشْرِ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا قَالَ لَهَا أَنْت طَالِقٌ يَا زَانِيَةُ ثَلَاثًا إنْ شَاءَ اللَّهُ فَالِاسْتِثْنَاءُ عَلَى الْآخَرِ وَهُوَ الْقَذْفُ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ لَهَا أَنْت طَالِقٌ يَا طَالِقُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ يَا خَبِيثَةُ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَالِاسْتِثْنَاءُ عَلَى الْكُلِّ وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ كَأَنَّهُ قَالَ يَا فُلَانَةُ وَذَكَرَ ثَمَّةَ أَصْلًا فَقَالَ الْمَذْكُورُ فِي آخِرِ الْكَلَامِ إذَا كَانَ يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ أَوْ يَجِبُ بِهِ حَدٌّ فَالِاسْتِثْنَاءُ عَلَيْهِ نَحْوَ قَوْلِهِ يَا زَانِيَةُ وَيَا طَالِقُ وَإِنْ كَانَ لَا يَجِبُ بِهِ حَدٌّ وَلَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ فَالِاسْتِثْنَاءُ عَلَى الْكُلِّ وَذَلِكَ نَحْوَ قَوْلِهِ يَا خَبِيثَةُ انْتَهَتْ.
وَاعْلَمْ أَنَّا كَتَبْنَا أَوَائِلَ فَصْلِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ عَنْ شَرْحِ التَّلْخِيصِ مَا مُلَخَّصُهُ أَنَّ قَوْلَهُ يَا زَانِيَةُ إنْ تَخَلَّلَ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ أَوْ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالِاسْتِثْنَاءِ لَمْ يَكُنْ قَذْفًا فِي الْأَصَحِّ وَإِنْ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ كَانَ قَذْفًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يُعَدُّ الْمُتَخَلِّلُ فَاصِلًا فَيَقَعُ الطَّلَاقُ لِلْحَالِ وَيَجِبُ اللِّعَانُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ يَتَعَلَّقُ الطَّلَاقُ وَيَجِبُ اللِّعَانُ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ يَا زَانِيَةُ وَإِنْ كَانَ جَزَاءً إلَّا أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ النَّفْيُ دُونَ التَّحْقِيقِ وَلِأَنَّهُ نِدَاءٌ لِلْإِعْلَامِ فَلَا يُفْصَلُ فَيَتَعَلَّقُ الطَّلَاقُ فَكَذَا الْقَذْفُ بِالْأَوْلَى لِقُرْبِهِ فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالتَّتَارْخَانِيَّةِ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَعِبَارَةُ مَتْنِ التَّلْخِيصِ قَدَّمَهَا الْمُؤَلِّفُ أَوَّلَ بَابِ التَّعْلِيقِ (قَوْلُهُ وَذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ خِلَافًا إلَى قَوْلِهِ انْتَهَى) قَالَ الرَّمْلِيُّ هُوَ بِجُمْلَتِهِ مَنْقُولُ الْخَانِيَّةِ عَنْ النَّوَادِرِ فَقَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ مِنْ كَلَامِ النَّوَادِرِ لَا مِنْ كَلَامِ الْخَانِيَّةِ اهـ.

الصفحة 40